عودة الحكومة إلى عدن.. دلالات وتحديات
عادل الأحمدي يكتب عن دلالات وتحديات عودة الحكومة إلى عدن جنوبي اليمن
صباح يوم الاثنين، عاد رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك إلى العاصمة المؤقتة عدن رفقة عدد من الوزراء، كأولى الثمار المنظورة لاتفاق الرياض الموقع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي.. وهي عودة تحمل أكثر من دلالة بالنظر إلى الظروف التي سبقت اتفاق الرياض وتحديداً أثناء وبعد أحداث أغسطس والمواجهات المؤسفة بين الوحدات العسكرية التابعة للطرفين في عدن.
فخلال تلك الأحداث الأليمة وما سبقها من أحداث في يناير ٢٠١٨، وما تبعها في أبين وشبوة وعلى مشارف عدن، لم يكن أكثر المتابعين تفاؤلاً يتوقع أن يجتمع الطرفان على مائدة حوار أو يتوصلا لاتفاق، وأن تعود الحكومة إلى عدن بهذه السرعة وهذه السلاسة ودون مواجهات ودماء.
ما حدث لم يكن في حسبان أحد، سيما وأن التوتر النفسي والإعلامي كان على أشده بين الطرفين، وكانت نُذُر التصعيد هي الاحتمال المهيمن على ساحة التوقعات، وبمجرد أن دعت المملكة العربية السعودية للحوار في مدينة جدة، كانت الرهانات على فشل الحوار مستحكمة في نفوس أغلب المتابعين، لكن الحوار تم، والتوافق حصل، وصولا إلى لحظة التوقيع التاريخية يوم الخامس من نوفمبر في الرياض بحضور الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي وتحت رعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
كانت لحظة مغايرة بكل المقاييس، ومثيرة للتساؤلات والحيرة لدى بعض المتابعين راحوا يتمعنون بنود الاتفاق ويستغربون كيف توافق الطرفان بهذه السهولة وهذه السرعة، وما سرّ هذا الإحكام الذي بدا معه الاتفاق مُرضياً للطرفين حيث الجميع منتصر، لا غالب ولا مغلوب.
والحقيقة أن ثمة أكثر من سبب يقف وراء مثل التحوّل الكبير يأتي في مقدمتها الجهد الحثيث الذي بذله الأشقاء في المملكة لإنجاح الحوار ونزع الصواعق وتقريب وجهات النظر. وقد كان نجم هذا المجهود الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي مهندس الاتفاق، والذي واصل الليل بالنهار وأظهر موهبة خلاقة في الاقناع والتأليف وتذليل العوائق، مدفوعاً بحرصه الشديد على إنهاء الخلاف بين اليمنيين وإعادة الاستقرار بطريقة سلميّة وحضارية، ومشمولاً بدعم كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقد ساعد الأميرَ خالد في هذا المسعى الحميد، المكانة الكبيرة التي تتمتع بها المملكة في نفوس اليمنيين على اختلاف تياراتهم، باستثناء عملاء إيران. وكذا التعاطي الإيجابي الذي تعاملت به قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة في سبيل إنجاز الاتفاق، إلى جانب إحساس الأطراف أن مواجهة السرطان الإيراني في اليمن تستحق تجاوز الخلافات وتقديم التنازلات.
وبتوقيع الاتفاق، وجد اليمنيون أنفسهم، ومعهم الأشقاء في المملكة، في مواجهة تحدٍ جديد يتمثل في ترجمة الاتفاق على أرض الواقع وإزالة العوائق التي قد تعترض تنفيذ بعض البنود بحكمة وبحنكة. وهو ما يفرض على الحكومة والانتقالي والأشقاء، أن يواصلوا السير بنفس الروح التي قادتهم إلى يوم التوقيع، وأن يتم تجاهل كافة الأصوات التي تحاول وضع الأشواك في طريق التنفيذ، وأن تحرص الحكومة ورعاة الاتفاق، على تقديم الحوافز الملموسة التي تجعل من المواطنين في عدن وبقية المحافظات، حرّاساً لهذا الاتفاق، ومنها تحسين مستوى الخدمات في عدن وبقية المناطق، والبدء في إعادة الإعمار، وتسوير الاتفاق بتنسيق الجهود باتجاه العدو الحقيقي الذي لايزال يسيطر على أجزاء غالية من تراب الوطن وفي مقدمتها العاصمة صنعاء ومناطق الثقل السكاني في الوسط، علما أن توحيد الجهود في هذا الاتجاه، ضامن شديد الأهمية في اطّراد التماسك، وسدّ أية فراغات قد تتسلل منها بذور الخلاف مرة أخرى. ومهمٌ أن يدرك اليمنيون والأشقاء في التحالف، أن حدوث التوافق الذي تُوّج يوم الخامس من نوفمبر في الرياض، متعذر تماما بالنظر إلى الحالة الحوثية التي يستحيل التوصل معها لاتفاق مهما كانت التحديات والحوافز والتنازلات والضغوط الخارجية، بل إن أي حديث عن حوار معها، سيكون له أثر سلبي على الجبهة التي تماسكت لمواجهة عصابات إيران وقدمت التنازلات في سبيل تخليص اليمن من كابوسها المريع.
إلى ذلك، فإن محاصرة بوادر التأزيم الإعلامي وإلجام أبواق الفتنة، والتعامل المرن مع تزمينات التنفيذ، واختيار الكفاءات في الحكومة وأجهزتها المدنية والعسكرية، ومضاعفة الدعم المخصص للحكومة، كلها متطلبات لابد من الإيفاء بها لإكمال مسيرة الضوء التي بدأت في جدة وستستمر بحول الله وعونه، وصولا إلى اليوم الذي يجتمع فيه اليمنيون مجدداً في العاصمة صنعاء بعد إزاحة الكابوس اللعين عن صدرها، يحثّهم شوق كبير لإعادة البناء وتضميد الجراح وصناعة الحياة.