آراء

كفى تمثيلاً يا دكتور!

عبدربه السقاف الطهيفي يكتب: كفى تمثيلاً يا دكتور!


يا دكتور، الوضع لم يعد يحتمل.

لو سمحت، توقف عن أداء دور رئيس الوزراء وكأنك في مشهد من مسرحية،

وابدأ بالتصرف كرئيس وزراء حقيقي.

أنصحك أن تراجع نفسك لترى كيف أن حياتك كلها تمثيليات، وليس فقط حادثة إصابتك في ساحة التغيير.

لقد مثّلت دور أمين مؤتمر الحوار الوطني، ولكنك لم تكن أمينًا. ومكالماتك المسربة مع الرئيس السابق كانت شاهداً على ذلك، حيث أظهرت حقيقتك كمتقمص دور الأمين العام دون أن تكون مقتنعًا في قرارة نفسك بأن هذا المنصب مسؤولية تحمل فيها مصير شعب بأكمله.

استمررت بعدها في التمثيل أثناء شغلك منصب مدير مكتب الرئاسة،

ولم يكن الأمر مختلفًا مع كل المناصب التي تقلدتها.

ومن يعرفك عن قرب يعلم أنك لست مقتنعًا، وربما لست مصدقًا أنك تشغل هذه المناصب، ولكنك تقوم بالتمثيل أمام الكاميرات بأنك تحمل هذه المناصب.

وحال المواطن منذ حينها وهو في تدهور مستمر.

وعندما توليت رئاسة الحكومة، كان البعض – وأنا للأسف منهم – متفائلين. وقد كتبت مقالات أبدي فيها تفاؤلي بك، ليس لأنك شخص ناجح، بل لأننا كنا نظن أنه لا أحد يمكن أن يكون أسوأ من الفاشل معين عبدالملك. لكنك، منذ اليوم الأول، أثبت العكس.

بدأت برحلة تمثيلية مبتذلة:

مرة في مشهد تشتري فيه (كيلو كوسة) وتقف في طابور أمام محل الخضار، وجيش المصورين خلفك. لتعيش بعد هذا الحدث في وهم البطولة، أنت وفريقك المغيب عن الواقع، الذي يصورك أمام نفسك بأنك (بصورة محل الخضار هذه) قد أخرجت الشعب الذي تحملت أمانة مسؤوليته من الأزمات القاسية التي وقع فيها بسببك أنت وجميع النخبة التي تغوط التاريخ بها في هذه المرحلة.

وما إن تنتهي حفلة شرائك كيلو الكوسة أنت وطواقم التصوير، حتى تظهر في بطولة أخرى: تزور فيها فنانًا متقاعدًا وتضع يدك على خدك بطريقة درامية، والصور تنهال عليك، وكأنك قد أنجزت كل المهام التي عليك ولم يعد ينقص المواطن إلا هذه الزيارات كثيرة الصور.

وفي مشهد آخر، تقتحم بعض الدوائر الحكومية لتراقب "دقة الأداء"، وكأنك رئيس وزراء ألمانيا، وكأن حكومتك المنفصلة عن الواقع لا ينقصها إلا ضبط أداء الإدارة وساعات بدء الدوام ونهايته!

بينما 90 بالمائة من الحكومة يعيشون في الخارج، ولا يجمعكم بهم غير مجموعات الواتساب التي تتبادلون فيها صوركم الغابرة وأخبار تحويل مرتباتكم بالعملة الصعبة، والتي تشكل العبء الأكبر على كاهل الميزانية التي تسرقونها من أفواه الجياع.

يا دكتور، استفيقوا من مزاج التمثيليات. فالشعب وصل إلى أسوأ حالاته عبر تاريخه، وعهدنا لهم أن نحاسب، في محاكم العدل في الدنيا إن شاء الله قبل حساب رب العالمين، كل من سرق أقواتهم في أصعب حالاتهم.

يا دكتور، المليار دولار الذي تمثلون اليوم أمام المملكة العربية السعودية أنك سوف توظفه بشكل مدروس في مصلحة الاقتصاد اليمني، أنت تعلم قبل غيرك بأنه سوف يصرف في العبء الأكبر على ميزانية الحكومة، وهو رواتبكم الباهظة. وكل وزارة من وزاراتك لديها جيوش من الوكلاء والمستشارين أكثر مما في حكومة الصين الشعبية، وما ورش العمل الجارية إلا فصل من فصول مسرحياتكم المنفصلة عن الواقع.

يا دكتور، هل سألت نفسك يومًا: ما فائدة كل هذا التمثيل بالنسبة للمواطن؟

المواطن العادي لا يلمس أي نتائج لهذه المشاهد التمثيلية الهابطة في معيشته ومعاشه.

الاقتصاد ينهار، الخدمات تتدهور، والريال وصل إلى مستويات قياسية من الانهيار.

وفي المقابل، أنت مشغول بأدوارك المسرحية، ولم تتمكن حتى من حل أبسط القضايا التي يمكن معالجتها بميزانية شهر واحد من رواتب فريقك الذي، مثلك، يتقاضى بالدولار.

يا دكتور، أعلم أنك لست المسؤول الوحيد عن الفشل الجاري، ولكنك رضيت بأن تكون واجهة الفشل، واتخذت من التمثيل أسلوبًا لتغطية الفشل الجاري.

يا دكتور، مسرحياتك أصبحت سمجة ومقززة.

توقف عن التمثيل ولو ليوم واحد فقط، وتصرف كرئيس وزراء حقيقي.

أو قم بتمثيل المشهد الأخير الذي تقدم فيه استقالتك وتعلن فيه فشلك، وسوف يكون أفضل مشهد مثلته في حياتك السينمائية.

* صفحة الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى