[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

عن معركة الوعي الخالص

عمار القعطبي يكتب عن معركة الوعي الخالص


حين اختلت المفاهيم وانحطت المبادئ والقيم بين البشر بعث الله تعالى رسوله بالإسلام مبلغاً ومعلماً ومصححاً. وبمنطق الحق ولغة الصدق دحض القرآن الكريم خرافات المشركين وفند ادعاءات اليهود وصحح تصورات الناس ووجه مداركهم نحو المسار السليم، وعندما شحذ المسلمون سيوفهم لمواجهة الكفر والضلال كانت عقولهم قد امتلأت فهماً صحيحا وإدراكا كاملاً بذاتهم وجوهر قضيتهم، ذلك الإدراك الذي وفر لهم أسباب التمكين في الأرض.

لقد كانت معركة الإسلام الأساسية معركة وعي أدركت الجاهلية عنده انتهاء صلاحية مفاهيمها في عقول الناس فانحسرت بعدة جيشها وعتاده وإلى الأبد.

وبالنظر إلى معركتنا المزمنة، كيمنيين، مع مشروع السلالة الهاشمية وكيف أنها استمرت سجالا على مدى ألف عام ولم ننجح في حسمها، فسنجد أن سبب إخفاقنا وفشلنا المتكرر في وضع النهاية المرضية لأحلامنا وطموحاتنا لا يكمن في ضعف بأسنا ولا في قلة سلاحنا، بل في افتقادنا للوعي الصحيح والكامل بذاتنا وجوهر حقيقتنا، ذلك الوعي الخالص الذي يمكننا من إدارة تحركاتنا بطريقة صحيحة وتصويب بنادقنا على مركز الهدف ويحدد إحادثيات المعركة بدقة ويرسم خططنا الحربية ويضمن نجاحها إذ يوفر لنا الإدراك الكامل للقضية ويغرس في نفوسنا الإيمان المطلق بعدالتها. باختصار إنه الأرضية الصلبة والمبادئ الواضحة التى تحتاجها الأمة اليمنية في مواجهة العدو والخروج من دائرة الانحطاط الحضاري الطويل.

ولقد نجحت المشروع السلالي منذ الوهلة الأولى في استهداف ادمغتنا واستطاعت إفراغها من كل المفاهيم الصحيحة المتعلقة بذاتنا الجمعية وتاريخنا الحضاري ومن ثم حشوها بتصورات مضللة وأفكار مغلوطة أفقدتنا القدرة على امتلاك زمام المبادرة ومكنتها من التحكم بمواقفنا والسيطرة على قراراتنا وتوجيهها بما يخدم مشروعها الكهنوتي الاستيطاني ويكفل لها استمرارية البقاء الذي لم يكن بوسع أية قوة مادية أن تكفله.

وما من شك في أن أعظم خطأ ارتكبناه بحق أمتنا هو أننا سلمنا عقولنا لكهنة السلالة وفتحنا لأفكارها أدمغتنا جيلاً بعد جيل، ولقد دفعنا ومازلنا ندفع ثمن ذلك الخطأ باهظاً من أرواحنا وأقواتنا وشرف مكانتنا بين الأمم، ولا ريب في أن حالة الانحطاط والتخلف التي نعشيها منذ قرون طوال ما هي الا انعكاس طبيعي لحصيلة ثقافية زائفة شكلت وعينا المعاق وزرعت في نفوسنا شعوراً انهزامياً لن يكون في إمكاننا التخلص منه إلا باشعال ثورة معرفية تقودها النخب المثقفة لتحرير العقل اليمني من سطوة المفاهيم الخرافية وإعادة صياغة أفكاره بناءً على أسس حضارية تستند على الحقائق التاريخية وتوجه المدارك لصناعة رؤىً المستقبل المنشود.

ويمكن النظر إلى الحراك القومي الذي تشهده الساحة اليمنية اليوم باعتباره خطوة في المسار الصحيح وقاعدة يمكن البناء عليها في إعادة تصحيح وعي الجماهير اليمنية كافة، ولا مبالغة في القول بأن المسؤولية التاريخية تقتضي من الدولة تبني الفكرة القومية واستغلال حالة الانبعاث الروحي للهوية الوطنية واتخاذه قالبا تصهر فيه التباينات الفئوية وتؤسس لبناء مجتمع متماسك تطغى عليه ملامح الشخصية اليمنية الخالصة على ماعداها وتتوحد فيه الدولة والمجتمع من أجل صناعة النصر وتحديد مستقبل الأمة اليمنية من منطلق الوعي التام بالذات والإدراك الكامل لماضي الأمة وواقعها.

ومن الأجدر بنا أن نكون قد تعلمنا من تاريخ صراعنا مع السلالة أن الانتصار الذي لا يصنعه الوعي الخالص بالذات ما هو إلا هزيمة مؤجلة.

لذا فإن الواقع اليوم يحتم على اليمنيين الشروع في خوض مواجهة فكرية مع العدو تمهد الطريق لمواجهة عسكرية حاسمة.

إن ميدان المعركة اليوم هو العقل وحين ننجح في كسب معركة العقل فإن كسب المعركة العسكرية لن يكون إلا تحصيل حاصل.

وعلى ما يبدو أن اليمنيين لن يجدوا فرصة مواتية لتصحيح الأخطاء والنهوض والعودة إلى المسار الصحيح ومن ثم الخلاص النهائي من المشروع السلالي الهاشمي، كالفرصة التي بين أيديهم الآن. فضلا عن أنها فرصتهم الأخيرة.

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: إضاءات في معركة الوعي

زر الذهاب إلى الأعلى