المبادئ لا تتجزأ
هيثم العبدي يكتب: المبادئ لا تتجزأ
زارتنا مطلع أبريل الماضي العزيزة وميض شاكر بصحبة الصحفي والصديق العزيز هلال الجمرة. خلال الزيارة التي استمرت عدة أيام، خضنا معها نقاشات مطولة ومتنوعة في مختلف القضايا والأحداث، كانت وميض خلالها مميزة في طرحها، إذ بنَت آراءها على معايير وقيم ومبادئ ثابتة وخالية من العاطفة والعصبيات الضيقة، وهذا ما جعل رؤاها واستنتاجاتها منصفة ومنطقية وتلقى تأييد الجميع.
اليوم وفي وسط الجدال واللغط الحاصل بسبب تكريم حماس لأحد قيادات الحوثي في صنعاء، عادت بي الذاكرة لحديثنا عن القضية الفلسطينة أثناء زيارة وميض وهلال. قلت يومها إن خلافات الفلسطينيين قد أساءت لقضيتهم وأضعفتها رغم عدالتها، وأن القيادة الفلسطينية خلال العشرين عاما الأخيرة قد طغى عليها مصالح الحركة والاستقطابات الخارجية أكثر من مصلحة القضية والتحرير، وأنه من المؤلم أن تظل الفصائل الفلسطينية لسنوات طويلة مقسمة وعاجزة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإن كانت هذه الحكومة كسلطة معلقة في طواحين الهواء بسبب استمرار الاحتلال. كل هذا، خفف بدوره من قدرة السلطة الفلسطينية على عكس قضيتهم للمجتمع الدولي بزخم أكبر.
استمعت وميض لرأيي بإنصات، وقالت: مما لاشك فيه أن للقيادة أخطاء وعليها تصحيحها، لكنني متعاطفة مع الفلسطينيين ومؤيدة بقوة لنضال الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه المحتلة وإقامة دولته على كامل التراب، وتأييدي هذا ليس نابعا من عصبية عربية، وإنما لأنه يحمل على عاتقه قضية عادلة، والقضايا العادلة هي شارة البوصلة لتوجيهنا إلى أين يمكن أن نقف، ولو أن دولة عربية مثلاً احتلت أراضي دولة أخرى وشردت شعبها في المنافي والشتات لأيدت أصحاب الأرض لامتلاكهم الحق، والحق أحق أن تكون مواقفنا في صفوفه.
فكرة (عدالة القضية) كترمومتر قيمي للمواقف والآراء الذي أثارته وميض، ذكرني بمقالة قديمة للعزيز عبدالاله المنحمي تمحورت حول نفس الفكرة.
لقد استشهد زميلنا في مقالته بموقف سارتر، الضمير والروحي للثورة الفرنسية، فحين احتل النازيون بلده، حرض الفيلسوف الفرنسي على مقاومة الألمان وعدم الاستسلام لبطشهم مهما اختلت موازين القوى لأن قضيتهم عادلة والقضايا العادلة تستحق الموت في سبيلها. سُحقت النازية فيما بعد، لكن القضية العادلة التي ألهمت سارتر للنضال ضد الألمان، ألهمته ايضاً الوقوف إلى جانب الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، فالمبادئ لا تُجزأ، وموقفه من الاحتلال الألماني لبلده هو نفس موقفه من احتلال بلده بلدا عربيا.
اعود لموضوع المقال، إن تكريم حماس للحوثي يكشف عن ازدواجية معايير تعيشها الحركة، ولتوضيح هذه الازدواجية سنفندها بمقارنات لمواقف الحركة من أحداث متشابهة بين اليمن وفلسطين، فمثلا هناك جماعات دينية راديكالية متعصبة اجتمعت واتجهت صوب الأراضي الفلسطينية وبنت دولتها اليهودية على أجساد الفلسطينيين وبؤسهم وتشريدهم من منازلهم، وفي المقابل هناك جماعة دينية راديكالية عرقية تريد أن تقيم دولتها الطائفية على أجساد اليمنيين وبؤسهم وتشردهم من منازلهم.
أيضا، منعت إسرائيل الفلسطينيين من إقامة دولتهم، وفي المقابل نسفت جماعة الحوثي الطائفية الدولة اليمنية وتقف حجر عثرة أمام أي بوادر لعودتها من جديد.
تقتحم إسرائيل المسجد الأقصى في تعدٍّ واضح على معتقدات المخالفين، وبالوقت نفسه اقتحمت جماعة الحوثي جميع المساجد ومنعت بعض الشعائر كصلاة التراويح واحتلت المنابر بالقوة القهرية.
قصفت إسرائيل بيوت المواطنين الفلسطينيين بالطائرات، ونسفت جماعة الحوثي بيوت اليمنيين بالديناميت وأجبرتهم على النزوح والمعاناة.
تتشابه المعطيات والسلوكيات بين إسرائيل وجماعة الحوثي بل إن الضحايا اليمنيين خلال عقد ونصف العقد من الزمن لهذه الجماعة الٳرهابية يفوق بعشرات الأضعاف الضحايا الفلسطينيين للإرهاب الإسرائيلي خلال سبعة عقود كاملة.
لكن، ما الذي يجعل حماس، التي تناضل في فلسطين، تكرم ظالم في بلد آخر يمارس ما تقاتل حماس ضده في بلدها؟ الجواب هو عدم اعتقادها بمبدأ القضية العادلة، فمادامت حماس تقسم وتجزئ المبادئ، فلا قضية عادلة لديها، لا أمام الفلسطينيين، ولا اليمنيين أيضا. هذا الخلل البنيوي هو الذي جعل اليمنيين يجزئون بل يفتتون احترامهم لحماس التي كرمت محتلاً شبيهاً بالصهاينة.
حماس لا تحمل القضية الفلسطينية، ولا يحملها من كرمتهم ومن هم على شاكلتها مجزأين، بل يحملها الفلسطينيون واليمنيون، ومن هم على ضميرنا، أصحاب الحق وأصحاب القضايا العادلة، لا أصحاب المصالح الطائفية.
عناوين ذات صلة: