آراء

عن العمل الثقافي والفني في الشرعية

زين العابدين الضبيبي يكتب عن العمل الثقافي والفني في الشرعية - رسالة أوجهها إلى رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء ووزير والإعلام والثقافة والسياحة


يلحظ المتابع للمشهد الثقافي اليمني أن كل المبدعين في كافة المجالات من المحسوبين والمتواجدين في مناطق سيطرة الشرعية خارج نطاق دائرة اهتمام الدولة والأحزاب والأطراف والجهات الثقافية المعنية، كما أن وزارة الثقافة شبه معطلة وبلا ميزانية. مع غياب شبه تام للحراك الثقافي والإنتاج الفني، وهو ما انعكس على المبدعين بمختلف أطيافهم، وقد باتوا يعيشون حياةً بائسةً متجاهلين من الجميع.

الأمر الذي حد من فاعليتهم وقدرتهم على التأثير، ويكاد أغلبهم لا يجد ما يعينه على توفير أقل الاحتياجات الضرورية، عوضاً عن الرعاية الصحية وتبني إنتاج وطباعة أعمالهم.

ومن الملاحظ أنه كلما مرض أحدهم، فإننا نحتاج إلى عشرات المناشدات لعلنا نجد من يستجيب قبل أو بعد فوات الأوان وقد لا نجد.
بينما العدو على العكس تماماً. فلا تقل فاعلية جبهته الثقافية عن العسكرية، إذ يخصص مئات الملايين من أجال إنتاج أعمال فنية من zواامل وأوبريتات وأعمال درامية وأنشطة وندوات وفعاليات ثقافية ودورات طائفية، كلها تسهم في تماسك جبهته الداخلية والتفاف الناس حولها في ظل غياب الانتاج البديل.

كما عمل على توظيف واستيعاب وتحقيق الاكتفاء الذاتي لجل المشتغلين في هذه الجوانب من أنصاره.

وسعى لتقديم الرعاية اللازمة لهم. بينما لا نجد سوى الاهمال التام في من قبل الدولة وكل الأطراف المحسوبة على قضيتنا ومعركتنا.

مما أوصلنا للحد الذي تجد فيه الكاتب أو الشاعر أو الفنان بالكاد يستطيع أن يستمر في العطاء، هذا إذا لم يتوقف ويتجه للبحث عن عمل يعيش منه.

وفي أحسن الأحوال قد يقدمون لهذا المبدع أو ذاك الفنان القليل جداً من الإمكانيات بعد إلحاح وإهدار لماء الوجه منه وربما قد يزيد عليها مستقطعاً بعضاً من قوت اطفاله من أجل إنتاج عمل بسيط يخدم المعركة معركته التي يحشد كل طاقاته وقدراته للدفاع عنها.

غير أن هذه الإعمال، وإن كانت ذات مضمون مهم وهادف ، إلا أنها مع الأسف تُسلق سلقاً بما يتوائم مع ميزانية هزيلة تجدهم يستكثرونها وهي تخصص لهذا العمل أو ذاك.

ما يجعل الاعمال المنتجة تظهر أقل من المستوى المطلوب، بل ويخفت جوهرها الثمين نتيجة شحة تكليف إنتاجها.

وهي فوق ذلك غالباً لا تلقى الانتشار الذي تستحقه لعدم متابعة أو تجاوب واهتمام وسائل الإعلام الحكومية أو غيرها من خصوم الحوثي.

كل ذلك يشير إلى غياب الرؤية وعدم الإدراك والوعي بأهمية هذا الجانب الحساس الذي يعد من أهم وسائل التحشيد والتوعية والتعبئة.

وكأنهم متناسين أو غير مدركين أن صميم معركتنا مع العدو هي معركة هوية.
وهل أقدر من الثقافة والفن والأدب والإبداع على مواجهة ونسف الثقافة الدخيلة التي يسعى الانقلاب إلى تكريسها وغرسها في أذهان الناس؟.

ورغم أن الشريحة الأولى من المؤمنين بالفكر الجمهوري الصحيح والمتبني لقيم العصر من العدالة والحرية والمساواة من النخبة الثقافية والمبدعين والفنانين تتجاوز أعدادهم وقدراتهم وحضورهم وإيمانهم بقضيتهم بمراحل أعداد وقدرات المنخرطين من الشريحة الأخرى التي تتبنى وتنافح عن الفكر الكهنوتي الهش والقائم على الخرافة وتقديس الأشخاص والخضوع والتسليم بقداسة عرق وسلالة على باقي البشر.

غير أن الشريحة الثانية مع الأسف الشديد على العكس منا يجدون كل الرعاية والدعم والاهتمام وتسخر لهم القنوات ووسائل الاعلام المرئي والمسموع وتنتج لهم عشرات الأعمال شهريا.

ومن المؤسف أيضاً، وأقول ذلك عن تجربة شخصية، أن أغلب المواقع والصحف والقنوات التي نرسل إليها نصوصنا وكتاباتنا واعمالنا غالباً ما تتجاهلها ولا نجد منها جواباً حتى ينقضي أجل هذه الأعمال وتموت في الادراج وتفتر عزيمة من يجتهدون في ابداعها بمحبة ومشقة وعناء دون أي دعم يذكر نتيجة التطنيش والتطفيش الذي يبدو وكأنه متعمداً.

والمحزن أكثر أنني ذات مرة كتبت مناشدة من أجل إنقاذ حياة أحد الزملاء الذين ماتوا قبل أن يصل صوتنا إلى الجهات المعنية.

ولم يشفع كونه من أوائل الزملاء الذين التحقوا بالصف الجمهوري وسخروا ابداعاتهم لمجابهة ومقارعة فكر الانقلاب الكهنوتي وافكاره المستوردة.

حينها تواصل بي أحد المحسوبين على الانقلاب عارضاً المساعدة واستعداد جماعته في حال سفره إلى صنعاء أن تتكفل بعلاجه ونقله للخارج. ولكم أن تتخيلوا حجم الغصة التي شعرت بها!.

أقول وأكتب هذا الكلام بمرارة ربما قد تأثر على بعض الزملاء الذين عاشوها من قبلي. ولأنني أعلم ما يعانيه كثير من الزملاء ويتجنبون الحديث عنه حتى لا يجد العدو فرصة للشماتة بهم ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، غير أن الصمت قد يكون سبباً في زيادة المعانة والمصارحة وإن كانت مثيرة لشماتة العدو قد تفتح نوافذ الوعي وتسهم في لفت نظر المعنيين الذين ربما غاب عنهم الأمر ولم يتنبهوا له لانشغالهم بأمور أخرى، فيسارعون لمعالجة القصور والتفوق في ظل ما لديهم من كوادر استثمار ما لديهم من ثروات في هذا المجال لصنعنا الفارق المنشود.

وأملاً في إنصاف هؤلاء الزملاء الذين يتشبثون بالحلم ويقطعون الدروب غرباء مشردين منسيين بعد أن سئموا من كتابة وتقديم الرؤى والمشاريع والخطط وطرق أبواب الحجاب الخرساء أو ربما عجزوا عن الوصول لأصحاب القرار على احتمال حسن الظن.

إذ كيف يمكن لقيادة تريد أن تستعيد وطناً وهي لا تستفيد وتسخر كل ما لديها من وسائل ستحدث فرقاً في صميم المعركة التي تخوضها ، ومن أهم هذه الوسائل هي وسيلة الفن والإبداع والعمل الثقافي الذي يحسن عدوها توظيفه ضدها.

وما نرجوه اليوم هو أن لا يتكرر من قيادتنا التي نعول على وعيها كثيراً ما عاناه بعض الزملاء من الذين وصلوا في الفترة الماضية لمركز القرار وقدموا المقترحات دون أن يجدوا الاستجابة اللازمة، أو من يمتلك الوعي بأهمية الكلمة والفن والثقافة والكتاب والأغنية ودورها في تخليد وتوثيق مراحل المعركة العادلة التي يخوضها شعبنا في وجه انقلاب نازي كهنوتي يدعو إلى أفكار عفى عليها الزمن وركلها شعبنا قديماً وشب وعيه عن الاقتناع بها والقتال تحت مظلتها.

باستثناء قلة قلية تم التغرير بهم وهم هدف هذه النخبة من المبدعين الذين سيعملون على استعادهم إلى صف الدولة وقيم العصر، وخلخلة المعتقدات والرؤى التي تم استخدمها لاستقطابهم للعمل في خدمة المشروع الكهنوتي وعبر الوسائل التي نحن بصددها مناقشتها في هذا المقال.

كما أن بمقدورها أن تسهم في رفد معنويات الجنود والشعب بالعزيمة والاصرار وتعزيز يقينهم بصدق موقفهم، وترسيخ وعيهم بالمخاطر والأفكار الهدامة التي تحيط بهم وتفنيد الافكار المريضة التي قد تفترسهم لو تركنا الحبل على ما كان عليه من بداية المعركة.

وهو ما لم يتحقق حتى الآن! وللتمثيل دعوني أخبركم أنني خلال الفترة الماضية سعيت أنا وأحد والزملاء لإنتاج عمل فني موجهٍ لنسف أساس من الأسس التي يقوم عليها فكر الانقلاب.

حيث قمت بتجهيز بروفات للعمل وتواصلت مع بعض قيادات الدولة الشرعية المعنية، وبعض قيادة العمل الاعلامي في المكونات الأخرى وارسلتها إليهم، بقصد تبني رعاية العمل، علماً أن تكلفة الانتاج لا تتجاوز 500$ فلم يتجاوب أحد، ولو لا أن بادر أحد الأقيال لتبني جزءاً من تكلفة العمل، ولم يزل جزءاً منه ديناً اتحمله وحتى لحظة نشر هذا المقال: لما خرج العمل إلى النور، والذي تقم ببثه أي وسيلة إعلامية رسمية أو غير رسمية حتى الآن.

وسأعقد هنا مقارنة أخرى بين الإمكانيات التي وفرها الانقلاب لهيئة الكتاب في صنعاء خلال الفترة الماضية، فنالت بها هيئتهم شرف طباعة أعمال البردوني الشعرية ومذكراته التي ظلت مغيبة ومخفية منذ وفاته.
إضافة طباعة أعمال أخرى بينما هيئة الكتاب في عدن لا تملك أي ميزانية تساعدها لعمل أو تبني أي إصدار أو حتى تساعد العاملين فيها على تكاليف الحضور والدوام.
ومن هنا وبسبب هذا الإهمال يضيع ويزيف التاريخ ويفوز من يكتبه ويطبعه ويخسر من يتقاعس رغم عدالة قضيته.

أوليست مفارقة عجيبة ومخزية أن يسبق وعي الانقلاب الكهنوتي وعي الدولة والحكومة الشرعية في أمر كهذا ؟.

وما دفعني إلى كتابة هذا الأمر هو السعي لتشخيص مشكلة والإشارة إلى سلاح مهدور ومغيب نحن في أمس الحاجة إليه.
وحتى لا يعتقد البعض وهو يرانا نتخندق في صف الدولة والجمهورية ومشروع استعادة الدولة عن إيمان ويقين، أننا نتلقى الرعاية أو الدعم نظير ما نكتبه وما نتبناه من مواقف أخذت منا أكثر مما أعطتنا وأهدرت طاقاتنا فرادى ونحن نكتب عن كل شاردة وواردة مواكبة للمعركة مجندين أنفسنا طواعية دون أن تنتظم هذه الطاقات تحت إطار مؤسسي رسمي ويستفاد منها ويتم توجيهها بالشكل الصحيح.

ولا أخفيكم في حقيقة أنني واحد، ومثلي عشرات الزملاء من الذين لم يلتفت إليهم أحدً، إلا بمنحهم سرابٍ من الوعود والآمال التي نراكمها منذ سنوات دون أن يتحقق منها شيئاً.

ولا اخفيكم أيضاً: أننا ندفع ثمن مواقفنا بيقين لا يزعزعه شك بعدالة قضيتنا ومعركتنا، وسنستمر على مبادئنا وعبر صفحاتنا والوسائل المتاحة أمامنا في مقارعة الفكر الكهنوتي حتى يتحقق الخلاص أو نلحق بمن سبقونا إلى العالم الآخر وهذا ما لا نتمناه مخذولين ومخلصين للوطن الذي نؤمن به بما نقدر عليه.

حيث يتوزع الثمن الذي ندفعه في الغربة وضيق الحال والبعد عن أهلنا والتقصير في سد احتياجاتهم والانشغال عنهم، إضافة إلى الانشغال بالمعركة عن تطوير مواهبنا وإنجاز أعمال وكتابات تضيف إلى رصيدنا كلٌ في مجاله.

بينما على الطرف الأخر يتقاضى شهرياً أحد شعراء الانقلاب مخصصاً شهرياً لا يصرف نظيره لخمسة من وزراه، ليتفرغ للكتابة ضدنا وخداع البسطاء لإدراكهم أهمية سلاح الكلمة. ويصرف مثله لوكيل وزارة عاطل عن العمل يقيم خارج الوطن في الشرعية.

ويبقى الأمل أن تتلافى قيادتنا القصور الذي أحاط بهذه المجالات من قبل، وأن نلمس الاهتمام والدعم اللازم والرعاية اللازمة، من قبل الدولة في ظل المتغيرات السياسة الجديدة والهامة وأن يطال التغيير والإصلاح المؤسسة الثقافية والإعلامية أسوة بالمجالات الأخرى، حتى تتظافر الجهود ويستعيد هذا الجزء الحيوي والمهم في معركتنا الوطنية دوره وحضوره وأثره، ويقوم بواجبه، وحتى لا يبقى المبدعون عرضة لنوائب ومصاعب الحياة التي تتخطف أرواحهم وحماسهم واحداً تلو الآخر نتيجة معاناتهم وتهميشهم.
فنحن أقدر وأكثر وأصحاب الحق ولا ينبغي أن يتحول نتاجنا الثقافي والفني إلى مجرد ردة فعل لما ينتجه الانقلاب.

ولا أنسى أن أشير إلى الجهود الفردية التي يقوم بها بعض المشتغلين في هذا الجانب بجهود شخصية وفي مقدمتهم مركز نشوان الحميري الذي أصدر عدداً جيداً من الأعمال الهامة التي توثق لمرحلة مفصلية من نضال شعبنا في سبيل استعادة دولته المسلوبة وهي ما سيتبقى مما يعبر عنا في صفحات التاريخ ما لم نسعى لإضافة المزيد وعار أن لا نفعل.
والله من وراء القصد.

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: الإبادة الثقافية.. جريمة أدوات إيران الأخطر في اليمن

زر الذهاب إلى الأعلى