"الزامل الشعبي" يختزل انقسام المواقف القبلية من الثورة والرئيس

"الزامل الشعبي" يختزل انقسام المواقف القبلية من الثورة والرئيس

يمثل “الزامل الشعبي” إحدى أبرز أدوات التعبير الأكثر تداولاً التي عادة ما تلجأ إليها القبلية في اليمن باعتبارها جزءاً مكتنزاً من ثقافة شعبية موروثة ومترسبة، طالما عبرت من خلاله عن تفاعلاتها المجتمعية والإنسانية إزاء القضايا الحياتية كافة، سواء التي تخص القبلية أو المتعلقة بالشأن العام.

و”الزامل الشعبي” لازمة شعرية قصيرة الأبيات تتسم بالتناغم الصوتي بدت حاضرة في مفردات مشهد الأزمة السياسية القائمة كجزء من تفاعلات خلاقة فرضها الحضور المؤثر للقبيلة كطرف فاعل في رسم خريطة المواقف المتباينة والمتفاوتة بين موالاة الرئيس علي عبدالله صالح ونظام حكمه وبين تأييد ثورة الشباب ودعم مطالب إحداث التغيير السياسي للنظام ذاته.

واعتبر الدكتور عبدالرحمن شرف المضواحي، الأكاديمي اليمني ومؤلف كتاب “الزامل الشعبي والمورث الغنائي” أن الأزمة السياسية القائمة أحدثت انقساما حقيقيا في أوساط المؤسسة القبلية في اليمن وتبايناً حاداً في المواقف ليس بين القبيلة والقبيلة الأخرى فقط، ولكن داخل كل قبيلة على حدة لتبرز ما يمكن وصفه بصراع الأجنحة المتنفذة داخل المجتمعات القبلية التي أثرت مواقفها من طرفي الأزمة في وحدة وتناغم الموقف العام للقبيلة . ويمكن القول إن الزامل الشعبي باعتباره وسيلة متداولة للتعبير وتحديد التوجهات، جسد هذا الانقسام من خلال توظيفه في إظهار المواقف القبلية المتباينة والمتقاطعة.

وأشار الدكتور المضواحي إلى أن “الزامل الشعبي ليس مجرد نمط من أنماط التعبير اللغوي الشعري المتداول بين القبائل اليمنية، بل تحول إلى أسلوب مبتكر لسرد الأحداث وتوثيقها، حيث تمثل الكثير من الزوامل الشعبية مراجع يمكن من خلالها الوقوف على تفاصيل حوادث ومنعطفات تاريخية مهمة”.

وقد اختزل “الزامل الشعبي” مشهد الانقسام الطارئ في توجهات ومواقف القبيلة إزاء تداعيات الأزمة السياسية القائمة ليعيد إفراز المشهد ذاته في هيئة سجالات شعرية بدت أشبه بالتراشق الخلاق الذي تبادلته على مدى ما يزيد على شهرين منذ بدء الفعاليات الاعتصامية في ساحتي التغيير والتحرير بصنعاء في أمسيات صاخبة تنافست فيها القبائل الموالية والمناوئة الوافدة إلى الساحتين في التعبير عن خياراتها الداعمة للنظام أو الثائرين عليه بأبيات من الشعر الشعبي المعبر الملفوف بترانيم “زامل” المتسق التناغيم الصوتية.

ويقول حاشد عبدالله البكري، الناشط في جمعية الشعراء الشعبيين : “لا تكاد تمر ليلة دون أن تشهد فيها المنصات المثبتة بساحتي التغيير والتحرير صعود مجموعة من رجال القبائل الوافدين حديثاً أو ممثلاً لهذه القبائل الوافدة إلى هذه المنصات لإعلان مواقفها الحاسمة من الأزمة السياسية القائمة ليس عبر خطابات إنشائية أو بيانات ولكن عبر زوامل شعبية وشعرية معبرة عن هذه المواقف تتضمن في الغالب إسرافاً في الإطراء لطرف وهجاء شديداً للطرف الآخر”.

وقد احتل “الزامل الشعبي” مركزاً متقدماً في مفردات الثقافة المجتمعية القبلية اليمنية باعتباره جزءاً من مراسم متجذرة عادة ما ترافق حضور وتمثيل القبيلة، وهو ما تبرزه المظاهر المرافقة لوصول الأفواج الممثلة للقبائل إلى مداخل ساحتي التغيير والتحرير بصنعاء، التي تستهل ظهورها بصفوف متراصة تتشابك فيها الأيادي فيما تصدح الأفواه بترانيم شعرية.