آراء

صالح .. عن قرب!

أنور العنسي يكتب حول الرئيس السابق في اليمن: صالح .. عن قرب!


بكل ما كان له وما كان عليه ، لا يستحق الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح كل ذلك الإعجاب البالغ الذي يبديه بعض محبيه ، وفي المقابل لا تجوز الشماتة به وبالمصير الذي إنتهى إليه بكل هذا الإبتذال الذي نراه في وصفِ مرحلته .

أعرف أن شهادتي عنه في نظر بعض منتقديه ومناصريه على حد سواء قد تكون مجروحة ، لكنها لا ينبغي أن تكون كذلك .. ربطتني بالرجل علاقة عمل إمتدت لسنوات طوال ، أفضل ما فيها أنه إحترم أن تكون بيني وبينه مسافة (احترام) أقدِّر له مكانته هو الرئيس المتربع على رأس السلطة ، وهو لا يمس بحقوقي وحريتي في العمل الصحفي أنا المواطن البسيط الواقف على الرصيف.

أشهد أنه لم يؤذني أو يحاول بتوجيهات مباشرة الحد من قدرتي على تناول قضايا حساسة عندما كنت أعمل مراسلاً لمؤسسات إعلامية دولية ، لكن الأذى كان يأتي من موظفين (صغار) في دولته بعضهم مثلاً كان بدرجة وزير وحتى رئيس وزراء ، وذلك إما بدافع التزلف له أو الغيرة مما أقوم به.

عندما صارحته ذات يوم بأن كثيرين من حولي يستغربون أنه لم يضعني في (مركز) أضيفه سطراً إلى سيرتي الذاتية قال لي :"ألا يكفيك أنك الآن أمام الرئيس وقريب منه؟ ثم أنني لا أريد أن أشغلك"!.

لم يكن الأمر كذلك ، فالرجل كان صاحب لغة (سياسية) خاصة يعرف كيف يتعامل مع كل شخص بالطريقة التي يراها تتناسب معه ، ويبدو أنه كان على حق في ما قرره بشأني من أجل الاحتفاظ بعلاقة الاحترام بيننا حتى آخر يوم في حياته.

بحكم اقترابي النسبي منه لظروف مهنية ، وعملي إلى جانبه لسنوات عدة، وسفرياتي العديدة لمرافقته إلى دول مختلفة ، وملاحظاتي على طريقة تعامله مع زعمائها أرى أن من الأفضل ترك هذا الحديث لمناسبة أخرى بتفاصيل أوسع ، ولكن لا بأس من القول إنه أدرك كيف يتعامل مع ملوك ورؤساء وامراء عديدين في المنطقة والعالم ، واختراق قصورهم وحياة بعضهم من ثغرات ونقاط ضعف في شخصياتهم بأساليب عجيبة جداً ، لصالحه ولصالح بلاده.

في تعامله مع أحد الملوك على سبيل المثال، كان يبادره في أول دقيقة من لقائهما بالسؤال عن أصغر أبنائه المدلل لديه ، وهنا تنفرج أسارير الملك ، ويصبح (جاهزاً) لتلبية كل طلبات صالح!

لا بد أن تجربة صالح في السياسة والحكم يجب أن تظل موضع نقد وتقييم ، ولكن لا يجب أن يتم هذا من منطلق التقدير المبالغ فيه له ، أو التشفي الزائد عن الحد به.

جاء صالح إلى الحكم في ظروف يعرف الجميع ملابساتها ، فعل ما اعتقد في الظروف التي وجد نفسه فيها أنه كان مناسباً وصحيحاً ، وذلك في حدود خبرته وتكوينه ، إتفق ، إختلف ، وتخاصم ، وتقاتل ، لكن يبقى أنه حكم بلاده ثلاثة وثلاثين عاماً بطريقة يجب أن يتم النظر إليها في إطار موضوعي لا يبرؤه بالمطلق ، ولا يشيطنه بالمطلق.

ملاحظة أخيرة.. حقبة صالح إنتهت بنهاية حياته ، وأصبح في عهدة التاريخ. ، ولن ينفع بعدها استثمارها لصالح هذا الحزب أو هذا الإبن أو ذاك الحفيد إذ لم يكن أساساً في حزب صالح وعائلته وقبيلته وقريته غير صالح!

صفحة الكاتب

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى