رئيسية

إعلان الحوثي إقامة مراكز صيفية ثقافية يعيد قضية "القنابل الموقوتة" إلى الواجهة

فجر المكتب الإعلامي التابع للحوثيين قضية لطالما ظلت هاجسا مقلقا وحاضرا بقوة منذ اندلاع احداث صعدة في صيف عام 2004م، على الأقل.

وبإعلان الحوثي، عن بدء المركز الثقافي التابع للحوثيين، إقامة دورات صيفية في خمس محافظات، تكون قضية "التعليم الديني أو المذهبي" قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التعقيد الذي حذر منه مهتمون. اذ كانت التحذيرات ولازالت منذ ظهور حركة الحوثيين في اليمن ، تشير إلى الاخطار التي تتهدد الوحدة الوطنية والنشئ الجديد جراء بقاء مثل هذا النوع من التعليم بدون ضوابط أو اسس محددة وبعيدا عن اعين الجهات المعنية في الحكومة.

ورغم ان الجهة المعنية في وزارة الأوقاف والإرشاد ما فتئت تصدر التصريحات بين الفينة والأخرى، مؤكدة فيها السيطرة على الظاهرة من خلال التوجيهات بإغلاق المدارس المخالفة والحصر والمتابعة والاشراف. لكن الرقم الذي تعلنه التصريحات بشأن "المدارس الدينية" ظل هاجسا مرعبا ومؤشرا لدق ناقوس الخطر، وقد حذر كثير من المهتمين، بأن تغاضي الحكومة على المشكلة التي تعد بمثابة قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، سيكلفها الكثير من المتاعب.

وعلاوة على تعدد التصريحات الحكومية في هذا الشأن وخصوصا منذ اعتراف الحكومة نفسها بأن من الاسباب الرئيسية لتفجر حرب صعدة هو انتشار "مدارس التعليم المذهبي". لكن التصريحات عادة ما تقابل بالبرود التام، نظرا لتكرارها الممل، والقناعة التي ترسخت لسنوات لدى كثيرين، بأن كل ما يأتي من الحكومة يظل فاقدا للمصداقية ما بقيت الاجراءات التنفيذية معطلة، أو مستهدفة لجهة بعينها.

وبالنسبة للحوثيين، ف إلى جانب تأكيد مصادر متعددة مسألة تفوقهم الميداني على الارض، وتحول صعدة إلى ما يشبه "مقاطعة حكم ذاتي لهم". فقد بدت التصريحات الصادرة عن مكتبهم الاعلامي شديدة الثقة، وهي تعلن خلال الاسبوع قبل الماضي، عن اقامة دورات صيفية في عموم المناطق والمديريات بمحافظة صعدة.

مؤكدا بأن الدورات تشمل مختلف العلوم للرجال والنساء، كما تشمل بعض المحافظات الاخرى كمحافظة حجة والجوف وعمران ومناطق في محافظة صنعاء. وفي اشارة لافتة، اوضح المكتب الاعلامي للحوثيين، بأن استئناف مثل هذا النشاط الثقافي يأتي في اطار ما اعتبره مواجهة "مؤامرات السلطة التي تهدف إلى تجهيل المجتمع، والتي نتج عنها تدني التحصيل العلمي وضعف المستوى التربوي والأخلاقي وبروز نماذج سيئة من مخرجات سياستها التجهيلية."
والغريب في الامر، بحسب الكاتب والباحث المهتم بالشؤون الفكرية عبد الفتاح البتول، هو الردود الحكومية على تصرفات واعمال الحوثي الأخيرة، والتي شبهها وكأنها تصدر عن جهة محايدة أو منظمة حقوقية وليس عن دولة لها حق الاشراف وبسط النفوذ على كامل أراضيها.

ووصف البتول مايجري بالغير طبيعي، قائلا في تصريح ل صحيفة "الناس" الأسبوعية ان "المشكلة، ما يحدث يأتي في اطار متسلسل وممنهج يقوم به الحوثيون سواء في قطع الطرقات واقامة النقاط والاستفزازات والاغتيالات، وما يقابل ذلك من صمت رسمي، حيث تكتفي السلطة المركزية والمحلية بادانة مثل هذه الافعال ورصدها، وكأنها جهة محايدة أو كأنها منظمة حقوقية."

مستبعدا وجود مؤشرات على نشوب حرب سادسة، بالقول ان "الذي يظهر بأن هناك صفقة أو صفقات مع الحوثيين يتم من خلالها ممارسة هذه الاعمال، فيما تعتقد السلطة بأنها تجني بعض الفوائد والايجابيات، بينما هي تقدم خدمة جليلة للمتمردين وتضعف هيبة الدولة على ما فيها من ضعف، وتشجع أي مشاريع صغيرة على اسس طائفية ومناطقية وغيرها."

واعتبر البتول بأن أي نشاط ثقافي للحوثيين سيظل في حدود الامور الطبيعية طالما بقي التمرد قائما. لكن الجديد، حسب قوله، هو الاعلان عن تلك النشاطات الفكرية بصورة اوحت وكأنه " رسالة للاخرين، وتعبيرا عن الحكم الذاتي الذي يتمتع به الحوثيون."

مضيفا "الغريب ليس هذا، وانما سكوت السلطة عن اعمال الحوثيين، بل ونشر الاخبار عنها في الصحافة الرسمية، والتحدث عن استيلائهم على المدارس والقيام بفتح المراكز الصيفية، وبعض التصرفات التي تدل على انفرادهم بالحكم، والتصرف بمصائر الناس."

وذلك ما يثير الشك والريبة، لدى البتول كما غيره، مما وصلت اليه الامور في مسار العلاقة التي تربط الحوثيين ببعض اطراف وجهات في السلطة.

ويتفق الدكتور كمال البعداني مع وجهة نظر البتول تماما. واذ يرى بأن الدولة لا تستطيع الاشراف على أي نوع من "التعليم الديني" في محافظة صعدة طالما بقيت المحافظة خارج نطاق سيطرتها الميدانية والسيادة لها بالكامل.

اكد لـ" الناس" ان من شأن اعلان الحوثيين الاخير، مضاعفة خطر الحرب العسكرية والمواجهة الميدانية، على اعتبار ان الحرب العسكرية لم تكن لتنفجر في صعدة لولا النشاطات الفكرية التي سبقتها. كما اعتبر الاعلان، بمثابة ضخ المزيد من السموم داخل المجتمع وزرع الكراهية والبغضاء بداخله، وكذلك غسل ادمغة الشباب لتقديمهم بعد ذلك إلى محرقة الموت.

واستغرب الدكتور البعداني تصرفات الحكومة في هذا الشأن. وقال ان التهديدات التي تطلقها الحكومة مرارا بشأن "المدارس الدينية"، توحي و" كأن المعني بالتهديد ذلك النوع من التعليم في صعدة، غير ان الواقع يظل خارج المعادلة، بل بالعكس ربما استهدف التهديد جهات اخرى."
يشار إلى ان الاتهامات المتبادلة بين الحوثيين والمصادر الحكومية تصاعدت خلال الاسابيع الاخيرة بشكل غير مسبوق. ورد مصدر في السلطة المحلية بمحافظة صعدة على اعلان الحوثي الاخير، بالقول إن الهدف من ورائه تصعيد الامور والدفع بها باتجاه التوتر. مضيفا ان " الحوثي وجه العناصر التابعة له بالاستيلاء على بعض المدارس في بعض المديريات التي تتواجد فيها عناصره وذلك من اجل استخدامها لعقد دورات تدريبية للترويج للفكر الامامي الضال."

واعلنت وزارة الاوقاف والارشاد انها عممت على مكاتبها في المحافظات شروطا لإقامة المراكز الصيفية لتحفيظ القران الكريم في المساجد ومدارس التحفيظ. وذكر وزير الأوقاف والإرشاد حمود الهتار ان الوزارة أصدرت قرارا يلزم المعنيين في الإدارات والمكاتب في المحافظات بعدم منح أي ترخيص لإقامة مراكز تحفيظ القران ما لم تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في القرار الوزاري. موضحا أن القرار يشترط الترخيص لإقامة مركز لتحفيظ القران الكريم تقديم طلب إلى الجهة المختصة بحسب النموذج المحدد وان يلتزم طالب الترخيص خطيا بالمنهج المنصوص عليه في القرار، بالإضافة إلى أن تتوفر في المدرسين الشروط المنصوص عليها بالقرار وأن يتحمل طالب الترخيص كافة النفقات والالتزام بالمنهج المقر من الوزارة ويتعهد خطيا بتمكين اللجان المكلفة بالإشراف والتقييم من مزاولة أعمالها وتقديم أي بيانات تطلب لأي منها وتنفيذ أي ملاحظات أو توصيات تقررها.

زر الذهاب إلى الأعلى