[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
من الأرشيف

على أبواب عالم يحكمه المغامرون

في مناخ كالمناخ المضطرب والسائد الآن في عالم اليوم والذي يتطور نحو الأسوأ، لا عجب إذا نجح المجانين في الإمساك بزمام السلطة في أهم دول هذا العالم قوة وتقدماً، ومن وجد وقتاً لمتابعة تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد «دونالد ترامب» وأصغى إلى خطاباته المفككة الغاضبة والمرتجلة لن يتردد عن القول إنه من هناك يبدأ المجانين والمغامرون طريقهم إلى حكم الشعوب، والسيطرة على مشاعر الأغلبية من أبنائها الموصوفين بالدهماء، واستنهاض ما في أعماقهم الخفية من عنصرية نائمة وإحباطات دفينة.

 

وأعترف بأنني تابعت حفل التنصيب، وفي الوقت نفسه تابعت آراء بعض المحللين السياسيين من ذوي الخبرة بالشؤون الدولية والمشهود لهم بالنزاهة والحياد، وكانت آراؤهم مجمعة على وصف الرئيس الأمريكي الجديد بالمغامر، والمغامرة غير المحسوبة والقائمة على التحدي والانفعال الشخصي ضرب من الجنون والمقامرة بمستقبل أكبر دولة في عالم اليوم.

 

واللافت أن الرئيس ترامب وهو يلقي خطاب التنصيب، لم يكن يتكلم بفمه وحده، بل كان يتكلم بكل جسده، يتكلم بيديه، وبعينيه، وأنفه، ويتكلم بحاجبيه، ورأسه، ومن أوليات صفات الزعيم الناجح أن يحرص على أن يتحدث إلى أبناء شعبه، أو حتى إلى غيرهم من أبناء الشعوب الأخرى، بلغة هادئة، وقورة تصل إلى القلوب، وقد عرفت الولايات المتحدة، كما عرفت كثير من الشعوب، قادة يعرفون كيف يتخاطبون مع الجماهير، وكيف يستولون على المشاعر بما يبقى من آثار خطاباتهم التي لا تتلاشى بعد إنهاك الحنجرة وانتهاء المناسبة.

 

وكان البعض من العقلاء في الولايات المتحدة وفي العالم يعتقدون أن الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» سيتوقف عن هذياناته وبياناته المرتجلة التي رافقت حملته الانتخابية، وأنه قبل أن يلقي خطابه الرئاسي سيلتقي القيادات التي اختارها لمشاركته في مرحلة حكمه، وهو أحوج ما يكون إلى أن يستطلع آراء الخبراء المتخصصين في الشأنين الداخلي والخارجي، إلا أنه فاجأ الجميع بانتهاج الأسلوب الذي سار عليه في مرحلة الانتخابات، ولم يعط أدنى اعتبار لمنصب الرئاسة، ولا للمناسبة.

 

لقد أشار عدد من المعلّقين إلى أن ترامب يتابع بإخلاص نهج سلفه الجمهوري جورج بوش الابن. وأن نظرية الفوضى الخلاقة التي كانت عنواناً لمرحلة ذلك السلف الأحمق تحتل مكاناً بارزاً في أجندة الرئيس الجديد. ويتردد القول إنه يرغب أولاً في أن يفرض هذا المبدأ على شعب الولايات المتحدة، وهو يستخدم لذلك بعض الشعارات التي تم تصديرها في عهد جورج بوش إلى الخارج ووصلت ذروتها في عهد أوباما، ومن شعارات الفوضى التي رفعها ترامب شعار التحريض على النخبة السياسية الأمريكية، والدعوة إلى رحيل كل ما يمت بصلة إلى المراحل السابقة، ومناداة الشعب إلى استلام الحكم..إلخ، ويرى بعض المراقبين أن بوادر الفوضى بدأت بالظهور بعد أن وصل ترامب إلى البيت الأبيض، وسوف تزيد بعد أن يتربع على المكتب البيضاوي، وتمسك أصابعه بالحقيبة النووية، وما يثيره ذلك من حالات الرعب لدى كثير من القادة المدنيين والعسكريين في ربوع الدولة العظمى، وربما كانت الاحتجاجات المناهضة لترامب في كثير من الدول الأوروبية، وفي بريطانيا وألمانيا خاصة، ما هي إلا مقدمة للتعبير عن مشاعر الخوف والقلق من المصير المجهول الذي يجر الرئيس الأمريكي الجديد العالم إليه.

 

ولا أخفي أن جملة واحدة في خطاب التنصيب أثارت إعجابي، وهي أن الولايات المتحدة في عهده لن تتدخل في شؤون الآخرين. وحبذا لو كان صادقاً وقادراً على كف الدولة العظمى عن إيذاء الشعوب التي عانت الأمرّين من التدخل في شؤونها، وفي نهب ثرواتها وتدمير مقوماتها كما حدث -على سبيل المثال- في العراق، ذلك البلد العربي الذي أصبح كأنه لم يكن بعد أن كان ملء سمع العالم وبصره، فهل سينجح هذا الرئيس المغامر في رفع أذى دولته العظمى عن البشر والشعوب، إذا نجح في ذلك فيكون شعب الولايات المتحدة قد حقق انتصاراً عظيماً، وظفر بقائد استثنائي لطالما حلمت الأمة الأمريكية بالعثور على قائد في مواصفاته.

زر الذهاب إلى الأعلى