عن التكاثر اللامعقول للسلالة الطالبية (3)
أحمد الحميري يكتب: عن التكاثر اللامعقول للسلالة الطالبية (3)
مثلما تتهاوى مقولة "الولاية" أمام النقد الديني الموضوعي، تنهار بشكل أكبر مقولة "أحفاد النبي"، خصوصا وقد أصبح بيد العلم أدوات في مقدمتها وسائل الفحص الجيني "DNA"، الموصلة لنتائج شبه يقينية بشأن القرابات العضوية بين البشر، وصدقية اشتراكها في الأصل الواحد، من عدمه.
رغما من ذلك وارد أن تصطدم هذه الوسيلة بفتاوى تحريم ديني، في مجتمعات محافظة، وبإمكانية الحصول على العينات المطلوبة للتحليل الجيني، إضافة إلى إشكالية تحديد أسرة معيارية مؤكدة الانتماء للأصل العلوي الفاطمي.
دراسة مشجرات الأنساب ومطابقاتها مع بعضها، ومع تراجم الرجال، طريقة تقليدية لكشف الزيف السلالي. هذه الطريقة بدورها من السهل اليوم التحايل عليها باصطناع مشجرات مضبوطة السلسلة، نظرا لانتشار كتب الأنساب الخاصة بالسلالة العلوية.
أسلوب حديث يتحاشى مشكلات الأداتين السابقتين (الفحص الجيني والمشجرات)، ويتمتع بدرجة يقين عالية، إذا اتبع إجراءات منصفة ومحايدة، يعتمد على نظريات رياضية، حسابية، ووقائع ذات صلة بالدراسات السكانية.
ووفقا للجدول، المرفق، تتراوح أعداد "أحفاد النبي" المفترضين بين نحو ستمائة ألف ومليوني شخص على أكبر تقدير.
يتكون الجدول من 29 خانة تمثل كل منها 50 سنة، ابتداء من السنة الأولى للهجرة، وحتى العام 1450، تحتوي كل خانة على ثلاثة أرقام يتزايد كل منها، عموديا، وفق متتالية هندسية، من خانة إلى التي تليها بمقدار الضعف، حتى الوصول إلى الخانة 29 الممثلة لعدد العلويين اليوم فيما الخانة الأولى بالرقم 2 تمثل الحسن والحسين، لكن عملية التضاعف تراعي الواقعية السكانية، من حيث أن العدد المضاعف ابتداء من الخانة الثالثة ينقص منه الرقم في الخانة الأولى.
في الخانة الثالثة من المفترض حسب التضاعف أن يكون الرقم المقوس (8) إلا أنه أصبح (6) وهذا لأننا أنقصنا منه الرقم (2) في الخانة الأولى، وهكذا حتى آخر الجدول، والمبرر متعلق بالمجال السكاني، حيث أن الحفيد الذي يولد، على سبيل المثال، في العام 2000 يكون جده المولود في العام 1900 قد توفي.
ونفس الطريقة تسري على الرقمين الثاني والثالث في كل خانة، مع فارق المبالغة، زيادة في تأكيد استحالة الأرقام المتداولة لأعداد العلويين في الوقت الحاضر، وتأتي المبالغة بالنسبة للرقم الثاني في أن تنقيص حالة التضاعف تبدأ من الخانة الرابعة التي تفصلها عن الأولى خانتان وليس خانة واحدة كما في الأرقام المقوسة، على أساس عملية غير واقعية تعتبر أن الشخص المولود في العام 2000 يكون جده المتوفى هو المولود في العام 1850 وليس في 1900.
وبالنسبة للرقم الثالث فهو أكثر مبالغة ومبني على الرقم الثاني بإضافة 25 بالمئة للرقم المضاعف مع التجاوز عن الكسور بتقريبها للرقم الصحيح الأعلى.
أما لماذا تم اختيار 50 سنة كفترة للتضاعف، بينما بعض الوقائع المشاهدة، على المستوى الأسري والسكاني، تشير إلى إمكانية التضاعف خلال فترة تقل أحيانا عن 25 سنة؟
لابد من اختيار معدل متوسط لفترة التضاعف، تتباعد عن حد أعلى وحد أدنى، لأننا لو أخذنا بفترة ما بين 15- 30 سنة فإن عدد سكان العالم سيصل إلى تريليونات، ما يخالف الحقيقة السكانية اليوم حيث يقل سكان العالم عن الثمانية مليارات.
حدثت طفرات تكاثر سكاني، وبالمقابل وجدت فترات تباطؤ، وأحيانا تناقص، وبالخصوص يمكن طرح عدد من الأمثلة:
حصلت طفرة في تزايد سكان الجزائر بارتفاع العدد من نحو 11 مليون نسمة عام 1960 إلى حوالي 33 مليونا سنة 2006، فتضاعف العدد ثلاث مرات في أقل من 50 عاما، مع هذا كان التضاعف قبل الطفرة الطارئة كل 50 سنة، العدد عام 1851 قرابة المليونين ونصف، وبعد 60 سنة، 1911، قارب الخمسة ملايين، وفي سنة 1960 صار حوالي 11 مليونا.
بينما في بلدان أخرى كان التكاثر أقل من الضعف، فالصين كانت تضم العام 1700 نحو 210 ملايين نسمة ولم يتضاعفوا إلا بعد 150 سنة ليصل عام 1850 إلى 429 مليونا، كما لم يزد سكان فرنسا إلا بمقدار يقل عن النصف، 43 مليونا عام 1955 إلى 61 مليون نسمة العام 2005.
وفي بريطانيا لم يتضاعف عدد السكان خلال 100 عام، من 38 مليونا عام 1901 إلى 60 مليونا فقط عام 2001، بل قد يحصل تناقص سكاني في بعض الظروف، كانخفاض سكان سوريا من قرابة 18 مليونا العام 2004 إلى 17 مليون نسمة سنة 2016، وفي الصين من 429 مليونا سنة 1850 إلى 400 مليون العام 1900، وفي مصر كان التضاعف كل 50 سنة، إذ ارتفع من مليونين ونصف عام 1800 إلى أقل من 10 ملايين العام 1897 ثم إلى 19 مليونا سنة 1947.
في حالات نادرة، من واقع البيانات السكانية في فترات تاريخية مختلفة وبلدان عدة، يحدث تضاعف سكاني بين 15- 30 سنة، في حين حالات كثيرة يحصل التضاعف بين 100-150 سنة، وغالبا ما يحدث بين 80-120 سنة، فتم اختيار 50 سنة كمعدل متوسط للتضاعف السكاني بني عليه الجدول، وتم تطبيق طريقة الجدول على حالات متنوعة، زمانيا ومكانيا، للتكاثر السكاني، فكانت الأرقام متقاربة في الجدول والتعدادات الواقعية.
هناك محاولات حسابية اعتمدت مداخل أخرى لمعرفة عدد العلويين، فأنصار المقولة السلالية اتبعوا طريقة المتوالية الهندسية، دون اعتبار للوفاة بين الأجيال، وعندما تعدت الأرقام المليارات، تمت تنزيلات اعتباطية لتبقي الأرقام في حدود 300 مليون، بينما مناهضون احتسبوا على أساس تحريك نسبة ثابتة عبر الزمان، على اعتبار أن عدد العرب وقت الفتوحات الإسلامية عشرون مليونا، وعن طريق تحديد نسبة الهاشميين (أصل العلويين) وقتها، تم تحديد عددهم اليوم بـ35 ألفا، كنسبة من العدد الإجمالي للعرب البالغ نحو 350 مليونا.
طريقة أخرى اعتمدت الخطين القحطاني والعدناني -المفترضين- وفق دراسات جينية حديثة أخذت بالتقسيم الثنائي للعرب، وطبقا لها بلغت نسبة العدنانيين نحو 20 بالمئة، وجزء منهم كانت نسبة الهاشميين 1 بالمئة من الخط العدناني، فوصل عدد الهاشميين إجمالا، وليس العلويين- الفاطميين فحسب، حوالي 800 ألف، وهذا يقارب الرقم الذي وصل إليه الجدول.
إن عدد العلويين، مع المبالغة الكبيرة يقارب المليونين في كل العالم، فيما العدد الذي يعتقد أنه يقرب من الواقع، دون أن يخلو من بعض المبالغة كذلك، نحو 635 ألفا (الرقم المقوس في الخانة الأخيرة من الجدول)، وبإسقاط الثلث الممثل للنساء منه، فإن عدد العلويين-الفاطميين لا يتجاوز 400 ألف، كون أعمدة النسب تقوم على الذكورة، ولتلاشي النساء في كل جيل من تلك الأعمدة، وارتباط أبنائهن بأنساب أخرى، إذا كان الزواج من غير علوي، وإذا كان من علوي فقد تم الاحتساب بطبيعة الحال.
وبناء على هذا الرقم يكون بين كل 20 ألفا من سكان العالم علوي واحد. قد يبدو الرقم مقبولا، إلا أن مبالغته ستظهر عندما نرجع بنفس النسبة إلى أيام الحسن والحسين فيكون عدد سكان العالم حينها أربعين ألفا فقط، وهذا غير واقعي، وأيضا إذا تكاثر كل شخص في العالم بنفس النسبة، وعلى افتراض أن عدد سكان العالم ذلك الوقت 10 ملايين فقط، فسيصير عدد سكان العالم راهنا أربعة آلاف مليار (4 تريليونات) نسمة.
عدا هذا لو افترضنا أن عدد الهاشميين وقت الحسن والحسين كان مئة شخص، وأعطيناهم نفس درجة التكاثر، فإن عدد الهاشميين وفق الحد الأدنى يصبح عشرين مليونا، بمعنى كل 375 من البشر في العالم يقابلهم هاشمي، وبحسب الحد الأعلى سيصل عددهم 100 مليون هاشمي مقابل 75 من سكان العالم.
الجدول راعى التزايد الأكثر من الواقعي في حساب العلويين- الفاطميين، مغفلا الاضطهادات والحروب التي حصدت أغلب العلويين في عهود إسلامية مختلفة، إذا أخذنا بمقولة المظلومية التي تشكل أساس خرافة الولاية-السلالة. إن العرب معنيون بمواجهة فكرية متعددة المسارات حازمة لمواجهة خرافات تحكمت بواقعهم لقرون، بينها خرافتا الولاية، والسلالة المترابطتين.
الجدول عام ولا يطعن في أنساب الأفراد، وإنما يحاول عقلنة جزئية ثقافية، تصدر ضحاياها أولئك المعتقدون بجذرهم النبوي.. يتبع.
- من كتاب خرافة السلالة والولاية
عناوين ذات صلة: