[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

الأديان والمذاهب براء من الصراعات

قبل وقت طويل، وقبل أن تبدأ حروب الإخوة الأعداء، كان الحكماء في هذا الوطن العربي الكبير - وهم والحمد لله كثر- قد توصلوا إلى توصيف موضوعي دقيق للصراعات التي مهدت للحروب القائمة في بعض أقطار هذا الوطن ، وكان هذا التوصيف المسبق يؤكد أنها صراعات سياسية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالدين أو المذاهب الدينية، وإن كان العابثون والطامحون يرتدونها في البداية، ويتخفون تحت أثوابها. وكان واضحاً - من خلال ذلك التصنيف - أن الدوافع تتجسد في الاستيلاء على السلطة والانفراد بالنفوذ. وكلما مر الزمن وتكاثرت الصراعات صار الهدف السياسي أكثر وضوحاً، ولم تعد الأثواب الدينية أو المذهبية قادرة على تغطيته أو التستر على غاياته. والفاجع والمروّع في الأمر أن الإصرار على انتزاع السلطة ولو على جثة الوطن وجثث المواطنين لم ترافقه محاولات للدعوة إلى الديمقراطية وتداول السلطة وإدانة الإقصاء المتعمّد للمكونات الشعبية، وهو المنطق السائد والمعتمد في عالم اليوم.

 

منذ ألف وثلاثمئة عام والمذاهب قائمة في الحياة العربية والإسلامية؛ لكنها لم تُشْعِل حرباً ولا أقامت نزاعاً إلاّ إذا وجد من الطامعين والباحثين عن السلطة من يخرجها من زوايا المساجد وبطون الكتب؛ لتكون وسيلته إلى حكم الأوطان أو إحراقها وتدمير إمكاناتها. حدث ذلك كثيراً في مراحل معينة من تاريخنا؛ لكن أحداً لم يتنبه إليه كما تنبه له الحكماء في العصر الحديث، وفي السنوات الأخيرة خاصة بعدما تكاثرت البراهين، وتعددت الدلالات من خلال ما جرى ويجري هنا وهناك تحت مزاعم دينية من ناحية، ومذهبية من ناحية أخرى؛ لتغطية صراع سياسي خالص النية والهدف في حين يبقى الإسلام دين سلام، وتبقى المذاهب اجتهادات ووجهات نظر لا تؤدي الاختلافات فيما بين أتباعها إلى النزاعات والحروب وإلى سفك دماء أبناء الملة الواحدة والدين الواحد الذي تفرعت عنه المذاهب وتعددت منه الاجتهادات.

 

لا الدين ولا المذاهب إذاً، هي وراء ما يحدث الآن.. المنتفعون من الحروب والحالمون بالاستيلاء على أنظمة الحكم هنا وهناك هم من يبحثون عن مصالحهم الذاتية من وراء مستنقعات الدم، وهم الذين يؤجّجون النار ويزيدون من افتعال الخلافات والدفع بالعامة والجهلاء إلى محارق الحروب؛ خدمة لأعداء الشعوب والمتربصين في انتظار أن يعودوا قادة وأوصياء على بلدان لم يتمكن أهلها من حمايتها والعدل بين أبنائها. ولا أريد أن أشير إلى مكان معين، فالصورة الراهنة أوضح من أية إشارة، وما يرتكبه بعض من مواطني هذه الأقطار المحترقة وتعريضهم لاستقلالها وسيادتها بلغ من الحماقة والخيانة حداً لم يعرف له أي مثيل في تاريخ المنطقة، وتاريخ المناطق الأخرى في العالم أجمع، فقد ذهبت بهم الأحقاد على أوطانهم إلى أبعد مما تحتمله الحقائق والظنون.

 

ولا بد في سياق هذه الأقوال أن نشير إلى أن المشاركين بالفرجة وبالمواقف الداعمة من القوى المعادية في هذه الصراعات الدموية المتلبسة ثياب الدين تارة، والمذهبية تارة أخرى، إنما يريدون من إطالة زمن ما يحدث، تحويل الوطن العربي كله - وليس بعض أقطاره- إلى كيانات هزيلة متناحرة تبحث لنفسها عن سند خارجي تقدّم له ولاءها، وترهن لديه استقلالها وقرارها، يضاف إلى نجاحها في إثبات مزاعمها عن الإسلام بأنه دين لا طاقة لأتباعه على التعايش والاستقرار.

زر الذهاب إلى الأعلى