[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

المهاجرون العرب

تصاعدت في الأيام الأخيرة حمّى الحديث عن الهجرة والمهاجرين، بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وكانت ست دول عربية من بين سبع دول صدر على أبنائها حظر الدخول إلى الولايات المتحدة، لاعتبارات سياسية وأمنية، كما يشير القرار السياسي الأول من نوعه، وفي مستواه، يصدر عن الدولة العظمى التي كانت واحدة من أهم الدول المفتوحة للعرب الهاربين من ديارهم تحت وطأة الكثير من الأسباب، منها المعيشي الاقتصادي، وأهمها البحث عن فضاء فسيح للإبداع والبحث العلمي. وفي حين يتحدث الاقتصاديون العرب، والأجانب عن وفرة الإمكانات التي يتمتع بها الوطن العربي، لا يكف أبناؤه عن النزوح، تحت ثلاثة عوامل يحددها الاقتصاديون، وهي:

 

أولاً: الحاجة إلى توفير لقمة العيش، والبحث في القارة العذراء عن مستقبل شبه مضمون، بعد انسداد آفاق العمل في الوطن المتصف بالثراء، وتعدد الموارد الطبيعية، نتيجة فساد الخطط التنموية الخاطئة المحكومة بالفشل الذريع.

ثانياً: غياب الحرية، وحرية البحث العلمي خاصة، وتجاهل العلوم ودورها في نهضة الشعوب والارتقاء بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

ثالثاً: غياب التداول السلمي للسلطة، وما يترتب على ذلك الغياب عادة من صراعات سياسية، وإقصاءات ومطاردات تجعل من البقاء في الوطن أمراً مستحيلاً، وتجعل من الوطن جحيماً لا يطاق.

 

وتثبت حقائق الواقع المتلاحقة روتينياً، أن العوامل المشار إليها تزداد بمرور الأيام رسوخاً، وقد تبقى كذلك إلى أن تنشأ أنظمة وطنية غير منغلقة لا تقوم على الرأي الواحد. وإلى أن تنشأ -في الوقت ذاته- أحزاب وتنظيمات وطنية ولاؤها للوطن، ولا تبحث عن السلطة كهدف وغاية، كما هو حال أحزاب اليوم. وعندما يتم ذلك -وليس على الله بعزيز أن يتم- سيظل الوطن يضيق بأبنائه، وهم يضيقون به. وتكاد إفرازات الواقع تقول إن الوقت سيطول قبل أن يشعر هؤلاء وهؤلاء -أقصد الأنظمة والمعارضة- بأن الوطن مِلْكُ أبنائه، وهو يتسع لهم جميعاً، ولا يضيق برأي يهدف إلى المصلحة العامة، ولا يخرج عن مبادئ التعايش ويسعى إلى تهديد الكيان الوطني الواحد بالتشقق والانهيار.

وحين يتم ذلك، فإن نزيف الهجرة سيتوقف حتماً، وسيجد المواطن جاهلاً، كان أو عالماً، أن مكانه الطبيعي في وطنه، وعلى أرضه حيث يعيش مرفوع الرأس، بعيداً عن الخضوع والإذلال والتخويف الدائم بالترحيل، وعدم تجديد بطاقة الإقامة.

واللافت أن لبعض الاقتصاديين الأجانب تصورات تصل إلى أعلى درجات التفاؤل من خلال ما يرونه من الإمكانات العربية، مادية وبشرية، وكيف أن في مقدور هذه الطاقات أن تصنع شعباً غنياً متحضراً، ومكتفياً بذاته، وهناك - على سبيل المثال- إشارات عميقة إلى ما يمكن أن تقوم به الثروة الزراعية من إنماء الاقتصاد في ثلاثة أقطار عربية، هي السودان والعراق واليمن، حيث ملايين الأفدنة، أو الهكتارات الصالحة للزراعة هنا وهناك، وهي الآن عرضة للإهمال والإهدار، وأدنى اهتمام كفيل بأن يستوعب عشرات الملايين من العاطلين، ليس في الفلاحة فحسب؛ بل وفي الصناعات الغذائية التي ستمليها الضرورة وتفرضها الحاجة، والتي من شأنها أن تساعد على خفض نسبة الاستيراد للمواد الغذائية، خاصة تلك التي تصل في بعض الأقطار العربية إلى أكثر من 90% حسب تقارير البنك الدولي، وغيره من البنوك والمؤسسات المعنية بالواقع العربي، فضلاً عن اقتراب بعض أقطار الوطن العربي من حافة الفقر والمجاعة، وفي هذا الوطن الكبير من الخيرات ما يدفع غائلة الفقر، ويحقق لكل مواطنيه حياة كريمة تحميهم من الهجرة، والاغتراب، والإذلال.

إن الصوت الذي يتع إلى اليوم من الولايات المتحدة ضد الهجرة والمهاجرين ليس صوت الرئيس الجديد، بل صوت قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي، وليس ببعيد أن يجد هذا الصوت صداه في دول وشعوب تستضيف الملايين من العرب، والمطلوب من أنظمتنا العربية أن تبدأ باتخاذ الإجراءات الجادة والهادفة لوضع حد لهذه المشكلة قبل أن تتفاقم وتجد الأنظمة نفسها في حالة استقبال لجيش المهاجرين العائدين إلى الوطن، علماً بأن الحلول المطلوبة موجودة، ولا تكتنفها أدنى صعوبة وهي تحتاج فقط إلى استراتيجية سياسية تساندها استراتيجية اقتصادية تأخذ في الاعتبار ما تتمتع به الأرض العربية من غنى، ووفرة في أكثر من مجال.

زر الذهاب إلى الأعلى