arpo27

محمد زبارة: دعاوى الحق الإلهي في الحكم كلها باطلة بموجب النص القرآني والسنة المحمدية

قال الباحث والكاتب اليمني الكبير محمد عبدالله زبارة وكيل وزارة التربية والتعليم إن الإمام زيد استشهد لرفضه شتم الصحابة..وإن المتعصبون حولوا تضحيته إلى شتيمتهم وأكد ان الفكر الحوثي إلى زوال لأن ليس له اصول في الدين إعمالاً بقوله تعالى:(فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ..)..

وقال زبارة في حوار مع صحيفة "26سبتمبر" : يجب أن تكون مثل هذه المجالات من الوضوح والجلى ما يجعل الناس ترتقي اليها والا سنظل ندفع ثمن ما يدار خلف الكواليس، عندما نركز على تحفيظ القرآن ونترك للآخرين في مدارس مغلقة ان يفسروا القرآن سنجد من سيوظف متشابه القرآن ليعطي لنفسه حقاً سيادياً في الملك والعلم والعصمة وما إلى ذلك.

واكد ان نموذج الحكم في اليمن قد اصل في جانبه السياسي ركناً اساسياً من اركان الفكر السياسي الزيدي، هو مبدأ الخروج على الظالم ويتمثل هذا التاصيل في الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية والرجوع إلى الامة من خلال الاستفتاءات.. فهذا في حقيقته خروج ببطاقة الانتخاب بديلاً عن الخروج بالسيف الذي كان يؤدي إلى سفك الدماء فهذا تطور سياسي غيرعادي قد يكون هناك عدم نضوج في المراحل وهي مسألة أخرى لكن انتقالنا من بيعة امام إلى بيعة نظام يظل تطوراً سياسياً نوعياً والاهم من ذلك ان اليمنيين هم من صنعوا هذا الانتقال ولم يفرض عليهم أو يكرهون على اختياره..

وقال: ان الانفتاح السياسي هو الذي جعل اليمنيين منفتحين على غيرهم من الشعوب والثقافات ولن يسمحوا لمن يحاول ان يعيدهم إلى حياة الانغلاق والصراع في دائرة (الضم والسربلة) بعد ان حققوا شيئاً كبيراً يفخرون به امام العالم وهو الوحدة اليمنية. وقد اجاب زبارة على العديد من التساؤلات المطروحة في الوسط السياسي والاجتماعي والرأي العام..في هذا الحوار:

ما هي الدوافع الحقيقية التي دفعت بالمجتهدين إلى اصدار مثل هذه الاحكام التي تشرع للبعض السيطرة على الحكم ؟

- اعتقد انه الوصول المبكر لفهم اسلمة الفتح (الذين اسلموا بعد فتح مكة) بداية الدولة الاموية وهؤلاء لم يكونوا قد تشربوا معاني الدين ومقاصده وانا اقول وبكل وضوح : ان مفاهيم آل البيت ومفاهيم القرشية كلها مفاهيم تسللت إلى الثقافة الاسلامية والفكر الاسلامي من فكر عنصري غريب على الفكر الاسلامي سواء كان باسم بني هاشم أو قريش فهذا كما قلت فكر اسلمت الفتح فهم لم يتربوا على مائدة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا على مقدرة ان يستوعبوا الدين بغاياته واهدافه السامية وهذا ادى إلى توظيف الاحكام في اتجاه آخر. ومن هنا عندما نقول الامامة في قريش ونقبلها يجوز لنا ان نقبلها في بني هاشم واذا قبلناها في بني هاشم قبلناها في البطنين واذا قبلناها في البطنيين قبلناها في الهادي واذا قلبناها فيه قبلناها في بيت حميد الدين وهكذا ندخل في جحور العنصرية المتسلسلة إلى ما لانهاية.

مفاهيم دخيلة

> لكن يقال ان مثل هذا الطرح هو من باب الحقد على آل البيت رغم انك منهم وانكار للبراهين القاطعة الواردة في الكتاب والسنة؟

- أولاً لست بدعاً من القول ولست اول من تناول مفهوم آل البيت وهي روايات موجودة في التاريخ غير ان الخلاف السياسي منع ظهورها وانتشارها، ونشوان الحميري استاذ في ذلك عندما قال:«آل النبي هم اتباع ملته» ولم يقل آل النبي هم بني فلان وبني فلان، فأنا اقول ما اعتقده واراه براءة للذمة ان هذه الاحاديث عندما نقيسها لا تتفق مع جوهر الدين ومقاصده، فعلى سبيل المثال يقول تع إلى ( انما يريد الله ان يذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا...) والآية التي قبلها تخاطب نساء النبي (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء......) كل هذا الخطاب من اجل ان يرفعهن إلى مستوى من اختار واصطفى فيكون النبي وزوجاته في منأى ورفعة عن اعمال الرجس ونلاحظ في هذا السياق ان الصحابة لم يطلقوا اسم بيوت النبي وانما كانوا يقولون بيت عائشة بيت حفصة .... الخ، وخطاب القرآن اكد ذلك بقوله تعالى:( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله)، وهل تعلم ان المصريين قرروا ان يكون قانون الاسرة مصدره الشريعة الاسلامية فأصبح القانون ينص على انه في حال الانفصال بين الزوج والزوجة يكون المنزل من نصيب المرأة، اذاً البيت بيت من ؟!. والخصوصية الاخرى ان نساء النبي جُعّلْنَ في موقع أمهات المؤمنين والامومة هنا امومة دين وليست امومة نسب وبالتالي يتضح لنا الامر هنا وضحا لا لبس فيه ان الإسلام جاء بوضع اسري جديد هو "اسرة الدين " قال تعالى:( ملة ابيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين...)، وكل من شهد الشهادتين دخل ملة محمد صلى الله عليه وسلم.. وأكد القرآن الكريم (ما كان محمد ابى احد من رجالكم ولكن رسول الله....) ان هناك فصل وقطع في نسبه حتى يبقى هذا الدين..

ولكن هذا البعد الغائي هو الذي ذاب في فهوم الناس وبقية الفهوم السطحية.. واعتقد ان ذلك محطة اختبار فشلت فيه بنو إسرائيل، وفشل فيها إبليس عندما ضنوا ان النبوة والاستخلاف فيهم، وقالوا: (نحن عيال الله واحباءه) إخواننا لم يقولوا ذلك بل تنازلوا شويه وقالوا:( عيال نبيه) وايا كان ذلك فأي احتكار للعلم أو حصره في عرق ودعاوى الحق الإلهي في الحكم كلها باطلة بموجب النص القرآني والسنة المحمدية، فإذا كنا نتوارث ديننا فالمسلمون اخوة أي اننا نتوارثه بالتساوي.

فرقاء الصراع

> المتتبع لتاريخ الفكر الزيدي يستنتج حدوث انقسام فكري بين متمسك بالتشيع الاول المؤمن بفضل جميع صحابة رسول الله وبين منكر لهذه الافضلية ولكن تأثير الفريق الاخير كان الاكثر حضوراً وتأثيراً.. لماذا؟

- أولا أريد أن اصحح مفهوم، فأنا اتفق معك أن هناك فهمين للزيدية، لكن اقول لك وبكل صراحة انه يوجد من الهاشميين وغير الهاشميين مع الفهم المنصف وكان في هذا الفريق اعلام كبار عارضوا وبقوة مفهوم الحق الالهي ومن اشهرهم الامام محمد بن ابراهيم الوزير الذي انتهج مبدأ رائعاً في المعارضة هو البحث عن الدليل لانه يعرف في اعماقه ان ما يتخذونه من ادلة ليست صحيحة فجذب الناس إلى مشروعه الاصلاحي عن طريق صحة الدليل باعتبارها الكفيلة بتوضيح وكشف ستار النظرية التعصبية بان لا اساس ولا اصل لها في الدين،ولكنه عانى في ذلك اشد المعاناة وفضل ان يعيش حياته جوار السباع لأن الحق السياسي كان اطغى وتستطيع ان تستشف هذه المعاناة من عناوين مؤلفاته، وكذلك كان المقبلي والجلال..اما ابن الامير الذي كان لي شرف تاليف كتاب عنه اسميته (رائد مدرسة الانصاف في اليمن) والذي تناولته من زاوية لم يتم التطرق اليها من قبل وقد جاءت فكرة تأليفه بعيد قيام الوحدة المباركة عندما شاركت مع بعض الزملاء في كتابات تفضح التيار الملكي، بعدها نصحت من اسرتي ان أقرأ وأبحث في حياة ابن الامير، وقد وجدت كيف واجه الرجل مسألة التعصب؟ بطريقة لا تتخيلها، فالحكم كان لا يزال بشرط البطنين وجاء ابن الامير من وسط الاسرة الهاشمية يرفض ذلك.. عبد الله بن حمزة يقول: نحن ضياء من ضياء من ضياء، وابن الامير يكتب قصيدة( وما انا الا فتنة حل فتنة... وبحر ظلمة ليس فيها ضياء)، انظر إلى الفارق بين العلم والجهل لذلك اعتبر ابن الامير في حركة الاصلاح مؤسس التنظيم السري ذات يوم قامت صنعاء لصلاة الفجر وفي قبلة كل مساجدها قصاصة ورقة مكتوب عليها ابيات شعرية رائعة تطرح على الناس سؤال مذهب من تريدون؟ استهدف فيها اخراج الناس من اطار المذهبية التي وصل الامر فيها إلى مستوى من العمومية ما لا تستطيع ان تفهم أي مذهب يقصدون حتى درجت بين الناس عبارة مشهورة تقول:( والمذهب خلاف ذلك) ثم الانتقال إلى اخراجهم من اطار العصبية العرقية إلى اطار الدين القيم الواسع في صورة تدرجية عقلانية،وقد جاء في هذه الابيات:

أيها الأعلام من ساداتنا
ومصابيح دياجي المشكل
أخبرونا ما الذي تدعونه
مذهباً في القول أو العمل
ثم يكشف بدرنا الأميري تلاعب علماء التعصب بقوله:
فإذا قلنا ل(يحيى) قيل لا
ها هنا الحق لـ«زيد بن علي»
وإذاقلنا لزيد قلتم
بل عن (الهادي) هنا لم نعدل
إلى ان يقول:
قرروا المذهب قولاً خارجاً
عند نصوص الآل وابحث وسل

هذه المعارضة الرائعة التي احرجت جميع آل البيت ان تجيب على تساءله لأنه لا يوجد مخرج امامهم للاجابة على سؤاله سوى الاعتراف ببطلان دعوى الحق الالهي والاعتراف بحق الآخرين في المذاهب الاسلامية والتقارب معهم أي ان الاختلاف معهم يكون في اطار التنوع لا في اطار الالغاء والاقصاء بدعوى الاحقية.. والشيء الذي اريد توضيحه هنا ان رؤية ابن الامير السياسية قامت على اساس ان تكون المعارضة خارج نطاق الحكم وهذه الرؤية الراجعة إلى كون هاشميته كانت تحميه، وهي عكس الرؤية السياسية للامام الشوكاني الذي جاء بعده ونظراً لأنه غير هاشمي رأى ان تكون المعارضة من خلال المشاركة في الحكم... وللاسف الشديد ان معارضة اليوم المتمثلة في الاحزاب لم تستطع ان تستوعب موقعها و دورها لا خارج السلطة ولاداخلها.

حقيقة العلاقة

> من الاسئلة التي تبحث عن اجابة اليوم هي..ماهي العلاقة بين الحوثية والزيدية؟

- مع الاسف الشديد اننا لم نستطع نخرج للناس حقيقة الامام زيد الذي سبق وان ذكرت انه ضحى بحياته وحياة اهله من اجل ان لا ينال من الشيخين رضي الله عنهما،عندما نطرح التعصب في تاريخنا اليمني سنجد انه في فترة من الفترات الصحابة وامهات المؤمنين شتموا على المنابر بما فيها منبر الجامع الكبير ومع ذلك وجد المنافحين لذلك الفكر،وعندما جاءت الحوثية -والتي لا اميل إلى تسميتها بهذا الاسم لأنها اسرة ومن الخطأ ان نلصق اسرة بمجموعة ارهابية- من صعدة لم نعي بفهم انه بدأت بفقه يمكن ان اطلق عليه فقه إيراني حمل شعار(ثورة الامام الخميني)، استطاع من خلالها الامام الخميني ان يطور الجعفرية القائمة على عصمة الـ12 اماماً، حيث تمكن من ان يسحب الحكم مما تدعيه الجعفرية عصمة الـ12 إلى عصمة الفقيه، فهذا اعتبره تطوراً والفارق بيننا وبين الجعفرية ان الولاية عندنا في الامة وعندهم الولاية في الامام، فالخميني بهذه الخطوة هد جدار العصمة وبدأ يتقدم نحو الديمقراطية.. اما في بلادنا فيريد هؤلاء بنا السير في الاتجاه العكسي والعودة إلى ما قبل الف سنة بدلاً من السير إلى الأمام والتجديد في فكرنا وتنقيته من كل الشوائب كما فعل الخميني في الفكر الاثني عشري ولكنهم اخذوا شعار بحذافيره، شعار يشتم ويلعن الناس كجنس وليس كصفات بصورة مخالفة للقرآن الكريم الذي يتخاطب مع الكفار بخطاب انساني راقي فيقول تع إلى (يا ايها الذين كفروا) وفي هذ ه المخالفة تكمن الخطورة في انبعاث هذا الفكر الارهابي، والامر الثاني قيامه على اساس الافضلية على الغير بنصوص الدين، واذا راجعت التاريخ الاسلامي فلن تجد مرجعية لهذا الفكر إلا في فكر الملك العضود الذي سار عليه معاوية حين فسر الامامة في قريش ولم يسبقه في ذلك لا ابي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا احد من الصحابة .. اذا هو اجترار لخصوم، واعتقد ان هذه البداية السيئة لم تجد لها مناخاً وارضية خصبة لنموها وانتشارها. من المؤسف ان نستعمل ونستغل عاطفة حب النبي ومن يقربه نسباً من أجل الحكم والتفرد به ولو قمنا بجمع الهاشميين على امتداد الوطن أو في اطار المناطق الزيدية لاكتشفنا ان من يسير في هذه الطريق المعوجة قلة جدا. واذكر اننا حذرنا بعد الوحدة مباشرة عبر الصحف وغيرها من عودة فكر البطنين والحق الالهي واحتقر العلم في بعض المناطق المحرومة من التعليم والخدمات. وينبغي في تعاملنا مع هذ الفكر ان نوجد خلفية تربوية ثقافية لازاحة التعصب واعادة نقاوة الفكر الزيدي الذي صاحبه ضحى بدمه حتى لا يشتم ابي بكر، اليوم (الزيدية) عند البعض تشتم ابي بكر وتضحي من اجل ذلك. وهنا يطرح اين دورنا؟ اين دور الدولة والعلماء والمثقفين؟ لتصحيح هذا الوضع الذي سمح لهذه الجماعة ان تقوم بهذ الشكل المخجل.

تحمل المسؤولية

> هل هذا يعني ان علماء الزيدية يتحملون جزءاً من المشكلة؟

- لا شك ان العلماء عليهم مسؤولية كبيرة ولو أن كلمة علماء كلمة فضفاضة وان حاولنا ان نوجد لها تأطير في اطار جمعيات أو مدارس أو غيرها، فقد استطعنا في ظل النظام الجمهوري نحقق انجازات مختلفة لكن في جانب البناء الفكري والثقافي فمجريات الاحداث تكشف اننا مازلنا في موضع الخطر للاسف الشديد ان هناك من يجهل ان الامام زيد استشهد حتى لا يلعن عمر وابي بكر،لذا علينا ان نعيد بناء ثقافتنا الفكرية على قضايا وعناصر تعترف ببعضنا البعض وتوجد العوامل المشتركة يلتقي عندها الجميع ومن المؤسف ان اليهود والنصارى نجحوا في ذلك وفشلنا نحن في ذلك رغم ان الزيدية حركة تحرر للجميع .. لذلك اقول العلماء هم نتاج ثقافات وبيئات مختلفة.على الدولة ان تقوم بعملها باعتبارها من تملك القدرة على تنفيذ وتطبيق الرؤى والتصورات التي تقدم للناس النموذج الصحيح.

زر الذهاب إلى الأعلى