بين احترامنا لليهودية كدين.. ودفاعنا عن فلسطين
عبدالقوي العديني يكتب: بين احترامنا لليهودية كدين.. ودفاعنا عن فلسطين
عندما أنبأنا القرآن الكريم بأخبار اليهود، كان في ذلك للحذر من مكرهم، وليس من اليهودية كدين .. ذلك أن اليهود كعرق عرفوا بالدهاء والمكر والأهواء، وبأنهم كأمة بلغوا من الصلف والتعنت حدًا جادلوا فيه الأنبياء، وحاربوا الرسل، وعلقوا العمل بما جاء في التوراة، وما تنزل من تعاليم على الرسل، وقد علموا أنه الحق.
وفي عصرنا هذا دول ليست مسلمة ولم يتصدر دساتيرها عبارة "الإسلام المصدر الأول للتشريع"، لكنها جسدت تعاليم الإسلام وقيمه ومبادئه، في حين غاب وتلاشى كل ذلك، وعلق العمل به في بلاد المسلمين.
لقد ساد الظلم ديار المسلمين، وعم الكذب والخداع والغش والتهاون بتطبيق تعاليم الإسلام، وتعمقت الخلافات وتفاقم الشقاق، وأصبح المسلمون يقعون في مواطن الباطل ويدينون غيرهم؛ ويأتون ما نهوا عنه وازدروه في غيرهم من الشعوب والأديان.
ينتقدون عنصرية اليهود ويمارسونها ضد اليهود .. في خلط عجيب؛ وهم يعلمون أن القرآن حثنا على الحذر من خطورة بني إسرائيل؛ لا لتغذية العنصرية بين عباد الله ومخلوقاته؛ أيًا كان دينهم أو معتقداتهم . ولعل هذا التفسير هو المنطقي الذي يليق بعظمة الله خالق هذا الكون، الحكيم العليم بديع السموات والأرض، الرحمن الرحيم.
وفي قصص القرآن وردت الآيات والأحداث للتوعية وتهذيب الإنسان، ولتصويب سلوكه وتتميم مكارم الأخلاق، ولم ترد بهدف تحريض المسلمين على بني إسرائيل أو معاملة الغير بالكراهية المجانبة للرحمة والمنافية لسماحة الإسلام، وهو الدين الحنيف .. إنما نزلت تلك الآيات لتحذر المسلمين من مخالفة تعاليم الإسلام كبني إسرائيل الذين خالفوا الدين، فكانوا عبرة وعظة لمن بعدهم من الأمم، وحتى لا ترد الأمم التي بعدهم موارد الهلاك مثل من سبقهم من أمم ضلت الطريق.. والتحذير لا يعمم بالضرورة على أتباع اليهودية من الصالحين في الأزمنة التي تلت مرحلة العذاب الذي نزل بالمخالفين والمحرفين الذين كانوا قبل الإسلام أو عايشوا النبي الخاتم وحاربوه.
بمعنى آخر؛ الله سبحانه وتع إلى نبه نبينا وأتباعه من بني إسرائيل المتصفين بالمكر والدهاء؛ وقد يكون في ذلك مدح لقدراتهم وعلمهم، وأيضًا نقد لمجانبتهم تعاليم يهوديتهم الأولى؛ ولا أحسب أن النصوص القرآنية التي تنتقد سلوكيات، تطالب أتباع محمد بأن يكونوا على قدر مناقض للذكاء والعلم، وأن تطالبهم بأن يكونوا سذجاً، بلا مهارات، أو بقدرات متواضعة وبسيطة تبلغ بهم حد الجهل والعشوائية والتناحر... وإلا لأقررنا ما وصل إليه المسلمون من تدهور، ولأصبح مثل هذا التفكير عقيمًا وتفسيرًا سطحيًا لما جاء به القرآن الكريم.
ولا شك أن تدوين وفبركة قصص وأحداث لم تقع على لسان بعض رواة السيرة النبوية، قد أسهمت في تشجيع ثقافة العنصرية ضد اليهود، ولم تخدم الإسلام، بل أضرت به. من ذلك حكاية حكم الأنصاري سعد بن معاذ ضد يهود بني قريضة، والقاضي بقتل رجالهم وأطفالهم، وسبي نسائهم.
ولا أريد الحديث عن كيف كان وقع هذه القصة عليَّ وأنا طفل في الصف السادس الابتدائي، وكيف كنت أسمع الأستاذ بوجل وخوف، وأنا أتمنى أن يستثني أطفالهم قبل أن ينطق سعد بن معاذ بحكمه أمام الرسول على يهود بني قريضة الذين نكثوا بالعهد.
لقد كانت الحبكة أشبه بأفلام الرعب التي نشاهدها في هذا العصر .. ورغم عدم مطابقتها لشخصية النبي وسماحة الدين، فإنها بقيت تتناقل وتدرس وتفسر دون غربلة أو مراجعة وحذف.
وفي عصرنا الحاضر، فإن مشكلتنا كعرب أو كمسلمين، يجب أن تصحح وتوضح، وإلا يفهم أننا كعرب ومسلمين ضد أتباع الديانة اليهودية كدين، إنما الصراع مع من يحتل أرض الشعب الفلسطيني.
يجب تكريس هذا الوعي وتعميمه على كل مسلم يؤمن بالكتب السماوية، و على كل مسلم يقر بقانون الله في كتابه المبين "لا إكراه في الدين"..
والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بُعث رحمة للعالمين، ورسالته أقرت الأديان؛ واعتبر الإيمان بها ركنًا من أركان الإيمان.
علينا كمسلمين أن نعزز قيم السلام؛ وأن نعمل على توضبح صورة الشخصية المسلمة ونظرتها لليهود كدين وكشعب .. ينبغي أن يكون ذلك في مقدمة القضايا والمعاملات التي يجب مراجعتها من منطلق إنساني وديني يقوم على أساس العدل والتراحم وعدم الوقوع في نزق التعالي أو التحقير، والنأي عن مواجهة المحتل بثقافة وعنصرية مضادة، أو بنفس وسائله وفكره الصهيوني الذي ننبذه وندينه.
فالسلام كمبدأ ليس له مكان في قواميس وأجندة المحتل الإسرائيلي لأرض فلسطين، لكنه يمثل جوهر الدين والعقيدة عملًا ومعنى.
وعودًا على بدء، وفي ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، لا ننسى أن هناك حاخامات يهوداً، وفي مواقف ومناسبات كثيرة، يعارضون الحصار المفروض على غزة، بل يعتبرون الأعمال التي تقترفها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني أعمالًا نازية تذكرهم بمحرقة الهولوكوست في أيلول 1939، قتل فيها ملايين اليهود على أساس عرقي.
ولذا ينبغي أن نصحح أفكارنا وقناعاتنا السياسية، وأن نرتقي بها بعيدًا عن خطاب الكراهية، وأن نفرق بين سياسة الصهيونية وأيديولوجية وأطماع إسرائيل ككيان محتل، وبين اليهود كدين.
الشعب الفلسطيني كافح المحتلين، وناهض المستعمرين وسياساتهم الاستيطانية والتوسعية، ومازال؛ وذلك حق مشروع له وواجب عليه، وهو مع كل ذلك، ورغم جراحاته ومآسيه، مؤمن بالسلام ومتمسك بغصن الزيتون.
علينا أن نفكر بمعاناة اليهود كشعب؛ بل أن توجه كل الدول العربية والإسلامية الدعوة لليهود ليعودوا آمنين لأوطانهم.
ونحن كيمنيين ندعو اليهود من أبناء الشعب اليمني المغرر بهم، للعودة إلى وطنهم اليمن معززين مكرمين ومواطنين صالحين، ليشاركوا معنا في بناء الوطن .. وعلى يهود العالم أن يعودوا إلى اوطانهم والدول التي هجروها أو هُجروا منها.
لن يكون لدينا مشكلة في حالة عودة اليهود بظل دولة عادلة ورشيدة؛ دولة دستورية مصدرها الأول للتشريع النظام والقانون، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار والحقوق المتساوية لكل المواطنين دون تمييز.
وحقيقة، فإن اعتبار الإسلام المصدر الوحيد أو الأول في دساتير معظم الدول العربية والإسلامية ومنها اليمن، لم يجنبها الحروب، ولم يحمها من الصراع والفرقة، ولم يحمها من الضعف والوهن، وكانت النتيجة تشويه شخصية الدولة وتجميد كل مؤسساتها ووظائفها ومقوماتها الحيوية والسيادية، وادخلت البلاد في نفق مظلم.
آخر القول: نتعاطف مع أتباع اليهودية، لأنهم وقعوا ضحية أطماع الصهيونية وزعمائهم السياسيين الذين يلهثون وراء المال، ولم يترددوا في استغلال معاناة شعبهم وكراهية العالم لهم في كل أرض نزلوا فيها ..
والسلام على من أتبع الهدى.
عناوين ذات صلة: