آراء

متى تتحول رواية الرهينة لعمل سينمائي ضخم؟

رداد سنان يكتب: متى تتحول رواية الرهينة لعمل سينمائي ضخم؟

يتحدثون عن الإرتقاء بالنقد ولم يُحدثوا أنفسهم عن الإرتقاء بأعمالهم. من الطبيعي أن تخلِف الأعمال الوضيعة انتقاداتٍ وضيعة.

لا يوجد هذا العام أصلا عمل يمني هادف يمكن انتقاد جانب بسيط منه انتقاداً بناءً ليتحول نحو الأفضل، كل المواضيع والسيناريوهات وضيعة وأغلبها مكررة المضمون خالية من روح التجديد، توزيع الأدور العشوائي وطريقة التمثيل المبتذلة،
حتى الممثلين ليسوا قادرين على الخروج من قوقعة التفاهة والتهريج المطبقين على أنفسهم فيه حتى الجانب والدور الوحيد المتصنعين لقدرتهم على أدائه من الطبيعي تظهر فيه كل هذه الكمية من السذاجة مادام مبنياً أساساً على الغاية المستهلكة والمحتوى المبني على الركاكة.
التمثيل وجد لغاية استشفاف وتفجير كل المشاعر الموجودة في خلد ووجدان الإنسان. وجد ليُشعل حماسك ولهفتك وغضبك وحزنك. وُجِد ليجعل دمك من فرط تدفقه ينزف، ليجعل دموعك تنهمر، وُجد ليقتلك ويميتك ترقباً وخوفاً وجزعاً وولعاً وهزيمة، وُجدَ لحييك نشوةً ونصراً وفرحاً وأنت في مكانك صامت ومتستمر.. ساكت وساكن بلا حراك.
ولا واحد من كل هذه المشاعر راودني وأنا أشاهد مسلسلا يمنيا ومن أجل المصداقية في مشاهد نادرة مصممة على أنها مأساوية لكن من قوة الأداء وشدة تأثري حصلت لي إعاقة في المشاعر وبدل ما أبكي رجعت أضحك على شدة سخافتهم.
الجزء الأول من (غربة البن) برأيي هو المسلسل الوحيد الذي حقق قفزة نوعية بسيطة في عالم الفن اليمني لأن المسلسل بني على رواية وقصة شعبية محكمة الحبكة رغم كل الثغرات التي شابته ولكن لابأس به كبداية، لذلك الروايات الطويلة مادة دسمة وأساسية لأي عمل فني، عالمياً كان أم عربياً، فكلا الفنان يحتاجان إلى قصة محكمة وحبكة ذكية ونهاية مثيرة للدهشة؛ ما يجعلهما يرتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، فتُكمل الصورة خيال الكلمة، وتصنع الكلمة الحدث والشخصيات في الصورة، وللوصول إلى حالة شبه الكمال الفني هذه، لا بدّ أن يرى المخرج من عين الكاتب، وأن يستمتع الكاتب برؤية المخرج لعمله.
وتقريباً نجد كل الأعمال الفنية العظيمة مبنية على روايات عظيمة لمؤلفين جهابذة، كمسلسل GOT المبني على رواية (صراع العروش لجورج مارتن) وفيلم (الكرنك) المصري المبني على رواية (الكرنك) لنجيب محفوظ، و(الفيل الأزرق) للروائي أحمد مراد، ورواية (المريخي) التي رغم أنها كانت أول أعمال الكاتب الأمريكي (أندي وير) فقد تم تحويلها إلى عمل سينمائي بنفس العنوان (Marstian) فاز الفلم بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وفاز بطل الفلم الممثل العظيم (مات ديمون) بجائز الأوسكار لأفضل ممثل،
حتى سلسلة كتب هاري بوتر السبعة أشتهرت بفضل سلسلة أفلام هاري وساعدت (جي كي رولينغ) على التوغل بشكل أعمق في مخيلتها لتبدع بشكل أكبر وأصدرت بعدها في عام 2001 رواية (الوحوش المذهلة) التي تم تحويلها مؤخراً إلى سلسلة الأفلام المشهورة التي تحمل نفس الاسم.
ليست أعمالا مبنية على تخديرة ممثل هرب من المدرسة في صف رابع وقلب نفسه مؤلفا ومنتجا ومخرجا ورائد فضاء بنفس الوقت. إذا أنت مبدع بالفطرة في مجال محدد لا تتعداه وتعصد أم الشغلة، على الأقل لازم يعرف كل واحد قدره ويلتزم بحدوده وتخصصه، وماذا نتوقع مثلاً من إعلامي متخرج على يد رصين الرصين ومتأثر بعقليته الضحلة ومقيد بسلاسل التخلف حقه ومنتظرين منهم يبدعوا في عملهم وفي إدارة السلك الإعلامي والفني.. أقصد معظم إعلاميينا سواء غازي أو وغيره.
إذا ما سمحت لكم الإمكانيات وانعدم المحتوى واختفت المواضيع وضعفت الميزانية لا تمرضونا بأعمالكم التافهة ولا تبهذلوا بأنفسكم.
بعيداً عن هذا الموضوع المستهلك، 7عقود مرت منذ قيام الجمهورية ولم نجد حتى الآن عملاً فنياً واحداً يدور حول أهم فترة عرفها الجمهوريون وأقذر فترة عرفتها اليمن، هل سنعيش حتى ذلك اليوم الذي نجد فيه عملاً فنياً سينمائياً عظيماً وجريئاً وصاخباً يخلد رواية الرهينة ويخلد تلك الحوارات البليغة والشيقة وتلك الحقائق المرة وتلك الفترة الزمنية من تاريخ اليمن ويكشف للأجيال حجم ومدى قذراة تلك الحقبة.
حتى تاريخنا.. تاريخنا مثله السوريون وأضافوا وحذفوا وشوهوا على حسب رغبة الممول في (مسلسل بلقيس) و(مسلسل ذو يزن).
6 عقود تقريباً مرت على رواية الرهينة ولم نجد حتى الآن أي عمل فني أو حتى فيلم وثائقي أو برنامج ثقافي عابر يتحدث عنها ويخلد عظمتها ويرسخ حقائق الحقبة الزمنية السوداء في أذهان الأجيال القادمة، الحقائق التي أزالت وجه القداسة عن أخبث سرطان وأقذر سلالة عرفتها اليمن
وأكثر ما يحز في النفس بأنه حتى هذه الرواية بكل عظمتها ورغم شهرتها التي تعدت الحدود الإقليمية لا يعرفها عنها ولم يقرأها من اليمنيين أنفسهم إلا أشخاص بعدد الأصابع.
السينما وحدها هي التي استطاعت بشكل كبير ترسيخ تجارب وحضارات وثقافات وإنجازات ومآسٍ وكوارث وعبقرية الشعوب في أنصع وأمتع وأبدع الصور التي يمكن أن يتخليها الدماغ البشري..
هذا الجانب الفني المبتكر هو أكثر الطرق حدة وقدرة على التأثير والإلهام، تخيلوا فقط جيل الأطفال الذي يشاهد أعمالا منحطة مثل كشكوش وتمرانة وزنبقة وشوتر وخفيف وحنش وزين العابدين أبلان؟
تخيلوا حجم التأثير السلبي ونوع الإلهام الذي تصدره وتزرعة هذه المسلسلات في مخيلات جيل المستقبل؟ متى سنتخلص من كل هذه الرداءة والنتانة المفرطة حد الإغماء؟!
بدأت ألحظ بأنه من بعد الألفية الثانية بدأ تعاظم وتزايد الرؤى المستقبلية والخيالية في السينما الغربية وبالتحديد هوليود بشكل مهول وفظيع.
لقد أكمل المؤلفون هناك الماضي وانتهوا من الحاضر وداخلون على المستقبل، ونحن جالسون نقرأ ولالو ولالو ونسمع مواعظ المومري وطرب الشويع وحانبون نحن والعديني عند ملابس سالي حمادة!
عناوين ذات صلة:
زر الذهاب إلى الأعلى