[esi views ttl="1"]
arpo27

البردوني يستشرف الثورة الشبابية القائمة اليوم قبل ثلث قرن

يأتي على الأمم والشعوب حين من الدهر تنكفئ فيها عن الحراك ويصيبها الجمود، لكنها في لحظة تاريخية سرعان ما تنتفض وتنهض،هذا هو شأن الشعوب الحية تثور لتنفض عن كاهلها التسلطية والاستبداد وكل ما يجرها إلى الخلف..قيل إن الإذعان الاجتماعي قد بلغ مبلغه وأصبح واقعاً مألوفاً وإن الزمن ليس زمن الثورات..

لكن من قال: إن التاريخ لا يتغير؟...إنه قطعاً يتغير كلما توفرت القوى الاجتماعية القادرة على تغييره وهذا ما لايعيه الطغاة والمستبدون.. مأساة الطغاة في كل العصور ، أنهم لايحسنون قراءة التاريخ وحركته يعتقدون عن وهم وإدمان للديكتاتورية أن حركة التاريخ يسيرونها على هواهم حسب التاريخ أنه لا يمضي في خط مستقيم حسبه في لحظات ما أنه يغير مساره في خطوط متعرجة وذلك هو مكر التاريخ ودهائه...
الديكتاتورية إدمان
قد يطول بالطغاة الأمد ويستبد بهم الوهم بأنهم «نهاية التاريخ» ، ولكن فإن كل طغيان طال به الأمد أم قصر مآله إلى نهايته المحتومة..
كان الوهم قد استبد برؤوس الجملكيات العربية،أدمنوا ممارسة الاستبداد والطغيان والفساد وظنوا أن ذلك هو ما يمكنهم من «التأبيد» و«التوريث» فجاءهم «الربيع العربي» من حيث لايحتسبون ليقتلهم الواحد بعد الآخر .!!
في كل حقبة من التاريخ ينهض الشباب بدور مجتمعهم تبعاً لحجم التحديات التي توضع أمامهم فكما أنهم الربيع الدائم للأمة كما يقول الأستاذ البردوني فإنهم التجدد المستمر في جذور الحياة..لاغرابة إذن أن يقتحموا بجسارة مطلع العام الماضي ليصنعوا اليمن الجديد،عقدوا العزم على الثورة لتطيح بالاستبداد والفساد وتحقق الحرية والكرامة والتقدم للشعب.
قيل حينها: إنه لايوجد شعب يمني متجانس يجمعه انتماء واحد بقدر ماهو عبارة عن مجموعات بشرية متناثرة فأثبتت الثورة في شتى ساحات الجمهورية وبملايينها العطاش للتغيير أن هناك شعب يمني واحد.
وقيل أيضاً: أننا مجتمع انقسامي وأثبتت الثورة التماسك الاجتماعي مثلما قدمت توافقا وطنياً بين شتى القوى الاجتماعية والسياسية الممثلة للمجتمع اليمني.
ولقد فاجأت الثورة الشبابية والتي انضم إليها الشعب بشتى قواه الحية الجميع..فاجأت العالم وأذهلته بسلميتها وحضارتها بصبرها وصمودها بشهدائها وآلام جرحها بإبداعاتها وتجلياتها باستمرارها وتدفقها في كل جغرافية الوطن حتى تحقق كامل أهدافها.
أشاد بها غير قليل من أهل الفكر والإعلام والسياسية في الوطن العربي والعالم هذا المفكر العربي عبد الإله بلقزيز نقتطف شذرات مما كتب عنها:يسجل للشعب اليمني وشبابه المذهل إنه أنجز أنظف ثورة يمكن للمرء أن يتخيلها قطرة دم واحدة لم يسفكها شبابه الذي سُفك دمه في الساحات العامة.. حجر واحد لم يلقه أحد على أحد وإن كان الأمن لم يتوقف عن إلقاء حمم الموت على المتظاهرين.
عزيمته قدت من صخر ومن صبر طويل نسجت خيوط إرادته حاول تيئيسه من حاول لكن أمره أعتاص على من راهن على تعبه وحده في الميدان لاأحد معه لا أمريكا ولا أوروبا ولا أهل ولا جوار ،لكن إرادته والتصميم وحدهما كانا يكفيانه كي يبقى حيث هو: يرعى نبتة الثورة ويرويها بعرقه ودمه إلى أن تحين لحظة الحصاد القريبة.
والثورة مازالت مستمرة حتى تحقيق كامل أهدافها..هذا الوعي العميق وهذه الإرادة الفاعلة وهذا التدفق والحيوية والعطاء لم يكن جرياً وراء أهداف فردية أو شخصية وإنما من أجل مصالح الشعب كل الشعب.
من مزايا شبابنا أن طموحهم لايتجاوز مصالح الشعب و لا ينطلق من غير مشروعية.. كأني بأستاذنا عبد الله البردوني الذي أورد هذه العبارة في مقالة له نشرت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حول الحركة الشبابية من الأربعينيات إلى السبعينيات كأني به يتحدث عن شبابنا اليوم وكأني به في ختام مقالته تلك التي ضمنها كتابه«اليمن الجمهوري» الذي صدر في مطلع ثمانينيات القرن الماضي كأني به كان يتنبأ بالثورة الشبابية اليوم فقد قال فيها «أمام شباب اليوم مهمات قد تختلف عن مهمات سابقيهم وقد تكون مشاكلهم أعقد إلا أن كفاءتهم على المجابهة والتجاوز سوف تكون أقدر مواقعاً وإعداداً والغد على ذلك من الشاهدين.
تعالوا نعيد قراءة ما أرخه أديبنا الكبير عن حركات شباب من أربعينيات إلى سبعينيات القرن الماضي فحسب الشاعر عند ما يؤرخ فإنه يكون أكثر قدرة على التنبؤ.
ثمة مسافة نحو ثلث قرن بين ماكتبه البردوني عن الحركة الشبابية المشار إليها وبين الثورة الشبابية القائمة اليوم ،عسى أن يقيظ الله لها من يؤرخ لها وإن كان هناك من يراها أنها كانت فترة سبات حتى أيقظت الثورة الشبابية الشعبية القائمة اليوم شعبنا اليمني مما كان يغرق فيه من نوم عميق.
ومهما يكن من أمر فإن حركة شبابنا كما يقول البردوني متواصلة التيار من وقت إلى آخر ومن ميدان إلى ثان..ونشير هنا إلى أن عنوان المقالة التاريخية «التيار الطلابي» وستجدون أن الأستاذ يذكر في السياق تارة الطلاب وأخرى الشباب لكن ذلك لا يخل بالمعنى.
لقد اهتمت كتاباتنا بتأريخ حركاتنا الوطنية وكان بعضها دعائي وبعضها حياتي، كما كان بعضها تسجيلي وبعضها تفسيري وجمع بعضها بين التسجيلي والتحليلي في كتابات السبعينيات يبد أن هناك تياراً حار الاتصال من حركة إلى أخرى لم تلمسه كتاباتنا بالتخصيص كتاريخ متسم بالطرافة بالقياس إلى ثورية الشباب العالمي التي بدت من أول السبعينيات إلى منتصفها معضلة اجتماعية وإنسانية استدعت الدراسات المتعددة بتعدد خيوط المعضلة،أما التيار الطلابي اليمني من مطلع الأربعينيات إلى السبعينيات فقد كان أقوى توهج الحركات وأحر نبضاتها في تلك الفترة المطبوعة بالتفجير الشعبي.واليوم في أول الثمانينيات التي صدر فيها هذا الكتاب ونحن نسمع الكثير عن ثورات الطلاب وتمرد الشباب بصفة عامة يحلو الالتفات إلى الحركات الطلابية في بلادنا كأعمدة ضوئية لعلم الثورة وكأنهار نارية على طول الخط التحركي وقد تكون الكتابة حول هذا الجانب الطلابي أوفر دواعي اليوم بفضل الدراسات العديدة حول ثورات الشباب في العالم وحول أسباب التمرد الشبابي كظاهرة من صراع الأجيال وكميزة من ميزات الشباب لأن الإنسان الشاب أقوى صلة بالإنسان الطفل ومن المعروف علمياً أن الطفل شديد العداء لرتابة الأوقات والأشياء وهو يعبر عن هذا العداء بكسر الأواني ورفع الصراخ وتحطيم الأشكال المنسجمة وهذا تعبير ثوري بدائي لتمزيق الرتابة وتفجير الهدوء لأن الطفل يشعر بثقل وطأة السكينة الرتبية فيحاول أن يهدم جدرانها بأي وسيلة في متناوله وإذا لم يجد ما هو قابل للكسر والنقش والتمزيق عوض النقص بالعدوانية على الأنداد أو الحيوانات أو الكبار وإذا لم يتوفر فيه النزوع العدواني كان الصراخ والبكاء أقرب الأسلحة إليه وهذا هو السر الثوري كالنبات المخلوط بتربة الأرض أو كماء السحاب الممزوج بالألوان الترابية.
إذن فالإنسان ثائر بطبعه وإنما تتنامى ثورته مع نمو غصنه وترقي ذهنيته فعندما يصل الإنسان الطفل إلى العشرين يتحول عناده الطفولي إلى التوتر والقلق فيطمح إلى تغيير كل قائم ،لأن ثوريته قد تهذبت وتفكرت ولمحت أول طريقها وأول إيماءات غاياتها.. وهنا تتحول طبيعة تحطيم الآنية إلى فكرة تحطيم القيود وخلع النير وتجاوز الواقع السيئ لأن الشباب قد انتقل من أنانية الطفل إلى جماعية الشباب بفضل تفاعله مع رفاق الملاعب وزملاء المدارس وعطايا الدروس.
لهذا تتسم ثورة الشباب بالتواصل الحار وبالنشاط الذي لا يهدأ لأنه عجول الغاية وقوي على التحمل وقد كان شبابنا الطلابي من مطلع الأربعينيات مختلفا عن شباب العشرينات والثلاثينيات التي كانت أهم صفاته عدم التدخل فيما لا يعنيه على حد تعبير الآباء والأساتذة لأنه أحس نفسه معنياً بالوطن بتأثير بواكير الثقافة المعاصرة فبدأ يخوض عدة ميادين نضالية كأن يوزع المنشورات الوافدة من «عدن» ويواصل الدراسة ويتلمس أثار دعوة الثورة الدستورية في مجاميع القات والأسواق وكان أشق عمل يمارسه هو حمل الرسائل الداعية إلى الحركة الدستورية من «صنعاء إلى تعز إلى مراد إلى إب إلى بعدان إلى زبيد»... وكانت الحمير والأقدام هي وسائل المواصلات في ذلك الحين وربما كان يؤدي توصل الرسائل إلى عدن إلى أشق الخطورات لأن الداخل إليها من الشمال مرقوب إذ ذاك وكانت هذه المناشير وهذه الرسائل تحتاج إلى تستر شديد لهذا شاركت المرأة في هذا المجهود في المسافات القريبة وفي المدن بصفة خاصة كما سيأتي تفصيل هذا في بحث التيار النسائي..إلى جانب هذا فقد كان طلاب دار العلوم ينشرون التوعية الهامة في بيوتهم وفي عواصم الأقاليم حين تتاح لهم فرصة الخروج لامتحان المدارس في سائر المناطق الريفية وكان الذين يقومون بمهمة الامتحانات أخر كل عام هم طلاب (الشعب العليا) من دار العلوم من الشعبة السابعة إلى الثانية عشرة وكان هؤلاء أكثر وعياً وحماساً للثورة الدستورية باستثناء أفراد قلائل وصل إليهم التيار المتعالي إذ كانت تؤثر عليهم العدوى من جهة المتحمسين عن أصالة لن السنوات الأخيرة من الأربعينيات بلغت ذروة الغضب الطلابي وعندما وقع انقلاب شباط 48 زاول هؤلاء الطلاب أدوارهم بكل استبسال فتؤروا الجموع بالخطابات الحماسية والقصائد الإيقاظية التي كانت تنشر خارج اليمن ثم انتقلوا إلى ميدان الفعل فحملوا البنادق وتعسكروا حول أسوار صنعاء فأصبح طلاب الثانوية وطلاب دار العلوم وطلاب الصحة وطلاب الإشارة أصبح كل هؤلاء معسكرا واحدا مختلف المواقع والقيادات لكي يكسروا الحصار عن العاصمة إلا أن خبرتهم في استعمال السلاح كانت غير كافية أمام قوة الحصار المدوية وأمام الخيانة من الداخل لهذا سقطت العاصمة في شهر مارس فدفع زعماء الطلاب ضريبة الحماس فمنهم من استشهد كعبد الله محمد الوزير ومنهم من كابد السجن كعبد الملك الطيب وعلي البوني وعلي الواسعي ومنهم من لاذ بالفرار كأحمد الخزان وحسين عثمان الوزير وحسين المقبلي وكانت حركة 48 قوية الاعتماد على الطلاب وبالأخص طلاب دار العلوم والكلية الحربية لكون الأولين من أبناء الطبقات العليا والوسطى ولكون الآخرين القوة العسكرية الواعية وذلك منذ نشأت فكرة الحركة الدستورية من أول الأربعينيات إلى قيام الدستور 18 شباط 48 إلى سقوطه في ضحوة آذار.
لقد كان طلاب دار العلوم والثانوية اصدق جنود ثورة 48 وأحنهم تقبلا لها وتوعية عنها إلا أن طلاب تلك الفترة لم يشكلوا جمهوراً عريضاً فلا يتجاوز طلاب الثانوية مئتي طالب ولا يتجاوز طلاب دار العلوم ثلاث مئة طالب، إضافة إلى هذا أن طلاب دار العلوم كانوا ينظرون إلى غمار الجماهير نظرة دونية، فهم في مفهومهم: قبائل جَهّلة أو أولاد سوق، ولابد أن أربعين في المئة من مجموع الطلاب غير متحمس عن أصالة، لأن التيار لم يهز الوسط الاجتماعي كلياً، ولأن زعماء الحركة اعتمدوا على البيوت العالية وعلى قلة من الأفراد النابهين، مهما كانت النظرة قصيرة في ذلك الحين عند القيادة والقواعد...فإن الحركة الطلابية كانت أروع ظواهر ثورة الشياطيين التي كانت هدف سخط جماهير العاصمة مهد الحدث، وهذا يستدعي قراءة الخلفية الثقافية والذهنية لطلاب الأربعينيات..لقد كان منهج الثانوية لا يصل إلى مستوى إعدادي اليوم، إلا أنه كان لايخلو من معاصرة بفضل استنارة الأساتذة من أمثال ( أحمد الحورش وأحمد البراق) وبعض أفراد البعثات التعليمية من مصر وسوريا وفلسطين، وقد كانت الأناشيد القومية أبهى جمرات حسها الثوري من أمثال(بلاد العُرب أوطاني) (أيها الخفاق) (شمائل الهدى تنير حكمة الوطن) وكانت هذه الأناشيد وبعض المحفوظات الشعرية هي الزاد الثقافي المختلف لطلاب الثانوية والمتوسطة، أما طلاب دار العلوم فقد كانت دراستهم تتنفس بدر القبور ورتابة القواعد والأمثال، فلا يمكن أن يتمخض عنها حسّ مستقبلي لأنها كانت معلبة من مئات السنين بدون تأليف جديد يضيف إليها ويمدّ تطورها، لأن منهج دار العلوم كان مجرد حفظ مسائل جاهزة في العبادات والمعاملات، في النحو الصرف والبلاغة، في أصول الدين وفي أصول الفقه، إلا أن هذا التراث وقع في مناخ قابل للتأجج، فكّون أساسيات لتقبل الحديث وإمكانيات التحديث وبالأخص عند النابهين، لهذا أمكن الانتفاع بأوائل الكتب والدواوين الجديدة بفضل الأصل اللغوي والبلاغي، غير أن الذين تفاعلوا مع جدة هذه الكتب هم المتفوقون وذوو الاستعداد، فإذا كان (الوريث) وزملاؤه في آخر الثلاثينات وهم قدوة طلاب الأربعينات قد تفاعلوا بمؤلفات العشرينات والثلاثينات لكثرة القراءة والتفهم، فإن طلاب الأربعينات لم يستفيدوا جيداً من أوائل مؤلفات طه حسين والعقاد والرافعي وشوقي وحافظ والشبيبي والكاظمي، ومن تمرديات (جبران) وقوميات(الريحاني) لاختلافها عن فهمهم ولبعدها عن مستوى طلاب الثانوية والمتوسطة، وإذا تذكرنا الشرارات التي اتقدت في وجدان طلاب الأربعينات فسوف نجدها في عدد محصور من القصائد وأبرزها ثلاث:قصيدة العلى والمعالي..للشريف الرضي، قصيدة الديمقراطية لمحمد الأسمر، قصيدة آلة السلاطين للرصافي..كانت هذه القصائد الثلاث تجري مجرى أنفاس طلاب دار العلوم، إذ كان حفظهن وترديدهن علامة النجابة ودليل الثورية وآية المعاصرة.
لهذا كانت هذه القصائد أقباس الحس وشعلة الحماس، وكانت الخلفية البهية لثورة طلاب ذلك الحين، وفي الإمكان تلمس السبب من نصوص القصائد وملاءمتها لذلك الظرف على تباعد أمكنتها وأزمانها، وكانت قصيدة الشريف الرضي من شعراء القرن الرابع هجري جذوة من الحماس الطموحي إلى الخلافة، وكانت بركاناً ثورياً على الحكم العباسي وكانت تتقد بالشجاعة والمغامرة لأنها نشيد حربي علوي:
نبهتم مثل عوالي الرماح إلى الوغى قبل نموم الصباح
فوارسٌ نالوا المنى بالقنا وصافحوا أغراضهم بالصفاح
لغارة، سامع أنبائها يغض منها بالزلال الفراح
ليس على مضروبها سبة ولا على المجلب منها جناح
دونكم فابتدروا غنمها دمن مباحات ومال مباح
فإننا في أرض أعدائنا لا نطأ العذراء إلا سفاح
لابد أن أركبها صعبة وقاحة تحت غلام وقاح
يجهدها أو ينثني بالردى دون الذي قدرأو بالنجاح
إما فتى نال العلا فاشتفى أو بطلاً ذاق الردى فاستراح
وكانت هذه القصيدة أنجح التعاويذ من الجبن وأسرع الأجنحة إلى المغامرة،وقد استظهرها كل أديب وكل متأدب، لأن طلاب دار العلوم كانوا ينشدونها في كل مناسبة وبلا مناسبة، وكانت تحمل تصريحاً من اسم شاعرها (الشريف الرضي) أشعر العلويين أو القرشيين قاطبة، لأنه نقيب الأشراف وجامع نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، فرواية أعماله الأدبية منسجمة مع رغبة السلطة يومذاك، لأن التشيع كما نعرف أساس الحكم الإمامي، لهذا كانت القصيدة عند الرسميين كالدروس المقررة يتصف راويها بالنجابة ولا يتسم بالثورية، دون أن يعرفوا أنها كانت خميرة ثورية، لكن قدمها وعلوية شاعرها أجاز لها حرية الإنشاد والذيوع بعض النظر عن مكوناتها، لأنها لاقت صدى عند كل الطامحين على مختلف أهداف الطموحات، هذه هي القصيدة الأولى.
أما الثانية فقد كانت معاصرة بالنسبة لذلك الحين وكانت من الثقافات المحظورة، ولكن الحظر يولع بالاقتحام، لأن تلك القصيدة كانت جواب التساؤل النفسي في (اليمن) على عراقيتها وعراقية شاعرها، إلا أن الأمور تتشابه ويجر بعضها بعضاً، وهذا ما جعل قصيدة (آل السلاطين) للرصافي أغنية ثورية بين طلاب الأربعينات، والقصيدة توضح الفروق بين ترف الحاكمين وشقاوة الشعب، وبين إرهاق الجنود بالدفاع وراحة القادة في أفخم المكاتب وأبهج الغرف، وهذه أبيات من القصيدة:
هم يعدون بالمئات ذكوراً وإناثاً لهم قصور مشالة
ولهم أعبد بها وإماءً ونعيم ورفعة وجلالة
فكأن الإله قد خلق الناس لمحيا آل السلاطين آلة
ذلك منهم حماقة وشنار وهي منا دناءة وضلالة
تلك والله حالة يقشعر الحق منها وتشمئز العدالة
القصيدة تضمر إلماحاً إلى قصور “الإمام يحيى” وأبنائه السيوف،بفضل الطلاب وتغنيهم بهذه القصيدة،تعممت على كل الأدباء والمناديين بل الطامحين إلى التأدب والأدب،لأن هذه الرصافية أفصحت عن أحوال اليمنيين بمقدار إفصاحها عن عراق الأربعينات، لأن الكلمة المستمدة من تجربة جماعة تنطبق على كل المجاميع،وهذا ما جعل الأدب أشواق النفوس الإنسانية وصوت الضمير البشري،تلك الرصافية كانت الخلفية الثانية لطلاب”صنعاء” في منتصف الأربعينات، وفي تلك الفترة استجدت قصيدة ثالثة ألمح إشارة وأجمل موضوعية وشكلاً،وهي بعنوان “ الديمقراطية” للشاعر محمد الأسمر:
إنما الناس من تراب وماء ليس منهم من ينتمي للسماء
آدم والد الجميع فحق وضلال تفاخر الأبناء
ما على الأرض فهو كاف بينها لو أقاموا بينهم بالسواء
من بنى ملكه على الظلم والجور بنى ما بناه فوق الهواء
هل كان البيت الأول والثاني من هذه القصيدة غير تقرير المقرر؟
نعم إنها عرفت ماهو معروف،ولكن بعض المعروف يضيع في الجهل أو يغيب في التجاهل،فكل الناس من نبت الأرض وليس منهم من ينتمي إلى السماء،وكلهم أبناء آدم ومن الحماقة أن يتفاخروا بالتمايز على واحدية المأتي الأصيل،ولعل الإشارة واضحة إلى دعوى الحاكمين بالامتياز على الناس،أما البينان الآخران فقد حملا أول صيحة بتساوي الناس في المعايش،لأن كل أرض تكفي شعبها لو سادت المساواة وسيطر العدل،لأن القصور القائمة على الظلم قائمة على الهواء الذي لايثبت على حال.. فما أساس تقبل هذه القصيدة عند طلاب الأربعينات حتى أصبحت على الشفاه أسير من التحية وردها؟
السبب أنه كان هناك تمايز بين الطبقة ونفسها وبين الطبقة والأخرى،وكان “الإمام” وآله يرون أنفسهم أكثر من بشر وأعلى من الناس،فكان الطالب يتحدى هذا التعالي بهذه القصيدة ويتوق إلى المساواة من خلال الإنشاد..
ولعل للنفسية التي عبرت عنها هذه الأبيات خلفية قريبة العهد،فقد كان “أحمد عبدالوهاب الوريث” و”أحمد المطاع” على هاشميتهما يستفزان الحس القحطاني،كما في قصيدة الوريث”حي تلك الربوع” المنشودة في الحكمة وكما في كتابات “ المطاع” المنشورة في نفس المجلة عن العمران السبئي والمجد المعيني،وقد سئل أحمد عبدالوهاب الوريث عن سر هذه الإثارة العرقية فأجاب:”إن هذا أجدى سلاح لمواجهة الطاغية،لأنه قد سخر دعاية الدين لصالحه فلم يبق إلا الوطنية ولو جردناها من أصولها التاريخية لاعتبرها دعاية أجنبية ضد الشعب”.
إذن فقد كانت إثارة القحطانية في آخر الثلاثينات وبداية الأربعينات منطلقاً وطنياً دون أن يثير حساً طائفياً أو عرقياً في ذلك الحين،لأن الحاكم المتعالي على كل الفئات كان هو المستهدف،لهذا كانت قصيدة”الأسمر” برؤيتها إلى تساوي الناس في الحقوق والواجبات أصبح الشعب هو المنطلق،وغاياته ملتقى كل الأهواء.
إذن فقد انتمت حركة الطلاب إلى خلفية ثقافية آخر عناصرها الشعر الاجتماعي والسياسي فبلورت رؤيتها وكهربت عقائدها،وامتد التوهج بالتوهج حتى سقوط الدستور،وأطلت الخمسينات بقسماتها وسمات ينابيعها المختلفة عن عالم ماقبل الحرب الثانية ،فكانت الانتفاضات الطلابية البشير بالوعد المنشود والدليل إلى المنتظر،وقد زاد عدد المتارس في الخمسينات لكي تزداد أعداد القوة الثالثة كما يسميها السياسيون،فبعد أن كانت تنطلق الشرارات من “دار العلوم” “الثانوية” بصنعاء،أصبحت مدارس “تعز” و”الحديدة”و”حجة”و”كلية بلقيس” بعدن مواقعاً جديدة تضاف إلى المواقع القديمة وتطيل السنة اللهب،فبعد استشهاد “الثلايا” وزملائه عام 1955م خمد الشعب كخموده بعد سقوط الدستور،فدلت “المدرسة الأحمدية” بتعز على أن في العرين أسوداً،ففجرت أول تظاهرة على قطع الرؤوس الكثيرة في تلك الحادثة وعلى هذا العنف برغم أن انقلاب “الثلايا”لم يستند إلى جبهات جماهيرية،وإنما كانت التظاهرة العنيفة أول احتجاج شعبي على قطع الرؤوس الوطنية الذي كان من يوميات الحكم الأحمدي،وكان هتاف المظاهرات يتقد بالغضب:”لا إعدام لا إعدام يحيا الشعب يحيا الشعب”،وكانت هذه أنصع صفحة في التاريخ الطلابي لأنها انتقلت من الهمس والإنشاد إلى التفجير الشامل بين غمار الملايين وتحت الشمس لكي تشهد تيار التحول يمتد ويتسع،لقد كانت هذه المظاهرة أول نقاط التحول في التاريخ الطلابي بل وفي التاريخ الشعبي إذ لم يعتد شعبنا قبل هذه التظاهرة الطلابية ما يسمى بالمظاهرات الجماهيرية،فكانت تلك المظاهرة أول تنبيه إلى قيمة تحريك الشارع الشعبي تلتها مظاهرة 56ضد العدوان الثلاثي على مصر وطالبت الجماهير بالتسليح والتطوع وعندما تزايد أعداد الخريجين من دار العلوم عام 59م ألح الطلاب على فتح مجالات العمل،فأراد “الإمام أحمد”أن يسكت هذا الطالب فأمر بفصل مئتي طالب من جميع المدارس حتى لاتتفجر المظاهرات ويتمادى تيار الشباب في الاكتساح،غير أن أوامر “الإمام”لم تعد مقدسة بل مرفوضة بطريقة أو بأخرى،لهذا تجمع الطلاب “دار العلوم” وقرروا أن يجتمعوا في جامع “ قبة المتوكل” كل ليلة ويطلقوا احتجاجاتهم من هناك على مقربة من القصر “بصنعاء” في مأمن من القبض عليهم،إلا أن هذه الظاهرة السطحية تطورت بما حولها من الاشتعال الاجتماعي،والعامل الأكثر أهمية تضامن طلاب “التحضرية” و”الثانوية” مع طلاب “دار العلوم” فقد تبلورت فكرة مظاهرة عامة ضد الأوضاع بجملتها،غير أن طلاب “دار العلوم” أحجموا لأن وقار العمائم بجانب طفور المظاهرة دفق أمواجها وحسم(الإمام) الأمر بإلغاء فعل الطلاب وهذه الفترة تتطلب التقصي في ثقافة طلاب الخمسينيات واختلاف السنويات إلى حد التباين رغم الهدف الجامع وهو التغيير السياسي فقد كان طلاب (دار العلوم) متباينين منهم الثائر بلا حدود ومنهم المستنير ومنهم منتظر الوظيفة والخائف على أن تعوقها التطورات أما طلاب الثانوية والتحضرية والمركز الصحي ودار المعلمين فقد كانوا أكثر صلة بتغيرات العصر نفسياً وقراءة بفضل ما يصلهم من الصحف وما يسمعون من إذاعات الأنظمة الثورية أما (طلاب دار العلوم) فكانوا يندون زمن طلاب الأربعينيات على حد لأن الأسلوب النضالي قد اختلف باختلاف المجابهة فلم تعد الثورية تكمن في إلقاء قصيدة أو في خطبة مناسبة أو في تلميحات غيمية لأن الشعب أصبح أمام المصير وجهاً لوجه لهذا تبدى الاعتصام بالمسجد ظاهرة سلبية في نظر طلاب المدارس الأخرى وكانت الكلية الحربية في شهور ميلادها كما كان طلابها خليطاً من كل المدارس الدرعمي إلى جانب الثانوي والثانوي إلى جانب التحضيري وعلى هذا التباين النسبي صهرت الكلية الحربية جميع العناصر لكي تتعد بروق الثورة في غمام واحد فاختلفت المهيئات فكأنما انقطعت أواصر الطلاب عن خلفياتهم التقليدية بفعل التعليم الجديد الشاق والثقافة المستبصرة وقبل أن يصبح طلاب (الحربية) ثوار سبتمبر تفرض الخلفيات الثقافية نفسها كان طلاب “دار العلوم” بحكم وقار المكان وتزمن الرسمية ورتابة المنهج اقرب إلى التقليدية ولا تفجر ركودهم إلى توهجات الشعر الثوري مهما كان تقليديا كشواهد البلاغة التي يدرسونها ولم يخرجهم عن تقليدهم غلا حداثة الدروس العسكرية وجديد الكتب والوجوه الموعية أما طلاب الثانوية والصحة فقد كان يسمح لهم وضعهم وتطلعهم تتبع الصحافة على قلتها وممارسة اللعاب الرياضية بدلاً م جلسات القات فكانوا أكثر تعبيراً عن طبقتهم لأنهم ينتمون إلى البيوت المتوسطة والفقيرة فكانوا بمجموعهم من أبناء المحكومين على حين كان طلاب “دار العلوم” وأغلبهم من القضاة والمحافظين ومديري المال والحسابات،ورغم اختلاف الطبقتين فقد كانت النوازع الوطنية ممتزجة أو متقاربة،فإذا كان طلاب “الثانوية” وأمثالها ينتمون إلى الطبقات الوسطى والدنيا كالضباط والجنود‘فإن طلاب “دار العلوم” قد اختلفوا عن آبائهم قليلاً أو كثيراً وأصبحوا من صميم الشعب أو قريباً منه بفعل التيار الزاحف من هدير العصر ورياحه،غير أن ثقافة الخمسينات وقعت في منعطفات تكاد تبعد عن واقعية النفوس ولكن مؤقتاً،فقد وفدت في تلك الفترة بعض الكتب المترجمة عن الفلسفة”البرجمانية” من طراز:”دع القلق وأبدأ الحياة، والثقة بالنفس وأعرف نفسك”.. فخلف هذا النوع قدراً من التراخي وضرباً من الغرور،حتى أن بعض العناصر من طلاب الثانوية ودار المعلمين استهترت بأصالة الرأي وخبرة المجربين وبالثقافة الشعرية بدعوى الثقة بالنفس،كأن الثقة بالنفس تكون بإغلاق منافذها عن التفهم والفهم،والحقيقة أن الثقة بالنفس غير الغرور،كما أن الاستهانة بطاقة النفس يرادف الضعف والتبعية،فقد كاد هذا الجنس من الثقافة النفسية يحول الثقة إلى غرور مغلق،ويحول النزوع إلى التغيير ملجأ من القلق الخلاف إذ اتخذ البعض من عبارات تلك الثقافة شعاراً:”عش في حدود يومك،ولانبك على اللبن المراق”،وهذا إلهاءً عن الأساسيات لأن تلك المرحلة كانت أدعى إلى القلق لأن الشعب كان بين خبارين:إما الانقراض،أو الثورة.
لهذا تجاوبت النوازع الثورية في النفوس وأصبح الواقع الشعبي أقوى من ثقافة الكتب والصحافة الإلهائية،لكي تتقد الثورة في العروق،حتى تنفجر يوم 26 سبتمبر،وقد كانت الحركات الطلابية بمجموعها عناصر وقودها وعوامل انبلاجها كما دلت تلك المظاهرات الطلابية الكبرى في منتصف عام 63م كعلاقة على اقتراب الثورة،لأن الطلاب في آخر الشوط اقتبسوا من نار الشعب أكثر مما اقتبسوا من الكتب وأوراق الجرائد، فإذا كان لهم فضل الاستجابة النارية فللشعب فضل الإلحاح والاستشارة، لأنهم تعلموا منه أكثر مما تعلموا من المدارس والقصائد والصحافة، وإن كانت هذه على اختلافها قد وسعت مناطق الحس الثوري.
لقد انتهت الحركات الطلابية إلى ثورة تحولية أخرجت الشعب من قيوده إلى رحاب وجوده تحت أسطع الأضواء، وكانت مظاهرة أفواج الطلاب التي سبقت الثورة بشهور أصدق الإرهاصات، لأنها قادت أفواج الجماهير فامتدت من طلابية إلى شعبية وإذا كان الطلاب قد أصبحوا ثواراً فإن الذين مازلوا طلاباً قد أصبحوا زنود الثورة وسر خصومة امتدادها، فعندما أعلنت الثورة “الجمهورية” تدفق طلاب المدارس إلى المعسكرات للانصهار بالثورة والاندفاع في موجها العارم مرددين الهتاف بحياة الثورة وموت خصومها، فتشكل الحرس الوطني منهم ومن مجمل القطاعات الشعبية، فمنهم من قاتل ومنهم من انتشر في المناطق يقاتل الخوف والجهل بسلاح التوعية، ولما انتهت مهمة الإرشاد الذي لا ضرورة له عرف الطلاب أن الشعب قد بلغ الرشد وعليهم أن يلتحقوا كلياً بمواقع قتال المؤتمرات، وسجلوا على كل ذرة تراب أشعة من شروق المستقبل، وعندما كانت الأسلحة تدفن المؤامرة وتمد ضحوات النصر كانت المهود والملاعب والمدارس الابتدائية تزخر بمئات التلاميذ المنتظرين، فعندما أصبح طلاب آخر الخمسينات قادة وجنوداً أصبح أطفال ذلك الحين ذلك طلاب مدارس لكي يلتحقوا بالموكب المضيء، وشهدت لهم منتصف الستينات عدداً من الانتفاضات كمظاهرة 65على انتهاك مقررات مؤتمر عمران ومظاهرة 3أكتوبر عام 67م على لجنة التصالح التي أرادت أن تجعل ثمار الدماء رماداً وتضحيات البطولة استسلاماً.
لهذا أحبطت مظاهرات الطلاب الأكتوبرية خطة الوساطة المشبوهة، ولكي تشرق الأفكار أعمالاً ميدانية تجند كل الطلاب في المقاومة الشعبية عام 67كما تجند زملاء لهم في الحرس الوطني من قبل، وكانت المشاهد تثير الروعة والإعجاب، فأين الثالثة عشرة كان يقاتل إلى جانب أبن الأربعين بنفس المستوى حتى قال بعض معمرينا وهو يرى مظاهرة طلابنا عام 62م:
“من يدري أن شعب المستقبل هو هؤلاء التلاميذ الصغار” وقال بعض المجربين في حرب السبعين:
“إن هؤلاء الأطفال يقرون المرتزقة بما في أيديهم من سلاح فلا يحصلون إلا على مصارعهم السريعة”.
ذلك أن المظاهرة الطلابية العارمة قبل الثورة بشهور كانت إنذار الطغاة باليوم الأخير، لأن تلك الآلاف الهادرة ؟؟ أروع الحلقات في مسلسل النضال الطلابي، لأنه كان عن وعي بالثورة وعن استعداد لمواجهة الاحتمالات، فلم تكن حركة طلابنا موقوفة على الهتاف التظاهري وإنما هي على أتم استعداد للثورة العملية وللذود عنها كما دلت مظاهرة أكتوبر 67م ومقاومة السبعين يوماً من نفس العام حتى كسروا الحصار إلى جانب الجيش والشعب.. وبعد سكوت الحرب امتد التحرك الطلابي، في أكثر من مجال: قاموا بمهمة التعداد لأول مرة في مطلع السبعينات، كما قاموا بمهمة الإشراف على انتخابات التعاونيات كما تجندوا للتصحيح.. فحركة طلابنا متصلة الحلقات متواصلة ؟؟؟؟؟، وليس بالغريب لأن القراءة تغيير، وتجدد الأجيال حتمي حتمية طلوع شمس كل يوم، وليس القادة الأنجح إلا الذين كانوا التلاميذ الأنجب، باعتبار الطلاب الثروة الأبقى والثورة الدائمة، وإذا كانت بعض القيادات الشبابية تقع في أخطاء فذلك طبيعة العمل الأول أو تقرير المنظرين، لأن الشباب يمتلك قوة الدفع ويمكنه أن يكتسب أبعاد التجربة في ظل فهم أكثر خبرة أو أطول مدة في المراس، ومن مزايا طلابنا الكثيرة أن طموحهم لا يتجاوز مصالح الشعب ولا ينطلق من غير مشروعية، فكما أنهم الربيع الدائم للأمة، فهم التجدد المستمر في جذور الحياة وفي دفع الإرادة من تحقيق إلى تحقيق، وأمام طلاب اليوم مهمات قد تختلف عن مهمات سابقيهم، وقد تكون مشاكلهم أعقد، إلا أن كفاءتهم على المجابهة والتجاوز سوف تكون أقدر مواقعاً وإعداداً، والغد على ذلك من الشاهدين.
أجل.. كان الغد من الشاهدين
فهاهي شمس اليمن تشرق من جديد، بعزيمة شبابنا الثوار، الذين أخرجوا الشعب من قيوده إلى رحاب وجوده تحت أسطع الأضواء، ولأترك الكلمة الأخيرة للمفكر العربي عبدالإله بلقزيز، كان قد سطرها في 12سبتمبر 2011م “صحيفة الخليج”: نجحت الثورة اليمنية قبل أن تنجح، نجحت في أن تعيد إلى وعينا المعني الحقيقي للثورة، موارد الثورة تصنع ولا تستورد، وفعل الثورة فعل بالأصالة لا بالنيابة ولا بالشراكة.. ونجحت في أن تكون ثورة نظيفة: نظيفة في الشكل بحيث لا يستدرجها القمع إلى تلوين صورتها المدنية بالعنف.. ونظيفة في الهوية والمضمون بحيث لا لبس ولا شوب في وظيفتها وقرارها المستقل، وهي وإن أصابها من العالم تجاهل وإنكار من العرب والمسلمين إجحاف تبقى درة التاج في هذا الربيع العربي، والترمومتر الذي يقاس به معنى الثورة في دم الحراك الاحتجاجي.

زر الذهاب إلى الأعلى