[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

منامات الصنعاني

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - منامات الصنعاني

بينَ نومٍ ونومٍ على مرفأِ الرُّوحِ،
أفتحُ نافذةَ القلبِ
أهربُ عبرَ شبابيكِهِ،
لزمانٍ مضى
لحدائقَ كانتْ
لوردٍ ترنَّحَ في لونِهِ.. في الأريجِ،
لحُلْمٍ صعدتُ بِهِ صوبَ لا أرضَ
لا خوفَ،
حيثُ انتقتْ لي أصابعُ روحي
قصائدَ منْ ذهبِ الكلماتِ..
وحينَ أعودُ إلى كتبي
وفراغي،
يهاجمُني عبرَ نافذةِ الصمتِ
والخلواتِ
عواءُ الذئابِ
أشمُّ احتراقَ الحدائقِ
رائحةً لدمِ الكلماتِ
بكاءً عميقاً لأَوردةِ الياسمينْ.

* * *
بينَ نومٍ ونومٍ تغادرُني الأرضُ،
أفتحُ ذاكرةَ اللَّيلِ
تحملُني للفضاءِ النجومُ الجميلةُ
تمسكُني بأصابعِها
وتناوشُ خوفيَ بالصَّلَواتِ
بعطرٍ منَ الأغنياتِ..
أحدِّقُ حوليَ.. ماذا أرى؟
وطناً للعصافيرِ
والفقراءِ وللطيّبينَ،
ولا جندَ، لا حُكْمَ،
لا شرطةً، لا زنازنَ.
تنشرحُ الرُّوحُ
تطفو على سدرةِ الضوءِ
تنفضُ عنها رمادَ الكآبةِ..
لكنّ صوتَ رنينِ القيودِ
يدقُّ يطاردُ روحي،
فتصرخُ: لا..
لا أريدُ الرجوعَ إلى الأرضِ
أكرهُ أحزانَها
وغبارَ الفجيعةْ.

* * *
بينَ نومٍ ونومٍ
تداعبُني في المرايا خيولٌ،
وتستيقظُ الرُّوحُ
خارجةً منْ سُباتِ غوايتِها،
وعلى ضوءِ ما اختزنَ الوقتُ
منْ ماءِ أشواقِها
وحنينِ براءتِها،
تتجوَّلُ في الأرضِ
في ضفّةِ الكائناتِ،
تطوفُ بكلِّ المساجدِ
كلِّ المعابدِ،
تسكنُ في راحةِ اللهِ
ترقى،
تنظّفُ أدرانَها
وهواجسَ أطماعِها
في بهاءِ المحبّةِ،
تَعْساً لها
حينَ تصحو على مفرداتِ الدَّمامةِ
في شارعٍ معتماتٌ
حجارتُهُ،
وحدائقُهُ تتنفَّسُ أدخنةً
و (عوادمَ)
تورقُ أشجارُها كمداً غامقاً
وأسىً لا ينامْ.

* * *
بينَ نومٍ ونومٍ
أغادرُ نفسي
وأحلمُ لو تتركوني وحيداً
لأحفرَ صدري
وأدفنَ هذا الكيانَ الهزيلَ بِهِ،
ثمَّ أدخلَهُ خاشعاً..
أتوكّأُ بالكلماتِ
وما اختزلتْ منْ بكاءِ العَروضِ
وإيقاعِهِ المتحشرجِ.
لا شيءَ يجرحُني
مثلَ هذا الخليطِ منَ الموتِ،
والنومِ
والصحوِ..
هذا الخليطُ منَ الحزنِ
والخوفِ،
لا شيءَ يغسلُني
ويباركُني كالمناماتِ
في زمنٍ طافحٍ بالأسى
مترعٍ بالجنونْ.

* * *
بينَ نومٍ ونومٍ
يفاجئُني البحرُ،
يأتي لصنعاءَ منْ شرقِها
وكطفلٍ تشرَّدَ عنْ أهلْهِ
يرتمي تحتَ أقدامِها خاشعاً،
يتجوّلُ
يركضُ فوقَ شوارعِها،
ويداعبُ أطفالَها.
كم تكونُ بتولاً
وفاتنةً
وَهْيَ تبتلُّ بالبحرِ،
تحنو عليهِ
تمشِّطُ أزرارَهُ،
ثمَّ تغزلُ منْ فيضِ زرقتِهِ
شرشفاً للنوافذِ
والشُّرُفاتِ
تَفكُّ تجاعيدَها
فوقَ أمواجِهِ الناعماتِ..
وينحسرُ البحرُ
يخرجُ منْ حُلْمِهِ،
وتعودُ الشوارعُ تجترُّ أحزانَها
وغبارَ مواجيدِها،
وتظلُّ المدينةُ - ما بينَ نومٍ ونومٍ -
تعانقُ بحراً منَ الحُلْمِ والكلماتْ.

* * *
بينَ نومٍ ونومٍ
رأيتُ يداً ترسمُ الأرضَ
بيتاً منَ الضوءِ،
يسكنُهُ كلُّ أبنائِها،
حيثُ لا فرقَ بينَ القصيرِ
وبينَ الطويلِ،
وأشقرُهم مثلُ أسودِهم.
ورأيتُ المحيطاتِ صارتْ حقولاً
مرصّعةً بالبحيراتِ،
والأنبياءَ على غيمةٍ عذبةٍ
يستريحونَ بعدَ الصلاةِ..
ولا سيفَ في (البيتِ)
لا بندقيّةَ،
أسوارُهُ منْ غناءِ العصافيرِ
منْ شَدْوِها،
تتدلّى الأغاني منَ الشُّرُفاتِ
كما الوردُ
للناسِ - تَبَّتْ يدُ الاختلافِ -
شرائعُهم
للحَمامِ شرائعُهُ، للفراشاتِ.
كلُّ الجبالِ زجاجيّةٌ
والحجارةُ تكشفُ ما خلفَها،
شجرُ السَّرْوِ يرقصُ
والياسمينُ يغنّي،
وفي لحظةٍ تختفي اليدُ والرَّسْمُ،
عادَ الجدارُ..
المخدّاتُ صارتْ جداراً
وطارُ حمامُ المنامْ!

* * *
بينَ نومٍ ونومٍ
تجيءُ القصيدةُ صافيةً
كأديمِ السَّماءِ،
مبرّأةً منْ غبارِ التضاريسِ
حاملةً شمسَ أيّامِنا
وردَ أيّامِها،
وتنادي على ورقٍ
لتخطَّ عليهِ السطورَ التي تشتهي
والحروفَ التي تشتهي
والزَّمانَ الذي لا تريدُ التقاليدُ،
تأتي القصيدةُ منظومةً تارةً
غيرَ منظومةٍ تارةً،
فأشُدُّ على مائِها وترَ القلبِ
أزهو بخلجانِها
وبساتينِها،
فإذا استيقظتْ خرجتْ منْ فضاءِ المنامِ
ومنْ طقسِهِ..
دخلتْ حلقاتِ الكلامْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى