[esi views ttl="1"]
رئيسية

مأساة الالغام في بني جرموز شمال صنعاء

رغم انقضاء زمن الحرب التي خلفت عشرات القتلى والجرحى، ودماراً هائلٌ أصاب المنازل والمزارع والممتلكات، إلا أن أهالي عدد من قرى عزلة بني جرموز التابعة إدارياً لمديرية بني الحارث لا يزالون يدفعون ثمن وجودهم الفطري بجوار معسكر اللواء 63 حرس جمهوري " سابقاً" الواقع في منطقة بيت دهرة على بعد أميال قليلة شمال العاصمة صنعاء، وكذا على سفح جبل الصمع حيث تتمركز 3 ألوية عسكرية، فهناك لا يزال الموت والإعاقة يتربصان من تحت التراب بكل ما يمشي على الارض، سواءً كان بشراً أو ماشيةً.

ومنذ إعلان التهدئة قبل حوالي عام بدأ شبح الألغام يطل برأسه ليهدد حياة مئات المواطنين في مقدمتهم الأطفال والنساء والشيوخ، وكذا حياة المواشي من أغنام وأبقار وغيرها من الحيوانات الأليفة، في قرى الخبشة وبيت دهرة والغولة وكذا المزارع المجاورة للصمع وغيرها من المناطق القريبة من المواقع العسكرية الحالية أو تلك التي كان قد تم استحداثها أثناء المواجهات وانسحبت منها القوات العسكرية تاركةً إياها حُبلى بآلاف الألغام.

وخلال الفترة التي أعقبت التهدئة وحتى اليوم قُتل بسبب الألغام ثلاثة أشخاص أحدهم مجهول أثناء مرورهم في المناطق الملغومة بالقرب من معسكر بيت دهرة ببني جرموز، في حين قضت امرأة نحبها قبل أسبوع حينما انفجر لغم بها وهي ترعى الأغنام برفقة أختها في منطقة الروضة على سفح الصمع في حدود أرحب، وبلغ عدد المصابين في بني جرموز حتى كتابة هذا التقرير 12 شخص قرابة 8 منهم أطفال، وبينهم 4 إناث، ومعظم المصابين يعانون الآن من إعاقة دائمة بعد أن أدت الألغام إلى بتر أقدامهم كما هو الحال مع الطفلين حسين وفواز حصن، وفي الجدول التالي نوضح ضحايا الألغام منذ توقيع التهدئة.

الأسماء - الفئة العمرية - الحالة - المنطقة - القرية
عبد الحميد واصل علي واصل- طفل - شهيد - الغربي
مجهول - كبير - شهيد - مجهول
نخلة محمد صالح رمضان - بالغة - شهيد - الصمع
فاطمة محمد صالح رمضان - بالغة - جريحة - الصمع
ظافر الربوعي - بالغ - معاق/بترقدم - الحرة
حسين يحيى صالح حصن - طفل - معاق/بترقدم - الخبشة
فواز محسن حصن - طفل - معاق/بترقدم - الخبشة
عبير يحيى دهرة - طفلة - معاق/بترقدم - بيت دهرة
صفاء لقمان - طفل - شضايا - الغربي
محمد لقمان - طفل - شضايا - الغربي
عبدالله محمد حصن - شضايا في الوجة - الخبشة
محمد أحمد محمد واصل - طفل - الغربي
سمية واصل - طفل - الغربي
صبرية واصل علي واصل - طفلة - الغربي
واصل علي واصل - الغربي

مناطق ملغومة :
أثناء لقاءه بوفد اللجنة العسكرية عقب توقيع التهدئة كشف قائد اللواء 63 أن قواته زرعت 8000 لغم في مساحة قدرها 600 كم تقريباً بمحيط معسكر بيت دهرة حيث يتمركز اللواء المذكور، وفي نفس الوقت تنتشر الألغام في المنحدرات المجاورة لجبل الصمع أيضاً، وهذا يعني أن مئات المزارع والمنحدرات لا تزال ملغومة، وبالتالي فإن إمكانية دخولها من قبل المواطنين دون وقوع ضحايا مستحيلة.

وخلال الزيارة التي قمنا بها إلى المناطق المتضررة في بني جرموز أوضح لنا الأهالي أن هناك الكثير من المزارع والمناطق الملغومة، وخاصةً المزارع المحيطة بمعسكر بيت دهرة من كل الاتجاهات، وكذلك المزارع التابعة لأهالي قرية الخبشة والمناطق المحيطة بجبل العصيدة، وفي هذه المناطق سقط معظم ضحايا الألغام، بالإضافة إلى المنحدرات على جوانب جبل الصمع حيث تقع مقاطع الحجار ومجاري السيول وغيرها من المناطق.

مخاطر متزايدة :
مع دخول موسم الأمطار فإن مخاطر الألغام تزيد بنسبة أكبر مع احتمال جرف السيول للألغام المزروعة إلى الأراضي الزراعية، الأمر الذي يعني مزيد من الضحايا.

وفي هذا السياق يقول المواطن أحمد محسن الحمدني من أهالي قرية الغولة بني جرموز إن الألغام التي زرعتها المعسكرات في المزارع وكذا في منحدرات السيول في المنطقة أجبرت المواطنين على ترك مزارعهم وتجنب دخولها والعناية بها خوفاً من إنفجار تلك الألغام التي قد تكون مزروعة هناك أو ي مجاري السيول التي تحتاج إلى إصلاح.

ويضيف الحمدني " نحن الأن على أبواب موسم الأمطار ومزارعنا تحتاج إلى أن نعتني بها ونعمل على إصلاح مجاري السيول، ولكن للأسف الألغام تملأ المكان، ومن يقترب قد يدفع حياته أو أحد أقدامه ثمناً لذلك".

وقال " قبل يومين انفجر لغم بشاة في منطقة الغولة، كل شيء معرض لانفجار الألغام، كما أننا محرومون من الوصول إلى مزارعنا وإلى مقاطع الحجار التي تعتبر مصدر رزقنا الوحيد"، وطالب الحمدني وزارة الداخلية بضرورة إرسال لجان لمسح المزارع والمنحدرات ونزع الألغام منها، وتعويض المزارعين جراء الأضرار التي أصابت مزارعهم، كما طالب برفع الموقع العسكري المستحدث فوق قرية " الغولة"، حتى يتمكن المواطنين من الوصول إلى أموالهم ومزارعهم ومصادر أرزاقهم، وأن يكون هناك تعويض عادل لضحايا الألغام.

من جانبه أوضح المواطن يحيى صالح حسين حصن والد الطفل المعاق حسين أن الألغام لا تزال تملأ المزارع، وأن ولده حسين 13 عام أصبح معاقاً نتيجة انفجار لغم بمنطقة الميدان حيث كان يرعى الأغنام بجانب معسكر بيت دهرة، وأضاف" قبل فترة انفجر لغم بطفل، كما قتلت عدة شياه نتيجة الألغام، والد المعاق وجه نفس المناشدة بضرورة التعجيل بنزع الألغام وتعويض الضحايا، وإخلاء المزارع منها.

كما قال يحيى صالح حصن بأن له ابن عم اسمه فايز عمره لا يتجاوز 11 عام بُترت قدمه بعد أن انفجر به لغم أثناء رعيه للأغنام في منطقة المناهم جوار معسكر بيت دهرة قبل حوالي أسبوعين، وأضاف حميد قوله " مزارعنا المجاورة لمعسكر بيت دهرة منذ بداية الثورة الشعبية لم نستطيع دخولها بسبب الألغام، وقد تعرض الكثير من الأطفال لإنفجار ألغام، بالإضافة إلى عشرات المواشي من البهائم والأغنام والأبقار وغيرها".

وطالب في ختام حديثه " نحن نطالب برفع الألغام حتى نتمكن من الدخول إلى مزارعنا وأملاكنا، وتقدير الأضرار التي أصابت المزارع وفي مقدمتها مارع العنب".

تعطل أسباب الحياة :
منذ دخولنا إلى قرى بني جرموز وخاصةً قرى "بيت الحسام، الغربي، القصير، الحرة، بيت دهرة، الخبشة، الهجرة، غولة بني ساعد، الغولة، النبي أيوب" وجدنا أن المصادر الوحيدة للدخل بالنسبة لمعظم السكان تتمثل في قطاعة الأحجار وبيعها، ونقل النيس " وهي مادة تستعمل مع الإسمنت في البناء" وصناعة الجص، وأخيراً الزراعة وبالذات " زراعة العنب والقات"، وكما رأينا بأعيننا وأخبرنا المواطنين فإن هذه المصادر توقفت تماما بسبب انتشار الألغام بين الأراضي وفي المنحدرات وفوق "مقاطع الحجار" التي لسوء الحض تقع بالقرب من المعسكرات والمواقع المستحدثة، كما توقفت معامل إنتاج الجص البدائية تماماً بسبب تعذر جلب الصخور التي تنعم منها الجبال المحيطة والتي كما ذكرنا تقع بالقرب من المعسكرات حيث تم تلغيمها من قبل المعسكرات المتواجدة هناك.

كما أن انتشار الألغام المزروعة في مناطق واسعة حيث مقاطع الحجار أدى إلى هروب العمال ورفضهم العمل خوفاً من الموت، وهو ما ساعد في تعثر هذه الصناعة وبجانبها صناعة الجص ونقل النيس.

يقول الشاب محمد علي محسن الحمدني وهو من أبناء قرية الغولة، ويعتمد على مهنة استخراج الأحجار كمصدر رئيسي للدخل " لقد توقف مصدر رزقنا الوحيد بعد أن قام العسكر بتلغيم مناطق قطع الأحجار، وبالتالي فلا يمكن لأحد المخاطرة كي لا يحدث ما لا يحمد عقباه"، وشدد على ضرورة أن تعجل الدولة بإرسال فرق عمل لنزع الألغام من المنطقة حتى يتسهل على الناس العودة إلى مزارعهم ومصادر أرزاقهم كمقاطع الأحجار وغيرها.

من حكايات الموت:
قبل أسبوعين ذهب الطفل فواز محسن حصن ذي 9 سنوات لرعي الأغنام في المزارع الواقعة في منطقة المناهم ببيت دهرة بالقرب من اللواء 63، لكنه عاد بعد ساعات من ذهابه بقدم واحدة، بعد أن داس على لغم أرضي كان متربصاً به تحت التراب ، وإلى الآن لا يزال فواز يرقد في أحد مستشفيات العاصمة حيث يتلقى العناية الطبية اللازمة.

وفي منطقة أخرى وبالتحديد قرب معسكر الصمع وبعد أيام من الحادثة التي بترت فيها قدم فواز لقيت نخلة محمد صالح رمضان حتفها وأصيبت أختها فاطمة محمد صالح رمضان بعد أن انفجر بهما لغم أرضي أثناء قيامهما برعي الأغنام في المنطقة.

كما يواجه المواطنون خطر الموت أثناء نزع هذه الألغام بأنفسهم من وسط مزارعهم بعد ان يأسوا من اللجنة العسكرية أو الحكومة في نزع هذا الموت من وسط مصادر رزقهم الوحيد .

ذهبت صفاء وأخوها الاصغر محمد للعب في الاماكن التي أعتادوا على اللعب فيها دائماً فوجدوا أحد الالعاب المختلفة التي لم يعتادوا عليها ، وجدوا لعبة الموت بأنتظارهم فانفجر بهم أحد الالغام التي لم تدفن فخلف ورائه إعاقة صفاء في قدميها وشضايا في وجه وعيني أخيها قد تتسبب في فقدان بصرة .

وهكذا يستمر الموت في تعقب أرواح الأطفال والنساء وأقدامهم على شكل ألغام في منطقة لطالما عانت من ويلات القتل والدمار لأكثر من عام، وحينما تنفس اليمنيون الصُعداء بزوال شبح الحرب، بقي للموت والخطر أثر هنا في بني جرموز، وفي مواجهة هذا الخطر الكامن تحت التراب على شكل ألغام بلاستيكية وفولاذية لا يملك الأهالي إلا مطالبة اللجنة العسكرية والداخلية والمنظمات والهيئات الحقوقية والإنسانية إلى الإلتفات لهذا الخطر الذي يحصد كل يوم مزيد من الأرواح والأقدام، آملين أن تصل مطالباتهم مسامع واعية سيما بعد أن دعت وزارة الداخلية إلى ضرورة إرسال فريق من دائرة الأشغال العسكرية إلى المنطقة لنزع الألغام منها.

* تقرير صادر عن مؤسسة يمن حقوق حول الألغام التي تم زراعتها من قبل أفراد الحرس الجمهوري المتمركزة في معسكرات ا لصمع والفريجة في وديان وجبال مديرية بني جرموز – محافظة صنعاء في أحداث عام 2011م.

زر الذهاب إلى الأعلى