الكُتَنة المقدسة
سامي الأشول يكتب: الكُتَنة المقدسة
سمعنا كثيرا عن الكُتَن، حشرة البق التي تقتات على دماء البشر. وقد عَرَفها أهل اليمن في عصور الانحطاط المتعاقبة التي تزامنت مع تفشي وباء الأئمة في أجزاء واسعة من أراضي العربية السعيدة. ولكي لا نظلم "الكتن" عند تشبيهها بالأئمة، رغم وجود نقاط مشتركة، إليكم مقارنة سريعة بين الكتنة والإمام.
كل ما تفعله الكتنة، صغيرة الحجم بطبعها، أنها تمتص من دمك ما يكفيها لتعيش. أما الإمام فلا يقنع بكل دمك ولحمك وعظمك وجميع أسرتك وممتلكاتك.
ولكي تعرفوا عن قرب وبنوع من التفصيل الموجز، خطورة الكتن الإمامية، سأستعرض نموذجا واحدا لـ"كتنة مقدسة" كانت ثقبا أسودا ابتلع حتى الأحجار ومجاري السيول، فضلا عن الإنسان. إليكم القصة:
في القرن التاسع عشر كان في صنعاء عدد من المستشفيات الحديثة، في حينه، إلى جانب مؤسسة السجل العقاري باسم الأوقاف وهيئة البرق والبريد. وكان فيها أيضا كلية للبنات تحمل ذات الاسم "كلية البنات"، وكلية الاداريين والمحاسبين وجامعة الصنائع التي كانت ترفد سوق العمل بالحرفيين المؤهلين. وعرفت اليمن والمنطقة أول جريدة باسم جريدة صنعاء.
وفي القرن التاسع عشر أيضا، كان في صنعاء أول مجلس تشريعي في الجزيرة العربية ومصنع حربي حديث جدا لإنتاج قنابل المدافع، ومحطة بخارية لتوليد الكهرباء تابعة للمصنع، إضافة إلى سوق الذهب اليوناني بل ومعهد موسيقى يقصده النخبة وأهل الفن وعشاق الطرب... وغيرها من المؤسسات العمومية والخدمية والتعليمية والعسكرية.
ما الذي حدث، وكيف تحولت صنعاء من هذا الترف إلى عاصمة الكُتَن والجهل والخرافة؟
عام 1911 وصلت كُتَنة كبيرة إلى سدة الحكم اسمها "يحيى حميد الدين" فمارست وظائفها البيولوجية الطبيعية بكل اقتدار. ولكم أن تتخيلوا كيف أنه حوّل المجلس التشريعي إلى مصنع للشمة! وصارت المؤسسات التعليمية بمقراتها وفروعها ومدارسها بيوتا لسلالة الكُتَن الإمامية.
وصل الحال ان اتخذ من أهم مستشفى في صنعاء قصرا يسكن فيه "وهل يهتم الكتن بحياة الضحية أو نظافتها؟". ثم عمد إلى جامعة الصنائع (أهم مشروع حياة في صنعاء)، وحوّلها إلى "سجن الصنائع". أما كلية الإداريين والمحاسبين فقد صارت سكنا لأحد أصهار آل بيت الكتن.
ليس في الأمر ما يدعو للاستغراب، فالكتن لا يعيش في ظل المدنية والنظافة حتى لو كان من سلالة نادرة تنضح بأعلى مراتب القداسة، لذا من الطبيعي أن يستهدِف بشكل خاص، التعليم ومؤسساته والصحة ومراكزها، حتى قيام ثورة اليمن الخالدة عام 1962.
اليوم وقد عادت الكتن الإمامية ادعوكم أن لا تظلموا المشرفين ومن هم فوقهم أو تحتهم، ولا تقولوا إنهم يمارسون جرائم فظيعة. قطعا أنا لا أمزح ولا أتهكم، فما يقومون به ليس سوى ممارسة طبيعية لوظائف وسلوكيات بيولوجية ذاتية في تكوينهم لا يعيشون ويتكاثرون إلا بها ومن خلالها.
الأحمق فقط يستغرب أن الأفعى تلدغ، والجاهل الأكثر حمقا يستغرب حين تمتص الكتنة دمه. فلك الخيار: أن تترك نفسك فريسة للدغات الأفاعي والكتن، أو تتخلص منها وتعيش حياة طبيعية كبقية الأمم في عالم اليوم.
عناوين ذات صلة: