آراء

في اربعينية فقيد اليمن الكبير الشيخ أحمد عباد شريف: ذكريات ومواقف

اللواء حسين العجي العواضي يكتب: في اربعينية فقيد اليمن الكبير الشيخ أحمد عباد شريف: ذكريات ومواقف


حاولت أن أبدأ تأبينه، ببيتين من الشعر، فلم أجد أبلغ مما قاله الشاعر الأمير خالد الفيصل:

يموت الشجر واقف..
وظل الشجر ما مات
رياح الدهر تصرخ..
وهي تجرح اجنوبه
لك الله شجر للموت..
ما ترخي الهمات
بقت وقفتك يا رافع الرأس مهيوبة
...............
نعم..
ظِلكَ حاضر مجدٍ، وذاكرة تأريخ، صنعتها أيها الشامخ الكبير، وأسفار مكتوبة، عبّرت عنها وسائل ووسائط
العصر، وتلك الأفواج المتدفقة من البشر، في رحلة وداعك الأخيرة.

رحلت، لكن ظلك حاضر في أبناء تركتهم بعدك نفاخر بهم كما نفاخر بك..

لم ترحل لأن ظلك حبٌ غرسته في قلوبنا.

.. ولم ترحل أيضاً.. لأن ظلك احترام وإجلال، حيثما حللت، وعند من ذُكرت.

كانت رغبتك شديدة، كما علمت، لاختيار الشهر واليوم وكان لك ما اردت، وكان اختيارا موفقاََ وكانت عظمة الاختيار في انه تلبيةََ لقضاء العزيز الجبار وقدره.

اكتمل رمضان ٣٠ يوم، وختمت آخر جزءٍ من القرآن، ثم قررت الرحيل. كان قرارا قاسيا ومؤلما بالنسبة لنا. نسأل الله لك الجنة ولنا الصبر.

كنتُ للتو، عائد من الرياض إلى القاهرة، وعلمت أنه في وضعٍ صحي حرج وأنه مصابٌ ب"كورونا". اتصلت فوراََ بابنه ناصر للإطمئنان طالباً زيارته، فأفاد بأن الأطباء حالياً عنده، وأنه (أي ناصر) بعد خروجهم سوف يتصل بي.

كانت الساعة الحادية عشرة مساءً.. بعد ذلك بساعة جاءني اتصال من ابني جازم: "انتقل إلى الرفيق الأعلى الشيخ أحمد عباد شُريف".

صدمني الخبر، حتى أوهنني، إلى درجة أنه هدد قدرتي على الذهاب لرؤيته ووداعه، لكني تماسكت فوصلت إلى حضرته. وبالرغم من محاولة أولاده والأطباء التصدي لي، كشفت الرداء عن وجهه وصدره وقبّلته واحتضنته، طوييييلاً، وجلست بجواره لأكثر من نصف ساعة.

كانت ابتسامته عريضة ووجهه ذلك المعهود بالبشاشة والالفة ودموعي، تستحضر الزمن والأمكنة والمواقف، على امتداد خمسين عاماً بحلوها ومرها. لحظتها، شعرت بطول الزمن وقصر العمر، وترسخ لدي، انه ليس لك إلا ما صنعت من عمل صالح وحسن تجده أمامك، أو أثر وتأريخ مشرف ومحترم تتركه خلفك ، ويعتز به من بعدك.

وانا أحاول اليوم أن اكتب عن الأخ والصديق والصاحب والانسان والمناضل والشيخ أحمد عباد، رحمه الله، فإنني أشعر بالعجز أمام وفرة حضور الفقيد وتأريخه الكثيف في ذهني وعقلي.

أريد أن أقول شيئاً عنه، ولا اريد أن أثقّل على القارئ، بالرغم من أن قراءة تأريخ ومآثر الكبار قراءة للأوطان وأخذاََ للدروس والعبر، ولأن فيها وبها ومنها، نستطيع ان نعرف الماضي، ونستشرف المستقبل، وأن نعلي بذكرهم شأن قيم الرجولة والوطنية والتضحية والنبل.

عرفتُ الفقيد، رحمه الله، سنة 1973، في منطقة "عين" – مديرية "بيحان"، في منزل المناضل ناصر احمد بلغيث، بحضور كما اتذكر المناضلين؛ ناصر برقوق ، وأحمد السيد، وكان الجميع بما فيهم الفقيد، قياديين فاعلين في "منظمة المقاومين الثوريين".
.
كنت، في الـ12 من العمر تقريباََ، وقد وصلت الي "بيحان" ، رفقة ثلاثة شبّان من قبيلتي، بعد رحلة شاقة استغرقت ثلاثة أيام، عبر الجبال والشعاب، نتهرب من الشمال إلى الجنوب ، وكانت وجهتنا الإلتحاق بمدرسة "أبناء البدو الرُحّل" في منطقة "النُقُوب"، ببحان" لم اكن في سن يؤهلني لتقييم الرجال، لكن هدوءه وسؤاله، بعد ان عرف من انا عن أحوال قومي وعن خي الاكبر المرحوم عبدربه العجي، ، وعن والدتي، جذبني إليه، فظل وجهه حاضرا في ذهني واسمه كان يحظر ويبرز في كثير من المواقف والاحداث.

كان الجنوب، بعد مقتل الرئيسين "الغشمي" و"سالمين" ، في حالة دفاع عسكري وسياسي، وكانت الناس تهرب من الجنوب إلى الشمال، فإذا بالانقلاب الناصري في صنعاء 15 اكتوبر 1978، ينقل الجنوب من موقع الدفاع إلى موضع الهجوم.
والناس من الشمال، قيادات سياسية وعسكرية، وشيوخ وشباب، تتدفق أفواجاً إلى الجنوب، وكنت واحداً من هؤلاء الناس، الذين وصلوا إلى مدينة "العليا"، مركز مديرية "بيحان"، يرافقني الشيخ الشهيد مهدي ناجي العواضي، رحمه الله.

وجدت الفقيد أحمد عباد شريف، ومعه الصديق العزيز الشيخ عبدالله أحمد مجيديع، .

لم يكونا (شريف ومجيديع)، متحمسين جهتي لأن ابن عمي انشق حديثاً عنهما وأعلن ولاءه لنظام صنعاء، ومع ذلك؛ لم يقفا ضدي، بل ساهما في تسهيل لقائي بالمناضلَين الكبيرَين؛ علي عنتر وعلي شائع، ومعهم الشيخ مجاهد القهالي.
كنت صغير السن لكن المعانات واليتم والتشرد وروح التطلع قد كونت لدي الجرأة في محاولة التعاطي مع الشان العام.

وكانا عنتر وشائع من القيادات، التي لا تحتاج بعد أن تعرف باسمك، إلى من يعرفهم بأسرتك وقومك ومنطقتك ووزنك وإلى أي جهة تنتمي أو تميل. عرضو علي السلاح لترتيب الانخراط في المعركة، لكني طلبت الالتحاق بالكليه العسكريه، ووافقوا على ذلك، بعد تندرات عنتر المعروفه. اذكر منها بشرى خير ان يرفع القبيلي السلاح ويطلب التعليم.

وأستطيع أن أقول إن ذلك اللقاء ورحلتي معهم (عنتر وشائع والقهالي) على متن "الهيلو كبتر" إلى عدن، للالتحاق بالكلية العسكرية شكلت بداية رحلة حياتي السياسية والعملية.

ومنذ ذلك اللقاء في "العليا"، مع الشاب المتحفز والرصين الحذر، العارف بالناس والمحب "لآل عواض"، والقيادي البارز أحمد عباد شريف ترسخت علاقتنا لتستمر دون انقطاع حتى وفاته.

وفي أول نزول له إلى عدن، زارني إلى معسكر التدريب في "صلاح الدين". وكنت أزوره عندما يأتي إلى عدن، وأطرح عليه مطالبي وهمومي، وكان يعاملني بمحبة واحترام، بالرغم من كل الوشايات والالتباسات التي تصله والتي كنت أعاني منها؛ لأنني لم أكن مؤطراً لأي حزب بما في ذلك الناصريين، الذي كنت محسوبا عليهم، لقربي من الفقيد الشيخ علوي العواضي، والمناضل علي عبدربه القاضي ولقناعتي وآرائي الشخصية التي كان يظهر عليها حبي للزعيم الخالد جمال عبد الناصر. بالرغم من كل شئ، كان الفقيد أحمد عباد، يهتم بي ويُظهر لي إعجابه بي، ويحفزني دائماً.

سارت حياة أحمد عباد شريف، على الخط الوطني المستقيم، وفي قلب العمل السياسي ومعمعته. وكان دائما مصطفاً سياسياً، وحيث يصطف كان يقف بكل صدق، وشجاعة، ويحظى باحترام خصومه لصدقه وأدبه وشفافيته.

كان الفقيد، من القيادات الوازنة داخل الجبهة الوطنية، لحضوره السياسي وثقله المجتمعي، وبالذات القبلي منه، وقدرته على الفعل.

برز دوره ووزنه، بشكل أكبر، عندما دبّت الخلافات داخل قيادات الحزب الاشتراكي اليمني. وبعد إزاحة عبدالفتاح إسماعيل، حيث حدثت اصطفافات في الحزب، فاصطف أحمد عباد إلى جانب عنتر وشائع، ولكنه عُرفَ ايضاً، وأنا أكتبُ هنا وله رفاق درب عائشون، عُرف بحرصه على رأب الصدع، وكان من القيادات القلائل، الذين يبدون رأيهم بشجاعة ووضوح في اللقاءات الثنائية مع الحلفاء والخصوم، وفي اجتماعات الهيئات القيادية للحزب، ما جعله محط احترام الجميع.

استطاع أن يكون عضواً قيادياً كبيراً في الحزب الاشتراكي اليمني، وحافظ على مكانته كشيخ قبلي كبير بالرغم من حملات التحريض ضد كل من ينتمي إلى الحزب الاشتراكي، ولم تؤثر قيمته ومكانته القبلية على صدق انتمائه الحزبي والتنظيمي.

عمل علي عبدالله صالح، على احتوائه مراراً، وكان لا يُمانع من الاقتراب من "صالح"، لكن شخصية الرجل الصلبة، وعدم استجابته، لتمرير بعض المواقف التي لا تنسجم مع قناعاته أو التي ممكن أن يُلام فيها أو عليها، كانت دائماً، تقف حجر عثرة في طريق علاقة الرجلين (صالح وشُريف)، ولهذا لم يمكنه صالح من أي عمل رسمي.

بعد حرب صيف 1994، كنت أتشارك مع الفقيد الراي؛ بأن الحزب الاشتراكي انكسر كقوة توازن وطنية، وأن انكساره بالتالي انكسار للقوى التقدمية في مواجهة القوى التقليدية، وأنه حتى يجبر هذا الكسر، من المهم الاستفادة من قوة المجتمع والارتكاز عليها لكبح جموح النظام، وبالذات الجانب القبلي. وكان الشهيدان جارالله عمر ومحمد عبدالملك المتوكل من أكثر القيادات السياسية اهتماما بهذه الفكرة. والشاب الصاعد والقريب من جارالله علي الصراري لم يكن بعيدا عن هذه الافكار.

في القاهرة بداية ١٩٩٥ كان جارالله عمر شديد الحرص على اللقاء مع من يتوافدون من المشائخ إلى القاهرة. قال لي جارالله حينها :" بعد أحداث أغسطس ١٩٦٨ انكسرت القوى الوطنية، فشكل الوزن القبلي لمطيع دماج وأحمد عبدربه العواضي، مظلة لحماية كثير من القيادات السياسية والعسكرية، ونحن اليوم بحاجة إلى أن نستوحي تلك التجربة ". وفي اعتقادي أن هذه الفكره كانت حاضرة في ذهن جارالله وهو ينسج خيوط اللقاء المشترك، فكانت القبيلة سندا مهما لقوى المعارضة وحماية للساحات عام ٢٠١١ ، بغض النظر عن النتائج.

مر الفقيد بمراحل صعبة في حياته، ربما كان من أصعبها، مرحلة ما بعد حرب صيف 1994، كان مصطفاً مع الحزب الاشتراكي، وكان ربما أثقل شخصية سياسية شمالية مجتمعياً وقبلياً مع الحزب الاشتراكي في الشمال، عشية إعلان الوحدة، ولهذا كان الحزب الاشتراكي يوليه مسؤولية النشاط في المناطق المحيطة بصنعاء ومأرب و إلى حجة وصعدة والمحويت الخ.

وبعد انكسار الحزب الاشتراكي وكسر الجنوب، كان النظام حينها، يحاول استثمار النصر ويعمل على كسر كل مراكز القوى في الشمال، على المستوى السياسي والقبلي، أو حتى التجاري، فكان أحمد عباد واحدا من الشخصيات المستهدف كسرها. خسر أحمد عباد القوة السياسية التي كان يتكئ عليها (الحزب الاشتراكي)، لكنه ظل حاضرا ووازنا وفاعلا، على المستوى المجتمعي والقبلي، وبالذات في قبائله بني ظبيان وخولان وبكيل بشكل عام.

تزامنت هذه المرحلة مع صراع قبلي بين الشيخ أحمد عباد وقبائله والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وقبائله، على إثر مقتل أحد افراد "آل شريف" من قبل "آل الأحمر". وكان النظام يوظف مثل هذه القضايا. لكن المرحوم أحمد عباد استطاع أن يخرج من هذه المرحلة بأقل الخسائر وأن لا ينكسر أمام النظام، بل ضاعف من دوره ووزنه ومكانته القبلية، وبالذات في بكيل.

كان أحمد عباد شريف حاضرا في كل اليمن. وفي اعتقادي أن خير تعبير عن ذلك، هو نوعية العزاء والمعزين في وفاته، حيث اتصل وكتب وحضر الناس معزين فيه من كل مناطق اليمن، من شماله وجنوبه وشرقه وغربه ومن كل الشخصيات والقيادات والرئاسات المختلفة والمتناحرة، والتي كان في لحظةٍ من اللحظات طرفاً في الصراعات ضد بعض هذه القيادات.

قبل خروجي من اليمن بعد حرب صيف ٩٤ ، التقيت أنا والمرحوم عدة مرات وظللت وأنا بالخارج على صلة دائمة به، من خلال خروجه المتكرر للعلاج، أو من خلال النجباء أبنائه.

وصلت القاهرة ٩٤ ولم أطل الاقامة فيها، حتى جاءتني دعوة كريمة من مكتب المرحوم الأمير سلطان رحمه الله، بزيارة المملكة، فلبيت الدعوة، وهي أول مرة أصل فيها إلى رحاب المملكة، إلى جدة، ومنها إلى مكة لقضاء العمرة، وكانت ولا تزال من أعظم الأيام واللحظات الروحانية المؤثرة والمهيبة في حياتي حتئ اليوم: دخول الحرم المكي الشريف وأداء المناسك.

كان وصولي في نفس اليوم، الذي وقع فيه المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر مذكرة التفاهم عن اليمن (٢٦ فبراير 1995).

وفي اللقاء الثاني مع الشيخ مصطفى إدريس، وكان يومها، القائم باعمال اللجنة الخاصة، وكان رجلا على مستوى عال من الذكاء والفهم والإدراك لشئون اليمن وتوازناتها وقيمة وتاثير حفظ الاعتبارات لدى اليمنيين.

وفي سياق حديثنا وأنا أتكلم، وهو مستمع جيد، أن نتيجة الحرب تعطي انطباعا بالغلبة للشمال على الجنوب، وأن من نتائجها أيضا؛ صناعة غلبة قبلية لحاشد في الشمال وأن هذا لا يخدم اليمن ولا المملكة، وأنه من المهم الحفاظ على قدر من التوازنات ومراكز القوة في اليمن، وفي السياق اقترحت عليه استقبال بعض الشخصيات ومنها الشيخ أحمد عباد.

تم الترتيب لدعوته، وبطريقتهم السلسة، في حينها واستقبل بالطريقة التي تليق به. لكن النظام في صنعاء احتج على استقباله وطالب بتسليمه. وقعت السلطات السعودية في حرج، فاتصل بي وأنا بالقاهرة أحد المقربين من الشيخ مصطفى ادريس يطلعني على الأمر ويطلب رأيي، فقلت له: هذه من ألاعيب النظام لابتزازكم وخير دليل أن الشيخ أحمد أتاكم من اليمن ولم يأت من بلد آخر. والرأي الأول والأخير عندكم وعند الشيخ أحمد عباد.. أطلعوه على الأمر بشكل محترم وسوف تجدون أنتم وهو، المخرج المناسب.

وبالفعل كان رد الشيخ أحمد عباد لهم: أكرمكم الله ولا أطلب منكم إلا أن تسمحوا لي بالخروج من الحدود البرية إلى اليمن.. وتم خروجه.

التقيت فيما بعد بالشيخ مصطفى إدريس، وهنا بيت القصيد -وأحمد عباد في صنعاء وقد التقى بالرئيس علي عبدالله صالح رحمهما الله- فذكرت الشيخ مصطفى بما حدث مع الشيخ أحمد عباد، فكان تعليقه (أي مصطفى إدريس): كان الشيخ احمد ضيفا محترما وخفيف، ، بعد أن قابل الرئيس في صنعاء، اتصلنا بصالح وعاتبناه واتصلنا بالشيخ أحمد عباد نعتذر له عن التقصير الذي حصل من جانبنا، وكان الرجل كبيرا ويلتمس لنا العذر ويقول: إن مثل هذه الأمور تحصل بين الدول ولا تلامون على ما حدث.

ما رأيت هذا الرجل، في أي يوم وفي أي موقف، يتكلم بانفعال، ولم اسمعه في أي مرة، يشكي همه الشخصي.

كان مرجعا للعرف القبلي، وعندما يتولى أمرا من أمور القبيلة، لا تستهويه العلاقات أو الخلافات، بل يقول بما يرى ويقضي بما يعتقد أنه صائب.. وله أحكام ومقولات عظيمة: "القليل مع الكثير وداعة.. أي امانة". هذه جملة صدرت في حكم للفقيد، في واقعة قتل، حيث ان مجموعة من الرجال استدرجوا غريما مطلوبا لهم وعنده لهم دم فقتلوه.. فصدر الحكم مغلظا مبنيا على هذه المقولة. القليل مع الكثير وداعة.

علق الاستاذ فارع المسلمي عندما سمع تلك الجملة، قائلا: "هذا مبدأ يؤسس لحقوق الاقليات في العالم" (القليل مع الكثير وداعة).

آخر مواقفه السياسية والوطنية الواعية للمخاطر، كانت عندما بدأ الحوثيون في النزول إلى صنعاء بالمخيمات باسم الجرعة، وكنت حينها وصلت القاهرة من صنعاء منذ أيام، وبالطبع رأيت كلمة عبدالملك الحوثي التي أرعد فيها وأزبد، باسم الشعب.. شعرت بالخطر، فإذا بالفقيد يتصل بي، وبعده الشيخ الحكيم ناجي جمعان يقولان: اللحظة تحتاج وجودك في صنعاء.

عدت إلى صنعاء في اليوم التالي والتقيت بهما وكنت قريب من الرئيس ورجالاته، وفي المقدمة منهم الصديق العزيز علي الأحمدي رئيس جهاز الأمن القومي حينها، فكان رأي الشيخين (جمعان وشريف) أنه بغض النظر عن رضانا عن الرئيس هادي من عدمه، إلا أنه من المهم أن نصطف حوله وأن نعمل على ردم الهوة بينه وبين "صالح" وأن لا يتغول أي طرف على آخر، وأن أي مساس بالرئيس في مثل هذه اللحظة سيذهب باليمن إلى مخاطر كبيرة.

وكان الفقيد حاضرا وبقوة من خلال تواجد أكثر من ألف مقاتل من قومه في معسكر الشرطة العسكرية.
عملنا واجتهدنا واخرين ولم نظفر بما كنا نريد لحالة العمى التي كان مصاب بها الجميع.

بعد الانقلاب انتقل الفقيد إلى القاهرة وغيب نفسه عن العمل السياسي، لكنه لم يغب عن المشهد الوطني حتى غيبه الموت..

كان الفقيد كريماً شجاعاً لا تمر الكلمات المسيئة على شفتيه. وفي اعتقادي أنه غادر الحياة، فخور بتاريخه وأبنائه وقومه، وفي مقدمتهم الشيخ الخلف عبدالقوي شريف، الذي أستطيع أن أقول إن كل الصفات التي ذكرتها عن والده تستنسخ فيه، ويبني عليها.

يصنع الكبار صفحات من تاريخ الاوطان لتقرأها وتتكئ عليها الاجيال.
رحم الله الفقيد احمد عباد شريف.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى