في الملحق للعدد 224 من جريدة الثوري الصادرة في يوليو 1974م، كتب المناضل والشهيد عبدالفتاح اسماعيل، الأمين العام للتنظيم السياسي الجبهة القومية ، وأعادت صحيفة 26 سبتمبر التابعة لوزارة الدفاع، مقتطفات منه حول خلفية الكفاح المسلح، وذلك بمناسبة احتفالات اليمن بالذكرى الـ49 لقيام ثورة أكتوبر المجيدة، التي كان اسماعيل من أبرز مناضليها:
ونشوان نيوز يعيد نشر المقال:
بقلم : عبدالفتاح إسماعيل
على امتداد سنوات الخمسينات وبداية الستينات كان الشعب قد تمرس على أساليب النضال الوطني، وخاض مختلف طرق النضال السلمي من أجل تحرره الوطني من الاستعمار البريطاني.
في البداية الأولى للستينات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية، أفكار الكفاح المسلح، وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد .
وكانت في نفس الوقت ملجأها الأخير بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها وعدم جدواها في الاضطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني بفعل الطبيعة الاستعمارية الامبريالية البريطانية بل الطبيعة التي تلازم عادة كل المستعمرين في عصرنا الراهن.
وكانت حركة القوميين العرب من بين التنظيمات الأخرى، التي تبنت أسلوب الكفاح المسلح طريقاً للتحرر الوطني.
لكن كان تقييمنا لهذه المسألة، أننا لانستطيع أن نبدأ بالكفاح المسلح، قبل إسقاط النظام الأمامي الكهنوتي في صنعاء.
وقد كان تقييمنا لهذه المسألة صحيحاً فبعد فترة بسيطة لترسخ القناعة بضرورة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، قامت ثورة 26 سبتمبر وتم اسقاط النظام الإمامي الكهنوتي، وقام النظام الجمهوري، وولدت ظروف ملائمة في صنعاء، تمهد لانتقال الكفاح المسلح من حيز الإيمان النظري إلى حيز التطبيق العملي .. وفي هذا الاتجاه، برز عاملان أساسيان حتما البدء في الكفاح المسلح.
إن الخلفية المساندة لأي كفاح مسلح في الشطر الجنوبي المستعمر من قبل المستعمرين الانجليز، أصبحت موجودة، وهذا يعني أن النظام الجمهوري في صنعاء غدا تلك الخلفية التي يمكن أن تلعب الدور الوطني اليمني لدعم الكفاح المسلح ضد بريطانيا الاستعمارية من اجل تحرير جنوب إقليم الوطن اليمني .. الجانب الآخر في المسألة هو، أن مجرى النضال الوطني للشعب اليمني دفاعاً عن جمهورية سبتمبر كان يضع أمام الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من الإقليم مهام الاضطلاع بدور حماية هذه الجمهورية، فقد هب الآلاف من كل الحواضر والألوية والمناطق اليمنية، للانخراط في صفوف الحرس الوطني من اجل الدفاع عن جمهورية سبتمبر.
كانت أمام الحركة الوطنية للشطر الجنوبي من الوطن مهمتان: مهمة الدفاع عن جمهورية سبتمبر بعرقلة التخريب البريطاني والملكي القادم من الجنوب، ومهمة الاستفادة من الظرف التاريخي الذي ولدته ثورة سبتمبر، من أجل السير في النضال الوطني التحرري ضد المستعمرين الانجليز، لكي يتم تحرير جنوب اليمن.
على ضوء كل ذلك كان قرار الكفاح المسلح يعلن عن نفسه مستنداً إلى الظروف الموضوعية والذاتية في المجتمع اليمني بأسره .. وفي البداية كان هدفنا قيام جبهة وطنية تقود الكفاح المسلح، وقد حاولنا في حوارنا مع بقية التنظيمات وبالذات حزب البعث وحزب الشعب الاشتراكي أن تكون القناعة مشتركة حول الكفاح المسلح، لكن يبدو أن مثل هذه التنظيمات لم تكن بعد قد تخلصت من عدم جدوى النضال السلمي، وكانت تعتقد أن الطريق السلمي مازال هو المؤدي للاستقلال الوطني.
وفي مايو 1963م جرى حوار في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية سرية أخرى يمكن اعتبارها تنظيمات سرية وعلنية لها علاقة طيبة بالحركة .. وفي هذا اللقاء تم تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، على أساس الأخذ بالكفاح المسلح أسلوباً لطرد المستعمرين الانجليز .. وحينها كان الصدام بين تشكيل القبائل أحد فصائل الجبهة القومية والقوات البريطانية قد بدأ يأخذ مجراه الصدامي في ردفان وكان لابد من جعل الانتفاضة المسلحة في ردفان بداية انطلاق ثورة 14 أكتوبر.
وهكذا تم تشكيل الجبهة القومية في صنعاء، وفي هذه الفترة كانت القوات العربية قد وصلت إلى صنعاء للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر أمام الهجوم الملكي.. والاعتداءات العسكرية الانجليزية من الجنوب .. حينها كانت العلاقة داخل الحركة الوطنية مشوبة بالخلافات والمشاحنات العدائية .. فقد كانت العلاقة بين الناصرية والبعث قد وصلت إلى درجة كبيرة من التوتر، وكانت العلاقة بين حركة القوميين العرب والرئيس الراحل عبدالناصر علاقة جيدة.
وبسبب العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر، وبسبب الاخطار المحيطة بجمهورية سبتمبر، إضافة إلى نضج الظروف الداخلية للقيام بالكفاح استطاعت حركة القوميين العرب أن تلتقط مؤشرات النضال التحرري في الساحة وتدفع به خطوات إلى الأمام .. كان الصدام العسكري بين القوات المصرية والبريطانية على (الحدود) بين اليمن الجمهورية (الشمال) واليمن المستعمرة (الجنوب) وبالذات (منطقة بيحان) يمهد لتجسيد العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر، بتدعيم العمل المسلح في الجنوب بالسلاح ولذلك فقد أيد عبدالناصر تبني حركة القوميين العرب للكفاح المسلح، وعبر عن استعداده لتقديم السلاح للجبهة القومية، من خلال وجود القوات العربية في صنعاء وتعز.
وعلى إثر توافر الشروط المهيئة للسير في طريق الكفاح المسلح قمنا بالتحضير السياسي العسكري الواسع للكفاح المسلح .. بدأنا بتدريب العناصر التي ستتحمل مسؤولية العمل العسكري والفدائي، فقد كنا نرسل هذه العناصر سراً للتدريب في معسكرات الجبهة في تعز وصنعاء، على مختلف الأسلحة وأساليب العمل الفدائي .. وكان التدريب يأخذ فترة قصيرة في معسكرات الجبهة القومية في الشمال .. إلى جانب ذلك كنا قد بدأنا بإدخال السلاح وخزنه في أماكن سرية، وبدأنا بتشكيل الفرق الصغيرة التي ستكون مهمتها القيام بالعمليات الفدائية.
وفي الجانب السياسي، فقد كنا دوماً نحاول أن نجر القوى الوطنية الأخرى للانخراط في عملية الكفاح المسلح .. لكن يبدو أن الخلافات الحزبية والتناقضات الذاتية كانت أقوى من أن تغلب لصالح النضال الوطني والكفاح المسلح، خاصة وأن الحركة التي كانت تقود الكفاح المسلح، تعيش خلافاً مع التنظيمات الأخرى التي ترتبط بصلات حزبية بتنظيماتها القومية.
في البداية كان تركيزنا على تثبيت أركان الكفاح المسلح وانتشاره في ماكانت تسمى بالمحميات وعدن المستعمرة .. وفي السنتين الأوليين من عمر الثورة أصبح الكفاح المسلح أبرز وأوسع أشكال النضال الوطني قدرة على التأثير في مجرى الحياة السياسية وأصبح يستقطب حوله كل القوى الاجتماعية المؤمنة بالتحرر الوطني لبلادها.
وإلى جانب أسلوب الكفاح المسلح، استخدمنا أساليب النضال الوطني الأخرى، مثل تنظيم المظاهرات الشعبية والاضرابات العمالية وإثارة القضية الوطنية في المحافل والمؤتمرات العالمية وهيئة الأمم المتحدة والجامعة العريية.
واحتلت المنظمات الجماهيرية والاجتماعية اهتمامنا في عملية تنظيم وتعبئة الجماهير في مرحلة التحرر الوطني، وتركز اهتمامنا أكثر بالحركة العمالية، حيث استطاعت الجبهة القومية مد نفوذها واستقطاب العديد من النقابات إلى صفها، ومازلنا نتذكر الدور الذي لعبته النقابات الست في عملية النضال الوطني.
وكما تمكنا من السيطرة على الحركة العمالية خلال عملية النضال الوطني، استطعنا كذلك التغلغل داخل المنظمات الجماهيرية مثل اتحاد الطلبة والمرأة والحركة الرياضية، وقد لعبت هذه المنظمات دوراً مهماً في النضال الوطني .. مثلاً كانت المرأة تقوم بتوزيع المنشورات ونقل الرسائل والتعميمات الداخلية أو المشاركة في المظاهرات.
وفي الريف شاركت في حمل السلاح وتزويد المقاتلين بالطعام كما أن الطلبة قاموا مرات كثيرة بالاضراب من الدراسة ومقاومة السياسة التعليمية الاستعمارية.
بعد اتخاذ قرار الأخذ بالكفاح المسلح طريقاً لنيل التحرر الوطني، بعد الانتفاضة المسلحة في ردفان، كان علينا أن نتوسع في تدريب الكوادر العسكرية، ونعدها إعداداً سليماً .. وبسبب ظروف العمل السري كنا نختار أصلب العناصر وأكثرها نضجاً في الوعي السياسي .. ولها أيضاً خبرة تنظيمية طويلة.
وبعد أن استكملنا تجهيز العناصر الفدائية .. بدأنا نفكر في نقل العمل الفدائي إلى المدن وبالذات المستعمرة عدن .. لم يكن الكفاح المسلح يشغلنا في الأرياف فقد كانت الظروف هناك ملائمة للسير فيه بحكم الطبيعة الجغرافية والجبلية .. وكانت بريطانيا لاتكترث لخطورة الكفاح المسلح في الريف، فهي مستعدة لمقاومته سنوات طالما أنه لن يمتد إلى عدن.
لم يكن فدائيونا قد مروا بالتجربة بالملموس ونفذوا عمليات على أهداف مباشرة تابعة للعدو، ولذلك فقد كانت البداية صعبة بالنسبة لهم، فقد كان الاعتقاد ان المخابرات البريطانية تراقبهم وأنهم سينكشفون في الحال وكانوا في الواقع يحتاجون إلى الهزة الأولى قبل أن يتعودوا على ممارسة العمليات المباشرة مع العدو.
هذا الاحساس يعود إلى الطبيعة الجغرافية لعدن فهي شبه جزيرة صغيرة وكعنق الزجاجة يسهل اغلاقها والسيطرة عليها بقوة محدودة وفي عدة دقائق أيضاً، يضاف إلى ذلك أن العناصر الفدائية لم تكن قد تدربت أو تعلمت شيئاً عن حرب العصابات داخل المدن لكنها تعرف مدينة عدن وشوارعها وأزقتها وجبالها.
وبرغم الصعوبات والمشاق إلا أننا كنا مهتمين بنقل الكفاح المسلح (أسلوب حرب العصابات) إلى عدن، ومن أجل ذلك هيأنا كل شيء ووفرنا شروط تفجيره، وتمكنا من إدخال السلاح إلى عدن تارة مغامرة بالسيارات وتارة أخرى على الجمال التي كانت تنقل القصب والاعلاف والخضروات من المزارع إلى سوق عدن، وفي داخل المدينة كنا نقوم بصنع القنابل البلاستيكية من بعض المواد الكيماوية.
في منتصف 1964م بعد مرور بضعة أشهر من الثورة تم نقل العمل الفدائي إلى المستعمرة عدن حيث قام الفدائيون بسلسلة من عمليات رمي القنابل على منازل الضباط الانجليز وأنديتهم كما ضرب المطار العسكري بقذائف البازوكا وتسببت هذه العمليات بقتل وجرح العشرات من الضباط والجنود البريطانيين .. وخلال هذه العمليات اكتسب الفدائيون دروساً كبيرة افادتهم في العمليات اللاحقة، وبانت لهم نقاط الضعف في النظام العسكري البريطاني داخل المستعمرة .. لقد اكتشفنا أن عدن ليست عنق الزجاجة التي يمكن أن يسدها الانجليز في دقائق بعد سماع دوي أول انفجار.
طبيعي كنا في بداية العمل الفدائي داخل المدينة عدن وبقية المدن الأخرى نلجأ إلى أساليب التمويه المختلفة، مثل لبس الاقنعة وتغيير أرقام السيارات وانتحال شخصيات ضباط رسميين بلباس رسمي أيضاً .. كنا مثلاً نعد الاشخاص الذين سيقومون بالعملية ونعد السيارات بأرقام مزيفة، ونحدد مكان اللقاء بعد تنفيذ العملية.
وبعد ذلك نقوم بتنفيذ العملية وننتهي من إخفاء كل شيء وإعادة السيارات بأرقامها الصحيحة ونسير بين الناس بطريقة عادية نجس نبض ردود الفعل لديهم حول العملية.
وبعد الضربة الأولى التي تعرضنا لها، عندما اعتقلت السلطات الاستعمارية بعض العناصر الفدائية العاملة، فكرنا بتوجيه ضربة لرجال المخابرات المحليين والانجليز على السواء .. لأننا إذا تركناها دون رادع فسوف تقضي على مستقبل العمل الفدائي .. ووجهنا في البداية العديد من الإنذارات نحذر فيها رجال المخابرات المحليين من قضية متابعة الفدائيين، ولكن يبدو أنهم لم يكترثوا لذلك .. وخططنا لاغتيال أبرز رجالاتهم وتتابعت عمليات اغتيال رجال المخابرات الواحد تلو الآخر وطالت رشاشاتنا صدور كبار ضباط المخابرات والمسؤولين الانجليز مثل المستر بيري، وتشارلز رئيس المجلس التشريعي، وشيبرس .. الخ.
ويمكن القول إن الكفاح المسلح في هذه الفترة تميز بظروف العمل السري، وكان نجاح وثبات العمل الفدائي وتطوره يمهد للانتقال إلى مرحلة المجابهة المباشرة لقوات الاحتلال لكن الظروف التي نجمت عن قيام جبهة التحرير في بداية 1966م، أعاقت لفترة، تحول العمل الفدائي إلى مجابهة مباشرة مع العدو الاستعماري.
ابتداء من أواخر سنة 66م وبداية 67م، تحول العمل الفدائي من ظروف العمل السري إلى ظروف المجابهة المباشرة .. فقد تميزت العمليات العسكرية بالتحرك المكشوف، والتمركز على سطوح المنازل وخوض معارك الشوارع ضد الدوريات وقوات المشاة .. كما تميزت أيضاً باستخدام سلاح مدافع الهاون والبازوكا، وبالمقابل نجد أن قوات الاحتلال انتقلت من مواقع الهجوم إلى مواقع الدفاع عن معسكراتها ومساكن عائلات الضباط في الأحياء الأوروبية مثل خورمكسر والتواهي والمعلا والبريقة وكريتر.
لكن حتى انتقال القوات الانجليزية إلى موقع الدفاع، لم يعرقل الثورة المسلحة بل أتاح لها الإمكانية أن تنتقل إلى طور جديد من العمل هو طور الهجوم، بدلاً من العمليات التي كانت تقوم على الضرب والاختفاء السريع.
بالرغم من الحراسة المشددة على الأحياء السكنية التي تقطنها عائلات الجنود والضباط وحواجز الاسمنت المشيدة في الأزقة ومداخل الشوارع خوفاً من كمائن الفدائيين، فقد لجأنا إلى استخدام مدافع الهاون والبازوكا من مسافات بعيدة، ونجحت العديد من العمليات الأمر الذي اضطر الانجليز في الأخير إلى إجلاء جميع العائلات وترحيلها.
وفي عديد من العمليات استخدمنا الهاون الثقيل ضد المواقع العسكرية البريطانية في التواهي وخورمكسر.
ومن أعنف المعارك العسكرية التي وقعت، كانت المعركة المكشوفة والمباشرة في الشوارع بين فدائيينا والقوات الانجليزية، خلال قدوم بعثة الأمم المتحدة لتقصي الوضع في المنطقة في إبريل 1967م، فقد استمرت المعارك في الشوارع والأحياء طوال الأيام التي بقيت فيها اللجنة في عدن، وبشكل متواصل .. وكان سلاحنا في هذه المعارك السلاح الخفيف من الرشاشات والقنابل ومدافع البازوكا، بينما استخدمت القوات البريطانية الطائرات والدبابات وقوات المشاة، لقد تحولت عدن بالفعل إلى ساحة معركة دموية بين الثورة والقوات الاستعمارية.
تلك هي بعض ابرز العمليات العسكرية في حياة الثورة وتجربة المدن، ويمكن القول إن هذه التجربة، قد توجت باحتلال كريتر في 20 يونيو1967م، لأكثر من أسبوعين الذي كان نقطة تحول في الكفاح المسلح وتعبئة الجماهير لإسقاط المناطق الواحدة تلو الأخرى من أيدي السلاطين والمستعمرين.
وبعد الهزيمة العسكرية التي تعرضت الجيوش العربية لها في حزيران 1967م، وأدت إلى احتلال إسرائيل لكثير من الأراضي العربية اعتقد الاستعمار البريطاني أنه في وضع يمكنه من توجيه الضربة النهائية للثورة، خاصة وأن ردود الفعل النفسية من الهزيمة لدى جماهير الشعب، كانت قد تركت كل أثر سلبي قانط في النفوس.
تلك هي أبرز بعض العمليات لبعض العناصر المؤيدة للجبهة في الجيش والأمن من أجل الدفع بالصدام مع الفدائيين في 20 يونيو 1967م، الأمر الذي أدى إلى التضامن النضالي بين جنود الأمن والفدائيين والقيام بالانتفاضة المسلحة في مدينة كريتر .. حيث تم الاستيلاء على مخازن السلاح وتوزيعه على الفدائيين وأنصار الجبهة، وجرت العديد من الاشتباكات مع الجنود الإنجليز في المدينة، حيث قتل العديد منهم وهرب الآخرون إلى خارج المدينة ودمرت العديد من الآليات وطائرات الهيلوكبتر.
وبعد أن تمت السيطرة الكاملة على المدينة تحملت الجبهة مسؤولية إدارتها، وتحصنت قواتها على قمم الجبال ومداخل المدينة .. وبدأت المعارك، تأخذ مجراها بين قواتنا والقوات الانجليزية التي تتمركز في أماكن متفرقة من حي المعلا ومفارق طرقها.
وطوال فترة إسقاط مدينة كريتر استخدمت القوات البريطانية مختلف الأساليب العسكرية لاستعادتها، ولجأت إلى محاصرتها، لمنع أي تموين بالسلاح للفدائيين، لكن حصارها فشل، واستمرت قواتنا تدافع عن المدينة طوال فترة سيطرتها عليها، مؤكدة بذلك عزمها وتصميمها على تحقيق الاستقلال الوطني مهما كان الثمن.
ولقد لجأت بريطانيا في الأخير إلى استجلاب قوات الكوماندوز الخاصة لاستعادة السيطرة على المدينة .. ودخلت المدينة من الطريق البحري وحدثت معارك أثناء الدخول وقد كانت القوات البريطانية تضع العلم البريطاني في كل شارع تحتله .. طبيعي كانت قواتها تفوق قواتنا، لم يكن في مخططنا الاستمرار في السيطرة على المدينة، لأننا حققنا النصر السياسي الذي كنا نريده.