[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الإجراءات السعودية .. لخدمة من!‏

ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات سياسة عدائية سعودية ضد العمالة اليمنية يشبهها بعض ‏اليمنيين بموجة الطرد الجماعي التي انتهجتها المملكة ردا على الموقف اليمني من غزو العراق ‏للكويت، ويقول آخرون أنها تفوق تلك الموجة إذ أن السياسة العدائية في بدايتها وربما لن تقف حتى ‏تتجاوز فصلها الأول في بداية التسعينات. ‏

الحملة العدائية ضد اليمنيين غريبة وغير مفهومة في توقيتها، إذ تبدو وكأنها استغلال لحال اليمن ‏الذي يمر بمرحلة انتقالية لنقل السلطة وحالة سيولة تنكفيء فيها الدولة نحو الداخل وتستغرق كل ‏مكونات البلد في اللحظة الانتقالية الداخلية، وتسود حالة من انعدام الوزن، وهو استغلال غير مفهوم ‏ولا يمكن تبريره، وفعل غريب ومفاجئ من دولة شقيقة في الجوار أنجزت مع اليمن اتفاقية ترسيم ‏الحدود التي كانت تثير قلقها ومخاوفها، وحسمت الحدود معها استنادا لاتفاقية الطائف وبما يرسخ ‏العلاقات الأخوية والتعاون بين البلدين والشعبين، ودولة رعت اتفاقية نقل السلطة واحد رعاة المبادرة، ‏وتقدم نفسها كمساند لليمن ويتم التعامل معها على هذا الأساس، باعتبارها داعما سياسيا واقتصاديا. ‏

وعد المملكة بالدعم الاقتصادي كان كبيرا، عير انه لا زال حبرا على الورق، وما نراه هو ‏الإجراءات العدائية والاستهداف للعمال اليمنيين، حيث تؤدي الإجراءات التعسفية إلى نهب مدخرات ‏العمال التي يحصلون عليها بشق الأنفس، ويتم استعادتها باسم الكفيل والرسوم التعسفية والتأمين ‏وتصل التعسفات الممنهجة إلى التطفيش والترحيل. ‏

لم تقتصر التوجهات الجديدة وحملة التصعيد على مضاعفة تكاليف الكفيل، والرسوم المفتعلة، ‏وإنما تعدتها إلى تصميم نظام تطفير وتطفيش لا مثيل له في العالم. ‏

ذروة السياسة الممنهجة لقطع ارزاق العمال اليمنيين يقوم على مقص سعودي يلغي الاقامة ذاتها ‏ويستهدف المقيمين الشرعيين ويساويهم بآخرين دفعتهم ظروف المعيشة والبحث عن عمل إلى الدخول ‏للمملكة عبر التهريب.‏

التعديل الاخير يحصر العمل لدى كفيل واحد وبدون تغيير للمهنة، فنظام الكفيل على تعسفه ‏كاجراء ينتمي لزمن العبودية يغدو هنا نعيماً وتسامحاً مقارنة بالقيود المركبة التي اضيفت مؤخرا، ‏وفي المحصلة تبدو الاجراءات المتتابعة وكانها خطوات في سياق منهجية مدروسة لطرد العمال ‏اليمنيين وقطع ارزاقهم في دولة شقيقة ومجاورة لليمن، وفي ظل علاقات تبدو طيبه وقائمة على ‏التعاون، فيما معاملة المغتربين على النقيض تماما وكأن البلدين في حالة حرب ونزاعات حدودية !!‏
الإجراء الأخير هو تسمية ملتوية لقرار طرد العمال، بطريقة قانونية !! ‏
تترافق الإجراءات الاستثنائية ظهور جيل جديد من شباب المملكة، مع صعود شباب الأسرة ‏الحاكمة إلى مواقع قيادية في المملكة، وكان الأقرب للفهم هو أن يؤدي ذلك إلى سياسة أكثر منهجية في ‏تعميق المصالح بين البلدين والشعبين، لا أن تكون هذه السياسات قصيرة النظر ضد المغتربين ‏اليمنيين هي أول ما جادت به هذه القيادات الشابه السعودية. ‏

على السلطات اليمنية أن تلتفت لأحوال المغتربين اليمنيين في المملكة، فوظيفتها خدمة اليمنيين ‏وليس التغطية على ما يتعرضون له من إجحاف وتعسف وعدوانية. ‏

تسعة وتسعين بالمئة من المغتربين اليمنيين يتحملون مشقة الاغتراب من اجل الحصول على ‏فرصة عمل يبذلون من خلالها جهدهم وعرقهم لإعالة أسرهم. وأي خلط لأوراق السياسة والصراعات ‏الإقليمية بقضية عادلة كهذه ستكون مفضوحة وغير قابلة للتسويق. ‏

وفي نهاية المطاف لم يعد لدى اليمنيين طاقة مختزنة لتحمل فصل جديد من الريبة والعداء في ‏علاقات البلدين، ولا يستقيم ذلك مع التسوية الحدودية التي أغلقت ملف الحدود مع المملكة، وتوقع ‏الجميع أن يترافق مع نمو للعلاقات الأخوية وحسن الجوار وتسهيل عمل المغتربين اليمنيين في ‏المملكة حيث كانت اوضاع المغتربين ركنا اساسيا في ملف علاقات البلدين واتفاقاتهما التاريخية بداية ‏من الطائف، وكذلك باعتبار الملف الحدودي جزء من حزمة مترابطة تفتح صفحة جديدة للعلاقات ‏الاستثنائية بين البلدين الشقيقين. ‏

كثير من الكتاب والصحفيين والمثقفين والناشطين اليمنيين - وأنا منهم - ومعهم المزاج العام في ‏الشارع اليمني ترسخت لديهم قناعات بأن الشراكة الاستراتيجية والتكامل بين اليمن والسعودية أمر ‏حتمي ولا مناص منه لتحقيق مصالح شعبيهما ... لكن أن تأتي السياسات السعودية الأخيرة على هذا ‏النحو العدائي لليمنيين فالنتيجة الوحيدة هي أنها تلف هذه القناعات بعلامة استفهام كبيرة، ومثلها ‏علامة استفهام أكبر منها : لمصلحة من هذه السياسات ؟؟ ولخدمة من ؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى