[esi views ttl="1"]
رئيسية

الناشط الحقوقي المعارض علاو: اليمنيون يعاقبون الجغرافيا على أخطاء السياسة

قال الناشط السياسي والحقوقي المعارض المحامي محمد ناجي علاو رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات "هود" إن الأزمات الراهنة في البلاد ليست سحابة صيف، وإنما تعبر عن عمق المشكلة، المتمثلة في "عقم النظام السياسي العربي واليمني على وجه الخصوص"، مشيراً إلى أن "أحداث صعدة والجنوب والانفلات الأمني العام في البلاد بمثابة رأس جبل الثلج".

وأضاف علاو بأن "لدى اليمنيين حماقة تاريخية أنهم عندما يضعف المركز أو يغضبون منه يعودون إلى عصبياتهم وجهوياتهم ومناطقهم، فيعاقبون الجغرافيا ويهدمون المعبد على أنفسهم"، حسب تعبيره.

المحامي علاو تطرق في هذا الحوار إلى المشهد اليمني الساخن وإشكاليات الحكم والمعارضة وقضايا الحقوق والحريات والقضاء والمحاماة وتقارير الولايات المتحدة الأميركية لحقوق الإنسان ومعتقل "جوانتانامو" والشيخ المؤيد ونشاط منظمة "هود" التي يرأسها ودور وزارة حقوق الإنسان والانتهاكات في إطار الحرب على ما يسمى "الإرهاب" وغيرها.. إلى الحوار:

*نبدأ من حيث تصاعد موجة الأزمات الراهنة في البلاد، ورؤيتك لهذه الأزمات وجذورها، وهل هي من الخطورة بمكان أم أنها مجرد سحابة صيف؟

** أقول أنها ليست سحابة صيف، هذه الأزمات تعبر عن عمق المشكلة، لأن ما نشاهده ونعيشه في صعدة وفي المحافظات الجنوبية أو الانفلات الأمني العام على الطرقات واختطاف الناس وما يسمى بالقطاع وغياب الدولة بالمطلق في ضبط الأمن وسقوط الناس صرعى نتيجة رصاص المختلفين على الأراضي في صنعاء والحديدة وغيرها وزيادة سطوة المتنفذين، وهذه القبضة الرخوة للدولة في مواجهة أصحاب النفوذ والمقربين، لا شك أنها تعبر عن مشكلة مظاهرها تتمثل في ما يجري، فهذا الذي نعايشه هو مظاهر للأزمة وهو رأس جبل الثلج.

*والعمق الحقيقي للمشكلة أين؟!

**المشكلة الحقيقية في عقم النظام السياسي، وأقول عقم النظام السياسي العربي بشكل عام، ومشكلة اليمن فقط أنها دولة رخوة وليست دولة مركزية عبر التاريخ بهذا المعنى، واليمنيون لديهم حماقة تاريخية أنهم عندما يضعف المركز أو يغضبون منه يعودون إلى عصبياتهم وجهوياتهم ومناطقهم، فيعاقبون الجغرافيا ويهدمون المعبد على أنفسهم، ويكون حالهم كما قال شمشون (عليَّ وعلى أعدائي)، في الوقت الذي نعرف بأن الشعوب الأخرى التي تناضل من أجل حريتها ورفض الاستبداد والظلم لا تعاقب الجغرافيا بل تسعى لتغيير المركز، وأقصد مركز النظام الذي يمثل آلية الاستبداد والفساد.

*ولكن اليمنيين يناضلون لتغيير المركز؟

** اليمنيون دوماً يغضبون من المركز فيعاقبون أنفسهم بذنب المركز، فيسعون إلى التجزئة والتشطير والشتات.

*(مقاطعاً).. أشرت إلى مسألة عقم النظام السياسي..؟

** (يستأنف).. فبالتالي عندما تلاحظ تجربة (تشافسيسكو) مع قومه في بولندا وعمال بولندا الذين ظلوا يصارعون حتى التخلص من النظام الاستبدادي. وهكذا أوكرانيا وغيرها من الدول، بما في ذلك حتى الدول العربية مثل مصر أو غيرها، فالنظام السياسي في كل البلاد العربية عقيم واليمن واحدة منها، نقلت هذا النقل العقيم بحيث يجمع هذا النظام السياسي في الوطن العربي بين السلطة والثروة، بين القرار والثروة، والغرب عندما أوجد حلاً لمشكلة السلطة وصار التداول بشكل سلس وسلمي، لأن البقاء في السلطة غير مغر مالياً، وإن كان فيه قيمة أدبية عندما تسمى وزيراً مثلاً، ولكن ليس هناك عائد مالي مغر من وراء البقاء في السلطة ولذلك يذهبون منها بسلاسة، ثم يعودون إلى أعمالهم الخاصة التي يكونون قد أتوا منها، سواء شركات أو مؤسسات ومكاتب محاماة أو أساتذة جامعات، دخلهم فيها مرتفع جداً، على سبيل المثال رئيس الولايات المتحدة الأميركية لا يزيد دخله السنوي عن 250 ألف دولار، وهو مرتبه، أما الباقي فيصرف عليه من قبل كبير موظفي البيت الأبيض، وليس للرئيس القدرة على أن يتصرف بفلس واحد من الميزانية وكذا كل رؤساء الدول أو رؤساء الوزارات في الأنظمة البرلمانية يعتقدون أن وصولهم إلى السلطة لمدة أربع سنوات مثلاً ربما تتكرر ما هي إلا فرصة لتقديم أنفسهم للمجتمع كنوع من إرضاء الذات، وبالتالي فهو يرى بأن الوظيفة ليست مكاناً للثروة.. أما عندنا فإن الملك العضوض الذي نمارسه من خلال مسمى السلطان أو الملك أو رئيس الجمهورية أو ما أسموه المغاربة "الجملكة" تكون السلطة فيه مكاناً للثروة، وهنا يأتي الفساد الكبير.. حيث تجتمع السلطة والثروة فيشعر الحاكم بأنه يجب أن تستمر نعمة الفساد ليورثها للأبناء، وإذا كانت الجمهوريات قامت للتخلص من الحكم السلالي فإذا بكل الجمهوريات اليوم تعود للحكم السلالي في الأسرة الجمهورية، فتكون ملكية بشكل سيء، ولذلك الملكيات اليوم أنجح في الاستقرار والأمن من الجمهوريات، لأنها متسقة مع نفسها، والملوك يحرصون على بقاء شيء يورثونه، لكن هؤلاء الجمهوريون ملوك المصالح، فهم إما أن يتركوا الدنيا محروقة مدمرة بعدهم أو أن يورثوا لأبنائهم الفساد، وأبناؤهم عادة حدثاء سن، ليس عندهم شعور بالولاء لهذا الإرث، فلا أشبههم بأكثر من عصابة تولت لمرحلة سطت وتريد أن يستمر السطو بطريقة أو بأخرى.. لذلك مشكلة اليمن ضمن مشكلة الوطن العربي وهي مشكلة النظام السياسي، في حين أن الدستور للأسف الشديد كرسه نصوصاً، والحاكم فيه يسأل ولا يُسأل، وهو بمرتبة الإله وفقاً لمسميات البشر، وأنا قلت في لقاء قبل أيام في مؤتمر أقامته منظمة صحفيات بلا قيود بأننا لم نعد نرغب بأن يكون هؤلاء الحكام والمسؤولون في درجتنا كمواطنين، ولكن نريد أن ينزلوا في مستوى الأنبياء فقط، أن يكون علي عبدالله صالح أو حسني مبارك أو معمر القذافي أو غيرهم في مستوى محمد بن عبدالله وهو النبي المصطفى الذي اختاره رب العالمين، ويحاسبه أصحابه فلا يقبلون منه قولاً حتى يفسر لهم لماذا أعطى الطلقاء أكثر من الأنصار في غزوة حنين ويقولون له "هذه قسمة ما أريد بها وجه الله"، رغم أنها كانت سياسة رآها النبي الكريم لكنها كانت محل محاسبة، حتى ولو كان نبياً.. هذه الأفهام والأبعاد غابت للأسف الشديد عن أذهان المسلمين فأتى من يكرس للحاكم بأن يَسأل ولا يُسأل وأنه لا يجوز الخروج عنه حتى يجد منه كفراً بواحاً له من الله فيه برهان، قالوا وإن ضرب جلدك قال وإن ضرب جلدك، قالوا وإن أخذ مالك، قال وإن أخذ مالك، أو كما جاء في بعض الروايات، أو تأليه البشر، كقضية العصمة والبطنين وغيرها من القصص، لقد ألغينا مدرسة الرسالة التي أتت تعلمنا كيفية التعامل مع الحاكم، ومساءلته، وهو ما جرى على عهد الخلفاء الراشدين قبل أن تأتي ولاية العهد والملك العضوض بحيث لم يكن هناك خلافة، فالذي يقول إن معاوية وما بعده خليفة فهو مخطئ، لأن الخلفاء أربعة فقط، وأما هؤلاء فهم ملوك، ملكوا البشر والأرض والإنسان وسوق الفقهاء لهم الاستبداد، وها هم اليوم يسوقون لهم من جديد.
إذن هذه الأنظمة أوصلت الشعوب العربية ومنها اليمن إلى مرحلة انسدت فيها الآفاق، وإن كانت المسألة مختلفة بالنسبة لليمن إلى حد ما، فقد كانت بلداً هشاً توحد على أمل أن الديمقراطية ستكون جادة وأن الحقوق ستكون مصانة والخروج من دورات الدم التي كانت تجري في اليمن شماله وجنوبه، فإذا دورة الدم تصنع وتكون نتيجتها حرب 94، لأن الذين وصلوا إلى الحكم هم قتلة، كل أتى إما بقتل رفيقه أو بقتل صاحبه.

*مقاطعاً.. تقصد الذين أتوا من الجنوب؟

** في الشمال والجنوب، علي سالم وعلي صالح، كلاهما أتوا من مدرسة التآمر والقتل، ذلك وصل بقتل صاحبه، والثاني وصل بقتل رفاقه، فكان من الصعوبة أن يطمئن المتآمرون بالطبيعة والتاريخ لبعضهما، فظل التآمر قائماً وقتل أعضاء الحزب الاشتراكي في شوارع صنعاء.
الحزب الاشتراكي سلم دولة، وكان له الفضل في الوحدة، أما علي عبدالله صالح فقد استلم ملكاً وكان يسعى لإزاحة رفيقه.

*لكن علي عبدالله صالح لم يعلن الانفصال والخروج عن الوحدة؟

** ليست المشكلة مشكلة الانفصال، فهذه نتيجة طبيعية للمظالم، عندما تنسد الآفاق أمام الناس، مثلما قلت الحماقة التاريخية عند اليمنيين، تبقى المسائل هنا نسبية، يعني واحد سلم دولة فإذا بك تلاحقه في الشوارع، وإذا رئيس الوزراء لأنه جنوبي تمنعه الشرطة العسكرية من دخول صنعاء، الفساد الذي حصل وشارك فيه الحزب الاشتراكي أيضاً، وقضية تقاسم الوظيفة العامة وإفساد الجيش.. وغيرها.

*لكن الإصلاح يتهم بأنه كان شريكاً كذلك في هذه القضية؟

** الإصلاح أيضاً كان شريكاً لا شك، وكل الأحزاب ساهمت بطريقة أو بأخرى في أن تأخذ جزءاً من الغنيمة التي أفسدت الوظيفة العامة، ومنحت درجات لغير مستحقيها، على أساس الولاء ومنحها لأهل الثقة من غير أهل الخبرة، ودمَّر اليمن، وكانت النتيجة حرب 94، لأن مدرسة التآمر التي جاء منها الطرفان لا يمكن أن تنتج إلا ما وصلنا إليه.. لقد تخلص الرئيس علي عبدالله صالح من "الكرت" الذي سماه وهو "الإصلاح"، لأن الاستبداد هكذا يضيق بكل من حوله من حاشد ثم من سنحان، مشكلة الحاكم المستبد التاريخي أنه يبدأ يكرس حكمه من خلال عصبته التي يصنعها وعندما يشعر بأن الأمر دان له يبدأ ينشغل في البناء لولي عهده وإزاحة أصحاب المشروعية الذين قبله، وهذا هو الذي يجري، وبالتالي فإن حرب 94 أنتجت آثاراً وظل جيش في المنازل وموظفون في المنازل أيضاً، وكان النظام الاشتراكي أنتج مسائل مختلفة عن النظام الذي كان موجوداً في الشمال، وبدلاً من أن تعالج آثار التأميم والوظيفة العامة وغيرها دخل الناس في المماحكات والصراع السياسي، بينما كان يفترض التفرغ لهذه القضايا وحلها بعد الحرب، ولكن للأسف الشديد جرى إقصاء الجيش الجنوبي والناس في الحقيقة صبروا كثيراً وكانوا أحيلوا إلى التقاعد بالهوية لمجرد المنطقة، في حين يصل الضابط من سنحان مثلاً إلى السبعين من العمر ولا يزال يمارس وظيفته، فقط لأنه من أصحاب الموالاة أو من القبيلة، خلونا نكون واقعيين، هناك ضباط شباب تخرجوا من الكليات وأصحاب خبرات علمية من إب وتعز أو المحافظات الجنوبية تم تسريحهم في المنازل، كان في ذلك حماقة وخطأ تاريخي، حتى من الناحية الأمنية لا يجوز لك أن تبقي جيشاً في المنازل.

*لكن لم تعد المسألة الآن مطلبية؟

** كانت قضايا الناس مطلبية حقوقية وتحولت اليوم إلى قضية سياسية بامتياز، وبدون حل للمشكلة السياسية فإن القضية المطلبية لم تعد هي الإشكال، فالقضية اليوم سياسية وليست مظالم وإن كانت هذه المظالم أيضاً مظاهر لخلل في أداء الدولة ومصادرتها وامتلاكها بالفساد السياسي الذي صاحب ما قيل أنه ديمقراطية وإفساد صندوق الانتخابات بتزوير إرادة الناخب وشراء الذمم، فضاعت المؤسسات واختزلت في شخص واحد هو رئيس الدولة.

*إذن تعتقد أن المشكلة الجنوبية الآن سياسية ولم تعد مطلبية أليس كذلك؟

** هي سياسية، لأن السياسي اليوم يرتبط بحقوق البشر، ولائي الوطني ولاء منظومة حقوق تضمن لي هذه الحقوق، والولاء ليس جغرافياً، والبيت الواحد يتفرق فيه الأخوة نتيجة الظلم، فهي مشكلة سياسية في اليمن بأكمله، أن يعود الحوثي ويدعى باسم السلالة ويقاتل الناس ويموتون معه بعد أربعين سنة من الثورة فهذا نتيجة خلل في أداء النظام السياسي.

*إذن النظام السياسي بشكل عام ويشمل السلطة والمعارضة، ولكن يلاحظ أنكم دائماً تركزون على نقد الحاكم والرئيس بدرجة أساسية، لكن لا تتحدثون عن أخطاء المعارضة حتى المعارضة الإسلامية نفسها التي أسهمت في صناعة هذا الاستبداد كما تسميه؟

** لا شك لا شك، كلنا صنعنا الفرعون، وأنا قلت بأن ذنب الوطن العربي أنه سلم نفسه للأيدلوجيا وليس للمواطنة المتساوية والحقوق، وعندها غلبت الأيدلوجيا على الحقوق عند اليسار اليمنيين والإسلاميين وفي اليمن كل مجموعات المعارضة الذين أنتجوا هذا الدستور في قضية الصلاحيات والذين أنتجوا قوانين الصحافة وكانوا لا يزالون حكاماً جميعاً والذين أنتجوا قانون السلطة القضائية المصادرة والمختطفة بيد رئيس الدولة، كل هؤلاء كان تخلفهم هو الذي أنتج هذه المنظومة السياسية المتخلفة.

*مقاطعاً.. والأزمات الراهنة؟

** أكيد، وهم اليوم يتطهرون منها ويدعون للخروج منها لكنهم لم ينزلوا إلى الشارع بعد فملأ الشارع الذي سبق إليه، سواء دعاوى الانفصال أو المشاريع الصغيرة أو القتال ضد الدولة من قبل الحوثي، الناس يموتون من أجل قضية لا ندري ما هي، فلا شك أننا كلنا شركاء في ما وصلنا إليه.. من يعلن التوبة الوطنية اليوم أمام هذا الشعب، إنها النخبة السياسية وهي موجودة في السلطة أو المعارضة وعليها أن تنزل إلى الشارع لتقوده إن أردنا أن نحافظ على بقية وطن، ولنضع نظام دولة عادل يشارك الناس من خلاله في إدارة أنفسهم بشكل واضح.

*أين قوى المعارضة من هذا؟

** اليوم قوى المعارضة ترفع شعاراً جميلاً ونحن معها وتدعو للحوار لكنها لم تنزل إلى الشارع بعد وهي متأخرة، وإذا ظل تأخرها للأسف الشديد فنخشى أن لا يسمعها بعد ذلك أحد، والحكم القائم لم يعد جزءاً من حل المشكلة، بل صار هو المشكلة بحد ذاتها، وبدون تغيير لمنظومة الحكم القائمة وبدون عقد اجتماعي جديد يعلي حقوق المواطنة المتساوية ويرفع إدارة الناس لشأنهم في المحليات بنظام فيدرالي أو واسع الصلاحيات حسبما نتفق عليه بدون ذلك فإن اليمن سيتمزق.

*إذن أشرت إلى شعار الحوار الذي ترفعه المعارضة، لكن قد يقول قائل إنه كمواطن يمني بدأ يفقد الثقة في هذه المعارضة التي تنفي أي حوارات مع السلطة ثم تعقد جلسات مغلقة، فهناك إذن عدم مصداقية لدى المعارضة في التعاطي مع قضايا الحوار الوطني الذي يمثل خروجاً من الأزمة؟

** لا أستطيع أن أقول أن هناك عدم مصداقية، ولكن لا شك أنك لا تستطيع أن ترفض الحوار مع الآخر الموجود في الوطن سواء كان حراكاً أو سلطة أو حوثياً، خاصة وأن الحوار صار سقفاً بحيث أننا نتحاور ونتناقش تحت سقف الوطن بكل أفكارنا المختلفة، وبالتالي السلطة لا تزال قائمة والتواصل معها شيء طبيعي لا نقول بأن المعارضة هنا تخون، لكن المعارضة إذا تأخرت عن إنزال مشروعها الوطني الذي أعلنته بثلاث مفردات في وثيقة التشاور التي خرج بها مؤتمر التشاور الوطني وهي: رفض الحكم العائلي القائم والتوريث وأياً كان هذا الحكم العائلي بعلي عبدالله صالح بأولاده بغير أولاده، بالأحمر بالأزرق بالأصفر بأي كان، يكون هذا الحاكم ضالعي أو حضرمي أو صنعاني أو حديدي.. والمفردة الثانية التغيير، وهذا يعني بأن المنظومة السياسية القائمة لم تعد قادرة على إنتاج مشروع وطني.. والمفردة الثالثة العقد الاجتماعي الجديد الذي يجب أن يتضمن هذه المفردات الواضحة في حقوق المواطنة التي يشعر فيها صاحب تعز أو حضرموت بأنه متساو مع هذا القبيلي المتعفن بأفكاره والذي ينهب أرض ويختطف المواطن التعزي أو الإبي إلى خولان وبني ضبيان ولا تحرك الدولة ساكناً، لأن هذا مجتمع مدني وهؤلاء يدعون بثقافة الاستعلاء القبلي المتخلف الذي أوصلنا إلى هذه الأزمات.
إذن لا بد من عقد اجتماعي يعلي من المواطنة المتساوية ويتاح للناس إدارة أنفسهم، وذلك بعد الفصل بين مركز القرار والثروة، أما إذا ظلت الثروة بيد رئيس الدولة ورئيس الوزراء وظل نظام مرور لشراء الولاءات وشراء الذمم فتيقنوا أنه لا يمكن أن تبنى دولة.

*إذن لديك اعتقاد بأنه حتى إدارة الأزمات حالياً لا تدل على أن هناك نية للخروج من هذه الأزمات سواء لدى السلطة أو المعارضة؟

** لا، المعارضة لديها نية بدون شك، والمعارضة ممثلة بالمشترك واليوم بالتشاور الوطني أعلنت في وثائقها رؤيتها للمشكلة وتشخيص المشكلة، لكنها للأسف الشديد لم تطرح بعد الحلول وتنزل بها إلى الشارع وتملأ الشارع بدل الفراغ الذي يملأه أصحاب المشاريع الصغيرة أو أصحاب مشاريع العنف.

*لكن هذه المعارضة لم تدن أو تستنكر أعمال العنف في الجنوب والمليشيات المسلحة التي تقوم بهذه الأعمال؟

** لا تستطيع أن تدين شيئاً، ما جرى في الجنوب وما جرى في صعدة نتاج السلطة ونتاج ظلمها، فلا تستطيع أن تدين المظلوم لصالح الظالم الذي كان يجب أن يكون عادلاً في السلطة والثروة، ما تسمع من جرائم نتيجة لمشكلة غياب دولة ومصادرتها واختطاف سلطة، ليست المشكلة أن الجنوب غير وحدوي بل الجنوب وحدوي قبل الشمال والجنوب رفض اتحاد الجنوب العربي الذي كان يراد أن ينشأ في الخمسينيات وأسقطه لأنه كان سيكون على حساب الوحدة اليمنية، لكن هذه الوحدة تحولت إلى فيد ومغانم لصالح قلة بسيطة، وتحول الوطن إلى عقارات وأثاث يورث للأبناء، والناس يعودون الآن إلى ثقافة السلالة وتقبيل الركب بسبب هذا الحكم الذي استنزف رصيد الثورة اليمنية منذ نشأتها خلال سنوات، كما استنزف الضمير الوطني وآمال الناس بأن يكون هناك وطن آمن يحفظ كرامتهم ويصون حقوقهم.

*لكن على الأقل من باب (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا)، برأيك هل هناك فرق بين مطالب حقوقية وأعمال مسلحة، ولماذا دائماً نلقي بالمسؤولية على السلطة؟

** أنا كرجل حقوقي أرفض العنف ضد الدولة مهما كان ظلمها، لكن هذا كلام أقوله تنظيراً وأنا يدي في الماء كما يقولون وليس في النار، لكن ماذا عن الذي في الشارع والمنتهكة حقوقه والمنهوبة أرضه والشاعر بأن هناك من يستعلي عليه؟، لا تستطيع محاسبة الناس بردات الفعل نتيجة مظالم، (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، والجهر بالسوء يأخذ أشكالاً عديدة، وبالتالي لن تحل المشكلة بمحاسبة هذا وإنما بتجفيف جذر المشكلة المتمثل في فساد سياسي وسلطة فاسدة.

*مقاطعاً.. ألا توجد ولو نقطة واحدة بيضاء لهذه السلطة؟

** لا توجد في هذا النظام نقطة بيضاء على الإطلاق، كل نقاطه سوداء، لأنه سعى إلى مصادرة الوطن في شخصه وأبنائه.

*أنت متهم يا أستاذ بأن مواقفك من النظام حادة دائماً.. لماذا؟

** مواقفي حادة من الكل، من النظام والمعارضة، مواقفي حادة من التخلف، ليس عندي مشكلة شخصية مع النظام كأشخاص، هؤلاء أحبهم في الله، وأقول لهم كلمة حق في وجه سلطان جائر، وأقول لهم نصرة للأخوة في الإسلام أقول له أنت ظالم، قالوا عرفنا يا رسول الله كيف ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال برده عن ظلمه، أنا أحبهم عندما أقول لهم أن يبقوا الوطن لأولادهم ويتذكروا أين ذهبت الأسر السابقة، ويتذكروا اللعنة التاريخية التي ستلحق هذه الأسرة والقبيلة والأفراد، هذه مسألة محبة، وأنا شريك في هذا الوطن، وعليَّ أن أنصحه، وأن أقول له أنت تعذب شعبك وسوف تُعذَّب إنْ في الدنيا أو الآخرة، "والله لو كبت بغلة في العراق لكنت مسؤولاً عنها" فكيف والاختطافات اليوم حول صنعاء والقتال حول دار الرئاسة على الأراضي والناس يسقطون بالعشرات والسجون ملأى بالمظلومين.. إذن ليس عندي موقف حاد بل موقف محب فليفهموا هذا.

*أشرت إلى أن الخروج من الأزمة يتمثل في ثلاث نقاط، لكنها تظل رؤية نظرية ومثالية عند التطبيق، برأيك ماذا لو أن الحاكم أفسح المجال للمعارضة للمشاركة في الحكم كحل للخروج من الأزمة؟

** لم يعد هناك حكم صالح حتى يشارك فيه الصالح، والذي يريد أن يدخل في هذا الحكم ليس إلا فاسداً كفساد الحكم نفسه، لأن الحكم يملكه شخص واحد، لا رئاسة وزراء تدير ولا وزراء يديرون ولا محافظون يديرون، وإنما فقط يترك لهم صلاحيات الفساد، أما صلاحيات الإصلاح فإنها غائبة، وبالتالي أي مشاركة لنظام آيل للسقوط هو الفساد بعينه، وستكون حماقة من المعارضة تسقط هي معه.

*افتح لنا يا أستاذ بصيص أمل في المستقبل، ما يدريك لعل هذا الحاكم أن يراجع نفسه ويتوب؟

**لا أمل في هذا الحاكم، ولا أمل إلا بأن ينزل العقلاء إلى الشارع ليحافظوا على وطن بطرح مشروع تغييري حقيقي ويملئوا الفراغ الذي يملأه الآن أصحاب المشاريع الصغيرة أو أصحاب مشاريع العنف أو سلطة الفساد، لا بد من بديل وطني، المعارضة مرشحة أن تكون بديلاً وطنياً إذا نزلت بمشروعها إلى الشارع، أما إذا ظلت بمشروعها تتحاور مع السلطة في غرف مغلقة فسوف ينساها التاريخ وتضيع نفسها ويضيع وطن ويتمزق بالضرورة.

*في حال تابت السلطة توبة نصوحاً وراجعت نفسها وبدأت في التغيير؟

** لا توبة في السلطة.. التوبة لله في المعصية الخاصة أما من يرتكب أخطاء في حق وطنه فإنه لا يستطيع أن يصححها هو، لأنه محمل بأدران الأخطاء لمدة ثلاثين سنة، يستحيل عليه أن يتخلص من طاقم الفساد الذي صنعه، لا يستطيع أن يحاسب الفاسدين وهو الذي صنعهم ونحن نعلم أنه كل من تضخم ملفه في الفساد صار وزيراً أو قائداً واستمر في الوزارة، وكل من نظف ملفه ذهب إلى المنزل.. حتى لو أراد علي عبدالله صالح بشخصه أن يصحح فلم يعد قادراً، لأن تركة الفساد التي صنعها صارت تخنقه في الوقت الذي تخنق الوطن.

*الحوار بين الحاكم والمعارضة كان بمثابة طوق نجاة أو حل مؤقت للخروج من الأزمة، كيف تنظر إلى مستقبل هذا الحوار الذي تقول أنه يجري في غرف مغلقة؟

** الحوار استراتيجية وليس حلاً مؤقتاً أو قضية تكتيكية، التفاهم مع السلطات ومع المكون الاجتماعي القائم تكتيك يجوز، لكن الحوار وصولاً إلى عقد اجتماعي وتغيير لا بد أن يكون استراتيجياً.

*مقاطعاً.. الانتخابات البرلمانية المقبلة كيف تنظر إليها؟

** ابقوا لنا وطناً يمكن أن تبقى انتخابات..

*من خلال تعاطي أحزاب اللقاء المشترك مع القضايا الوطنية هل تعتقد أنهم يبدون متفقين عليها أصلاً، أم أن لكل حزب أجندة خاصة؟

** أعتقد أنهم متفقون على أجندة واحدة، لكنهم ربما يكونون مختلفين إلى حد الآن في قضية التصور للحلول وثمن أو كلفة الحل، ما زالوا يتهيبون من دفع الثمن، وعليهم أن يدفعوا ثمن الحل في إطار وطن موحد بدلاً من أن ندفعه كالصومال في إطار وطن ممزق.

*من خلال نشاطكم في المحاماة والترافع أمام القضاء، هل ثمة بصيص أمل في إصلاح القضاء؟

** أستشهد بكلمة لأحد المؤتمريين لا أريد أن أذكر اسمه حتى لا يؤاخذوه عليها، وإن كان بعض المؤتمريين اليوم صاروا يتجرؤون فيقولون حديثاً ربما يصل إلى سقف المعارضة.

*لكن سراً..؟

** لا، يقولون حتى علناً.. كنا في اجتماع ونتحدث عن إصلاح القضاء، فقال يا إخوان أنتم تريدون أن تصلحوا جزءاً من الجسم بينما الرأس الذي يدير القضاء وبقية الأجزاء فاسد، ولا يمكن أن يصلح جزء من الجسم مع وجود الخلل في الرأس، فالقضاء سلطة مصادرة بيد رئيس الدولة وفقاً للقانون القائم.. فالرئيس هو الذي يعين أعضاء مجلس القضاء وهو يعين أركان القضاء، بمعنى أن الذين في القضاء هم ضباط على خلاف ما يجري في الدنيا كلها، إذن القضاء مجرد جزء أو شعبة من شعب المؤتمر الشعبي العام أو الاستخبارات أو السلطة التنفيذية، ولا توجد سلطة قضائية مستقلة، والقضاء واحدة من مكونات البلد اختطفها الحاكم لصالحه ويسخرها لحزبه وإرادته الشخصية.

*هناك من يطرح إشكالية بأن الأستاذ محمد ناجي علاو يجمع بين المحاماة كنشاط استثماري وبين العمل الحقوقي الطوعي، هل تعتقد أن هناك تناقضاً بين العمل الحقوقي الطوعي والمحاماة؟

** بالعكس، كل الناشطين الحقوقيين في العالم أو معظمهم هم أصحاب مؤسسات محاماة ومكاتب محاماة، والذين يدافعون عن المعتقلين اليمنيين في "جوانتانامو" من خلال مركز (سي سي آر) والذي فيه قرابة خمسة آلاف متطوع، هؤلاء أصحاب شركات محاماة، والمحاماة مرتبطة بالحقوق والعمل الطوعي ليس فيه مقابل، وبالتالي الناشط الحقوقي من أين سيعيش إن لم يكن له مصدر دخل، ومصدر الدخل الحر للناشط الحقوقي هو الذي يضمن حياده وقدرته على الدفاع، لكن لو كنت ناشطاً حقوقياً وموظفاً حكومياً فسوف أخاف بالتأكيد على وظيفتي.. كما أن المحاماة تبني قدرات الناشط الحقوقي وتجعله متميزاً، والحقوق لغة قانون وإذا لم يقم بها المحامي فمن الذي يمكن أن يقوم بها.

*من خلال نشاطكم في المحاماة، هناك عديد قضايا يبدو أنه كان لمنظمة (هود) دور فيها وهي قضايا محاكمات المتهمين بالإرهاب أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، ما تقييمك لإجراءات المحاكمة أمام هذه المحكمة؟

** أولاً (هود) لا تدافع مباشرة في قضايا الإرهاب أو غير قضايا الإرهاب، هود منظمة حقوقية راصدة، تتقبل الشكاوى ترصد الحوادث وتخاطب الجهات بالخطاب الذي يجعل القضية تذهب في مسارها الطبيعي إلى القضاء.. عندما تذهب القضية إلى القضاء فإن هذا الأمر فيما بعد يكون من اختصاص مكاتب المحاماة والمحامين، إلا ما يمكن أن يقدم كمساعدة قانونية لضحايا التعذيب وقضايا الصحفيين، فهؤلاء من خلال مؤسسة علاو أو الزملاء المحامون المتطوعون معنا في هود يقدم لهم الدفاع.. لكن بالنسبة لنا في مؤسسة علاو وكثير من الزملاء المحامين لا نقدم دفاعاً أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بالمطلق.

*مقاطعاً.. لماذا؟

** منذ قضية فواز الربيعي الأولى، لأن هذه محكمة غير دستورية ولا تجري أمامها محاكمة عادلة، والقضاة فيها منتقون، وبالتالي هو قضاء استثنائي.

*.. منتقون من أين؟

** منتقون من أجهزة السلطة التنفيذية عبر السلطة القضائية التابعة وفقاً للقانون للسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الدولة، بالتالي فهي محكمة أمن دولة، والقضاة فيها لا يملكون مساحة من حرية القرار، والمحاكمات التي تجري أمامها تنعدم فيها حقوق الدفاع، وتصوير ملفات، وتقديم الدفوع، وكونها محكمة استثنائية بهذا المعنى فأي دفاع أمامها عبث، لأنها في المحصلة تخضع للضغط الأمني والسياسي وللغرض الذي أنشئت من أجله، ليست محكمة عدالة وإنما محكمة أمن دولة، بمعنى أن ميزانها يذهب في معظم القضايا باتجاه ما يحقق الأمن وفقاً للهاجس الأمني لدى الأجهزة الأمنية سواء الأمن القومي أو الأمن السياسي أو مكافحة الإرهاب، وبالتالي هو قضاء استثنائي غير منصف بالضرورة حتى لو أرادوا، وقد وقفنا منه موقفاً ونقاطعه ولا نمثل أحداً أمامه، ماعدا قضية علي هيثم الغريب قدمناها لخاطر عيون الوحدة حتى لا يقال أنه لا يوجد محام من المحافظات الشمالية مع هؤلاء الذين نقلوا من أمام القاضي الطبيعي في مناطقهم إلى أمام القاضي الاستثنائي في صنعاء.

*يقال أن منظمة هود تقدم العديد من التقارير حول قضايا الانتهاكات في اليمن، وأن هذه التقارير تتحول فيما بعد إلى ضغوط تمارسها الدول على اليمن خصوصاً التقارير الموازية التي تذهب إلى السفارات أو تمولها بعض السفارات خاصة السفارة الأميركية، لماذا تقحم المنظمة نفسها في هذا الجانب؟

**أولاً التقارير الموازية لا تذهب إلى السفارات وإنما أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تطلب من الدول سنوياً تقارير حقوق الإنسان، فتقول الدول قولها بأن حقوق الإنسان على ما يرام أو ناقصة أو زائدة، لكن في الغالب الدول خاصة في العالم الثالث تقول أن حقوق الإنسان عندها كاملة، ولكن وفقاً للمعاهدات والاتفاقات الدولية التي وقعت عليها اليمن وهي ملزمة بها، يجب وجوباً على المجتمع المدني أن يقدم تقريراً موازياً، فهذا التقرير بأمر الدولة، ولا يقبل تقرير الدولة إلا بوجود تقرير مواز، وبالتالي فهو عمل يتفق والتزامات اليمن أمام المجتمع الدولي بعد توقيعها اتفاقية إنشاء مجلس حقوق الإنسان.

الأمر الثاني هناك تقارير تصنعها السفارات مثل تقرير الخارجية الأميركية وهي تضع تقريراً ليس عن اليمن وإنما عن كل دول العالم، وهذا التقرير الأميركي والحاكم بأمره تستشف بياناته من وقائع موجودة على الأرض وليست مختلقة، نحن في هود ليس لدينا شيئ نخفيه، كل ما نمارسه من بلاغات تصل إلينا عن انتهاكات للحقوق والحريات موجودة في موقع المنظمة على الإنترنت، فأن تأخذ السفارة الأميركية أو أي مواطن أو أي جهة أو الحكومة بيانات شفافة ومعلنة فليس لدينا معلومات سرية نسربها أو نستخدمها أو نحابي بها جهة أو أخرى، وبالتالي نحن نعمل في إطار شرعية دستورية وقانونية ومعاهدات دولية اليمن ملتزمة بأن تتيح الفرصة لمنظمات المجتمع المدني بأن تعمل في مجال الرصد والدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها.. ولكن أقول أن الذي يُنتهك هو القانون اليمني الذي يفترض بالدولة اليمنية أن تكون حارسة له، وإذا هي انتهكت قوانينها فيجب أن لا تعتب على غيرها إذا ما استخدم ضدها.. على الجمهورية اليمنية أن تحترم قانونها ودستورها ومواطنيها.. لا تعتقل اعتقالات تعسفية لا تعذب الناس، لا تجعل الأمن فوق القانون، تحرر القضاء من استيلاء السلطة التنفيذية عليه، وسيقول لها الناس شكراً.. أنت سويسرا الثانية، والأمور بخير، لكن أن تصنع الخطأ وتمارس انتهاكات ضد حقوق دستورية هي سبب وجودها بدءاً بأقسام الشرطة والبلدية والبحث الجنائي، والحقوق الاقتصادية والحق في الصحة وفي التعليم، وهذه كلها منظومة حقوق ثم تعاتب منظمة سواء هود أو غيرها لأنها مارست حقاً شرعياً ودستورياً محمياً بمواثيق دولية صادقت عليها اليمن باختيارها فهذا يعتبر بالتأكيد قولاً مردوداً على قائله، ونحن نقول امتنعوا عن انتهاكات حقوق الإنسان وسنقول لكم شكراً، لكن أن تنتهكوها فإن من حقنا أن نكشفها ونعلنها ومن يستفيد منها فهذا ليس شأننا.

*لكن الحكومة اليمنية كانت جادة في مسألة حقوق الإنسان وأنشأت وزارة خاصة بها؟

** وزارة حقوق الإنسان وزارة مشلولة، وزارة من أجل تقدم تقارير تجمل صورة الحكومة اليمنية فقط هذه وظيفتها، وكان هناك نوايا لبعض الموظفين أو الوزراء للعمل عطلت هذه النوايا، ولا يسمع لها قول وتقاريرها أيضاً تثبت هذه الانتهاكات، لكنها لا تجد النور في الواقع، فيكتفي لإدانة اليمن فقط في ما تنتهكه لحقوق الإنسان بتقارير حتى بعض زيارات وزيرة حقوق الإنسان للسجون أو لجنة الحقوق والحريات بمجلس النواب.

*في الواقع قد يقال بأن الكثير من الانتهاكات تكون ردة فعل من قبل السلطة، فمثلاً الانتهاكات في قضايا الإرهاب تكون احترازات أمنية للحيلولة دون وقوع عمليات إرهابية أو حتى قمع المظاهرات التي ترافقها أعمال شغب في الجنوب أو الانتهاكات في صعدة لقمع التمرد الحوثي المسلح؟

** الدولة لديها منظومة دستورية هي منظومة القوانين ومنظومة الأجهزة التي يفترض أن يكون عملها في إطار القانون، والجهاز الذي يخرج عن المشروعية القانونية لا قيمة لعمله، وهو عمل مهدد قضاء وإدارة، وأي خروج عن هذه المنظومة يحول الدولة إلى شخص يرتكب جرماً، وجرم موظف الدولة أكبر ولا ذريعة له، بل العكس، إنه في حالة الحروب والاضطرابات تصبح على الدولة التزامات أكبر باحترام حقوق الإنسان، ولذلك تحاكم الدول اليوم ويحاكم رؤساؤها كما حصل في دارفور، لأنه أخذ من هذه الاضطرابات ذريعة انتهكت فيها حقوق الإنسان، وبالتالي يجب أن يضبط الجيش وقوات الأمن حتى لا تتحول إلى ردات فعل شخصية تؤثر بالتالي على صورة الدولة واستقرارها وسلامة أدائها المشروع، وربما تعطي ذريعة حتى للمعارض الآخر الذي يمارس العنف بالمقابل، وبالتالي هذه ذرائع اتسعت فيها الانتهاكات، على سبيل المثال عندما يعتقل شخص ثم يخفى مكانه وهو لدى أجهزة الأمن وقد اعتقل أمام أسرته أو من معسكره، أليست جريمة إخفاء قسري، لماذا يخفونه؟! ما الذي يخجلون منه حتى يخفوه؟، الجواب من أجل أن يجبروه على اعترافات خارج إطار القانون.. الأصل أن الشخص لا يقبض عليه إلا بأمر من القضاء ويعرض خلال 24 ساعة أمام القضاء، ثم إن القضاء في بلادنا طيب، وليس ذلك القضاء الذي يتمنع عن تنفيذ رغبة الحاكم، ومع ذلك حتى مع وجود هذا القضاء الطيع واللين يعتقل الأشخاص لسنوات بدون محاكمة، ويطلب منهم كما حصل في قضايا تنظيم القاعدة أن يحلفوا بأن يحترموا الدستور والقانون، أي دستور وقانون وقد انتهك في حقوقهم واعتقلوا لسنين وخربت أجسادهم وانتهكت كرامتهم وروعت أسرهم، وكيف يحترمون الدستور والقانون إذا كنت أنت كحاكم لم تحترم الدستور أو شرع الله في حقه، بل أصبحت كدولة تشرع لانتهاك هذا الدستور والقانون.

*لكن في الواقع أنه حتى قضية حقوق الإنسان برمتها أصبحت مجرد سيف مسلط على رقاب الحكومات الضعيفة فقط، بينما هذه الولايات المتحدة الأميركية أكبر مدعٍ لحقوق الإنسان تنتهك هذه الحقوق وتقتل المدنيين في أفغانستان وقتلت في العراق وغيره وحتى المجزرة التي ارتكبتها الصين في حق الأقلية المسلمة، لماذا لا ينتقد الناس هذه الدول، هل لأنها دول عظمى؟

** ما دام أنك ضعيف وغير قادر تدافع عن نفسك فلماذا تغلط، استقم مع مواطنيك ولا تضع ذريعة للقوي أن يبتزك، أما أن تكون ضعيفاً وظالماً في نفس الوقت فهذا شأن آخر، والمشكلة أنك ظالم في أهلك وليس للآخرين.. لكن مع ذلك أعمال الولايات المتحدة الأميركية مدانة من قبل منظمات حقوق الإنسان سواء الأميركية أو غيرها، والدلالة الحملة التي تمت على "جوانتانامو" وشاركت فيها هود ومنظمات دولية كبيرة، والمجتمع الدولي اليوم يقول هذه فجوة سوداء في وجه الولايات المتحدة الأميركية ويعترف الساسة الأميركان ويعملون لإغلاق المعتقل والسجون السرية، وبالنسبة للعراق فهي دولة محتلة والناس تدين الانتهاكات التي جرت في أبو غريب وغيرها، حتى حاكم أفغانستان المصطنع يقول بأن الجيش الأميركي يمارس العنف ضد المدنيين، لكن في الأخير هناك موازين قوى بمعنى أن تدين الانتهاكات فهذا شيء وأن تعاقب هذه الدولة فهذا شيء آخر مختلف، لأنك لا تملك أدوات الضغط على هذه الدولة التي ترسل القوات للحكام وتدعم ميزانية اليمن على سبيل المثال أو العالم الثالث.
أما ما جرى في الصين مؤخراً فهو مدان والصين دولة قمعية، وهي وإن نمَت اقتصادياً لكنها دولة منتهكة لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات والأديان وتمارس فظائع، لكن الصين اليوم دولة مانحة وصارت حتى أميركا مدينة لها.. وبالتالي مسألة إرساء عقوبات على هذه الدول خاضعة لموازين القوى في العالم، إضافة إلى نقطة مهمة وهي أن هذه الدول تهرب من العقاب الدولي لأنها تبادر إلى تصحيح الخلل وإجراء تحقيقات في هذه القضايا وإلى تقديم جماعات للمحاكمة باعتبار أن القضاء الدولي اليوم في المسائل الجنائية يعطيك مساحة للقضاء الوطني لتحل مشكلتك، لكنهم لا يحققون كما حصل في دارفور، فسلم نفسه للقضاء الدولي الذي لا يعتبر بريئاً بالضرورة، لأنه قضاء تصنعه دول.

*إذن التقارير الأميركية حول حقوق الإنسان في اليمن مجرد ضغوط برأيك؟

** لا، هي تقارير حقيقية، لكنها في إطار العمل السياسي، أين تقدم هذه التقارير، هي تقدم في الكونجرس وهو في ضوء ذلك كمؤسسة رسمية يعطي المنح المالية والمساعدات أو لا يعطي ويبتز الدول، لكن المسألة من أوجد الذريعة لهم؟.

*أنت بقيت فترة في أميركا، ما الغرض منها؟

** أنا بقيت من أجل قضية الشيخ المؤيد حتى صدرت أحكام البراءة من محكمة الاستئناف والحمدلله.

*لكن لم يؤخذ بهذه الأحكام؟

** النظام الأميركي عندهم يجيز إعادة المحاكمة، بحيث يحق للإدارة الأميركية إذا رغبت في إعادة المحاكمة فهذا نظامهم، والحكومة الأميركية في هذا الموضوع ظالمة بدون شك ومتعنتة، وحكومتنا مقصرة وشعبنا أيضاً مقصر، نعم نسمع جعجعة لكن لا نرى طحيناً..

*لكن أنت أشدت في أكثر من مناسبة بموقف الرئيس من قضية الشيخ المؤيد؟

** لا بأس، لن نستطيع أن نقول إلا هكذا، نشجع أي بادرة حسنة، لكن أقول ليست بالمستوى الذي يفترض أن تكون.

*محاكمة الصحف وإنشاء محكمة متخصصة في قضايا الصحافة، لماذا يؤخذ عليها؟

** أنا أسميها محرقة الصحافة وليست محكمة الصحافة، اللجنة الأمنية التي أوحت بهذا وهي تضم بين أعضائها وزير العدل ووزير الإعلام، وقرار إنشاء هذه المحكمة قرار الأمن وليس الإعلام، وهي محكمة أمن دولة للصحافة.

*مثلها مثل المحكمة الجزائية المتخصصة؟

** مثلها، بل ألعن..

*مقاطعاً.. يقولون أنها أنشئت لتوفير الجهد على الصحفيين بدلاً من تشتت قضايا النشر في المحاكم العادية، تكون هذه المحكمة نوعية؟

** في هذه الحالة أيضاً يعملون محكمة خاصة للأطباء لوحدهم، ومحكمة للمهندسين، ومحكمة للمحامين ومحكمة للمعلمين، بحيث لا يتشتتون، ويتمايز المواطنون، بحيث تكون هذه المحكمة لحفظ كرامة الصحفي، وهذا يعني هل الذي يذهب إلى المحاكم الأخرى ليس له كرامة.. الأصل أننا في العدالة سواء وأننا سواسية أمام القانون، وأن تكون العدالة قريبة إلينا وحاضرة، هذه المحكمة يكفي أنني أحضر فيها صحفي للتحقيق من تعز حتى لو قيل أنهم سيعملون قضاة متخصصين، هذه المحكمة فقط من أجل انتقاء نوعية القضاة الذين يحاكمون أصحاب حرية الرأي، لأنهم وجدوا أن الصحافة المكتوبة متقدمة على الحركة السياسية وأنها تحدث الحدث الأكبر فأرادوا أن يكمموا الأفواه فأتوا بمحكمة وأتوا بقاضٍ يمكن التحكم فيه، بينما من قبل كنا نذهب للمحاكم العادية فنجد قاضياً نصف عادل وقاضياً ربع عادل وقاضياً مشترى بالكامل أو ضعيفاً، نعم كانت المسألة نسبية وصدرت أحكام لصالح الصحافة ولكنهم ضاقوا ذرعاً من هذه الأحكام البسيطة لصالح الصحافة، فأنشئوا محكمة منتقاة ضد مبادئ العدالة.

*لكن ألا تعتقد بالفعل أن بعض الأقلام ربما أساءت استخدام المهنة في الحقيقة؟

** حتى لو أساءت، فالمسيء يحاسبه القانون، وهم لا يحاسبون المسيء وإنما يحاسبون المختلف معهم سياسياً فقط أو عندما يريدون تصفية حسابات حتى مع المقربين لهم.

زر الذهاب إلى الأعلى