آراء

من وراء الحملة الممولة ضد السعودية؟

سفير اليمن الأسبق في سوريا عبدالوهاب طواف يكتب: من وراء الحملة الممولة ضد السعودية؟


ولدت المعارضة مع مولد الإنسان الأول، والدليل من القرآن الكريم، عندما سرد لنا قصة قتل قابيل لأخيه هابيل، على إثر صراع بينهما على الدنيا.

في الماضي كانت المعارضة تُنظم وتوجه ضد من بيده السلطة والمال والمكانة الاجتماعية، بذرائع ومبررات كثيرة، كالعزف على وتر الأحقية بالسلطة؛ على أساس القوة والفتوة والقدرة على القتال والنزال، وعلى شن الغارات والنهب والسلب ضد القبائل الأخرى.

تطورت أساليب المعارضة، فوجدت مبررات وذرائع جديدة للركوب عليها، كروابط الدم والانتماءات القبلية والعشائرية، والشرف والقدرة والفعالية، والتميز العرقي، والقيادة والشجاعة وغيرها.

لاحقًا، وجُدت الأيديولوجيات السياسية، كأنساق جديدة وأدوات حديثة؛ دخلت مضمار السباق والصراع على السلطة، كالشيوعية والرأسمالية والاشتراكية والبعثية والناصرية والولاية والخلافة، والنظريات الشرقية والغربية، وغيرها من الخنادق الفكرية.

في خضم الصراعات والتدافع بين الناس على السلطة، برزت جماعة معارضة جديدة، تفتقر للمؤهلات العلمية وللقدرات العقلية والبدنية المميزة، لتؤهلها للدخول إلى حلبة الصراع؛ لمواجهة النظريات العلمية والفكرية السائدة آنذاك. فاختارت لها وسيلة سهلة وأداة موجودة وجاهزة، لتركبها في رحلة معارضتها وسعيها إلى السلطة والمال، وهي أداة رفع راية الدفاع عن الإسلام ونصرة النبي وسنته!

كانت المفاجأة للجميع، أن تلك الجماعة تغلبت على كل الجماعات والأحزاب والكيانات السياسية والاجتماعية والفكرية الموجودة على الساحة في ذلك الزمان.

نعم فازت حيلة الركوب على عاطفة الدين، فبرعت في استغلال تدين الناس الفُطري والصادق، وتمكنت من تهييج مشاعرهم الدينية لمصلحة مشاريع سياسية خاصة، لتفوز من الجولة الأولى وبالضربة القاضية ضد كل الخصوم في الميدان.

كان قارب الدين هو الأسرع والوسيلة الأضمن والأقل كلفة للوصول إلى قلوب البسطاء، والأكثر قدرة على ملامسة عواطفهم. وبهذا تمكنت تلك التيارات الإسلامية المُسيسة من الاستيلاء بسرعة وسهولة على قصور الحكام ومخادع نومهم، وخزائن أموالهم، وكراسي السلطة. حتى أننا نرى اليوم كثيرا من الملحدين وغير المعترفين بالأديان، بل وبوجود الله، يرفعون سيوف المذهبية كالتشيع والزيدية، في معاركهم من أجل السلطة والمال، لسهولة تبنيها وقلة كلفتها، وضمانة مكاسبها.

.

الأوضاع في المملكة العربية السعودية:

الرؤية التي يقودها سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، دفعت ببلاده إلى واحات المجد والتطور والرفاه، وحقق لشعبه في عقد واحد من الزمن أضعاف ما تحقق في عقود طويلة.

هذه القفزات التي حققها الأمير الشاب لبلاده بالمقابل خلقت له ولبلاده أعداء كثر في المنطقة، يعتقدون أن تلك النجاحات ستفقدهم مكاسب عظيمة حازوها في السابق، ويخططون لمضاعفتها في الحاضر والمستقبل.

ولذا؛ نرى اليوم حملة ممولة وممنهجة جديدة تتصاعد ضد المملكة العربية السعودية، وأدوات القائمين عليها والممولين لها وذخيرتهم الأساسية فيها، هي أداة الدين وشعار الحرص على الإسلام. كونها الأداة السحرية ذات المفعول الأسرع والأقوى، التي بها يتمكنون بسرعة من دغدغة مشاعر الناس، وتأجيج عواطف العوام ضد الدولة ونظامها!

لم يجد الحاقدون وسيلة لتشويه ذلك الصعود العظيم إلا استخدامهم لرافعة الدين والعزف على مكانة الإسلام، والتغني بالخوف على المقدسات، ولكن في الحقيقة أن أهدافهم بعيدة كل البعد عن كل تلك الشعارات.

الحقيقة أن الإسلام في مأمن وفي مكانة عظيمة في السعودية. فخلال عقود طويلة، حرص حكام المملكة على الاهتمام والإنفاق الباذخ لتطوير وتشييد البُنى التحتية للأماكن المقدسة في مكة والمدينة. ووفروا للزائرين إليها كل الإمكانات الخدمية، ونجحت المملكة في وضع قيود صارمة نأت بالأماكن المقدسة وبشعائر الحج والعمرة عن كل أنواع التوظيف السياسي والاستغلال المذهبي والطائفي لها. وعزلتها عن خنادق الانقسامات والإضافات والخلطات الطائفية والمذهبية، وأوجدت أجواء روحانية لا نظير له.

ولذا؛ فمن الحكمة أن تسارع الحكومات وعبر القوانين والأنظمة لتكبيل أيد وأفواه من يسعون للوقوف أمام تطور ورفاهية الدول، باستخدام الدين والحرص على الإسلام. ولا يجب ترك من يسعى للوقوف أمام نهضة الشعوب وتقدمها بمبرر أنه داعية إسلامي، أو يستخدم مفردات الدين والسنة.

العقل يقول والحكمة تؤكد والتجربة تدلل أن إقحام الإسلام والزج بالاختلافات المذاهبية في صراعاتنا السياسية، يمثل خسارة للجميع؛ تشوه الدين وتنسف مكاسبنا الحياتية في الدنيا.

يكفي المنطقة العربية ما حدث لها في تسونامي 2011، فتلك الأحداث الدامية التي أبحرت بشعارات الحرية والدولة المدنية، كان وقودها المذهب والطائفة، والأطماع الشخصية، ولذا ما زالت الأدخنة تتصاعد من كل الدول التي أُبتليت بذلك الشتاء القاتم.

دمتم بخير، وإلى غزوة توعوية جديدة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى