[esi views ttl="1"]
من الأرشيف

لا شيء أصدقُ من دموع الرجال!

كان الثلاثاء الماضي يوماً يمنياً بامتياز .. بوقائعه وأحلامه وأوهامه. بأتراحه وأفراحه. كان نِتاجَ حِقبة , وارتجاجَ نُخبة !.. كان صباحاً دامياً وصادماً باغتيال الدكتور أحمد شرف الدين , وظهيرةً مُثخنةً بالفجيعة والخوف , عاصفةً بالعاطفة والحماس , مُترعةً بالحزن والفرح , مُثقلةً باليأس والرجاء في نفس الوقت !.. ومساءً فاغراً فاه انتظاراً وأملاً ووعداً !.. حقاً , كان يوماً يمنياً بامتياز !

لن ينسى اليمنيون أبداً تهدُّجَ صوت رئيسهم ونبرة أحزانه , وسحنة آلامه , وهجير نداءاته في تلك الظهيرة القاهرة المقهورة !.. كان يُغالب ويُجالد.. يغالبُ أحزاناً مزروعةً بين الجلد والعظم , ويُجالد ذاكرةً داميةً تأبى إلا أن تكون حاضرة !.. كان يُغالِبُ ما لا يُدركه الحاضرون , ويُجالِدُ ما لا يراه المؤتمِرون !.. وكانت عيناه تقولان ما لا يُقال ! ولم يعد قادراً على القول : في فمي ماء !.. ذلك أنَّ سحائب العاطفة كانت قد غمرت وغسلت كُلَّ من كان حاضراً !.. لا شيء أصدق من دموع الرجال !.. ثمّةَ ما يُزلزِلُ في لحظةٍ فارقة,.. ثمّة ما يُغوي على ذُرى موجةٍ سامقةٍ غارقة !

رغم مشاعري المضطربة المتناقضة.. وحتى غير الواضحة,.. أعترفُ أنني تأثّرتُ , وليس مَنْ سَمِع كَمَنْ رأى ! وكنتُ في أصيل ذلك اليوم قد سمعتُ وصفاً لِما حدث مِنْ بعض مَنْ كان حاضراً.. ولم يُثِر انتباهي كثيراً ,.. حتى رأيت في إحدى القنوات تفاصيل ما حدَث .. وكان ما حدث درامياً مثل فصلٍ من رواية إغريقية !

أخيراً , ووسط زلزالٍ من العواطف الجيّاشة , وعاصفةٍ من الهتافات المدويّة , تم التصويت على نتائج وتوصيات وضمانات مؤتمر الحوار الوطني في لحظةٍ غائمةٍ عائمة !.. وبعد عشرة أشهر كالحةٍ فادحة .. صَبَرْنا عليها صبر الإبل على الماء في هجير الصحراء أملاً في الوصول إلى واحة السلام والوئام !.. فهل نحن الآن على مشارف الواحة وتُخُوم الأمل بعد رحلة العذاب الطويلة القاسية ؟.. أدعو الله راجياً مُبتهلاً !

لكنّ العاطفة الجيّاشة وحدها لن تكون حلاً !.. إنها مجرّد ومضةِ لهبٍ سريعة ما تلبث أن تنطفئ أمام رياح الزمن القاهر الجائر !.. كنتُ في ميدان التحرير صبيحة 22 مايو 1990. لم أكنْ أمشي على قدمين .. ما زلتُ أتذكّر !.. نَبَتَ لي جناحان طِرتُ بهما صوب أُفقٍ لامستُهُ بأصابعي ! كان شفقاً ساحراً ضِعتُ في ضوئه وتماهيتُ بِلونِه.. وثمّةَ حروفٌ تنأى مثل حلمٍ وتقتربُ مثل غيمة.. الجمهورية اليمنية !.. كان يومَ ثلاثاء أيضاً.. ما زلتُ أتذكّر ! يالِلثلاثاءِ المُخاتِل !

اليمانون يئدون أحلامهم ! يدفنونها بأيديهم. ما تزال الجاهلية في عروقهم , والعصبية في دمائهم .. ما يكادوا يصنعوا آلهةً حتى يأكلوها أو معبداً حتى يحرقوه.. أو وطناً حتى يتناهشوه !.. هل كان لا بُدّ من تغيير اسم الجمهورية اليمنية وفي الأمم المتحدة أيضاً !.. يا لِقحطانَ ماذا تفعلُ بنفسها ونفيسها ! حتى مصانع السيارات تحتفظ بماركاتها ولا تتنازل عنها !.. لكننا مسحورون دائماً بالشكل دون المضمون , ومن ذلك احتفالات النخبة بدلاً عن إسعاد الشعب وإبهاجه بما يُسعد ويُفرِح , ولو كانت الاحتفالات تُسعِد شعباً لكنّا أسْعَدَ شعوب الأرض قاطبة !

لا بُدّ للمرء رغم كل المرارات أن يتفاءل .. وأن يحاول !.. ولعلّ تعاطف الشعب مع رئيسه بعد دراما الثلاثاء الماضي أن يكون فاتحةً لعلاقةٍ قائمةٍ على الصراحة والثقة .. فاتحةً تقولُ للرئيس : كُنْ قوياً بشعبك لا بِشَعْثِ النخبة , أقِم الدولة وأسْرِجْ عزائمَها , عاقِبْ وحاسِبْ من يقتُل مواطنيك أو يغضُّ الطرف عن دمائهم المُراقة.. إنها الأمانة يا فخامة الرئيس !

زر الذهاب إلى الأعلى