[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

بين 6 أكتوبر 1973 و6 أكتوبر 2017

الفارق بين اليومين والتاريخين كبير وشاسع، والهوة بينهما واسعة، في اليوم الأول، وهو 6 أكتوبر 1973، كانت الأمة العربية على موعد مع النصر، تتحفز للأخذ بالثأر من هزيمة حققها العدو على حين غرة. أمّا اليوم الآخر، وهو 6 أكتوبر 2017، فيعكس بوضوح وضعنا الراهن بكل محمولاته السلبية من خراب وتمزق وخلافات وحروب داخلية بين الإخوة الأعداء، ما كان لها أن تحدث أو تصل إلى هذا المدى من إهدار الأرواح والوقت والمال. في 6 أكتوبر 1973، توحّدت إرادة الأمة وأسفرت عن تضافر الجهود والثقة بما تمتلكه من قوة قادرة على إثبات وجودها والتخلص من معوقاتها الداخلية والخارجية، وكتابة السطور الأولى في كتاب تاريخها الحديث، وكيف يجب أن يكون. وفي 6 أكتوبر 2017 صورة أمة تأكل بعضها وتعاني الخذلان والتهميش والتفتيت والعدوان، ونقصاً حاداً في الرؤية إلى ما كان وإلى ما سيكون من خلال الاستشراف واستقراء الظروف، لا من خلال التنجيم واستنطاق الفنجان.

ولا مناص ونحن نستعيد مناخ أكتوبر 1973، أن نؤكد حقيقة غابت وتغيب عن كثيرين، وأعني بها حقيقة أن النصر كان صناعة عربية شاملة، ولم يحدث بمجهود إقليمي فقط. صحيح أن جيش العروبة في مصر كان القوة الضاربة والإرادة الأوضح في تحقيق النصر، إلا أن ما توفر له من إسناد عربي مادي ومعنوي، ومن مشاركة جوية، أعطى للنصر صفته العربية بامتياز. كان لا بد من أن تظل هذه الحقيقة في الصدارة، وأن تكون الأقطار العربية التي شاركت وساندت في الصورة مما جرى بعد ذلك، وأن يكون نصر أكتوبر خطوة أولى على طريق انتصارات أكبر على أكثر من صعيد، وأن يتجنب المتسرعون الخطوات الانفرادية التي حققت بعض الإنجازات الإقليمية الناقصة، ولو حدث ذلك لما استيقظت الخلافات، وحدث التنافر المريع الذي لاتزال الأمة تتجرع آثاره حتى الآن.

إن الخطأ الفادح الذي ترتكبه بعض الأنظمة العربية - بحسن نية أو بسوء نية- هو تجاهلها الإجماع العربي وخروجها عن الثوابت التي كانت تؤسس لمشروع مستقبلي يؤكد أن الأمة واحدة رغم توزعها إلى أقطار وأنظمة، وأن الاستجابة للمنطق الإقليمي لا يسيء إلى الإقليم الذي خرج عن الهدف العام، بل يسيء إلى بقية الأقاليم المرتبطة في إطار المصير المشترك، ومن يتابع بوعي وإنصاف وحيادية إيقاع الأحداث التي توالت بعد انتصار أكتوبر، يدرك سهولة الانزلاق خارج المشروع وصعوبة السير في المنحدرات بعيداً عن شركاء الطريق وما يمتلكونه من رؤى ويعلنونه من مواقف.

ولكن هكذا هم العرب أو بعضهم، كما يقول المراقبون لأوضاعنا من خارج هذا الوطن الذي يأبى إلاَّ أن تكون انتصاراته هزائم وخطواته نحو المستقبل مفاجئة وغير مدروسة.

والإشارة إلى السطور السابقة إلى صوت الآخر وقراءته الناقدة لمواقفنا تعيد إلى الأذهان ما كُتِب في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من أن نصر أكتوبر كان يشكل نواة لانتصارات أكبر، فقد نجح ذلك الانتصار الجليل في أن يمحو آثار الهزيمة، وكان منظر أفواج أسرى جيش العدو الصهيوني كفيل بأن يمنح الأمة شيئاً من الثقة بنفسها وبقوة جيشها ويعطيها المزيد من التماسك وتجاوز آثار الانكسارات، لكن الرياح، والرياح العربية خاصة تجري وفق أهوائها لا وفق ما تشتهيه غالبية أبناء الأمة، ويبقى علينا رغم كل ما حدث ويحدث ألاَّ ننسى نصر أكتوبر 1973، وأن يكون درساً من دروس تحقق الإرادة واجتراح المستحي

زر الذهاب إلى الأعلى