[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

فضفضة بلوغ الأربعين

أجد نفسي إنسانا" بسيطا" ومباشرا" أعيش بهذا الكوكب المعقد، لا أؤمن بأي تصنيف آخر غير الإنسانية، شأت الأقدار أن أحضى بتربية نبيلة وأنتمي لأسرة يمتد أسمها عبر مئات السنين، أسرة سخرت مواردها لخدمة المجتمع بمن فيها الطبقة المتوسطة التي أمثل طموحات شبابها وذكائهم الحاد ونجاحاتهم المبنية بالكفاح وبالمشقة في معترك الحياة.

لا أدعي أني حققت الكثير ولكن الأقدار أهلتني كثيرا" ودفعتني للمشاركة في أحداث هامة ومفصلية، مجرد تموضعك في مركزها يمنحك ميزة معايشة الكثير ومعرفة الكثير.

عرفت مبكرا" معني المنافسة مع أبناء جيلي وأبناء طبقتي وبرعت في قوانين لعبة المنافسة المبنية على النزاهة والكفاءة، تسلحت بالتأهيل المستمر الذي قادني إلى تخطي السياج والحدود، لأتفاجئ بنفسي في سباقات خارج إطار جيلي وطبقتي فما كان مني إلا أن أتجاوب مع إرادة القدر وأقوم بما يجب أن أقوم به وبالرغم أني حصدت الكثير من النتائج وشعرت بالكثير من المتعة والإثارة إلا أني تنبهت بأني استهلك نفسي أكثر كلما تقدمت أكثر أو أضفت مسارات جديدة في مصفوفة التنافس كما أن لعبة الصراع المبنية على عصبة المصالح والتصنيف والفرز غير المهني التي يجيدها الكثير من المتنافسين ولا أحبها، تنهكني وتضعف ذاك النور الذي يضئ جوانحي وجوارحي وتفقد الفوز أو النجاح نكهته وبريقه.

كانت الـ20 السنة الأخيرة مشحونة جداً" ومشدودة كثيراً" وتخللتها أخطاء معدودة ولكنها فادحة بمضاعفاتها المستمرة كما أن الكثير من النجاحات التي حصدتها تطلبت مني جهدا" مضاعفا" وبعض الأنتصارات التى أحرزتها كانت باهضة الثمن بأهلاكها المتسارع لي واستهلاكها لطاقتي.

رغم أني حاولت كثيرا" أن أخفف هذا التوتر بألتزامي بقواعد المنافسة الشريفة لا صراعات البقاء لعلى أنقل عدواها لمحيطي أو أنفذ بنفسي بسلطان مكارم الأخلاق من دوامة الصراع الذي لا أؤمن به وبجدواه،لكن دون جدوى.

لهذا تركت تجارب العقد الأول من الـ20سنة الماضية مرارة كبيرة في دواخلي استطعت بفضل من الله أحتوائها وأمتصاصها كوني يافعا" ومتوقدا" وممتلئا" بالمرونة وً بالطموحات والقدرة على التكيف وتخطي العقبات وهذا قادني في العقد الثاني إلى تجاهل كل الفرص التي ترتبط ب" الفوز الفردي" ووجهت قدراتي نحو الفوز الجماعي عبر فريق لعلي أنقل نفسي لمستوى أكثر هدوء وأكثر سلاما" وإن كانت له تحدياته بأشكال مختلفة. الأن وأنا أعيش أولى لحظات سن الأربعين يسكنني شعور أن عمري يقارب الـ400.

كما أرغب بشدة بالإستسلام والإنسحاب من كل الصراعات التي أخوضها بوعي أو تخوضني دون وعي مني. وأرغب بشدة تتويج كل المصارعيين محققا" أمانيهم بالإنتصار على ذاك الفتى الفتي والعنيد سواء من ينازلوني وجها" لوجه أو من وراء حجب، بعلمي أو بجهلي بهم وبأدواتهم وبأساليبهم وأسبابهم. وأرغب بشدة لو أني استطيع أن أخلع وعيي أو حتى أترجل عنه كما يترجل الفارس عن صهوة جواده ويخلع درعه وحزام سيفه.

وأرغب بشدة بالسلام الذي يملئ دواخلي أن يفيض خارجها لينبت ويزهر ويثمر في محيط أولادي وأسرتي والمحبين وكفى.

وأرغب بشدة بأن أتطبب وأتطيب بالحب وأعيشه واقعا" كما استحقه وكما أستطيع أن أقدمه أنهارا" وبحورا" بالمجان ودون شروط.

ولكني ببساطة أدرك أن الرغبات لا تتحقق لذاتها وأني لا أستطيع إشباعها من طرف واحد، لذا سأكتفي بإعلانها لعله نداء السلام الأخير.

زر الذهاب إلى الأعلى