مدينة تاريخية تأسرك بجمالها وبمعمارها العريق الذي يعكس حضارة وتميز أهل اليمن القدماء في البناء والمعمار، بعض مبانيها بني قبل 400 عام وما زالت صامدة ومأهولة بالسكان، وتصنفها اليونسكو ضمن أهم 25 معلما سياحيا في العالم.
كان يحيط بها سور من كل الجهات، غير أن معظمه تهدم، كما كان لها سبعة أبواب، هي باب اليمن، وباب السبح، وباب عامر، وباب البلقة، وباب شعوب، وباب القاع، وباب السلام، ولم يبق منها غير باب اليمن الذي يقال إنه بني قبل أكثر من ألف عام.
تقول بعض الروايات التاريخية إن من بناها هو سام بن نبي الله نوح عليه السلام بعد الطوفان، لذلك فمن بين أسمائها القديمة اسم "سام".
كما سميت "آزال" نسبة لآزال حفيد سام بن نوح وذكرت بهذا الاسم في التوراة وهو ما زال معروفا حتى الآن، كما سميت صنعاء وهو الاسم المعروفة به الآن والأكثر شهرة، ويقال إن معنى الاسم يرجع لجودة الصناعة فيها.
بمجرد أن تعبر "باب اليمن" دخولا إلى المدينة التاريخية تشعر أنك عبرت بآلة الزمن إلى ذلك التاريخ الموغل في القدم، ومبانيها متلاصقة، وبعضها مكون من عدة طبقات مبنية من مادة الطين والياجور بشكل أساسي، ويمنع فيها البناء الحديث بمواده المختلفة، وفقا لاشتراطات اليونسكو.
وتكثر المساجد بهذه المدينة الأثرية، غير أن أكثرها سحرا وقدما "الجامع الكبير"، الذي أمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ببنائه قبل فتح مكة ليكون نواة للدعوة الإسلامية في ذلك الوقت، وهو بالتالي أول مسجد بني في اليمن ومن أقدم المساجد في الإسلام.
تحولت شوارع المدينة وأزقتها إلى متاجر لعرض التراث اليمني بكل صنوفه وألوانه، وبها كثير من الأسواق الشعبية التي تتنوع بضائعها ومعروضاتها، والمدينة وأسواقها قبلة للسياح من مختلف دول العالم غير أن الوضع الأمني غير المستقر أثر بوضوح على حجم السياحة.
صناعة العقيق
ومن هذه الأسواق سوق العقيق اليمني الشهير، وفيه التقت الجزيرة نت محمد إسماعيل علي أبو طالب الذي ورث الحرفة أبا عن جد، وكان جده علي أبو طالب أول من اشتغل بهذه الحرفة في صنعاء القديمة -حسبما قال- وتعلم على يديه المئات من الحرفيين والهواة من داخل اليمن وخارجها.
داخل السوق تجد أنواعا مختلفة من العقيق، فهناك -كما أخبرنا أبو طالب- ما يربو على عشرين نوعا من الأحجار الكريمة، أهمها العقيق الأحمر "الرماني"، وتصل قيمة الفص الواحد منه إلى أكثر من ألف دولار، إلى جانب "الكبدي" و"المزهر" و"السماوي" وأيضا "الأبيض" و"الأرجواني". وهناك العقيق "المشجر" الذي يتميز بأشكال ورسوم طبيعية.
وأضاف أن العقيق بمعظم أنواعه وألوانه يستخرج من الجبال خاصة من منطقتي آنس وعنس بمحافظة ذمار، كما يوجد بمنطقة خولان القريبة من صنعاء، وتتفرد جبال خولان بأجود أنواع العقيق المشجر.
وتنحصر عملية إنتاج العقيق في مدينة صنعاء القديمة، وتحديدا في "باب اليمن" الذي يوجد فيه حرفيو العقيق وتجاره، وتنتشر محلات بيع العقيق بأشكاله المتنوعة بصورة لافتة.
ملهمة الشعراء
تغنى الشعراء والفنانون بصنعاء، من بينهم شاعر اليمن الأبرز الدكتور عبد العزيز المقالح الذي قال في افتتاحية ديوانه "كتاب صنعاء" إنها "كانت امرأة هبطت في ثياب الندا ثم صارت مدينة"، ومن بين ما قاله عنها:
للحب فوق رمالها طلل
من حوله نبكي ونحتفل
نقشته كف الشوق في دمنا
وطوته في أعماقنا المقل
هو حلمنا الباقي ومعبدنا
وصلاتنا والحب والغزل
من أجلها تصفو مودتنا
ولحبها نشقى ونقتتل
صنعاء يا أنشودة عبقت
وأجاد في إنشادها الأزل
إن أبعدتني عنك عاصفة
وتفرّقت ما بيننا السبل
فأنا على حبي وفي خجل
روحي إلى عينيك تبتهل
إني إلى صنعاء يحملني
وجه النهار وترحل الأصل
فمتى تظللني مآذنها
ويضيء من أحضانها الجبل
لم يبق في الأيام من سعة
حان الرحيل ونوّر الأجل