خصص المؤلف الفصل الثاني من هذا الجزء للحديث عن (احتفال عيد الغدير) كأحد الملامح الدالة على إمامية الفكر الحوثي .. على اعتبار أن الحوثيين يمارسون الاحتفال بعيد الغدير أكثر من غيرهم ويقومون بالترويج له بعد أن ظل لسنوات طويلة محدود الانتشار ..
إلا أن قيام الحوثي بإحياء الطقوس الاحتفالية بعيد الغدير لا يُعد دليلا على اعتناق الحوثي لأفكار إمامية إثنى عشرية, فالاحتفال بالغدير كان أيضا من الشعائر المعروفة عن المذهب الزيدي, وتحديدًا الزيدية الجارودية التي تؤمن بالنص الخفي ..
وكان على المؤلف وهو يبحث عن أدلة وقرائن لتأكيد الارتباط الفكري والعقائدي للاثني عشرية بأفكار الحوثي أن يتجنب الخوض في النقاط التي هي في الأصل زيدية أو غير خاصة بالاثني عشرية فقط كقضية (أعياد الغدير) ..
سنجد أن المؤلف قد أشار في سياق كلامه إلى أن الاحتفال بالغدير كان ينعقد في اليمن قبل الوحدة, وقد عللت الحكومة موقفها الرامي إلى الحد من إقامة مثل هذه الاحتفاليات بعد الوحدة بأن المشاركين فيها يستخدمون الذخائر الحية التي تتسبب في إزهاق الأرواح وحودث إصابات في صفوف المحتفلين والمواطنين .. ولم يقل أحد آنذاك بأنها من الطقوس الوافدة الدخيلة على المجتمع اليمني وعلى المذهب الزيدي ..
وبالتالي فإن اعتناء الحوثي بالدعوة إلى إقامتها ووجود أصداء لهذه الدعوة في صفوف الزيدية وحتى في صفوف الإسماعيلية كموقف القاضي الحرازي لقمان لا يعد دليلا على خروج الحوثي من الزيدية إلى الإمامية ..
وإذا كانت هذه هي حقيقة الهوية المذهبية ل(عيد الغدير) .. فإما أن يكون المؤلف قد وقع في مشكلة عدم التفريق بين (أفكار الزيدية الجارودية) وبين (أفكار الإمامية) لتقاربهما .. وإما أن يكون قد وظف هذا التقارب لصالح الفكرة التي أراد إيصالها ..
وفي كل الأحوال فإن جميع محتويات هذا الفصل المخصص للحديث عن ( قضية الغدير وخطبه وعلاقة الحوثي به وعلاقة إيران وما يحصل فيه) جاءت لإدانة مسألة لا يختص بها الحوثي وأتباعه فقط, وليست محصورة في نطاق الشعائر الإمامية بمعزل عن الموروث الزيدي والإسماعيلي .
.
لقد كان مثل هذا الربط البعيد عن ملامح التمرد وعناصره أحد الأخطاء الجسيمة التي مارسها الإعلام الرسمي والتي جعلت الكثير من أبناء المذهب الزيدي يشعرون أن الدولة تشملهم في اتهاماتها ولا تفرق بين ما هو خاص بالتمرد وما هو من التراث والفكر الزيدي ..
تاريخ الغدير
أشرنا قبل قليل إلى أن الغدير موروث زيدي قديم لم يستورده الحوثي من إيران, ويعود تاريخه إلى ما قبل أربع مئة عام كما يذكر ذلك الباحث عبد الفتاح البتول في كتابه (الشيعة في اليمن من التأسيس إلى الترسيخ) حيث قال (والإمام المهدي احمد بن الحسن بن القاسم كان أول من احتفل بيوم الغدير في اليمن، واستظل تحت حمايته من كان على شاكلته ومن قال مقالته في سب الصحابة والخلفاء الراشدين الثلاثة ومن شدة تعصبه وكراهيته للصحابة رضوان الله عليهم قيامه أثناء حكمه بكشط أسماء الخلفاء الراشدين من حول المحراب في جامع صنعاء ).
ويستفاد من كلام البتول أن الموقف الحاد من الصحابة قديم أيضًا ولم يخترعه الحوثي أو يستورده من الخارج, كما أنه ليس ماركة إمامية مسجلة, ففي نفس الفقرة ينقل الباحث البتول من كتاب (أنباء الزمن) ليحي بن الحسين ما نصه (وفي حدود سنة 1079 ه ظهرت جماعات تطعن في الصحابة, ويعتبر يحيى بن الحسين بن المؤيد محمد بن القاسم أول من جاهر بالسب في اليمن, وتابعه على ذلك عدد من تلاميذ وأصحابه الذين شكلوا تياراً كبيراً برعاية وحماية أحمد بن الحسن بن القاسم( 1087 – 1092 ه ) ووجد هذا التيار الشيعي المغالي رعاية وتشجيعا من أهل الحكم ومنبراً شعرياً لدى الشاعر الحسن بن علي الهبل الذي أخذ ثقافة السب والطعن و اللعن من أستاذه يحيى بن الحسين بن المؤيد الذي كان غالياً في سبه ومتحاملاً على الصحابة مبالغاً في إحصاء عثراتهم ومعرضاً عن فصائلهم، وكان يطعن في مذهب الهادوية والمعتزلة وأهل السنة وينتصر للإمامية كما ذكر ذلك ابن عمه المؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم).
ولتأكيد هذا الأمر يقسم البتول موقف زيدية اليمن من الصحابة إلى ثلاثة أقسام أو اتجاهات :
* الاتجاه الأول يقول بان الصحابة اجتهدوا وأخطئوا ولا وزر عليهم ، والأفضل الترضي عليهم وحبهم
* ويرى أصحاب الاتجاه الثاني أن الصحابة والخلفاء الثلاثة وقعوا في خطأ لاشك وخالفوا النص والوصية لذلك لا نستطيع أن نحبهم وفي الوقت ذاته فان صحبتهم للرسول وما قدموه للإسلام يجعلنا نحجم عن سبهم, والنتيجة عند هؤلاء (لا نحبهم ولا نسبهم) يقول عبد الله بن حمزة إن أبا بكر وعمر لا نرضى عنهما ولا نسبهما لان حدثهما كبير وحقهما كبير فالتبس الأمر فامسكنا.
* أما الاتجاه الثالث فيرى أن الخطأ الذي وقع فيه الخلفاء الثلاثة لا يعد اجتهاداً ولا يمكن تبريره أو السكوت عليه، وأنهم بفعلهم آثمون معتدون فساق، بل كفار كما نقل عن الإمام احمد بن سليمان, وهذا هو مذهب حسين بدر الدين الحوثي ووالده وإخوانه. أه .
ولو سلمنا بتأثير الإمامية على الزيدية في ذلك فلن نسلم بصحة العلاقة بين الحوثي والإمامية على النحو الذي ذكره المؤلف حين برأ الزيدية وتاريخها من الأفكار التي يعتنقها الحوثي.
من هنا يتضح أن إيران قد أُعطيتْ دورًا كبيرا أو غير حقيقي في أحداث صعدة, ويتضح أن البعد السياسي للحرب كان أكثر حضورًا من البعد الفكري, فباستثناء (التمرد) لم يأتي الحوثي بجديد على الصعيد الفكري ولم يستورد جديدًا.
حتى (التمرد) أو الخروج على الحاكم الظالم (حسب مصطلحه الفكري) مبدأ زيدي قديم لا علاقة له بالحوثي ولا بتصدير الثورة الإيرانية, وكل ما في الأمر أن تقاطع المصالح قد أعطى المؤلف فرصة الربط بين (تصدير الثورة) و (تمرد الحوثي).
تكرار وانتقائية..وتفصيل للقضايا على مقاس الأحكام
يعيد المؤلف في الفصل الثالث التطرق إلى عدة قضايا سبق وأن أشار إليها في الفصول السابقة من الكتاب، وأوردها هنا تحت عناوين جديدة لا تفيد – في حقيقة الأمر – سوى إثبات غلو الحوثي في مواقفه تجاه الصحابة وخصوم المذهب الزيدي.. ولا تقدم جديداً يدل على مرتكزات إمامية بحتة في توجهات الحوثي وتصرفاته.
وقد خصص هذا الفصل للحديث عن "أربع جبهات فتحها الحوثي في سبيل نشر دعوته".. لكنه – أي المؤلف- لم يبيّن المقصود بالدعوة.. هل هي الدعوة إلى التمرد أم إلى الاثنى عشريةّ..؟!
فقد رأى المؤلف أن الحوثي استهدف أربع جبهات هي:
1- النظام.
2- الزيدية.
3- السنية.
4- الصحابة.
وبدأ حديثه بالتلميح المباشر إلى عدم صدق الحوثي في عدائه لأمريكا وإسرائيل ، وأنه – أي المؤلف-على ثقة بأن هناك اتفاقًا بين الحوثي وأطراف أمريكية وبريطانية وغيرهم لـ"إحياء مشروع التدخل الأجنبي في اليمن"..!
وكأن التمرد لم يكن مدفوعاً بتدخلات إيرانية اثنى عشرية فحسب.. بل وبدعم وتنسيق مع أمريكا وبريطانيا أيضاً..!
يستنتج ذلك من قيام كلٍ من بريطانيا وأمريكا بإغلاق سفارتيهما أثناء التظاهرات التي جرت في صنعاء ضد الغزو الأمريكي للعراق، وكذا تواجد /يحي بدر الدين الحوثي (شقيق حسين الحوثي) في أمريكا..!
وفي كلامه عن الجبهة التي فتحها الحوثي مع النظام.. عاد المؤلف إلى القول بأن مبدأ الخروج هو مبدأ شيعي ولم يبيّن أنه مبدأ خاص بالزيدية وحدها دون الإمامية.. فالحديث عنه كمبدأ زيدي سيُمثل إدانة للزيدية، كما لا يستطيع نسبته إلى الإمامية الإثنى عشرية ، فاكتفى بالقول إنه مبدأ شيعي..!
ثم تطرق إلى جبهة الحوثي مع "الزيدية".. وأورد شيئاً من كلمات الحوثي التي حملت اتهاماً للزيدية بالتفريط في أسس المذهب ، واتهام رموز الزيدية بالمذلة والاستكانة لخصومهم السنيّين.. وأبدى غيرته على الزيدية في وجه التحديات التي تعصف بها.
لكن المؤلف لم يعلق على هذا التصريح الواضح الذي يؤكد من خلاله حسين الحوثي أنه زيدي وغيور على الزيدية..
والمؤلف حين أتى على ذكر بيان علماء الزيدية حول الآراء المخالفة لآرائهم التي بدأ الحوثي في الترويج لها.. لم يشر إلى البيان التالي الذي سارع نفس العلماء إلى إصداره بعد أيام قليلة ليعلنوا من خلاله براءتهم من الحملة العسكرية المتكئة على ما صدر في بيانهم السابق..
وجاء في البيان انه إذا «كان حسين بدر الدين الحوثي قد خالف بعض مسائل المذهب فهذا شأن العلماء، فلهم آراء وأقوال تخالف أقوال البعض الآخر منهم، لا يخطئ احد منهم أحداً أو يخرجه من دين أو ملة، ومع ذلك فإن معالجة هذا هو المناظرة والحوار بين العلماء أنفسهم، ولذلك فإنه لا يجوز أن يتخذ البيان غطاء لسفك الدماء وإزهاق الأرواح»..
وكان الإنصاف والحياد يقتضي عدم إغفال مثل هذا الأمر الذي يبيّن إقرار علماء الزيدية بأن آراء الحوثي لا تُعد خروجاً على المذهب الزيدي،بل هو اختلاف في إطار المذهب نفسه..!
وحاول المؤلف في رده على أقوال الحوثي التأكيد على أن التآلف المذهبي والعلاقات المتكافئة كانت هي السائدة على مر السنين التي ظلت فيها السلطة والسيادة بيد الأئمة الزيديين فقط!!
ورأي المؤلف لا يحظى بتأييد الكثير من شيوخ ومثقفي السنة والشافعية.. إذ يرى كثيرون أن أئمة الزيدية كانوا يمارسون استعلاءً وهيمنة على إخوتهم الشوافع (سكان اليمن الأسفل) ، واحتكروا السلطات الهامة لأنفسهم وتعاملوا مع الشوافع كمواطنين من الدرجة الثانية.
وهذا ما يؤكد الشيخ السني / محمد المهدي في بعض خطاباته ومعظم مشايخ السلفية، كما تعرّض للمسألة عدد من الباحثين والكتاب أمثال الأستاذ/عبد الفتاح البتول في كتابه "خيوط الظلام : عصر الأئمة الزيدية في اليمن"..
وأعاد المؤلف في حديثه عن "الجبهة السنّية" و"جبهة الصحابة" تكرار بعض الآراء المتخبطة التي وردت في محاضرات ودروس الحوثي بشأن رموز وأعلام أهل السنة من الصحابة وغيرهم..
ومنها اعتبار هزائم المسلمين ناجمة عن موالاتهم للحكام السنيين وموالاتهم لأبي بكر وعمر!!
زاعما ًأن النصر سيتحقق لو أن الأمة قررت موالاة علي بن أبي طالب وآل البيت ولم تقدّم أبا بكر وعمر وعثمان على علي .. ثم استطرد المؤلف في تفنيد أقاويل الحوثي.
قضايا شيعية لا حوثية
تحولتْ مادة الكتاب بشكل تدريجي من قراءة لخلفية التمرد في صعدة إلى مناقشة قضايا الخلاف بين السنة والشيعة, وبدأ حظ الحوثي من البحث يتضاءل, بل لم يعد ذكره هنا ليختلف عن ذكر أي منتسب للفكر الشيعي ..
فمسألة النص الخفي وحصر الولاية في البطنين وحديث الثقلين وآية التطهير (محتوى الفصل الرابع من الجزء الثاني) هي من القضايا المرتبطة بالفكر الشيعي بمختلف توجهاته لا بحسين بدر الدين الحوثي فقط ..
من الفصل الثاني وحتى هذا الفصل بدأ مصطلح (الشيعة) يحضر أكثر من غيره, ذلك لأن القضايا التي ناقشها في هذه الفصول إما أن تكون زيدية فقط وإما أن تكون مشتركة بين الزيدية والإمامية الجعفرية ..
ولأن محتوى هذه الفصول لن يفي بغرض ربط الحوثي بالإمامية الوافدة من الخارج كما لم يكن الحديث عنه كفكر إمامي واردا, كون معظم القضايا المطروحة زيدية بامتياز .. حرص المؤلف أن يوردها تحت مصطلح عام وهو (الشيعة).
ورغم هذا الخروج والاستطراد في الرد على قضية القصر والحصر للولاية في البطنين لم يشر المؤلف ولو بشكل عابر لفكر مشابه يحصر الولاية في (قريش).
ملاحظة :
أورد المؤلف هذا النص من كلام الإمام على ابن أبي طالب للرد على الحوثي أو على الشيعة إن صح التعبير (وإنا لنرى أبا بكر أحق بها أي الخلافة إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف سنه ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نصلي خلفه وهو حي)..
فإلى جانب أن هذا النص غير موجود في كتاب نهج البلاغة للشريف الرضي حسب إحالة المؤلف, نجد أن كل ما في هذا الكتاب من نصوص تخالف هذا النص كليًا, ومنها على سبيل المثال ما نُسب للإمام علي في هذا الكتاب قوله في خطبة الشقشقية (أَمَا واللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلانٌ وإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ولا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ويَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذًى وفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى الأوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلانٍ بَعْدَهُ).
انفتاح الزيدية على الفكري الإمامي .. هل يعني التمرد ..؟!
يختتم المؤلف كتابه بالحديث عن أزمة تحول الزيدية إلى المذهب الإمامي في الآونة الأخيرة, ويتحدث عن طلاب زيدية أوفدوا للدراسة في قم فعادوا مبشرين بهذا المذهب, وعن صُحف يصدرها ويمولها هاشميون (كصحيفة الشورى والبلاغ والأمة) مهدت للأطروحات الاثني عشرية من خلال الدفاع عن رموزها الذين يهدفون إلى اختطاف الزيدية حسب قوله واستبدالها بهذا الفكر الدخيل ..
كما حاول المؤلف من خلال سوْق وجهة نظر الأمامية للزيدية أن يقدم نصيحة لأبناء الفكر الزيدي في اليمن بشكل عام وللهاشميين المغترين بشكل خاص عن خطر المد الأمامي, وساق لتأكيد ذلك أقولا كثيرة لرموز إمامية تحدثتْ بازدراء عن الزيدية.
وإذا كان هناك توجه عام نحو الفكر الإمامي ونحو إيران في الوسط الفكري الزيدي ولم يكن لهذا التوجه انعكاسات سلبية على المستوى الأمني من تمرد وغيره, فما علاقة هذا الفصل بتمرد الحوثي وما علاقة تمرد الحوثي بالفكر الإمامي ..؟!!
ملاحظات عامة
* لم يعط المؤلف للحرب ومجرياتها ما يكفي من التوثيق والرصد لوقائعها بل تركز اهتمامه على شخصية حسين بدر الدين الحوثي وسيرته الذاتية وأفكاره .. كما أن مناقشته لأفكار الحوثي اعتمدت على أحكام مسبقة واستنتاجات مبنية على تأويل المؤلف للعبارات الواردة في بعض محاضرات ودروس متفرقة له..
* تجاهل المؤلف تصريحات حسين الحوثي في بداية المواجهات ورسالته الشهيرة التي وجهها لرئيس الجمهورية والتي أكد من خلالها ولاءه للرئيس وعدم معاداته للنظام الجمهوري, وجاء في رسالته (بسم الله
صاحب الفخامة رئيس الجمهورية الأخ المشير علي عبد الله صالح ..... حياكم الله بعد التحية والاحترام
وصل إلينا الوالد غالب المؤيد، والأخ يحيى بدر الدين الحوثي، والأخ الشيخ صالح علي الوجمان وتم التحدث معهم في أمور كثيرة ومنها ما ظهر منكم من انزعاج مناوقد أثار هذا استغرابنا لأنني متأكد أنه لم يحصل من جانبي ما يثير لديكم هذا الشعور، فنحن لا نعمل ضدكم، ونقدركم تقديراً كبيراً، وما أعمله إنما هو انطلاق من الواجب الديني والوطني ضد أعداء الدين والأمة أمريكا وإسرائيل، فلا تصغوا لتهويل المغرضين والمنافقين واطمئنوا من جانبنا فنحن لا نكيد لكم ولا نتآمر عليكم،وماضينا وحاضرنا يشهد بهذا ويفضح المغرضين، وثقوا أننا أنصح لكم وأقرب إليكم وأصدق معكم .
وعند لقائنا بكم إن شاء الله سيتم التحدث معكم في الأمور التي تهمكم وتهم الجميع والإخوان سوف يوضحون لكم تفاصيل حديثنا معهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخوكم/ حسين بدر الدين الحوثي
8 ربيع الأول 1425
وفي نهايته إضافة بخط والده العلامة الحجة بدر الدين قال فيها :
الحمد لله ما أجاب به الولد حسين ففيه الكفاية بدر الدين الحوثي وفقه الله).
ومن ذلك أيضا, تجاهله بيان علماء الزيدية الملحق بالبيان الأول حيث كان العلماء في بيانهم التالي قد أكدوا أن خلافاتهم مع الحوثي خلاف فكري يحسم من خلال النقاش والحوار فيما بينهم كعلماء وأدانوا استغلال الحكومة لبيانهم الأول لشن الحرب على الحوثي وأتباعه.
* لم يورد المؤلف أية إحصائيات أو تقديرات لأعداد المشاركين في الحرب من طرف الحوثي ولا للقبائل التي تحالفت معه, كما لم يُشر إلى حجم الخسائر في المعدات والأرواح والجرحى والمصابين من الجانبين ..
* كانت المواقف متباينة من أحداث صعدة حيث وقفت معظم الأحزاب والقوى الوطنية ضد الحسم العسكري إلا أن المؤلف انحاز إلى موقف الحزب الحاكم المنفرد الرافض للحلول السلمية متهما مواقف تلك الأحزاب بأنها غير مسئولة وتحاول الاصطياد في الماء العكر..
* برر للحكومة جميع مواقفها وقراراتها إزاء تمرد الحوثي ابتداء من قيامها بدعم نشاطاته وانتهاء بانفرادها في التعامل مع الملف دون إشراك البرلمان ولا الأحزاب الوطنية الكبرى, وفي المقابل أجاز لنفسه التشكيك في مصداقية كل ما يصدر عن الحوثي وأحزاب المعارضة, وهو الأسلوب الذي اتبعه الخطاب المؤتمري تجاه كل من يعترض على الإجراءات التي اتخذتها السلطة في مواجهة تلك الفتنة.
* لم يكلف المؤلف نفسه عناء البحث عن مصادر مختلفة وأكثر حيادية غير تلك المعروفة بقربها من الحزب الحاكم والقيادات العسكرية, الأمر الذي يوحي بأن المغزى الحقيقي من تأليف الكتاب هو التعبير عن موقف طرف الحكومة ..
فظهر الكتاب بعيدًا عن الحيادية التي وعد المؤلف بالتزامها من خلال حصر تعليقاته على السيناريو المعلن من قبل الحزب الحاكم ليس إلا.
وكانت الأمانة العلمية والمصلحة الوطنية تقضيان إجراء دراسة موضوعية مجردة من الميول والعواطف والأحكام الاستباقية, فالدراسة المحايدة لن تخدم أهداف الحوثي بالضرورة ولن تدين كل إجراءات الطرف الآخر.
* لم يهتم المؤلف كثيرًا بالأحداث الهامة التي أدت إلى توتر العلاقة بين الحوثيين والسلطة قبل حدوث المواجهات بأشهر, ومنها قضية المدرسين الموالين للحوثي الذين أوقفتْ مرتباتهم فردوا باقتحام بعض المكاتب الحكومية حيث ركز المؤلف على مسألة الشعار كعامل أساسي ووحيد في إشعال فتيل المواجهات.
* علاقة إيران بشيعة اليمن لا تختلف عن علاقتها بشيعة البحرين وشيعة القطيف وشيعة لبنان, وهي مثل علاقة السعودية بسلفية اليمن وسلفية مصر وكل التجمعات السلفية في مختلف بقاع الأرض لكن المؤلف استثمر هذه العلاقة لصالح فكرته فأعطى جمهورية إيران دورًا مهمًا في الحرب, بل أهم الأدوار أو الدور كله ..
فمنطلقات تمرد الحوثي حسب المؤلف إمامية, والشعار الذي يردده ويردده أتباعه في المساجد قدِم من إيران, والدعم إيراني, وتمرد الحوثي مستمد من روح ثورة الخميني بدليل إعجابه بثورته وبمقاومة حسن نصر الله.
أي أن كثيرًا من الأمور الطبيعية صارت غير ذلك حينما نُوقشت في ظرف حرب, ولو كانت زيارة إيران تعني ما قرره المؤلف لسحبنا هذا الرأي على كثير من علماء الزيدية الذين غار عليهم المؤلف من نقد الحوثي, فقد زار أكثرهم إيران وتربطهم علاقة وثيقة بها ..
* انحياز المؤلف إلى جانب الفكر الزيدي لا يعني الرضا عنه, فهو يفعل ذلك عند مهاجمة الإمامية أو عندما يورد كلام حسين الحوثي في بعض علماء الزيدية فقط, بدليل أنه تعرض لمبادئ الفكر الزيدي بالنقد الشديد في معظم فقرات الكتاب ..
الحلقة الأولى:
قراءة في كتاب (الحرب في صعدة من أول صيحة إلى آخر طلقة) (1 2)