آراء

كيف ملأ الفضول "الدنيا ابتساما"؟

د. فاروق ثابت يكتب: كيف ملأ الفضول "الدنيا ابتساما"؟


لم يكن عبدالله عبدالوهاب نعمان مجرد شخصية عادية، ولكنه الرجل العبقري الذي جمع بين السياسة والثقافة والإعلام والأدب والتاريخ.

ومنذ صباه تحمل مصاعب تفوق سنه، وأنّى لشاب أن يعيش في معزل عن النضال في أسرة النضال والمناضلين والثقافة والعلم والأدب.

من ذبحان وزبيد انطلق عبدالله عبدالوهاب نعمان بمعارفه وعلومه لينير من حوله بالفكر والتفكير ويوعيهم و"يملأ الدنيا ابتساما"، لكن التحاقه للتدريس بالمدرسة الأحمدية بتعز أشعر الإمام بخطورته خاصة وما يحمله الشاب عبدالله من معارف وعلوم ليس بغريب على أسرة النعمان، لذا فقد تخوف الإمام من أن استمرار وجود عبدالله عبدالوهاب سيعمل على تعريف اليمنيين بمخاطر وسلوك الطغيان الذي تمارسه السلالة ضد اليمن واليمنيين، وهو الامر الذي دفع الامام حينها لإصدار التوجيهات بسرعة اعتقاله لكن حصافته وعلاقاته جعلته يدرك ما يريده الامام منه، فانطلق صوب ثغر اليمن الباسم عدن، لتكتب له الأقدار هناك الانطلاقة العملاقة في التنوير والوقوف ضد الطاغي.

ومن صحف "صوت اليمن" و"فتاة الجزيرة" كان الزئير الذي أقض مضجع الطاغي ولم يبق الزئير موجها ضد الكهنوت فحسب ولكنه نال أيضا المستعمر في الجنوب واتجه صوب كل من يدبر لليمن السوء. وهو الزئير المتقد بالوطن الذي أسهم في فناء الكهنوت وأزلامه واستمر حتى اليوم ينبض بحب اليمن الكبير، ويحصنه ضد الطغاة والمستعمرين.

ومن لا يعرف النشيد الوطني اليمني، فهو لايعرف عبدالله عبدالوهاب نعمان، ومن لا يعرف عبدالله عبدالوهاب فهو لا يعرف عبدالوهاب نعمان، ومن لا يعرف عبدالوهاب فهو لم يعرف الاستاذ أحمد النعمان. ومن لا يعرف عبدالله والأستاذ النعمان ومناضلي النعمان فهو لم يعرف اليمن.

صحيح أن كل شعر الفضول عُجن باليمن، غير أن ثمة قصيدة نادرة شدتني وأذهلتني في آن وأنا اقرأها اذ أحسست أن الفضول يعبر بها عن اليمن الآن، وهو غير مستغرب على الفضول شعره الوطني ذي اللون الموسيقي والفني واللغوي المائز البليغ:

قَلْبِيْ يُزَلْزَلُهُ حَنِيْنُهْ .. وَيَكَادُ يُبْكِيْنِيْ أَنِيْنُه
حُزْنَاً عَلَىْ وَطَنٍ بِهِ قَدْ عِشْتُ تَحْضَنُنِيْ جُفُوْنُهْ
وَحَيْيْتُ تُفْرِحُنِيْ أَمَانِيْهِ وتُتْرِحُنِيْ شُجُوْنُهْ
عَطِرُالرِّحَابِ كَأَنَّمَا فِيْهَا يَمُجُّ المِسْكَ طِيْنُهْ
مَهْمَا تَبَدَّا وَجْهُهْ رَثَّاً تُجَلِّلُهُ غُصُوْنُهْ
هُوَ مَوْطِنِيْ لِيْ غَثُّهُ عَبْرَ الحَيَاةِ وَلِيْ سَمِيْنُهْ
حَدِبَتْ عَلَيَّ سُهُوْلُهُ وَحَنَتْ عَلَى قَلْبِيْ حُزُوْنُهْ
مِنْ غِيْبَتِيْ وَمِنَ اغْتِرَابِيْ عَنْهُ أَرْأفُ بِي سُجُوْنُهْ
عِزُّ الحَيَاةِ بِهِ عَلَى الأَيَّامِ قَدْ رَسَخَتْ حُصُوْنُهْ
مَاجَاءَ يُطْفِىءُ ضَوْءَهَا فَسْلُ النُجَارِ وَلا مُهِيْنُهْ
وَالْيَوْمُ أَشْهَدُهَا كَرُوْحِ القَبْرِ يَغْشَاهَا سُكُوْنٌهْ
تَمْشِيْ بِلاَ فَرَحٍ وَلاَ مَرَحٍ تُحَرِّكُهَا لُحُوْنُهْ
مَهْمُوْمَةٌ كَمَزَاجِ مَدْيُوْنٍ تُجَهِّمُهُ دُيُوْنُهْ
خَشَبِيَّةٌ نَاقُوْسُهَا الخَشَبِيُّ لاَيَعْلُوْ رَنِيْنُهْ
وَكَأَنَّنِيْ مَعَ أَعْجَمِيٍّ لَسْتُ أَدْرِيْ مَا رَطِيْنُهْ
حَتَّىْ الْنَّدَا مِلْحٌ وَحَتَّىْ الْفَجْرَ لاتَبْدُوْ فُتُوْنُهْ
والأُغْنِيَاتُ مَنَاحَةٌ وَالْنَايُ مَبْحُوْحٌ أَنِيْنُهْ
كمْ رُحْتُ أَرْسَفُ وَسْطَهَا كَالْسِّجْنِ يَلْعَنُهُ سَجِيْنُهْ
مُلِئَتْ بِأَرْوَاحٍ بِهَا الْشِّيْطَانُ قَدْ شُرِعَتْ قُرُوْنُهْ
وَحْشِيَّةُ الْجَنَبَاتِ فِيْهَا الْسُّوْءُ جُنَّ بِهِ جُنُوْنُهْ
لَمْ يُبْقَ فِيْ أَخْلاَقِهَا صِدْقُ الْوِدَادِ وَلاَ مَتِيْنُهْ
أَوْ يَلْقَنِيْ مِنْ نَاسِهَا مَنْ فِيْ خِلاَقِيْ أَسْتَبِيْنُهْ
أَوْ أَصْطَفِيْهِ سِوَى أَخٍ بِالخَيْرِ قَدْ عَبَقَتْ سِنِيْنُهْ
وَكَأَنَّهُ وَادٍ بِغَيْمِ الْفَجْرِ قَدْ كُسِيَتْ مُتُوْنُهْ
فِيْ رُوْحِهِ سَرَحَتْ أَصَالتُهُ بِنُبْلٍ لاَيَخُوْنُهْ
مُتَحَصِّنٌ فِيْ نَفْسِهِ كَالْلَّيْثِ لاَيُؤتَى عَرِيْنُهْ
مَا أَخَطأَ الْتَّقْدِيْرَ فِيْ شَيءٍ وَلاَ أَثِمَتْ ظُنُوْنُهْ
لَمْ يَأتِ بَعَدَ بِأَرْضِهِ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ قَدْ يَكُوْنُهْ
هُوَ وَحْدُهُ فِيْهَا الصَّحِيْحُ يَرَى الصَّحِيْحَ وَيَسْتَبِيْنُهْ
يَرْعَى الإِخَاءَ كَأَنَّهُ ضُوْءٌ بِهِ مُلَئَتْ عُيُوْنُهْ
مَا جَاءَ عَبْرَ مَسِيْرِهِ فِيْ الْعُمْرِ آثَامَاً تُشِيْنُهْ
عَصْمَاهُ مِنْ كَبَوَاتِهِ فِيْهَا مُرُوءَتُهُ وَدِيْنُهْ
وَضَّاحُ لَمْ تُعْتَمْ بِهِ نَفْسٌ وَلَمْ يَطْفَأْ جَبِيْنُهْ
تُخْفِيْ الْبَشَاشَةُ هَمَّهُ والْهَمُّ أَثْقَلُهُ دَفِيْنُهْ
كَالطَّوْدِ لَمْ يَسْكُنْ بِهِ رُرَْقٌ وَلَمْ يَوْطَأ حَصِيْنُهْ
مِعْطَاءُ لَوْ مَلَكَ الْسَّمَا لَسَخَتْ بِأَنْجُمِهَا يَمِيْنُهْ

الرحمة والخلود للشاعر النعمان وكل مناضلي اليمن الأبرار.

نقلا عن موقع نيوزيمن

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى