تجهيل المرأة - طريق الإمامة إلى إخضاع الشعب
د. لمياء الكندي تكتب حول: تجهيل المرأة - طريق الإمامة إلى إخضاع الشعب
من خلال عقود قليلة سابقة لثورة السادس والعشرين من سبتمبر يمكننا رصد وتصور، وضع المجتمع اليمني ككل، وتقسماته الطبقية، ومستوى دخله وطرق وأساليب حياته، ومستوى تعليمه، وغيرها من المسائل العامة التي يمكن من خلالها أن نصل إلى قناعات وتصورات عامة وخاصة، حول طبيعة هذا المجتمع والقوى المحركة له، ودور النظام الحاكم، وتأثير النخب المتعلمة عليه، وتأثير السياسات الإمامية فيه، هذه السياسات التي انعكس تأثيرها بشكل مباشر على المرأة والمجتمع ككل ونؤكد هنا على المرأة، كونها محور التكوين الذي تقوم علية المجتمعات.
لذا فقد استهدفت الإمامة تاريخيا بمختلف الأساليب والسياسات المرأة اليمنية وقصدت إهانتها إما بتصويرها جارية في بيتها وأرضها، أو من خلال سبيها وجرها كغنيمة من غنائم الحروب والصراعات الإمامية المختلفة، بغرض إهانتها وإهانة القبائل التي تتبعها.
كان الأئمة يدركون أن المرأة الحرة القوية المنتمية لأرضها ودينها القوية بشخصيتها، وعلمها ومكانتها، تمثل نواة أي نهوض قد يعارض حكمهم.
من هنا كان الاستهداف المباشر للمرأة باعتبارها صاحبة المقام الأول في التربية والإعداد للفرد من خلال تصغير دورها وحصره في مربع الخدمة ومنعها من حق التعليم وربط فكرها بمسميات وأفعال الطاعة والاستسلام وشحن ذهنها بالخرافة والعقائد الزائفة واستعظام كبراء القوم وسادتهم، وعبادة أوثانهم وتبجيل نسائهم ومن ينتسب اليهم، وتربية أبنائهن على فقه الخضوع الإمامي، الذي كانت ترضعه الأمهات لصغارهن،
وقد توارثن الجهل من آبائهن وأمهاتهن، عبر مجموعة من التعاليم والعقائد التي غرستها المدرسة الفكرية والدينية الزيدية في أذهان العامة والتي انتقلت عبر المساجد إلى الناس بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم، ليتحقق أكبر قناعة بتعظيم آل البيت من المنتسبين للأسر الهاشمية ووجوب طاعتهم والامتثال إلى أوامرهم وطاعة حاضرهم، والتبرك بميتهم والدعاء لغائبهم.
لقد كان تجهيل المرأة وتربيتها على الذل والمسكنة والخضوع والجهل طريق الإمامة لامتلاك الدولة والمجتمع.
من هنا وجدت التشريعات الإمامية ذاتها وتعاليمها تتحول إلى سلوك اعتيادي يمارسه الناس بطبيعة فطرية فباتوا يتقبلون الظلم دون أن يطالبوا بمحاسبة الظالمين، ويتجرعون الجوع رغم أنهم يقدمون بأيديهم غلال أرضهم إلى عامل الإمام وجابي الزكاة،
وعندما تسري فيهم الأمراض والأوجاع تراهم يبادرون إلى من خصوا أنفسهم بالتقوى والصلاح من الأسر الهاشمية للدعاء لمرضاهم ورفع الضر عن أجسادهم، أو الجدب والبلاء عن مدنهم وقراهم، وأولئك في الأساس هم سبب الجدب والمرض.
هكذا استهدفت التربية السياسية الإمامية الأسرة اليمنية بالجهل والتجهيل للعارفين وللمعارف كي تضمن بذلك بقاء قبضتها وتزيد من أمد سلطتها على الشعب.
إن استهداف المرأة وتشويه دورها كمربية وكأم ومؤسسة أولى للبنات المجتمع يضع مستقبل الدولة والشعب نهبا لسلطات الدجل والتزييف والخرافة، وهذا بالفعل ما عانى منه اليمنيون لقرون طويلة، فانعكس على روح المجتمع وطبائعه وعقائده وفكره، وكيفية إدارة حياته ووقته،
كل ذلك كان معلقا ومرهونا بفتوى ما وتوجيه وتزكية من منتسبي البيت العلوي، الذي لا تحل البركات ولا تقبل الصوات إلا بتمام حضورهم ورضاهم، فلهم ترصد الاوقاف وتفتح صدور المجالس، وتجر الغلال وتصلح الأحوال، وعلى الرغم من أن الشعب كان يرى خرابه بعينيه، ولكن زيف العقيدة التي زرعتها الإمامة في عقولهم ونفوسهم كان أكبر من أن يفتحوا أعينهم أو يطلقوا ألسنتهم وأيديهم لتغيير هذا المنكر الإمامي الرجيم.
ولنا أن ندرك كيف أنه ما إن بدأ يظهر في المجتمع عدد من المتعلمين والمتنورين كيف بدأت عجلة التاريخ بالنسبة لإمامة الزيدية تتراجع بل وتتوقف، لصالح قوى التنوير والثورة وهذا ما يبرر تبنيهم للجهل والإفقار ووصم المجتمع المحكوم به طيلة قرون من حكمهم.
وتحت هذه الراية الإمامية البغيضة يطالعنا متوردو اليوم من البيت الإمامي ذاته "الحوثيون"، كي يمنعوا على الناس أرزاقهم ويمنعوا عن موظفي الدولة رواتبهم، ويستهدفوا التعلم ويسعوا إلى تغيير المناهج التعليمية، ويضعفوا من دور ومكانة المرأة والمتعلمين، وخريجي الجامعات، وحملة الشهادات الدراسات العليا، ويسلبوهم ثقتهم بأنفسهم وينزعوا ثقة الشعب بالدور الطليعي للفئات المتنورة والمتعلمة المتحررة من كهنوت الامامة.
يمارس الكهنوت كل ذلك وأكثر كي تكتمل مشاريع التجهيل والحكم لصالحهم، إنها معركة العلم ضد الجهل، معركة المرأة المربية والمربي وكل فرد في المجتمع، من أجل استعادة الروح الحضارية للذات اليمنية، كي نتغلب على عقد النقص والجهل التي يسعى إماميو الهواشم إلى ترسيخها عقيدة وسلوكا في حياتنا ووجودنا.
على كل أب أن يخلق الثقة الكاملة في بناته، أمهات المستقبل ومربيات الأجيال ويزرع طريقهن بالعلم كي يحظى أبناء المستقبل ورجاله ودولته ومجتمعه بالحياة الكريمة.. إنها معادلة منصفة يا هؤلاء: إذا أنصفنا المرأة أنصفتنا الحياة.
عناوين ذات صلة: