اهتماماتدراسات وبحوث
عن التكاثر اللامعقول للسلالة الطالبية (1)
أحمد الحميري يكتب عن التكاثر اللامعقول للسلالة الطالبية (1)
أدت مقولات الاصطفاء السلالي وربطها دينياً على أساس الفكر الشيعي إلى خلق ظاهرة تدافعٍ وتسابقٍ استمرت طيلة التاريخ الإسلامي نحو الانتساب للسلالة "المطهرة" لنيل امتيازات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذا ما يبدو جلياً في أمواج الادعاءات بالنسب الهاشمي وتحديدا العلوي الفاطمي الطالبي، حتى تجاوزت التقديرات في أقل عدد مطروح الثلاثين مليون فاطمي حول العالم.
ولنا أن نناقش هذا الأساس من الخرافة في النقاط التالية:
أولاً: المنطقية التأويلية للتكاثر اللامعقول:
باعتبار الاصطفاء السلالي حسب الفكر الشيعي هو أساس الدين فلابد من مستندات دينية توفر الغطاء الإيديولوجي للجزئيات المتصلة بالاصطفاء، ولما لم يكن في المرجعية الدينية الإسلامية ممثلة بالقرآن هذه المستندات فقد لجأ للبحث عن مداخل مؤيدة في السنة النبوية، سواء كانت صحيحة أو مختلقة.
ولما لم يجد في السنة ما يكفي، تم نبش كتب التاريخ، ولما عجزت النزعة الشيعية عن هذه وتلك، ولجت في محاولات تفسيرية وتأويلية للقرآن الكريم، كما في محاولة تبرير الكثرة غير الطبيعية لمنتسبي السلالة الهاشمية العلوية، الفاطمية، مستعينين بتأويل تعسفي لسورة الكوثر "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)".
فعمد الفكر الشيعي إلى تأويل "الكوثر" بفاطمة الزهراء رضي الله عنها وذريتها، بدليل كلمة "الأبتر"، التي يدخل في معانيها من لا عقب أو نسل له، فاستدلوا بها على إمكانية التكاثر اللامعقول لذرية النبي من فاطمة. وفي هذا الخصوص بالإمكان مناقشة التالي:
- ورد في أسباب نزول السورة أحاديث بعضها متضارب، وجميعها دون درجة الصحة، ويتمحور سبب النزول في قولين أساسيين، أحدهما، يفيد أنه عندما قَدِمَ كعب الأشرف اليهودي إلى مكة سُئل من بعض كفار قريش: هذا المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، فقال أنتم خير منه.
وثانيهما، أنها نزلت في العاص بن وائل السهمي عندما وصف النبي بعد وفاة ابنه القاسم، وقيل عبدالله، بأنه أبتر.
وبأخذ السبب الأول للنزول تنعدم دلالة لفظة الكوثر على فاطمة. وبأخذ السبب الثاني تكون دلالة الكوثر على فاطمة شبه منعدمة لأنها لم تكن قد ولدت، والفعل أعطيناك، ماضٍ.
- لم يرد في السنة أية إشارات إلى أن الكوثر هي فاطمة، ولم تسجل كتب السيرة والتاريخ إطلاق لقب الكوثر عليها، وما ورد يفيد أن الكوثر المقصود هو نهر في الجنة.
- سياق السورة يميل بلفظة الكوثر إلى معناها اللغوي، الخير الكثير، ولو تم التسليم بسبب النزول في غمز العاص بن وائل بانقطاع ذرية النبي، رغم أن مضمون الرواية لا ينسجم كون القاسم أو حتى عبدالله من أوائل أولاد النبي الذي كان حينها ما يزال شاباً وبإمكانه إنجاب المزيد من الأبناء، فالغمز هنا لا يستقيم بوفاة واحد أو اثنين من أولاده، لكن لو تم التسليم على أساس أي تخريجات يمكن قبولها كوصف القرشيين من أبطأ عليه الولد بالأبتر، فإن المعنى المجازي للفظة الأبتر هو الأقرب بقرينة عقلية مفادها أن العاص لم يكن منقطع النسل ولو كان كذلك لما غمز النبي ووصفه بالأبتر، فيكون المعنى أن مبغضك هو منقطع الذِكر والأثر، فيما النبي خالد الذكر بالخير الذي أعطاه الله.
ووفقاً للسياق يحتمل بشكل كبير أن الكوثر المقصود هو الرسالة والدين، فبالدين خلد الله النبي عليه الصلاة والسلام، أما القرينة بكون الكوثر هو الدين بما يتضمنه من خيري الدنيا والآخرة، قوله تع إلى "فصل لربك وأنحر"، والصلاة والنحر شعائر دينية لا علاقة لها بالإنجاب أو عدمه.
- تؤكد السورة ما سبق تناوله من أن النسل والذرية لا تمثل بحد ذاتها أية قيمة في السياق الديني.
- من أهم الشواهد الواقعية على عدم وجود فوارق في معدلات تكاثر النسل العلوي الفاطمي، الأخذ بمعدل التكاثر خلال ثلاثة قرون من بداية الهجرة إلى أواخر القرن الثالث، ولعل هذه الفترة من أنسب الفترات لقصر سلسلة النسب، وضعف فرص الادعاء وسهولة كشفه إذا حاول المدعي الترويج لانتسابه إلى البيت العلوي الفاطمي.
وبالنظر لمسار التكاثر خلال الفترة المحددة لا يجد المرء أية زيادات غير طبيعية سواء في نسل الحسن أو الحسين، بل إنه عند المقارنة بمتوسط عام لولادات بعض البيوت حينها قد تقل الولادات في البيت العلوي الفاطمي عن المتوسط المأخوذ.
كأمثلة على ذلك يقال إن الإمام علي أنجب أربعة عشر ولداً ذكراً، من أعقب منهم خمسة فقط فيما تسعة درجوا، أي انقطع نسلهم، ويقال إن الحسن أنجب أحد عشر ذكراً أعقب منهم اثنان فقط.
ويقال إن الحسين أنجب أربعة ذكور، أعقب منهم واحد فقط هو زين العابدين علي بن الحسين، ومن بين تسعة ذكور للأخير أعقب منهم ستة، وهكذا تتكاثر تفرعات سلسلتي الحسن والحسين في هذا الشخص من السلسلة وتضيق عند ثانٍ وتنقطع لدى ثالث، ما يجعلها كبقية السلاسل البشرية لا غريب فيها ولا عجيب تنطبق عليهم فترات الحمل البشرية بين سبعة وتسعة شهور، وكذا نِسَب التكاثر والولادات.
- من كتاب (خرافة السلالة والولاية)
الكتاب من الرابط: