لكل بلد حكايته الطويلة.. ولكل حكاية تفاصيلها وأسماؤها ونقاطها المضيئة والمعتمة.. ولكل شعب ذاكرة –نائمة أو مستيقظة والمكان أيضاً له ذاكرة. وأشد الشعوب تعاسة هو الشعب الذي تَعَرّضَ لعمليات قاسية ومتوالية بغرض عزله عن ذاكرته..
من ثم، فإن أصعب المهمات أمام المفكرين والمثقفين والساسة هي مهمة إعادة الذاكرة لشعب حيل بينه وبين ذاكرته..
هذا البلد هو اليمن..
وهذه المهمة هي التحدي الذي تجابهه النخب اليمنية الحية منذ بدء القرن العشرين وإلى الآن.. ذلك أن اليمنيين عاشوا أطول فترة غيبوبة على مدى التاريخ.. تماماً مثلما عاشوا إبان حضارتهم أطول فترة تمكين واستقرار على مدى التاريخ.. لكن الشعوب القوية تستعيد عافيتها بسرعة. ويحدث أثناء هذه الاستعادة لغط وارتباك واستعجال كثير. كما تتعرض بالمقابل لمحاولات محمومة بغرض إبقائها في حالة الغيبوبة..
فَهْم هذا الأمر يساعدنا ولا شك على معرفة ما الذي يحتاجه اليمنيون في الوقت الحاضر، ولماذا صاروا إلى ما هم عليه الآن. سواء الشعب أو الحكام المنبثقون عنه ..
اليمنيون أبناء هود عليه السلام
قال نشوان الحميري: "اتفق كثير من علماء السير أنَّ أول نبي مرسل بعثه الله بعد نوح بشيرا ونذيرا وأمينا على وحيه هو هود عليه السلام وهو أبن العرب العاربة وهو الذي يقول في علقمة:
أبونا نبي الله هود بن عابر ... ونحن بنو هود النبي الطهر
لنا الملك في شرق البلاد وغربها ... ومفخرا يسمو على كل مفخر"
في لحظةٍ ما وصل اليمنيون إلى أهمية أن يكونوا كيانا متفقاً على أن يغدوا رقماً صحيحاً في حلبة الأمم في العالم القديم.. وكانت الزراعة أساس البناء المادي لهم ودعموها بالسدود، ثم لما قوي شأنهم عززوها بالتجارة والصناعة وتتالت ممالك القوة دون فترة ضعف فاصلة تؤثر على تواتر انتقال الخبرة.
ولارتباط اليمني بالزراعة كان ارتباطه بالمطر ومن ثم اتجاهه نحو السماء، وهذا سر غريزته الإيمانية التي جعلته في كل الحقب متوجهاً نحو آلهة سماوية، سواء الشمس أو القمر. وذلك قبل أن يهتدوا إلى عبادة الله الواحد الأحد سبحانه لا شريك له، والذي أسلم له اليمنيون وعبدوه على دين موسى وعيسى ثم خاتم النبيين محمد، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والتسليم.
ولطبيعة الإنسان اليمني الدائبة، ولحدود اليمن الطبيعية (البحر والصحراء) نشأ انتعاش فكري واقتصادي وحالة استقرار سياسي وكذا انعدمت حالات العدوان المؤثّر من وإلى اليمن. ومن ثم تركز التطور على العمران والهندسة ومختلف مناحي الرخاء؛ إذ كان يسميه اليونان بلد القصور. ثم عرف بعد ذلك ب "بلاد العربية السعيدة" أو اليمن السعيد، والسعادة تعني أعلى درجات التوافق والتنوع الذي أدى إلى اشتداد القوة وتواتر الرخاء.. قال تعالى:" لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" (1).
بلغ الاستقرار أَوَجَهُ في العهد السبئي دون مزعج خارجي عمل على تفشيله سوى ما جنته أنفس القوم، فبدل الله جنتيهم "جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ"(2).
والحديث عن اليمنيين حديث عن سكان جنوب الجزيرة بعيداً عمن هاجروا وبعيداً عن ضرورة الأرومة القحطانية التي تمثل الأصل الجامع لسواد السكان.. وهو حديث عن حضارتهم كحاصل تفاعل الإنسان مع الأرض. أولئك الذين ملأت مسروقات آثارهم كل متاحف العالم.. وهذبتهم بعض الروادع أيام الأنبياء..
بعد مرحلة الطوفان كون الأشخاص الذين نجوا في سفينة نوح عليه السلام سكان الأرض الموجودين حالياً، منهم من هو من سلالة النبي نوح، كأولاد سام وحام، ومنهم من ينحدر من ذرية من نجا معه. ومعروف أن المصريين– على سبيل المثال- هم من أولاد حام بن نوح، تماماً كما أن اليمنيين يعتبرون من ذرية سام بن نوح جد سبأ الذي هو أبو اليمنيين قاطبة، وتكاد معظم القبائل والمناطق اليمنية التي احتفظت بأسمائها إلى الآن هي أسماء أبناء سبأ كحمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وحضرموت بن سبأ(3)..
تكون من ذرية سبأ النسيج الأول للشعب اليمني في العصور الأولى والذين بنوا حضارات متعاقبة، منها حضارة قوم عاد وثمود وغير ذلك.. فتم مع مرور التاريخ ما يشبه التصفيات، بسبب العقوبات الإلهية حتى أيام هود عليه السلام. التي يقال إن أرومة الشعب اليمني الحالي تنحدر من سلالة النبي هود الذي لم يؤيده الله بمعجزات قط. وكما أسلفنا؛ فإن الحضارة اليمنية القديمة التي امتدت قروناً من الزمان أيام معين وسبأ وحضرموت وقتبان لم تتقوض بعوامل خارجية، بل بعوامل داخلية، يتمثل أغلبها في كفران النعمة، ما أدى إلى سيل العرم، الذي أتى على كثير من حواضر الحضارة اليمنية القديمة وأدى إلى هجرة كثير من اليمنيين.
لكن اليمن ظل قوياً ومزدهراً طيلة الحقبة الحميرية وبلغ أوج مجده أيام أسعد الكامل؛ الذي جمع اليمنيين من جديد في وحدة سياسية واحدة. وساعدت عوامل عدة على بقاء اليمن قوياً وموحداً، لعل من أهمها: أصل اليمنيين الواحد وتشابه وتكامل رقعتهم الجغرافية، بالإضافة إلى عامل مهم جداً في نظري هو أن اليمنيين في عهد التبابعة الحميرين اعتمدوا آليات إدارية واقتصادية واجتماعية غاية في التماسك والفاعلية، بسبب كونها قامت على دراسة عميقة ودقيقة للواقع اليمني وللإنسان اليمني.. الأمر الذي جعل من دولة التبابعة مضرباً للمثل في القوة والازدهار.. يقول الله عز وجل: "أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ".(4) ولذا فإن الذي يعود إلى أشعار العرب قبل بعثة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، يكتشف إلى أي حد كانت قوة التبابعة هي المادة الملهمة للخيال الأدبي حد تصوير التبابعة بقوة خرافية.
حقبة الصراع اليهودي المسيحي.. بداية الضعف
عادة لا تسقط الحضارات القوية دفعة واحدة؛ بل تعاني فترة احتضار قد تمتد قروناً تتنازعها خلال هذه الفترة أحلام العودة إلى أسباب الماضي المجيد من جهة، وضرورات سريان سنة الله في الدول والممالك حينما تحين شيخوختها من جهة ثانية.
كان اليمنيون في الفترة الحميرية قد اعتنقوا الإسلام الذي جاء به موسى عليه السلام ودخلوا كعادتهم في دين الله أفواجا، وعندما بعث الله عيسى عليه السلام دخل جزء من اليمنيين في الدين الجديد بينما ظل الجزء الآخر، ومنهم الحكام، على دين موسى عليه السلام الذي تعرض لكثير من التحريف وانتقل من خانة الإسلام إلى خانة اليهودية.. وبالإمكان القول إن حقبة الاحتراب الديني بين أتباع اليهودية والنصرانية تعد البداية الحقيقية لضعف الحضارة اليمنية القديمة في آخر أطوارها وهو الطور الحميري. ولا يعد الغزو الحبشي ثم الفارسي إلا طوراً من أطوار فترة الضعف والشيخوخة. فكان أن ارتكب الملك ذو نواس الحميري، الذي كان يعتنق اليهودية، محرقة أصحاب الأخدود الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام.. فظهرت في اليمن مشكلة اضطهاد ديني اضطرت السلالة اليمنية التي حكمت الحبشة (وكانت تعتنق النصرانية)، أن تتدخل لصالح النصارى المضطهدين على يد اليهود الحاكمين في اليمن.. فكان ما عرف من أمر الغزو الحبشي الأول ثم الغزو الحبشي الثاني الذي تزامن مع وجود سيف بن ذي يزن الحميري الذي كان على دين اليهودية، ووجد حينها أن للأحباش مشروعاً دينياً توسعياً يأتي ضمن التوسع المسيحي. فذهب إلى الفرس طلباً للنجدة، وكانت قد تعمقت صلات استراتيجية بين الفرس واليهود منذ قيام الفرس بتحرير اليهود من الغزو البابلي. وبالتالي؛ زود الفرس سيف بن ذي يزن بحملة عسكرية مكونة من مجاميع سياسية متمردة على كسرى كانت مودعة في السجون ومحكوماً عليها بالإعدام.. فأراد كسرى بذلك أن يضرب "عصفورين بحجر": تلبية طلب سيف بن ذي يزن، والتخلص من أولئك المتمردين. وبالفعل تم لذي يزن طرد الأحباش من اليمن، ساعده في ذلك النكسة التي تعرض لها جيش الأحباش في مكة بواسطة الطير الأبابيل في العام المسمى عام الفيل.
لكن الواقع الذي ترتب على هذا الأمر هو أن اليمنيين استبدلوا غزواً بآخر.. فحل الفرس محل الأحباش، وأقاموا تحالفاً مع بعض القبائل اليمنية واستولوا على صنعاء عاصمة الحكم وجعلوا اليمن تابعة للنفوذ الفارسي الساساني، ولعل آخر المعارك وأشرسها بين المقاومة اليمنية والوجود الفارسي كانت "معركة الردم" التي شارك فيها الصحابي الجليل "فروة بن مسيك المرادي" قبل إسلامه، وكان الإسلام يومها قد انتقل من الطور المكي إلى طور المدينة المنورة.(5)
انتهت معركة يوم الردم بانتصار الفرس والقبائل اليمنية المتحالفة معهم، وهزيمة جيش المقاومة ودخلت المشكلة دوراً أخف وطأة بعد إسلام باذان عامل كسرى في صنعاء.. لكن المشكلة بين الفرس واليمنيين عادت من جديد بعد أن أراد الأبناء الفرس أن يتوارثوا حكم اليمن دوناً عن اليمنيين الذين كانوا يومها يأبون تماماً أن يحكمهم أناس من غيرهم. وهو ما كان يتفهمه النبي صلى الله عليه وسلم، فاحتار فيمن يبعث إلى اليمن، حتى نزل إليه الوحي بإرسال الصحابي اليمني معاذ بن جبل، رضي الله عنه.
وإنما كان الأبناء (وهي التسمية التي عرف بها أبناء الفرس في اليمن) يريدون أن يتوارثوا الحكم بينهم من باذان بعد أن أقره النبي صلى الله عليه وسلم على حكم صنعاء. تزامن سعي الأبناء مع موت النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتعلت مقاومة يمنية من جديد وقام الأبناء بتوثيق عراهم مع المدينة المنورة. الأمر الذي أدى إلى ردة سياسية في اليمن عن سلطة المدينة المنورة أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه، سرعان ما تحولت في جزء منها إلى ردة دينية، وذلك عندما قام أحد قادة المقاومة اليمنية ضد الفرس وهو عبهلة بن قيس العنسي (الأسود العنسي)، بادعاء النبوة. الأمر الذي أفشل هذه المقاومة، وقامت حرب ضروس على أسوار صنعاء بين المسلمين وبين مناصري الأسود العنسي، الذي خسر كثيراً من مناصريه بسبب تلك الدعوة. وانتهت بمقتله على يد زوجته، بعد المعركة الحامية التي دارت في منطقة "المشهد" بشعوب، صنعاء.(6) وبالتالي أفشلت هذه الحرب على الأبناء احتكار السلطة فتحولوا بعدها إلى مواطنين يسهمون في كل مجالات الحياة اليمنية إلى الحد الذي نسى فيه الكثير منهم أصولهم الغابرة (على عكس ما حدث مع الهادويين الذين جاءوا بعد ذلك) وبمجرد ذلك انتهت الردة في اليمن، والتي بالفعل لم تكن ردة دينية والدليل على ذلك أن جميع القادة في صف الأسود العنسي عادوا إلى الإسلام بسهولة، ومنهم الفارس الشاعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي، والشدادي ووجيه حضرموت الأشعث بن قيس.
ولدهائه الكبير، فقد أرسل الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كلاً من: عمرو بن معد يكرب والشدادي إلى العراق ليشد بهما أزر سعد بن أبي وقاص في معاركه ضد الفرس، وذلك لعلمه بما يكنان للفرس من عداوة، ولإدراكه معرفتهما بأساليب الفرس القتالية.. ومعهما رسالة من لدنه إلى سعد يقول فيها: لقد أمددتك بألفين من المقاتلين: عمرو بن معد يكرب، والشدادي. وكان لهما بالفعل دور في سيرورة المعركة لصالح المسلمين عندما أشارا بضرب خراطيم الفيلة في "معركة القادسية" الفاصلة التي كانت آخر مسمار في نعش الامبراطورية الكسروية التي ما زال بعض أذيالها إلى الآن يحملون تجاه اليمنيين حقداً كبيراً. فبالإضافة إلى الفارسيْن المذكوريْن كان ثلثا جيش سعد بن أبي وقاص (الأنصاري) من اليمن ومعظمهم من حضرموت.(7)
مثّل اليمنيون للدولة الإسلامية الوليدة في قلب الجزيرة العربية الهيكل الإداري والتنظيمي الذي لم تكن تمتلكه قبائل نجد والحجاز، كما زودوا الدولة الإسلامية بمقومات البناء الهيكلي والقاعدة المؤسسية للتوسع المتوازن رأسياً وأفقياً. على أن الباحث والمؤرخ اليمني محمد حسين الفرح، يفصِّل في سفره الكبير "يمانيون في موكب الرسول" أن اليمنيين أيضاً كانوا هم رماح الشوكة في دولة الفتوحات، حتى ليظنن المرء من كثرة الفاتحين اليمانيين أنه لم يتبق في اليمن يومها إلا الأطفال والنساء وضعاف القوم.
ومن يومها كان اليمن أحد أقطار الحضارة العربية الإسلامية الوليدة، وتشارك اليمنيون في ترسيخ دعائمها ومثلوا السواد الأعظم من قادة وجيوش الفتوحات التي امتدت شرقاً وغرباً.. ولهذا وقع اليمن فريسة للمشاريع السياسية الضيقة التي انحرفت به عن ركاب حقبة الازدهار العربي الإسلامي.. وكان لتلك المشاريع الصغيرة دور رئيس في تأجيل استعادة اليمن جولة حضارية جديدة يسهم من خلالها في تجديد الأرض وتقدم الإنسانية.
حقبة المشاريع الصغيرة وشرعية إلغاء الذات اليمنية
تنطلق الفلسفة التي قامت عليها دولة الهادي وأبنائه في اليمن على أحقية أبناء فاطمة، رضي الله عنها، بالحكم، وبالتالي فدولة الهادي (التي بدأت في صعدة عام 284ه) انطلقت من شرعية دينية مغلوطة ذات منحى سلالي اعتمد في حشده للأتباع على "مظلومية آل البيت"( 8) واتكأت على إذكاء الخلافات الداخلية بين اليمنيين والقضاء على ثقافة الروح الوطنية باعتبارها، من وجهة نظرهم، من ميراث الجاهلية!!
وللأسف لم يحدث هذا الهدم في بواكير الدولة الهادوية فحسب؛ بل امتد طيلة حكمها المتقطِّع حتى أيام بيت حميدالدين، ويذكر المؤرخ محمد بن علي الأكوع الحوالي()، أن عالم الآثار المصري البروفسور أحمد فخري كان زار اليمن للمرة الثانية 1949م وهاله ما رأى من هدم منظم لآثار مأرب وقال في حديث أدلى به لبعض أصدقائه : "ما هممت أن أقتل أحداً في عمري غير هذا الرجل المجرم عامل مأرب أحمد الكحلاني". يعلق الأكوع: "وكان هذا الموظف الجاهل أزال عدداً كبيراً من المعابد والهياكل وحطم الرسوم والنقوش والكتابة بحفرها وكشطها تعمداً وحقداً( 9)"!!
وكان ضرورياً في نظر الفلسفة الهادوية عزل اليمن عن محيطها العربي والإسلامي حتى لا يتأثر اليمنيون بالحراك السياسي غير المأهول بالدهشة والتبجيل للأسرة العلوية. ساعد في هذه العزلة حالة من الغيبوبة والإهمال طالت حواضر نجد والحجاز، بسبب مشاريع سياسية وكهنوتية مشابهة، ما جعل باقي أرجاء الجزيرة العربية كواقع سياسي راكد، تمثل عامل عزلة إضافي لليمن.
في غضون ذلك وعلى مدى قرون متتالية لم يهدأ الصراع في اليمن، ما جعل اليمن ينتقل من حقبة "اليمن السعيد" إلى حقبة "اليمن البعيد".
سيناريو التمزيق البريطاني المتوكلي
بسبب نظرية الخروج في الفكر الهادوي وبسبب عنصرية نظام الإمامة الهادوي ومذهبيته لم تستتب الأوضاع في اليمن؛ فكان يحرص على عدم بسط نفوذه على اليمن كافة. حتى لا يؤدي ذلك إلى اجتماع اليمنيين واتفاقهم عليه.
علماً أنه بمجيء الهادي في عام284ه عرف اليمن أول إعلان انفصال، وذلك عندما أعلن الهادي انفصاله بصعدة، ثم وقع اليمن، بسبب نظرية الخروج، تحت وطأة الكيانات الانفصالية المتعددة إلى درجة أن أحدهم قد يعلن نفسه إماماً على قرية أو اثنتين.
وقد بلغ هذا الوضع الفوضوي أوجه في منتصف القرن الثالث عشر الهجري حينما تداول الحكم ما يقارب عشرين إماماً في أقل من شهر. الأمر الذي دفع ببعض الهادويين إلى الاستنجاد بالأتراك العثمانين الذين دخلوا صنعاء في العام 1849م بدعوة من الإمام المنصور محمد بن يحيى. (10)
وهناك خطأ تأريخي يقع فيه الكثيرون حينما يحسبون مجيء الاستعمار البريطاني إلى عدن 1839م الموافق 1254ه وكأنه بداية التشطير في اليمن على هيئة شمال وجنوب؛ إذ الأصح أن أحد الأئمة من بيت القاسم (الحسين بن القاسم) هو الذي سبق إلى إعلان الانفصال بعدن (1144ه). الأمر الذي أفسح المجال للتشرذم ونشوء السلطنات والمشيخات التي عمق وجودها الاسمي الاستعمار البريطاني الذي قام بإضعاف كل تلك الكيانات وسلبها كل أسباب القوة حتى لا تسعى إلى طرده.
ومعروف أن الاستعمار لم تستتب له الأوضاع في عدن إلا بعد أن خاض معارك ضارية وغير متكافئة مع سلطان لحج (فضل العبدلي) الذي أبلى بلاءً حسنا. وبسبب شكيمة القبائل اليمنية في جنوب البلاد اكتفى الاستعمار بتواجده في عدن فقط، ولم يتسن له بسط هيمنته السياسية على مناطق جنوب وشرق اليمن إلا بواسطة الدس والخديعة وسياسة "فرق تسد"(11). ولذا فإن الاستعمار مثل الشق الثاني من مقص التشطير في اليمن.. وقد عمل بعد مجيئه على توثيق الروابط بالكيان الانفصالي الموجود في شمال اليمن والمتمثل بالإمامة التي أوشكت أن تموت بفعل الخواء الذاتي، لكنها استعادت شيئاً من الحيوية بعد مجيء الاستعمار وتحالفه مع الإمامة التي تكفلت بوأد أية محاولات تحريرية منطلقة من الشمال.(12)
علماً أن نظام الإمامة الانفصالي في شمال اليمن قد أعاق لعدة مرات فرصاً عديدة لتوحيد اليمن، قبل وبعد الاستعمار، منها ما يذكره المؤرخ محمد بن علي الأكوع الحوالي أن إمام صنعاء رفض في القرن التاسع عشر دعوة للوحدة تحت حكم الإمام تقدم بها وفد كبير من أعيان حضرموت. وهو الموقف ذاته الذي فعله الإمام يحيى في عشرينات القرن العشرين عندما رفض دعوة عبيدالله السقاف رغم أن الأخير كتب في الإمام قصائد عصماء جمعها في ديوان "الإماميات"(13) ثم رفض الإمام يحيى في ثلاثينيات القرن العشرين؛ عندما رفض دعوة أخرى للوحدة يكون فيها إماماً لليمن كله..!! وهي التي تقدم بها سلاطين الجنوب إلى الإمام عبر السياسي والأديب التونسي عبدالعزيز الثعالبي. الذي فوجئ برد الإمام ووضع الإمام وعقلية الإمام. ووثق القصة كاملة في كتابه "الرحلة اليمانية".
وقد قام الفريقان (الإمامة والاستعمار) بخطوة جريئة كانا يظنان أنها ستمثل آخر مسمار في نعش وحدة اليمنيين. وهي ترسيم حدود دولية بين شطري اليمن وبموجب تلك الاتفاقية أصبح وكأن اليمن هو الجزء الجغرافي المحصور ضمن سيطرة الإمام بينما الجزء الواقع تحت الاحتلال يعد من ممتلكات المملكة المتحدة!!
في المقابل قام البريطانيون بعد اتفاقية الحدود مع الإمام بوضع مشروع سياسي وثقافي يهدف إلى بلورة هوية جديدة لجنوب وشرق اليمن؛ ضمن محاولة يائسة لشرخ هويته اليمنية وذلك عن طريق وضع مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي كما قام الاستعمار ببلورة كيانات سياسية وثقافية وإعلامية تتبنى تعميق مثل هذا الطرح، وربط مصالح هذه الكيانات به، وشجع على إصدار صحف عدنية يومية تعمل على ترسيخ صورة اليمن وكأنه الجزء الواقع تحت إدارة الإمامة بينما الباقي هو الجنوب العربي!! ( 14)
لكن مثل هذا الخطاب لم يتعد أفواه تلك الصحف ولم يتجاوز حدود مقراتها، بل أدى إلى ردة فعل حازمة من قبل اليمنيين شماله وجنوبه دفعتهم إلى إحياء الفكر الوحدوي اليمني وتعرية المشاريع التشطيرية التي كان يذكيها، كما أسلفنا، الإمام المغتصب لكرسي الحكم في صنعاء والمندوب السامي المغتصب لكرسي الحكم في عدن..! وعندها ربما كان الهاجس الوحدوي لدى الحركة الوطنية هو الذي أدى إلى التعجيل بضرورة تغيير نظام الحكم في صنعاء للتخلص من أحد أطراف المعادلة الانفصالية-وهذا ما حدث عام 1962م- التي سيسهل بعدها التخلص منه تنظيم الجهود والكفاح لإخراج الطرف الآخر وهو الاستعمار.
الطريق إلى الوحدة..
لم يحدث منذ قرون أن اندرج اليمن كله في ظل وحدة سياسية واحدة.. تحكم اليمن من أقصاه إلى أقصاه.. حتى حينما توحدت أرجاء اليمن أيام الصليحيين أو "المتوكل على الله"، حيث أنها كانت عملية باهتة لا تحمل المدلول الوطني، بل المدلول السلطوي للطرف الأقوى ولهذا سرعان ما يصبح اليمن دويلات.. من جديد.
الوضع التشطيري أخذ صيغاً عدة كان آخرها شمال وجنوب، ذلك أن اليمن في حقيقة الأمر قد ذاق كل أنواع التشطير شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً. كان الهادي –مثلاً- يحكم في صنعاء، ومحمد قاسم الحوثي يحكم في "برط" والسعوديون في تهامة ودولة في البيضاء وأخرى في المكلا، وثالثة في سيئون وسادسة في الضالع. حلّت الدويلات محل الدولة وتوزعت فسيفساء التشرذم اليمني على مختلف التسميات والمساحات والأزمنة. والقاسم المشترك بينها جميعاً هو الضعف وغياب المشروع الجامع.
كانوا حكاماً بلا دول، وسلاطين بلا سلطنات، وقادة بلا جيوش. الأمر الذي وسع الهوة بين الشعب وأوجد حالة من القطيعة مع أرجاء المنطقة، وعمق تنافر اللهجات وتغاير القناعات. في حين سعى الزعامات المجهرية إلى الحفاظ على كراسيهم الخشبية المهترئة عن طريق تعميق حالة القطيعة ثقافياً. وهو ما أدى باليمنيين في الأخير إلى اهتزاز بنائهم المعنوي وشكيمتهم النفسية فصاروا يتوجسون من بعضهم ويجهلون بعضهم، فيضن كل بمضنونه ويبخل بما لديه ويتخيل في الآخر ما ليس فيه، ويصدق ظنه. إلى أن أصبح اليمن "ذلك المجهول"، وأصبح أهلوه يعيشون في عزلة حضارية تفصلهم عن بعضهم وعن العالم المحيط بهم، وتجعلهم مادة للسخرية، وفاكهة للتندُّر..
على كل ما سبق استطاعت الحركة الوطنية منذ ثلاثينيات القرن الماضي أن تلملم شظايا الوجع اليمني، وأن توقظ في الشعب عزته النائمة، وأن تستفز قيامته المرتجاة..
كان رواد الحركة الوطنية هم زبدة هذا الشعب وخيرة مثقفيه وأدبائه وشعرائه، وكانوا يمثلون الوحدة الوطنية في أبلغ تجلياتها؛ إذ كانوا من جميع المناطق اليمنية وبلوروا حنيناً عاصفاً تجاه الحلم المرتجى وإحساساً بالقرف تجاه الواقع التعيس؛ ليسفر النضال عن قيام الثورة اليمنية المجيدة، 26سبتمبر1962م 14أكتوبر1963م، التي تعد، برأيي، من أعظم الثورات في العالم على مدى التاريخ وأكثرها إنسانية ونبلاً وجسارة، وذلك قياساً بصرامة القبضة التي تم بالثورة التخلص منها. وعلى اليمنيين أن يقرأوا ما ترك الثوار؛ ليستشعروا كم كان أولئك الأحرار يحبون هذا الشعب، وبذلوا أرواحهم في سبيل تحوله وانعتاقه. وبالفعل لقد غيرت إرادة أولئك النفر العظيم مصير شعب. ومن الصعب على أي كان، أن يعرف أين يقف الآن. ما لم يعرف أين كان يقف بالأمس.. هذا بعد أن يعرف أصلاً من هو وكم هو وماذا كان، ولماذا وكيف أصبح على ما هو عليه.
اليمن الجمهوري ومسامير التشطير
هذا ما حدث بالضبط. لم يحدث للشعب اليمني أن تشطر حتى وإن كان واقعاً تحت نظم حكم مختلفة.. التحالف العريق بين المعادلة الانفصالية (الإمامة والاستعمار) كان حريصاً على مصالح بعضه البعض منذ نشوء الكيان الانفصالي المتوكلي في الشمال 1918م، حيث عملت الدولة المتوكلية على تعويق ومحاربة كل حركات الكفاح المسلح التي كانت تتبلور في تعز وإب والضالع لطرد المستعمر. وهي الحركات التي قام بدعمها الأتراك قبل خروجهم من اليمن. وفي سياق هذا المسلسل التشطيري المتفق عليه بين الإمامة والاستعمار حدث نوع من التبادل الخبيث بين الإمام والمندوب السامي؛ تصبح بموجبه الضالع التي كانت ضمن حكم الإمام ذات الشوكة النضالية العنيدة تابعة مناطق الاحتلال مقابل تسليم الإمام لواء البيضاء. الذي كان الإمام تخلى عنه ومأرب بسبب ضحالة عوائده المالية وقام الاستعمار بعدها بإلحاق الضالع بلحج.
"عاش السلال والعربي جمال"
بعد قيام ثورة سبتمبر 1962م اجتمع الرئيس السلال مع ألف من الشخصيات الجنوبية على رأسهم قحطان الشعبي الذي كان يشغل حينها منصب مستشار الرئيس السلال وجرى خلال ذلك اللقاء تنسيق الجهود لطرد المستعمر.. ثم بعد ذلك جاءت زيارة الزعيم جمال عبدالناصر إلى تعز 1964 التي كان لها دور اشتداد أوار الكفاح المسلح وكان عبدالناصر قد حيا يومها الكفاح في الجنوب وقال إن على بريطانيا العجوز "أن تحمل عصاها وترحل".. وعلى إثر ذلك خرجت المسيرات المؤيدة في أرجاء الجنوب والشمال مرددة شعارات التحرر "حاملة صور الزعيم السلال باعتباره رئيساً لكل اليمن وصور الزعيم عبدالناصر باعتباره زعيماً للعروبة".
وكان من الطبيعي أن يقف البريطانيون ضد الثورة على الملكية؛ ولهذا زودوا الملكيين بالطائرات والمؤن والذخائر، وكانت منطقة حريب في مأرب، هي نقطة التواصل بين الانجليز وفلول الملكية. وفيها أقام الإنجليز وحدات صحية لمعالجة جرحى الجانب الملكي. وقد أخبرني العقيد صالح خميس ،رحمه الله، الذي كان أحد القيادات العسكرية لفلول الملكية (قبل انضمامه للمعسكر الجمهوري) أنه تعالج في مركز طبي بريطاني على يد طبيبة بريطانية في تلك المنطقة. تماماً كما تحول حلفاء بريطانيا في المنطقة إلى قوى داعمة لفلول الملكيين وحرب الجمهورية، ومنهم الجارة الشقيقة المملكة العربية السعودية وكذلك المملكة الأردنية الهاشمية ونظام الشاه في إيران بالإضافة إلى دولة الكيان الصهيوني. الذي دخل المعركة لأهداف عديدة منها: جس قدرات الجيش المصري الذي كان يحارب إلى جانب الجمهورية. (15)
رغم كل هذا الاحتشاد صمدت الثورة، بل وبمجرد ذهاب نظام الإمامة من شمال اليمن سرعان ما أمكن لكتائب التحرير وخلايا الكفاح المسلح أن تكثف هجماتها ضد المستعمر، وسددت له ضربات موجعة خلال سلسلة من المعارك على مدار 4 سنوات تصلح مادة غزيرة لإنتاج المئات من الأفلام التي تحفظ لهذا الشعب تاريخه وتقوي اعتزازه بنفسه. وبفضل الكفاح المسلح الذي اندلعت شرارته من جبال ردفان الأبية عام 1963م على يد المناضل راجح لبوزة أجبر المستعمر على الرحيل.
سفيرة بريطانيا تنصف الكفاح المسلح أكثر من بعض اليمنيين
ومن المؤسف حقاً أن تجد الآن من بين اليمنيين من يقلل من شأن الكفاح المسلح، ويقول بأن خروج بريطانيا من عدن كان ضمن موجة عالمية أخلت فيها بريطانيا معظم المستعمرات، وهذا الكلام غير صحيح وفيه إساءة كبيرة للنضال المسلح وخذلان لدماء الشهداء كما أنه لا ينطبق بتاتاً على عدن التي لم تكن تمثل للبريطانيين الشيء القليل، بل كانت بالنسبة لهم أهم من هونج كونج التي لم يغادروها إلا في العام 1997م، بموجب اتفاقيات تبقي لهم الكثير من مسامير جحا.
في العام 2003م أجريت حواراً مع السفيرة البريطانية السابقة بصنعاء "فرانسيس جاي" بمناسبة الذكرى الأربعين لثورة 14 أكتوبر، سألتها فيها: هل كان خروجكم من عدن بسبب استراتيجية بريطانية للخروج من المستعمرات أم بسبب الكفاح المسلح.. ليأتي رد سعادة السفيرة صريحاً أن البريطانيين لم يكونوا يريدون أن يخرجوا من عدن، لكنهم أرغموا على الخروج جراء الخسائر الفادحة التي تكبدوها بسبب الكفاح المسلح(16).
لقد كانت سعادة السفيرة أكثر شجاعة من بعض المنظرين اليمنيين الذين يصرون على سلب أنفسهم شرفاً كبيراً ويقدمون للمستعمر خدمات هو في غنىً عنها، ويقومون بالإساءة لشهداء وأبطال الكفاح المسلح الذين هزموا بوطنيتهم وبطولتهم الامبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس.
تزامن جلاء المستعمر مع حصار الملكيين
مثلما أشرنا في مواضع سابقة من هذا الكتاب، فإن المستعمر كما هي عادته، لم يشأ أن يغادر بسلام، وأن يترك البلاد لأهلها.. لكنه أراد أن تكون ضريبة خروجه إذكاء سبب من أسباب التناحر الداخلي؛ فقام بالتفاوض مع الجبهة القومية دوناً عن جبهة التحرير، كما قام في نوفمبر1967م بتحريض الجيش الاتحادي التابع له بمهاجمة جيش التحرير وتخير توقيتاً يخدم أهدافه التشطيرية ليوم الجلاء، وهو 30 نوفبمبر 1967م الذي يتزامن مع اليوم الرابع من حصار الملكيين لصنعاء الذي استمر 70 يوماً. وذلك للحيلولة دون أن يؤدي خروجه إلى عودة الكيان السياسي الواحد لليمنيين. وكان من المتوقع جداً الإعلان عن ذلك الكيان اليمني الواحد حتى مع كون صنعاء كانت تحت الحصار. لكن الاستعمار، كما أسلفنا، ترك في الجنوب بوادر الاحتراب بين فصائل الكفاح المسلح(17) التي اندلع الصراع بينها قبل ذهاب المستعمر، وبالتالي فوتت على نفسها فرصة تاريخية بالتوجه نحو صنعاء وفك الحصار عنها وحكم اليمن كله من هناك. وكم كان سهلاً على من هزموا المملكة المتحدة أن يهزموا فلول المملكة المتوكلية في أيام معدودة، لكنهم جعلوا الفرصة تتسرب من بين أيديهم.( 18)
يومها كان العالم يعيش بداية رهاب الحرب الباردة بين المعسكرين.. مما يجعل شطري اليمن في نقطة تماس لأهواء القطبين المتصارعين في العالم. وبما أن كلاً من هذين الشطرين أصبح دولة بحد ذاته، فإنه لا محالة ستندلع حروب بين الشطرين وتتكرس تعبئة عدائية سياسياً وثقافياً متبادلة تجعل إمكانية استعادتهما للوحدة أمراً بعيداً.. هكذا خطط الاستعمار لإبقاء حالة التشطير في اليمن؛ عن طريق خطة تزرع أسباب جديدة للتناحر والتمزق بعد أن ذهبت الأسباب العريقة للتشطير المتمثلة بالإمامة والاستعمار اللذين رحلا ولكن مخلفاتهما بقيت تلوث على اليمنيين حياتهم. وتحاول أن تزرع فيهم أسباب الفرقة.. تعوق بينهم أي تقارب وتفوت عليهم أدنى احتفاء.
ولاشك أن كل عوامل التشطير المستحدثة لم تستطع أن تقوم مقام الإمامة والاستعمار في بقاء اليمن مشطراً.. لذا استعاد اليمنيون وحدتهم رغم كل العواصف..
الحمدي وسالمين.. تقارب أقلق القطبين
لقد كان هدف الحفاظ على وحدة اليمن هو المحرك الرئيس للإسراع بالثورة ضد الإمامة والاستعمار اللذين يمثلان، كما أسلفنا، عاملاً مزدوجاً في ترسيخ الوضع التشطيري لليمن.. ذلك الوضع الذي عمل على الحيلولة دون أن يلحق اليمنيون بركب الحضارة؛ فلذا قامت الثورة اليمنية وذهبت الإمامة والاستعمار، ولكن بقي الوضع التشطيري في اليمن الجمهوري عاملاً أساسياً من عوامل الاحتراب وكان التشطير سبباً في كل المشاكل التي عاناها شطرا اليمن منذ بداية السبعينات وحتى 22 مايو 1990م.
من ذلك- على سبيل المثال- الحرب الشطرية الأولى 1972 ثم الأعمال التخريبية للجبهة، إلى أن هدأ الوضع بتولي حركة 13 يوينو 1974م الحكم في صنعاء بقيادة الرئيس إبراهيم الحمدي الذي أحرز مع الرئيس سالم ربيع علي تقدماً كبيراً باتجاه الوحدة وكان هذا التقدم سبباً في اغتيال الأول 11أكتوبر1977م والآخر في 26يونيو1978م.
أجرى سالم ربيع علي مباحثات مع ابراهيم الحمدي في ديسمبر 74 على هامش مؤتمر القمة العربية السابع في المغرب، واتفقا على عدة مسائل تتتصل بالوحدة اليمنية وبالعلاقات مع الدول المجاورة. "وربما كان للزيارة التي قام بها الرئيس ابراهيم الحمدي إلى السعودية ديسمبر 75م دور في الاتصالات التي أسفرت عن إقامة علاقات أخوية بين المملكة والشطر الجنوبي في 10 مارس 76م والبدء في بحث إنهاء الصراع بين عدن ومسقط من أجل رحيل القوات الإيرانية من عمان باعتبار ذلك محل اهتمام السعودية. وكان ذلك من الأمور الذي بحثها الرئيس الحمدي مع الأمير سلطان بن عبدالعزيز أثناء زيارة سلطان لصنعاء 10/4/1976م.
واتخذ سالم ربيع علي خطوات إيجابية بإنهاء مساندة عدن لجبهة تحرير ظفار عمان وتحسين العلاقات مع عمان ودول الخليج، وقدمت السعودية والكويت عام 76م مساعدات مالية لمشاريع التنمية في الشطر الجنوبي وتوطدت العلاقة مع السعودية بزيارة الرئيس سالم ربيع علي إلى المملكة وذلك بالتنسيق مع الرئيس الحمدي.
وكان للرئيسين ابراهيم الحمدي وسالم ربيع موقف موحد في مؤتمر قمة عدم الانحياز بكوالالمبور عام 76م ثم في مؤتمر القمة الرباعي في تعز بين رؤساء شطري اليمن والسودان الصومال بشأن أمن البحر الأحمر مارس 77م وقد اتخذ المؤتمر موقفاً من التواجد الأجنبي (الأمريكي والروسي) في البحر الأحمر!!
أدت الخطوات الداخلية والخارجية التي قام بها الرئيسان سالم ربيع علي وابراهيم الحمدي إلى توفير مناخ ملائم لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وتم الاتفاق على توحيد المناهج التعليمية في الشطرين وتم تنفيذ المرحلة الأولى من توحيد المناهج بالفعل.
وفي 15 فبراير 1977م تم تشكيل المجلس اليمني الأعلى ونص البيان الصادر عن لقاء ومباحثات الرئيسين الحمدي وسالم ربيع في قعطبة 15 فبراير 77م على تشكيل مجلس يتكون من الرئيسين ووزراء الدفاع والتخطيط والخارجية ويتولى المجلس بحث ومتابعة القضايا التي تهم الشعب اليمني وسير أعمال اللجان المشتركة في مختلف المجالات، وتم تشكيل لجنة فرعية من وزراء الاقتصاد والتخطيط والتجارة في الشطرين مهمتها دراسة ومتابعة المشاريع الإنمائية والاقتصادية في الشطرين ورفع التقارير عنها مع المقترحات إلى الرئيسين.. كما تم الاتفاق على أن يمثل أحد الشطرين الشطر الآخر في البلدان التي لا يوجد فيها سفارات.
وفي مارس 77م انعقد بمدينة تعز المؤتمر الرباعي لأمن البحر الأحمر وبحث الرئيسان الحمدي وسالم ربيع تفعيل العمل لإعادة تحقيق الوحدة ثم جرت اتصالات ومباحثات عالية المستوى بين الشطرين في 13 يونيو 77، وفي 15 يوليو 77 وفي 26 سبتمبر 77م.. كما تم الاتفاق على خطوات وحدوية هامة يتم إعلانها أثناء زيارة الحمدي لعدن والتي تم تحديد موعدها 13 أكتوبر 77م. ومنها: توحيد السلك الدبلوماسي، توحيد النشيد الوطني، توحيد العلم"(). لكن الحمدي اغتيل قبل تلك الزيارة بيومين وكان واضحاً أن قوى كبرى وقفت وراء الغشمي ليغتال الحمدي خوفاً من إعلان الوحدة في العيد الـ14 لثورة الـ14 من أكتوبر. ثم بعد أن واصل الرئيس سالمين مشواره الوحدوي مع الرئيس الغشمي سرعان ما تدخلت هذه القوى من جديد لتغتال الرئيسين في يومين الأول في 24يونيو، والثاني في 26يونيو1978م.
صالح وفتاح.. الأساطيل تتحرك
وأفضى هذا السيناريو الدامي إلى صعود علي عبدالله صالح في صنعاء 17يوليو1978م. وعبدالفتاح اسماعيل في عدن في العام ذاته واللذان خاضا حرباً "وحدوية" في الأيام الواقعة ما بين نهاية فبراير وبداية مارس1979. علماً أن القوى الدولية كانت تهدف إلى اشتعال حرب كبيرة بين الشطرين مستغلة مواجهات فبراير 1979، وأثار مسار الحرب قلقاً في الرياض وواشنطن وربما شهية لاستمرارها وإذكائها. "حيث أعلنت السعودية وضع قواتها المسلحة في حالة تأهب، واستدعت الوحدات العسكرية السعودية التي تعمل ضمن قوات حفظ السلام في لبنان، وتحركت قوات سعودية من الجيش والحرس الوطني إلى مناطق الحدود في مطلع مارس. بينما قامت أمريكا بتوجيه حاملة الطائرات (كونستيليش) وثلاث بوارج حربية إلى البحر العربي في 5مارس1979 وأعلن "البيت الأبيض" في 7مارس أنه سوف يعجّل بإرسال شحنة من الدبابات والمدافع والمدرعات الأمريكية إلى الجمهورية العربية اليمنية (الشطر الشمالي) ضمن صفقة أسلحة قيمتها 390 مليون دولار، وأرسلت أمريكا طائرتين من طراز (أواكس) إلى السعودية في 9 مارس وعرضت إرسال سرب من طائرات إف15. وأجرى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر اتصالات بموسكو وتم الإيحاء بأن موسكو لن تساعد عدن، وأن التعزيزات الأمريكية التي سترسل إلى صنعاء والتعزيزات في السعودية والبحر الأحمر ستؤدي إلى نتائج لصالح صنعاء. كانت إيحاءات الرياض وواشنطن وتحركاتهما العسكرية يمكن أن تشجع صنعاء على الاستمرار في الحرب وعدم التجاوب مع الجهود السلمية العربية وقرارات الاجتماع الاستثنائي لمجلس الجامعة العربية الذي انعقد في الكويت لإيقاف الحرب بين شطري اليمن".(19)
وبالفعل خيب رئيسا الشطرين آمال المشجعين على الحرب وتم لقاء قمة بينهما في الكويت نهاية مارس 79م خرج فيها الرئيسان بالاتفاق على خطوات عملية باتجاه إعادة الوحدة اليمنية كما تم حل المشاكل القائمة وبتأثير من عبدالفتاح اسماعيل أوقفت الجبهة الوطنية نشاطها المسلح (التخريبي) بشكل كامل(أبريل 1979)، وعلى صعيد التعديل والتقارب في السياسة الخارجية تم تحسين العلاقات بين صنعاء والدول العربية ذات الاتجاه القومي، وبين عدن وبعض الدول الخليجية والعربية، وألغى مجلس جامعة الدول العربية قرارات المقاطعة للشطر الجنوبي، وقام القذافي بزيارة شطري اليمن (يونيو 79) لدعم العمل الوحدوي! بينما شهدت العلاقة بين صنعاء والرياض نوعاً من الفتور وأجّلت الرياض صفقة الأسلحة الأمريكية في إطار أنواع من الضغوط شملت عدة مجالات، وقد رد الرئيس صالح على ذلك الحجب للأسلحة الأمريكية بعقد صفقة أسلحة مع بولندا وصفقتين مع الاتحاد السوفيتي شملت مئات الدبابات وأربعين طائرة "ميج" وأسلحة متنوعة. وتزامن ذلك مع عقد معاهدة صداقة وتعاون بين الشطر الجنوبي والاتحاد السوفيتي أكتوبر 79.
وفي 5فبراير 1980م أعلن "سايروس فانس" وزير الخارجية الأمريكي أمام جلسة علنية للجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأمريكي أن الولايات المتحدة تجابه موقفاً هاماً ومزعجاً في اليمن الشمالية، وأشار إلى دور سوفيتي متزايد في البلاد والاحتمال المتزايد للوحدة اليمنية(20).
وبعد هذا الإعلان بحوالي شهرين ونصف وتحديداً في 22أبريل1980م شهدت عدن صراعاً سياسياً تم بموجبه صعود علي ناصر محمد وإقصاء عبدالفتاح اسماعيل، الذي كان يومها الطرف الرئيسي الثاني في الاحتمال المتزايد بتحقيق الوحدة!!(21)
بعد صعود الرئيس علي ناصر محمد في عدن استمرت الخطوات الوحدوية ولكن بخطى بطيئة بسبب عوامل دولية ومحلية متداخلة منها حالة عدم الاستقرار السياسي في نظام عدن الناتجة عن تركيز علي ناصر محمد السلطات الثلاث بيده، (رئاسة الدولة، رئاسة الوزراء، والأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني). الأمر الذي أدى إلى انفجار الوضع عقب المؤتمر العام الثالث للحزب في 13يناير1986م والذي نتج عنه اغتيال مجموعة من الصف القيادي الأول أبرزهم نائب الرئيس علي عنتر ووزير الداخلية صالح مصلح، وعضو المكتب السياسي علي شايع هادي.. وغيرهم.. ثم مقتل عبدالفتاح اسماعيل ونشوب حرب دامية في عدن لمدة أسبوع رجحت كفة الأطراف التي كانت مستهدفة بتلك الأحداث وأدت إلى هروب الرئيس علي ناصر محمد إلى أثيوبيا ثم صنعاء فالاستقرار في دمشق. وتولى القيادة في عدن المهندس حيدر أبوبكر العطاس في رئاسة الدولة والأستاذ علي سالم البيض أميناً عاماً للحزب ود.ياسين سعيد نعمان رئيساً للوزراء..
هذه السلسلة الدامية من الأحداث أفقدت النظام في عدن ثقة الشرق والغرب وجعلت موقف القيادة محرجاً أمام العالم .. فبدا نظام عدن ضعيفاً بعد 86م. زاد من ضعفه خطة "البروسترويكا" التي أجراها الرئيس السوفيتي "ميخائيل غورباتشوف" ثم ظهور أمارات انهيار المنظومة السوفيتية.
كل ذلك مقابل انتعاش مادي، واستقرار سياسي وعلاقات جيدة لنظام صنعاء ما سنح للأخير بأن يقود هجوماً سياسياً من أجل تحقيق الوحدة أسفر عن توقيع اتفاق عدن في1989 على مسودة دستور الوحدة ثم الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية 22مايو1990م. وهو اليوم الذي انتظره اليمنيون منذ قرون وقدموا قرباناً له قوافل من الشهداء وذرف اليمنيون في ذلك اليوم بالداخل والخارج دموع الفرح.
لقد سعى صالح باتجاه الوحدة بخطوات مدروسة معتبراً من كل التجارب ذات المآلات المؤسفة لسابقيه. ولهذا رفض في يناير 1986 أن يستغل الأجواء المرتبكة في عدن للانقضاض، وذلك ربما لإدراكه أن الوحدة لا يمكن تحقيقها وترسيخها بالاجتياح؛ بل بالتفاهم الودي الصادق والمشاركة الجدية في صياغة وإدارة دولة الوحدة.. مضافاً إلى ذلك تهيئة الأجواء الدولية لكي تبارك الأطراف الفاعلة قيام الوحدة اليمنية. لهذا قام صالح بزيارة لواشنطن بداية العام 1990م انتزع خلالها مباركة أمريكية لقيام الوحدة ثم في فبراير1990 قام بزيارة للملك فهد في حفر الباطن انتزع منه هو الآخر مباركة سعودية لقيام الوحدة. هذا بعد أن عزز موقعه التفاوضي من خلال اشتراكه في مجلس التعاون العربي الذي ضم كلاً من (اليمن الشمالي، العراق ، مصر، الأردن).
وفي رأيي أن من نتائج أحداث يناير1986 في عدن صعود طاقم قيادي من الصف الثالث لم يكن مهيئاً قبلها لاستلام دفة الأمور لولا مقتل وفرار الصفين الأول والثاني. ما أوجد هوة حقيقية بعد ذلك بين نظامي صنعاء وعدن من حيث الخبرة والتجربة والحنكة السياسية لمصلحة نظام صنعاء.. ويتجلى مثل هذا الفارق في الخبرة، كذلك في طبيعة إدارة كل منهما للأزمة السياسية 92-94م وحتى حرب صيف 94م حيث أن البيض والعطاس دخلا الأزمة بحسابات خاطئة وبتكتيك قاصر جعلهما يفقدان كل شيء دفعة واحدة..
* كتاب الخيوط المنسية
* خاص ب"نشوان نيوز"
الهوامش والمراجع
[size=3] 1 - [سبأ: 15].
2 - [سبأ: 16].
3 - علماً أن لسبأ كما ورد في الحديث النبوي الشريف عشرة أبناء، أربعة منهم ظلوا في اليمن ويعتبرون أساس غالبية الشعب اليمني (التي تنحدر من الأرومة المسماة بالقحطانية)، وستة هاجروا إلى العراق والشام.
4 - [الدخان: 37].
5 - وهي القصة التي يوردها المؤرخ محمد حسين الفرح في كتابه "يمانيون في موكب الرسول"، ويقول فيها أيضاً: يومها كانت عمليات النهب لآثار الجوف سارية على قدم وساق!! (وبالطبع لم تزل عمليات النهب سارية حتى اليوم ولم تنته الآثار بعد)..
6 - والتي ما زالت تحمل نفس التسمية منذ ذلك اليوم، ويجاورها حي "مسيك" وحي "فروة" وكلاهما نسبة إلى الصحابي الجليل فروة بن مسيك. الذي كان ضد الأسود العنسي.
7 - وفقاً لما يورد المؤرخ اليمني د.عبدالعزيز بن عقيل في كتابه "تاريخ حضرموت".
8 - وأئمة آل البيت رضوان الله عليهم جميعاً براء من تلك النظرية.
9 - في كتابه "اليمن الخضراء مهد الحضارة".
10 - محمد بن علي الأكوع "اليمن الخضراء مهد الحضارة" ص(180).
11 - لمزيد من الاطلاع حول تلك الحقبة انظر" خيوط الظلام- عصر الإمامة الزيدية في اليمن" للكاتب عبدالفتاح البتول. مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر.
12 - ما أدى إلى جعل المناطق الجنوبية والشرقية بيئة طاردة للسكان انداحت منها موجات الهجرة الجماعية عبر البحر إلى جنوب وجنوب شرق أسيا وشرقي أفريقيا وعبر البر إلى بقية أرجاء الجزيرة والخليج حتى وصل جنوب وشرق اليمن إلى الصورة السكانية الضئيلة قياساً بامتداده الجغرافي. تماماً كما حدث في الشمال الذي أنهكته الحروب وأدت إلى هجرات جماعية إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر. ومنها تنحدر فئة المولدين الذين عادوا أيام الرئيس الحمدي. علماً أن الاضطهاد ضد الأباضية في القرون الإسلامية الأولى ثم بعد ذلك بسبب مضاعفات فتوى العنصرية التكفيرية التي أصدرها الإمام المتوكل على الله اسماعيل (الذي تنسب إليه الدولة المتوكلية وصاحب كتاب "الدليل القاطع في جواز أخذ مال الشوافع") حدثت هجرات متوالية من حضرموت أسهمت بنشر الإسلام بالقدوة الحسنة في دول جنوب شرق أسيا وعلى رأسها اندونيسيا التي تعد الآن أكبر دولة في العالم الإسلامي من حيث عدد السكان.
13 - يذكر أن العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى حققوا انتصاراً على البريطانيين خلافاً لسير المعارك في بقية أرجاء العالم والتي كانت لصالح دول الحلفاء على دول المحور، وتم لجيش علي باشا دخول منطقة الشيخ عثمان يوم الأربعاء 7 يوليو وكان بإمكان ذلك الجيش التقدم أكثر لولا أوامر من الباب العالي العثماني بالانسحاب الذي ترتب عنه قيام المملكة المتوكلية اليمنية في العام 1918م.
14 - انظر: علي محمد عبده "لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين. الجزء الأول الطبعة الأولى 2003.
15 - تجد أحياناً من بين أخبار تلك الصحف أن السلطات في عدن قبضت على متسللين (يمنيين وصوماليين) مقيمين بصورة غير شرعية، وأنه قام بعضهم بالاعتداء على أحد المواطنين العرب، والمقصود أحد مواطني (اتحاد الجنوب العربي).. انظر: سعيد الجناحي "الاتجاهات السياسية للصحافة اليمنية وأخبار الكفاح المسلح في صحف عدن".
16 - تمَثّل موقف كل من إسرائيل وحليفتها إيران الشاه في دعمهما لفلول الملكية ضد القوات اليمنية بتجنيد مرتزقة من يهود اليمن الذين هاجروا إلى إسرائيل عام 1950 بلغ عددهم 75 ألف في العامين 1963-1964 للقتال ضد القوات المصرية،وقد تم تنظيم عملية التطوع في عدة مراكز (فى رأس العين وفي كيرم هينتميائيم وفي هعيمن يزرائيل، وفى مناطق أخري من إسرائيل)، وكانت حملة التطوع تتم بإشراف عدة جهات في مقدمتها وزارة الدفاع التى كان يتولاها رئيس الوزراء الأسبق "دافيد بن جوريون" والذي وصف اليمنيين بأنهم متخلفون وليست لديهم أدنى فكرة عن الحضارة،ولذا فإن مكانهم الطبيعي أن يكونوا على الحدود اليمنية ليقاتلوا القوات المصرية هناك. (وقد أيدت مصر الثوار وكانت أول دولة تعترف بنظامهم الجديد, وأرسلت قواتها إلى اليمن لدعم الثوار والوقوف إلى جانبهم ضد فلول الملكية). وفى إفصاحه عن تجنيد هؤلاء اليهود اليمنيين الذين تم تنظيمهم في لواء كامل يشير "فيجدور كهلاني" الذي كان ضمن قادة هذه اللواء إلى أن الولايات المتحدة مولت عملية تجنيد أفراد المخابرات المركزية. ثانيهما: إرسال أسلحة إسرائيلية نقلت هذه الأسلحة تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية إلى إيران باعتبار أن الشاه كان طرفاً أساسياً في الحرب ضد الثورة اليمنية والقوات المصرية، فقد شملت هذه الأسلحة النوعيات التالية: (2000 رشاش عوزي إسرائيلي الصنع، 200 رشاش براونج، 100 مدفع هاون عيارات مختلفة، ومعدات عسكرية وتجهيزات أخرى).
17 - صحيفة "الثقافية"، العدد 213، الثلاثاء 18شعبان1424ه، الموافق14/10/2003م.
18 - جدير بالذكر أن أحداث 86 الدامية في عدن كانت إحدى تداعيات الوضع المختل الذي تركته بريطانيا في الجنوب. وتمثل تجلياً للثارات المؤجلة من صراع الفصائل ما بعد الجلاء.
19 - وهناك من يرى أن سيناريو الاستعمار كان أدهى؛ حيث أن الاتفاقية الناتجة عن مفاوضات الجلاء كانت ربما تتضمن بنداً سرياً إلى جانب كونه يقضي بعدم الإعلان عن دولة يمنية واحدة يفرض على الجبهة القومية إعلان كيان جديد باسم الجنوب العربي ولا يحمل مسمى "اليمن"، لكن الجبهة القومية لم تفرط بالاسم فأعلنت جمهورية اليمن الجنوبي، (عادة ما تكشف الخارجية البريطانية سياستها في كل البلدان التي استعمرتها كل 25 عاماً، وهذا ما فعلته إلا فيما يخص عدن!.
20 - محمد حسين الفرح، "معالم عهود رؤساء الجمهورية في اليمن" ص (62).
21 - محمد حسين الفرح "معالم عهود رؤساء الجمهورية في اليمن" ص (62).
__________________________
نشوان نيوز- يرجى الإشارة إلى المصدر في حالة النقل أو الاقتباس