"مدونة السلوك" الحوثية لا تحمل مفاجأة لأي مطلع على النصوص المؤسسة للجماعة
محمد عايش يكتب: "مدونة السلوك" الحوثية لا تحمل مفاجأة لأي مطلع على النصوص المؤسسة للجماعة
ان المدونة فقط خطوة أخرى في الطريق لإكمال تنزيل رؤى حسين الحوثي، الأكثر رعباً بمجملها، على أرض الواقع.
لنلقي هنا نظرة على ملزمة واحدة، كبداية سلسلة سأكتبها تباعاً من اليوم، ومن شأنها أن تقدم المفاتيح الكافية لفهم كل جديد صادمٍ تقدم عليه الجماعة.
ليس بإمكان الحوثي بناء دولة، ولا حتى الاقتراب من إنجاز أي كيان له علاقة بـ "الدولة". والسبب لا يكمن في فساد نوايا الجماعة مثلا بل لأن "الفكرة" الحوثية عن الدولة فكرة "فاسدة" من الأساس:
أولاً: الدولة في مفهوم الجماعة هي "الولاية"، وبينما الدولة منجز بشري هدفه الأدنى خدمة "الرعايا" وحمايتهم وحفظ حقوقهم، فإن الولاية تصميم إلهي لا علاقة للبشر به، إنها مسألة "تعبدية" محضة، مثلها تماما مثل الصلاة والصيام وبقية الفرائض التي تعبدّ الله البشر بها، وعليهم أن يؤدوها " امتثالا" و"تسليما" دون أي تشكيك فيها أو أي سؤال عن مبررها.
إن الحاكم/ الولي/ أو علم الهدى حسب التسمية الرسمية للجماعة، هو شكل الدولة ومضمونها ومبتدؤها ومنتهاها، وهو "علمٌ" ملهم من الله ومؤيد به، ولا تجوز مسائلته او الاقدام على أي تشكيك في قداسته.
(من هنا تأتي مدونة السلوك الوظيفي بالجزئية التي تجعل من عبد الملك الحوثي مرجعاً مقدسا لدى موظفي "الدولة" في نفس السياق مع مرجعية القرآن، والقرآن= الله)
ثانيا: مهمة الدولة/ الولاية، ليست مثلا إقامة "الشريعة الإسلامية"، كما هو الحال لدى كل حركات الإسلام السياسي، بل المهمة الأساسية "تمكين آل البيت" من حكم المسلمين، والعالم، تحقيقا لمراد الله.
يقدم حسين الحوثي في ملازمه تعريفا نهائيا للدولة التي يختار لها إسماً ثابتاً هو "ولاية الأمر".
يقول مثلا في ملزمة "حديث الولاية" وهو يشرح حديث الغدير ولماذا يجب أن يكون ولاة الأمر من أولاد علي:
"مفهومنا عن ولاية الأمر هو وحده الذي يمكن أن يحصن الأمة عن أن يلي أمرها اليهود"
يضيف: "بل وإن الديمقراطية نفسها غير قادرة أن تحمينا من فرض ولاة أمرهم علينا لأن الديمقراطية أولاً هي صنيعتهم، وثانيا هي نظام هش ليس له معايير ولا مقاييس مستمدة من ثقافة هذه الأمة".
ويستطرد: "الديمقراطية تقوم على اعتبار المواطنة، وأمامك مواطن يهودي وسيكون الدستور، ان بقت هناك دساتير، بالشكل الذي لا يجعل هناك أي اعتبار لمعايير أو مقاييس مستمدة من دين هذه الأمة (..) وانما فقط يجب أن يكون من يلي امر هذا الإقليم مواطنا حاصلا على البطاقة الشخصية وأن لايكون قد صدر بحقه حكم مخل بالشرف، وأن لا يقل عمره عن اربعين عاما".
"الديمقراطية نفسها لا تستطيع أن تحمينا من فرض ولاية أمرٍ يهودية. فقط ثقافة حديث الغدير، أكرر ثقافة حديث الغدير، فَهْمُ الشيعة, فَهْمُ أهل البيت لمعنى ولاية الأمر المستمد من القرآن، المستمد من حديث الولاية، ومن أحاديث أخرى متواترة عن رسول الله هو الكفيل بتحصين هذه الأمة حتى لا تقبل ولا تخنع لأولئك الذين يريدون أن يفرضوا عليها ولاية أمرهم". (انتهى الاقتباس)
ومع انه يبدو كمن يخلط بين مفهوم الدولة وبين طبيعة نظامها السياسي، إلا أنه ليس خلطا مرده الجهل بل هو التوحيد المقصود بين فكرة الدولة والولاية، عبر نفي كل شكل من أشكال مشاركة الناس في بناء دولتهم أو الشراكة فيها أو تمثيل انفسهم داخلها، وتثبيت الطريقة الوحيدة: الاختيار الإلهي لآل البيت،
في هذه النصوص، لا يحق لك كمواطن من غير اولاد علي ان تكون حاكما، ولكن مهلا انت لست "مواطنا" أصلاً. فالحوثي المؤسس لا يعترف بشيء اسمه "وطن" ولذلك يستبدله بمفهوم "الإقليم" الذي هو جزء فقط من المملكة العالمية لأولاد علي.
(2)
لماذا لا يدفع "أنصار الخُمس" مرتبات، ولا تقدم سلطتهم للناس أية خدمات؟؟!
لدى مؤسس الجماعة الإجابة الواضحة على التساؤل، شديد اللهفة، المطروح من قبل اليمنيين منذ استيلاء القوم على السلطة في صنعاء، وهي إجابة صادمة لكنها ليست غريبة عن مجمل "الفكرة" الحو،،ثية الفاسدة التي أشرت إليها في مقال الأمس مفتتحاً بها هذه السلسلة.
لازلنا في ملزمة "حديث الولاية" حيث يبذل الرجل جهداً جهيداً لإقناع جمهوره بأن لا حل لمشاكل بلداننا الإسلامية إلا أولاد علي..
وحين يأتي على ذكر "المؤامرات" المعاصرة التي تجعل من أي حاكم من غير أولاد علي، المنصوص على ولايتهم من الله، عُرضةً للسقوط أمام الغرب واليهود؛ فإنه يشير إلى فكرة "الخدمات" التي يُفترض بالدولة أن تقدمها لرعايها، فيقول:
"اليهود ثقفونا بثقافة أن تكون المقاييس لدينا هي الخدمات، فمن قدم لدينا خدمة فليحكمنا وليكن من كان".(انتهى)
"الخدمات" التي تكاد تكون التعريف الأبرز للدولة المعاصرة، ليست إلا "ثقافة يهودية" و "مؤامرة غربية" وهدفها أن هؤلاء كلما ارادوا تغيير حاكم اتخذوا من انهيار الخدمات في بلاده مبررا لذلك، كما يوضح الرجل.
وعندما يُلحق هذا الموقف التعريفي النهائي للخدمات بنداء لحاكم اليمن آنئذ علي عبد الله صالح، ولحاكم السعودية أيضاً، بأن يهتموا بالمستشفيات والمدارس الخ؛ فإنه يفعل ذلك من منطلق أنهم ليسوا من "أولاد علي" وأنهم ليس لديهم ورقة إلا فقط "الخدمات" التي هي موضوع اذلال يهودي لكل من يصل للحكم من غير أصحاب "الحق الإلهي"!!
والتحصيل: دولة "الولاية"، وفي كل مفصل من مفاصل نظريتها العامة، تُعِدُّك لتقديم الخدمة لـ"أولياء الله" لا انتظار خدمة منهم.
(منذ سقوط صنعاء تتكفل منظمة اليونسيف بتمويل قطاع المياه والصرف الصحي في العاصمة، الى جانب دفعها مرتبات موظفي القطاع الطبي! ولولا ذلك لكانت صنعاء غارقة في البلاليع، وبدون مستشفيات ولا طب، هل تعلم؟؟!).
* ملحوظة: "أنصار الخمس" هي التسمية الوسط بين "الحوثية" التي ترفض خوارزميات فيسبوك قبولها، و "أنصار الله" التي ترفض الذائقة العامة التعامل معها.
كما انها تسمية منصفة وليس فيها تحامل على جماعة أقرت مبدأ التوزيع العنصري للثروة وبقانون رسمي.
صفحة الكاتب
اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: مدونة السلوك – حرب استعباد حوثية جديدة في اليمن باسم الوظيفة