بعد ثورة عام 1979 م ضد شاه إيران وإطاحته عن العرش واعتلاء خميني ورجال الدين التابعين له سدة الحكم في إيران، تم الكثير من التعديلات والتغييرات على المستوى القانوني والسياسي والإداري في البلاد. وابتدعت الحوزة العلمية في قم نظام حكم فريد من نوعه في البلاد يسمى (حكم جمهوري إسلامي!!) وتأسست العديد من المناصب ووزعت عليها الصلاحيات والسلطات بطريقة ذكية ومدروسة حيث يصعب على الإنسان العادي فهمها وإدراكها. مما أوحت للعالم وأوهمته بوجود ديمقراطية تطبق في إيران.
و هكذا استمرت فئة قليلة من رجال الدين أبناء حوزة قم وعلى رأسهم المرشد الأعلى (ولي الفقيه) تحتكر جميع السلطات والصلاحيات الدنيوية منها والأخروية وذلك كله باسم الديمقراطية. وقد ساعد على ذلك احتمائهم بعباءة الدين وتماسكهم القوي في ما بينهم الذي قل نظيره.
إلى أن أتت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، فكشفت المستور وفضحت العيوب. وأزيل الغطاء الديمقراطي والإسلامي عن ممارسات النظام الإيراني الثيوقراطي وتبخرت هالة القداسة التي كان يتمتع بها عند الشارع الإيراني وغير الإيراني و فقد مبرر سلطانه الإلهي والدنيوي على المواطنين خاصة بعد كشف عن السارق والمزور المختلس وكلهم من أعمدة هذا النظام.
فأثناء الحملة الانتخابية لعب النظام الإيراني لعبة الدعاية الانتخابية والترويج لها جيدا ولكنه لم يحسن الاستمرار في هذه اللعبة فانفرط العقد وحصد نتائج معاكسة لتوقعاته. في بداية الحملة الانتخابية الإيرانية ظهر النظام الإيراني بهيئة نظام ديمقراطي تعددي يؤمن بحقوق الإنسان والحريات الفرية وحرية الاختلاف. باعتبار أربعة مرشحين يتنافسون على مقعد رئاسة الجمهورية. وفسح المجال أمامهم إعلاميا من خلال المناظرات في القنوات التلفزيونية أو وسائل الإعلام الأخرى لشرح توجهاتهم وبرامجهم والتعبير عنها و انتقاد المنافسين الآخرين.
لكن بعد انتهاء الانتخابات وفرز الأصوات قد تفاجأ العالم بقدر ما تفاجأ الناخب الإيراني عن مقدار الحجم الهائل من التزوير الذي ارتكبه النظام الإيراني في سبيل تنصيب احمدي نجاد ولاية ثانية. لذلك خرج الشعب إلى الشارع رافضا نتائج الانتخابات ومطالبا بإلغائها وإعادة الانتخابات من جديد، معبرا عن رفضه بالاحتجاجات والمظاهرات السلمية. ولكن مرة ثانية أصيب الشارع الإيراني والعالم الذي كان يتوهم بوجود الديمقراطية في إيران بصدمة شديدة، عندما تمت مواجهة المظاهرات والاحتجاجات السلمية بالقمع والتنكيل والاعتقال والقتل. فأي ديمقراطية هذه التي يتكلم عنها النظام الإيراني وأتباعه، التي لا تحترم الإنسان وتنتهك حرمته وأي ديمقراطية هذه التي تواجه مواطنيها بهذه الطريقة العنيفة والهمجية.
إن الديمقراطية لها وسائلها وطرقها السلمية التي يجب أن يتمتع بها المواطن للتعبير عن رأيه وعن توجهاته دون التعدي على الآخرين وأيضا للدولة وسائلها وطرقها القانونية التي تمكنها من التعامل مع المواطن بدون انتهاك حرمته وحقوقه. وهذا ما نراه في الدول المتحضرة التي تتمتع بالديمقراطية نسبيا. لكن المعطيات والمجريات في إيران لا تشير لنا بوجود ديمقراطية في إيران بل تشير على عكسها. وهذا ما عبر عنه المواطنون عندما هتفوا الموت للديكتاتورية.
و هذا ما يحتم على الكثير ممن كانوا مخدوعين بالدعاية الإيرانية التي أوهمتهم بوجود الديمقراطية في إيران، أن يعيدوا حساباتهم ويغيروا نظرتهم تجاه هذا النظام ويكونوا أكثر واقعية تجاهه. ولكن كيف يحصل هذا وهناك نفر من أبناء الأمة العربية الذين لا يريدون أن يفيقوا من غيبوبة دامت أكثر من ثلاثين عاما وينهضوا ويحكموا ضمائرهم تجاه هذا النظام ومنهم من مازال يدافع عن النظام الإيراني ويؤيده أكثر مما يدافع عن وطنه وقضاياه.