خطابٌ يمني متأخر إلى السنيورة وموسى
دولة الرئيس فؤاد السنيورة،
معالي الأمين عمرو موسى
متأخراً، يَرِد التقديرُ على اهتمامِكِما المبكر بحالة اليمن وتأثيرها على الأمن القومي العربي، إثر تفاجؤكما بتطور أحداث اليمن عام 2014م، المتضمَن في مقالٍ استضافته عدد من الصحف العربية الغراء.
أثار المقال يومها ردود "قول"، وتوقعات بأن وراء "الكلمة" ما (... ومَن) وراءها.
قابل تلك الردود والتوقعات يقينٌ وحسنُ ظن بأن "ما وراءها" فعلاً هو: حسن نية نابعة عن حرصكم القومي الوطيد –بكل تأكيد- على اليمن، المحاط ب"شحنة عاطفية (...) كونه تاريخياً وأسطورياً أصل العرب" كما تفضلتم، ويشهد واقع الحال (...)، لئلا تصل الأحوال لِما وصلت إليه من نذُر تفكك واحتمالات انفصال وسوء مآل وجسامة أهوال.
مع الأسف، حكمة النصيحة تلقفها –وهو ما فاجأ الجميع أيضاً- سوء تعاطٍ من قبل المعنيين باليمن. فكان أقسى "رد فعل" تجاهها يُضَم إلى "السياق السلبي للأحداث".
لم يتم –كما تعلمون- تشجيعٌ على احتكامٍ إلى حوار، ولا على احترامٍ لقرار، ولا حتى التزامٍ بمسار.
بدأت الحرب –أيها السياسيان الأديبان، فالشاعر منكما وذائقه- و"بدت فتيةً لكل جهولِ" ظفر بها من ظفر، وتكدر بِذروتها وكهولتها مَن تكدر.. مِن يمنيين أبرياء –فيهم نساء وأطفال وكهول- يُعانون ويلات صراع الأشقياء.
أبرياءٌ يتهددهم الجوع والعطش، يتخطفهم الوباء والموت، ويتشاطرهم الفقر والفساد.
كل هذي المآسي والكوارث الإنسانية دون أدنى حس بالمسئولية عند المسئولين "الافتراضيين" تجاه من باتوا لله وحده يرجعون. بعد تلاشي شعور مَن بأحوال الناس يعبثون ويلعبون، وبمصائرهم يتلاعبون.
وفوق هذا وذاك، وبكل أسف، بقي "الأمن القومي العربي" مهدداً باستمرار حرب اليمن (...) وبما يتهدد اليمن واليمنيين من ظواهر "اليمننة": كالتفكك والتمزق اللذين خشيتما منهما على الأمن القومي العربي (...). علاوةً على مآل الناس من الضربات العنيفة وقد طغت على كل التقديرات الحكيمة.
وجميعهم "يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".. إذ بحوار مخترعات بني الإنسان من منظومات صواريخ وطيران، استعاضوا عن حوار بني الإنسان تحت رعاية المنظمات المعنية بسلامة كل بني الإنسان!
ألا تريان –يا صاحبي الدولة والمعالي- أن من بين سبل احتواء اليمن (ودواعي الأمن القومي العربي أيضاً) إطلاق "دعوة سلام عربية" يصدرها عقلاء مثلكما –ومن شاء مِمَن إليكما من خبراء شؤون العلاقات العربية والدولية-، على نحوٍ يواكب الجهود الأممية الجارية ويحفظ ماء الوجوه العربية بصون الدماء اليمنية.. فيُضَم مثل هذا الجهد والنداء إلى "السياق الإيجابي للأحداث".
بدعوةٍ تأخذ بالممكن المعقول لا مستحيل القول.. وتتنبه إلى أمرين مهمين –تنبهت إليهما، بل وتضمنتهما المرجعيات الإقليمية والدولية الخاصة باليمن- متى تقرر إنفاذ الحل، وهما: أمرٌ واقع لا يتجاوزه أي أحد، وأمرٌ ضائع لا يسترجعه أي أحد.. مهما تقاتلت سلطاتهما!
بدعوةِ بدء حوار الأطراف المعنية في اليمن وباليمن الذي أُرهِق أبناؤه وأَرهَق أشقاءه وأصدقاءه، فينتهي إلى الموازنة بين قوى قادرة على التعايش أكثر من التنافر على حساب وحياة من لا ناقة لهم ولا جمل في تنافر "آخرين" غيرهم!
مع الأخذ بيدِ بناةٍ حقيقيين ليمنٍ جديد، بعقولٍ واعية ونفسياتٍ نقية ونوايا صافية وقدراتٍ مخلصة لا يعز وجودها، إن أُريدَ الكشف عن وجهها.
ودون إطالةٍ عليكما في ذلك، وأنتما أدرى بمقتضيات البناء الوطني السليم ودواعي الترميم وفق خبرتكما الطويلة.
ووفق متابعتكما الأصيلة لأحوال اليمن وتحولاته وتأثيراته على الأمن القومي العربي فإنكما تدركان وجوب إحلال السلام لهذا "اليمن" عديد القبيلة وعديم الحيلة، نظراً لما ينتجه السلام -لا الحرب- من نفع وأمن "استثنائي" يخدم المستقبل ويطفئ نيران المنطقة.
وثقةً في أنكما ممَن يُحيي آمال السلام "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"، ففضلاً، تفضلا بما لكما من سابق فضل، بالتنبيه إلى أن إحلال السلام لليمن "خيرٌ وأبقى" وأجدى أثراً لمستقبل الأمن القومي العربي من جور الحرب إذا استمرت، فإن الشعب اليمني وحده هو الذي "يموتُ حقاً" من الجوع والخوف. ولا يرجو غير الحياة بسلام وتحقيق الصلح التام:
والصلح خيرٌ فما في الحربِ من ظفرٍ
للظافرين إذا هُم في الوغى جاروا