[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

آل البيت في المنظور القرآني

إن المتدبر للقرآن الكريم سيدرك أنه قد ذم التفسير العنصري للدين من خلال البيان لأمراض التدين التي وقعت فيها الملل السابقة بادعاء النسب المقدس في قوله تع إلى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ونفى القرآن نفياً قاطعاً لهذه الدعوى بقوله تع إلى (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ) تأكيداً لمقصد المساواة بين البشر ورفضاً للتفسير العنصري للأديان الداء الذي أصاب الشيطان في الأصل داء الكبر وادعاء التفاضل القائم على الأصل والعنصر لقوله تعالى:

(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ{11} قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ{12} قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ{13}) .

وهذا المرض الذي أصاب الملل السابقة ادعاء النسب المقدس من الله من دون الناس ليس مرض خاص باليهود بل انحرافات يمكن أن يقع فيها أصحاب كل دين فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالأديان السماوية كلها جاءت لمحاربة الطاغوت والاستبداد.

والشيطان والمنافقين كانوا يعملون عبر التاريخ على تأويل الأديان وتفسيرها تفسيراً خاطئاً أبرزها التفسير العنصري للدين وادعاء الحق الإلهي في الولاية العامة وبالتالي فمن وقع فيه يكون حكمه حكم اليهود ويتأكد هذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع).

ولو تأملنا في تاريخنا الإسلامي من خلال هذا المعيار معيار التفسير العنصري للدين والادعاء بالحق الإلهي للولاية العامة نجد أن الشيعة بشكل عام والمذهب الهادوي بصورة خاصه قاما وتأسسا في الأصل على رفض فكرة المساواة بين بني البشر وعلى رفض مبدأ الشورى الذي هو أصل من أصول القرآن بل المقصد الأول من مقاصد التوحيد باعتباره التجسيد العملي لاجتناب حكم الطاغوت ولإقامة مقصد الحرية.

فقد تأسس الفكر الشيعي والمذهب الهادوي أصلاً على فكرة الحق الإلهي في السلطة لعلي ابن أبي طالب وأولاده رضي الله عنه مع أن الامام علي كرم الله وجهه كان من أكثر الخلفاء الراشدين تجسيدا لمبدا الشورى فقد رفض أن يوصي بالخلافة من بعده وقال( لن أوصي بالخلافه فلعل الامة تجتمع على خيرها بعدي كما اجتمعت على خيرها بعد رسول الله)

ورفض الشيعة والهادوية مبدأ المساواة بين الناس عبر الشورىالذي جاء به صريح القرآن (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وخالفوا منهجية الامام علي كرم الله وجهه القائمه على قاعدة (اعرف الحق تعرف أهله) وأقام الشيعه التشيع على قاعدة (اعرف أهل البيت تعرف الحق)

زاعمين بالحق الإلهي في الولاية العامةلاقارب رسول (صلى الله عليه وسلم) من دون الناس على أساس التفسير العنصري للدين بادعاء أنه نسب مقدس، فلسان حال هؤلاء يقول (نحن أبناء رسول الله وأحباؤه) كما قال اليهود والنصارى (نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) لأنهم وقعوا في نفس المرض الذي وقع فيه اليهود والنصارى ادعاء النسب المقدس والحق الإلهي في الولاية العامة وتقسيم المجتمع إلى سادة مستكبرين وعبيد مستضعفين ونرد عليهم من عدة زوايا قرآنية :

1) إن قول الشيعة ومن تأثر بهم من السنة بأن هناك (أبناء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأحباء) وأن هذا النسب مقدس ويترتب على هذا النسب المقدس الحق الإلهي في الولاية العامة من دون الناس والزعم بأن المجتمع ينقسم إلى طبقتين طبقة السادة وطبقة العبيد مردود عليه بما جاء في القرآن من تحذير لمن قال من اليهود والنصارى (نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) فنقول لهم (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ) وأن الاعتقاد بالحق الإلهي في الولاية العامة وقوع في حكم الطاغوت وعبادة الأشخاص الذي حذر منه القرآن وأن هذا الفهم يصادم أصلاً من أصول العقيدة أصل التوحيد.

2) ونرد عليهم بدليل قطعي يقيني قرآني وهو أصل من أصول القرآن هو مبدأ وقاعدة وحدة الأصل البشري بقوله تع إلى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء: 1).

{وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } (الأنعام: 98).

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (الأنعام:101).

فهذه الآيات التي أوردناها على سبيل الاستدلال لا الحصر تؤكد بشكل قطعي وحدة الأصل البشري أي أن جميع البشر من أصل واحد وهو أبونا آدم وأمنا حواء.

وبالتالي فإن الذين يزعمون أن لهم نسبا مقدسا متصلا برسول من الرسل أو نبي من الأنبياء وبسبب هذا النسب هم فئة متميزة من دون الناس لهم الولاية العامة والعلم والثروة وبقية البشر خلقوا عبيد لهؤلاء السادة لا حق لهم في السلطة السياسية أو العلم أو الثروة كما فعل الأئمة عبر التاريخ.

نقول لهؤلاء إن كلامكم مردود عليكم وإن هذا النسب بالرسول (صلى الله عليه وسلم) إن صح فلا يترتب عليه أي حق والدليل أن كل البشر مسلمهم وكافرهم لهم نسب مرتبط بنبي أو رسول فكل البشر لهم نسب بآدم عليه السلام وهو نبي الله إذاً فكل البشرية أبناء رسول الله آدم عليه السلام وكل البشرية هم آل نبي الله آدم عليه السلام ومن بعده جميع الرسل والأنبياء فإذا كان للانتساب برسول أو نبي ميزة فهذه الميزة يشترك فيها كل البشر فلا موجب إذاً لإفراد فئة من الناس بتسمية آل الرسول ولا اعتباره نسباً مقدساً والزعم بناءً على هذا النسب بالحق الإلهي في الولاية العامة وتقسيم المجتمع إلى سادة وعبيد لأن الله لم يغضب على الشيطان إلا بسبب الكبر والاستعلاء.

وهناك العديد من الآيات التي بدأ فيها الخطاب القرآني بقوله تع إلى (يَا بَنِي آدَمَ) وفي هذا الاستهلال تأكيد لما أسلفناه خلق الناس من نفس واحدة وأصل واحد وإن كل البشر ينحدرون من صلب أبينا آدم نبي الله مما يؤكد مساواة البشر وأخوتهم طيناً ولكن أخوة الطين لا تتم إلا بأخوة الدين ولذلك لم يعتد الإسلام إلا بأخوة الدين.

وبهذا الأصل القرآني الثاني (وحدة الأصل البشري) وهو أصل قطعي قرآني كما أوضحنا ينقطع كل لسان يتكبر على الناس فيدعي أنه من نسب مقدس لأن كل البشر من أنساب مرتبطة بأنبياء ورسل على رأسهم آدم عليه السلام وصدق رسول الله (عليه الصلاة والسلام) بقوله ( كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى).

أو كما قال (عليه الصلاة والسلام) بل اعتبر الإسلام عصبية العرق خارج نطاق الإسلام (ليس منا من دعاء إلى عصبية) والقرآن أكد هذه بقوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الأنعام: الآية:159.
والشيع بالمصطلح القرآني هي عَصبية العرق أو الطائفة (هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) في سياق الحديث عن موسى وشيعته أي عرقه من بني إسرائيل وعدوه المصري الذي ليس من عرقه.

3- الإسلام جعل أساس الولاء والبراء والتفاضل بين الناس نسب العقيدة والدين وألغى نسب الطين ولم يعتد به:-

والأدلة القاطعة القرآنية على أن الإسلام نقل النسب من الطين إلى الدين كما يلي:
1- أعتبر الإسلام المؤمنين أخوة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وكلمة أخ بالمصطلح اللغوي العادي تدل على أخوة الدم والطين لا على أخوة الملة والدين ولكن الإسلام اعتبر أخوة الدين هي الأساس بصريح القرآن (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وهذا دليل صريح على اعتبار نسب الدين وإلغاء نسب الطين.

2- اعتبر الإسلام زوجات الأنبياء والرسل أمهات المؤمنين بدليل قوله تعالى(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ).

3- فما دام المؤمنون أخوة وزوجات الرسل أمهاتهم أذن فرسل الله أباء المؤمنين ومن هنا فآل رسول الله هم أتباع الملّة لا أتباع الدم وصدق العلامة نشوان بن سعيد الحميري بقوله:

آل الرسول هم اتباع ملته من الأعاجم والسودان والعربِ
لو لم يكن آله إلا قرابته صلى المصلي على الطاغي أبي لهبِ

ويتعزز هذا الفهم نفى أن هناك (أبناء لرسول الله وأحباء) دماً وطيناً وحصر علاقة المسلمين بمحمد (صلى الله عليه وسلم) كرسول من الله هو قوله تع إلى {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (الأحزاب:41).

فهذه الآية وأن كانت وردت بخصوص سبب وهو نفي أبوة التبني ولكن العبرة فيها بعموم اللفظ فقد جاء فيها النفي الكلي لأبوة محمد من الدم والطين (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ) فدل منطوق النص اللغوي على أن المقصود هو النفي الكلي لأبوة محمد الطينية بدليل أن جعل المقابل لنفي أبوة محمد هو إثبات أنه رسول الله وفي هذا تأكيد على اعتبار علاقة الدين برسول الله ونفي علاقة الطين وهذا الفهم هو الذي ينسجم مع السياق الذي نحن بصدده كاملاً فكأن المقصود من الآية هو نفي أبوة الرسل الطينية وإثبات أبوتهم الدينية.

وعلى هذا الأساس فآل الرسول هم أتباع الملّة، ويتعزز هذا الفهم بما ورد بعد هذه الآية مباشرة بما يؤكد أن الصلاة من الله عندما نقول اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد ليس المقصود بالآل هنا أتباع النسب وإنما المؤمنون جميعاً بدليل صريح قطعي وهو قوله تع إلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً{41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{42} هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً{43}) [الأحزاب]، فالآيات بعد توجيه النداء للمؤمنين بقوله تع إلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أعقبت هذا النداء بقوله تع إلى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ) ،إذن فالصلاة على المؤمنين وليست لبني هاشم ولا لأي عصبية أخرى .

- ومن الآيات القاطعة في إلغاء نسب الطين واعتبار نسب الدين. هو قوله تع إلى في سياق الحديث عن نبي الله نوح وهو يتشفع لابنه من الله تع إلى (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) بقول الله تع إلى (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فهذه الآية قاطعة في نفي أن ابن نوح عليه السلام من أهل بيت رسول الله مع أنه ابنه دما ولكنه نفى نسب الطين لعدم وجود العمل الصالح فدل صريح القرآن على نفي نسب الطين واعتبار نسب الدين وبالتالي بناء على هذه الآية إلى جوار السياق السابق كله يمكننا القول أن آهل رسل الله عبر التاريخ هم المؤمنون وليس أبناءهم من دمهم وأن الأديان لا تقيم وزناً لنسب الطين وإنما لنسب الدين.

- ومما يدل بصريح القرآن على أن نسب الدين أولى من نسب الدم وأن آل إبراهيم هم أتباع ملته لا أتباع الدم والنسب قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:68). وبناء على هذه الآية الصريحة تقول أن أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وسلم) هم أتباع ملته من المؤمنين أكثر ممن يزعمون الانتساب له دماً ويرتبون على نسب الدم حقوقا سياسية يحرم منها المؤمنون.

- ويتعزز هذا الفهم بأن (الآل) هم الأتباع بالآيات القرآنية التي تحدثت عن آل فرعون ومن المعلوم أن فرعون لم ينجب أولاداً وامرأته كانت مؤمنةً ولذلك وردت الآيات في سياق الحديث عن أتباعه ({وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}البقرة49).

- ({وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}البقرة50
- ({كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ}الأنفال54)
- ({النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}غافر46)
- ({وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}يونس90)
- ({فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}طه78) هذه الآيات القرآنية أكدت بدلالة قطعية وبمنهجية تفسير القرآن بالقرآن أن آل فرعون هم أتباعه من جنوده الذين غرقوا معه ومن المعلوم أن فرعون وآله أخذوا مساحة واسعة في القرآن وأصبحوا رمزاً للطغيان السياسي ولاستعباد الآخرين.

- ومن الآيات القرآنية القاطعة في بيان عدم الاعتداد بالأنساب هو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} (المؤمنون:101).

فهذه الآيات البينات أكدت أن معيار الحساب يوم القيامة هو العمل الصالح لا الأنساب (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) وقد يقول قائل أن هذه الآية النافية للأنساب هي في الآخرة وليس في الدنيا فنقول لهم الآية في هذا الموضع تتحدث عن الحساب يوم القيامة وحساب يوم القيامة إنما هو محصلة لأعمال الناس في الدنيا أن خيراً فخير وأن شراً فشر بدليل قوله تع إلى {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 8). ويتأكد هذا الفهم بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم) وقول الرسول فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي (، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ، فنادى : إني جعلت نسبا ، وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم أتقاكم ، فأبيتم (1) إلا أن تقولوا : فلان بن فلان خير من فلان بن فلان ، فأنا اليوم رافع نسبي ، وأضع نسبكم أين المتقون ». وحديث الرسول –عليه الصلاة والسلام- الصحيح السند والمتن (حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:

كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ قَالَ هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ) [رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني].

فقول الرسول – ص- (رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ) دليل قطعي الدلالة من السنة النبوية الصحيحة على أن آل بيت رسول الله هم المتقون ويتعزز هذا الفهم بقوله تع إلى {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنفال34 ، وهذا المعنى مطابق لما ورد في القرآن لأن جوهر الأديان إرتكز على محاربة النزعة العنصرية والعصبية التي هي داء الشيطان ({قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}ص76)

فالنزعة العنصرية هي مذهب الشيطان لا مذهب القرآن.
4- ذم القرآن الكبر والاستعلاء على الناس وتقسيم المجتمعات إلى سادةً مستكبرين وعبيداً مستضعفين والتأكيد على نصرة المستضعفين:-
- لقد أعلن القرآن الكريم الحرب على مدرسة الكبر والاستعلاء على الناس واعتبر هذه المدرسة هي مدرسة حزب الشيطان.
- فبين القرآن بنصوص صريحة ذمه للاستعلاء والكبر ورفضه لهاتين الصفتين من ذلك. قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (القصص: 83). وقد جاء ذم العلو في هذه الآية إلى درجة جعلها صفةً تبعد المتصف بها من الجزاء الحسن يوم القيامة وتستوجب العقوبة.

- وقوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } (الأعراف: 146).

- وهذه الآية كشفت خطورة الكبر إلى درجة أن الله سبحانه وتع إلى يصرف عن المتكبرين آيات وحقائق الوحي والأديان ولا يجعلهم أمناء عليها لمجرد كبرهم واستعلائهم على الناس لأن جوهر الأديان السماوية هو نصرة المستضعفين الذين حرمهم المستكبرون من الحقوق السياسية والاجتماعية.

- وفي قصة فرعون في القرآن الذي هو رمز الطغيان والكبر والاستعلاء السياسي واضطهاده لبني إسرائيل ما يؤكد سياق ذم العلو والاستكبار ونصرة الله الدائمة للمستضعفين.
- {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } (القصص:4).

- وقوله تعالى: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6} (القصص: 5، 6).
بيان بنص قرآني صريح على مقصد عظيم من المقاصد السياسية وهو نصرة الله الدائمة للمستضعفين بإخراجهم من واقع الإستضعاف ثم منحهم حقوقهم السياسية ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ)..

فهذا المقصد القرآني العظيم هو رد قاطع على كل من يدعي الحق الإلهي في السلطة ويقسم المجتمع إلى سادةً لهم السلطة والعلم والثروة ومستضعفين يحرمون من الحقوق السياسية والاجتماعية بزعم أن الله قد حصر الحقوق السياسية والولاية العامة في أبناء الله وأحبائه أو أبناء رسول الله وأحبائه.

وبهذا يتضح لنا بأدلة قرآنية ومن السنة النبوية القطعية الدلالة أن آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام وعُترته هم المؤمنون وأن فكرة آل البيت من النسب والطين وليس من الملّة والدين فكرة لا أساس لها في الإسلام وهي من الأفكار التي روّج لها المجوس الذين عجزوا عن مقاتلة الإسلام كتنزيل فقاتلونا على التأويل وصدق الله العظيم القائل (فأما الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ).

_______________________________

هذه الدراسة خاصة بمركز نشوان الحميري للدراسات والنشر
للاطلاع على الحلقات السابقة اضعط على مواضيع أخرى من هذا القسم

زر الذهاب إلى الأعلى