آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

لغم الجيش المهني: من زرعه؟ ومن يروج له؟ 4

مامعنى، ونتائج تطبيق المهنية العسكرية في العراق؟

ان تبني خطة الجيش المهني، أو خطة أسلمة القوات المسلحة، في اطار أهداف مخطط أمريكي – صهيوني – إيراني نراه الان مجسدا امام نواظرن، يعني، ويقود إلى ما يلي حتما:

1 – تحويل الجيش إلى جيش مهني وبلا عقيدة واضحة يصبح وكرا لاحزاب وكتل طائفية وعشائرية واثنية ودينية ومطامع افراد عسكريين وشيوخ عشائر ورجال دين واثرياء ... الخ، وبتحول الجيش إلى وكر لكل هؤلاء وغيرهم يفقد طبيعته الوطنية ودوره الوطني ويصبح عبارة عن ميليشيات مستعدة لتنفيذ اوامر هذا الشخص أو تلك الجهة رغم انه يبدو كجيش واحد وموحد . والخطوة الاولى على طريق هذا التحويل هي نزع الصفة العقائدية الوطنية والقومية عن الجيش والسماح للثقافات العشائرية أو الطائفية أو الدينية المشوهة والمتطرفة أو الدوغمائية العمياء ، أو العرقية الانفصالية ، أو الاقطاعية التي تجعل الولاء للشيخ شخصيا ، بالتسلل اليه بواسطة افراد تتوفر فيهم المعايير المهنية لدخولهم اليه.

لقد اصبح الجيش بهذه الخطوة منتدى وساحة مناسبة للصراعات العقائدية المميتة ، وهكذا تنزع الصفة المهنية حتما عنه ويصبح جيوشا من المرتزقة التابعين لهذا الشخص أو تلك الجهة وليس للعراق الواحد . وهذا التحويل المخطط يكون اول هدف له القضاء ، بالحديد والنار وباسم الله أو المصلحة العامة ، على القوى الوطنية التي تمثل كل العراقيين وتسمو فوق الطائفية والعرقية وتشكل العمود الفقري لوحدة العراق الوطنية . اما ثاني هدف فهو القضاء على فكرة جيش وطني موحد وقوي بالغاء عقائديته القائمة على الثقافة القومية والوطنية . ان التخلص من القوى الوطنية والجيش الوطني العقائدي هما الخطوتان التمهيديتان لشرذمة مدن العراق وليس العراق فقط .

ان تجربة العراق منذ اسس الجيش وحتى عام 1968 تقدم لنا امثلة حية على كيفية جعل القوات المسلحة وكرا لكل الاطراف المتناحرة ، حيث كان التغيير يأتي من الجيش غالبا لكنه تغيير ملغوم بالكثير من القنابل الموقوتة التي دمرت الوحدة الوطنية وسفحت الدم العراقي تحت غطاء التغيير نحو الافضل .

وقدمت الفترة بين عشرينيات القرن الماضي وعام 1968صورة بالغة الوضوح لكيفية تحويل القوات المسلحة إلى اوكار للكتل والجماعات المتناقضة والساعية للسلطة ، وهي حقيقة تفسر لم عجز العراق عن التمتع في تلك الفترة بالاستقرار أو التقدم وحل مشاكل القطر المزمنة , وبقي قطرا متخلفا فيه فقر وامية وظلم . كما انها تفسر ما حصل بعد عام 1968 ، وهو عام استلام البعث للسلطة ، كتحقيق تقدم علمي وتكنولوجي وحل مشاكل الفقر والامية والظلم الاجتماعي ، ووضع العراق على عتبة نادي الدول المتقدمة ، كما اكدت تقارير الامم المتحدة ، لان البعث حول القوات المسلحة من قوات مهنية نبتت فيها الكتل المتناقضة وصارت وكرا للمغامرين والطامحين بالسلطة من كل لون واتجاه إلى قوات عقائدية لها اهداف وطنية وقومية واضحة يعيها افراد تلك القوات ، مما ادى إلى منع الانقلابات واستغلال الجيش في حسم الصراعات من اجل السلطة أو غير ذلك وتمتع العراق بفترة استقرار دامت 35 عاما .

2 – بوجود نفوذ متعدد المصادر تحت غطاء طائفي أو عرقي في الجيش المهني ونتيجة لغياب المركزية الوطنية الصارمة والحازمة يتحول هذا الجيش إلى الاداة الرئيسية لتدمير القطر نتيجة الصراعات بين امارات وجمهوريات وممالك من له ميليشيا داخل الجيش ، ولا ينتهي الصراع الدامي بين تلك الكيانات المجهرية الا بتمزق الجيش نهائيا وانحلاله وتحول المقرات إلى اماكن اخرى هي مراكز سيطرة الاشخاص والجهات الطائفية والعرقية والعشائرية وغيرها ، فنجد لدينا جمهورية مثال الالوسي الصهيونية في حي من احياء الفلوجة ، وجمهورية الصدر الاسلامية في حي الثورة ، وامارة الحكيم الاسلامية في النجف ، وامارة طارق الهاشمي الاسلامية في حي من الرمادي ، وامارة عدنان الدليمي الاسلامية في حي من هيت ، وامارة ابو عمر البغدادي في حي من احياء حديثة ...الخ . أليس هذا هو جوهر المخطط الأمريكي - الإيراني – الصهيوني ؟

وهنا يجب ان نذكّر بما جرى ويجري في الصومال ، فبعد التفتيت على اسس غير دينية اصبح التفتيت على اسس دينية حينما تقوت التيارات الدينية واصبحت هي المسيطرة ، فبدلا من تعزيز انتصارها واعادة توحيد الصومال نراها تتقاتل فيما بينها وتتشرذم فيتمرد الشباب الاسلامي على الحزب الاسلامي وينشب قتال دموي بينهما على السلطة ، وتتغير موازين القوى دوريا لاجل ابقاء الصراع مستمرا وعدم ايقافه ، وفسح المجال لانقسامات اخرى ! وفي غزة رأينا حماس تفرخ عدوها الذي اعلن اقامة امارة مجهرية في رفح قمعت بقسوة متطرفة مما زرع عنصر الثأر داخل الكتل الاسلاموية في غزة وكل فلسطين ، وهو ما يمهد لتشرذمات اخرى قادمة . اما فيما مضى فقد راينا في افغانستان جماعات ما سمي ب ( المجاهدين ) تقاتل الاحتلال السوفيتي متحدة لكنها ما ان برزت بوادر النصر عليه حتى تشرذمت شر شرذمة وانغمست في قتال مرير اكمل تدمير ما لم يدمر اثناء الحرب ضد الغزو السوفيتي ، وبرزت طالبان وانتصرت مستغلة كره الناس للفئات المتقاتلة من ( المجاهدين ) . وفي مصر وبعد ان كانت ( الجامعة الاسلامية ) تتمثل في تنظيم واحد رئيسي هو الاخوان المسلمين نجد الان عشرات التنظيمات الاسلاموية التي فرخها تنظيم الاخوان المسلمين . اما في العراق فقد رأينا هذه الظاهرة ترمي بكوارثها على كاهل المقاومة العراقية بعد ان وصلت إلى حد قطف ثمار النصر ، ثم وفجأة بدأت عملية مشبوهة بكل المعايير وهي طلب المبايعة أو مواجهة السيف ! لقد تفجرت نزعة الانفراد بالسلطة قبل دحر الاحتلال مما سبب ازمة خطيرة كانت نتيجتها نشوء الصحوات التي استغلت اخطاء الاسلامويين التكفيريين لشن هجوم مضاد على المقاومة !

هذه الامارات والجمهوريات والممالك التي تريد أمريكا وإيران والكيان الصهيوني واطراف اخرى اقامتها في العراق وظيفتها الرئيسية وفقا للمخطط ، وبغض النظر عن قناعة من ينصب اميرا على امارة ، هي تمزيق العراق اربا اربا ، وعدم السماح ببقاء مدينة واحدة موحدة كما هي الان ، وتقسيم الشيعة إلى طوائف وتقسيم السنة إلى طوائف وتحويل المدن في كل العراق إلى مسارح لقتال كارثي بين كل الطوائف وكل الكتل وكل الجماعات الاسلاموية ، ولذلك سيبدو ماعاناه شعب العراق منذ الغزو وحتى الان بسيطا امام هول كوارث المخطط الأمريكي – الصهيوني - الإيراني الجديد القادم . في مدن تتقسم وجيوش الامارات والجمهوريات المجهرية تتقاتل لا تبقي مدينة واحدة كما كانت بل تصبح امارات الاحياء والحارات والمناطق التي تعيش حالة حروب دائمة تتخللها هدنة من اجل الاستراحة لا غير .

3 – ان السبب المركزي الذي يفرض آلية التشرذم الدوري والحتمي داخل التنظيمات الاسلاموية ، وطبقا لخبرة اكثر من 1400 عام في الوطن العربي ، هي ان استخدام الدين في الصراع السياسي يسمح باستغلال اسم الله ومحاولة اخضاع الناس به ، واكتساب الشرعية منه ، واصدار الفتوى باسمه ، مع ان من يصدر الفتاوى ويحكم باسم الله يكون غالبا نصف امي أو مثقف لكنه مريض بداء حب السلطة أو المال ، وهو ما نراه اليوم بوضوح في العراق المحتل والذي قام فيه رجال الدين بدور الغطاء الديني للاحتلال الذي يسوغه ويصدر الفتاوى لدعمه ، أو انهم كانوا ضد الاحتلال لكنهم وبسبب تربيتهم الطائفية اثاروا اعمق المخاوف بين الطوائف العراقية نتيجة لفتاوى التكفير .

وهنا تكمن خطورة حكم رجال الدين فهم بشر كاي بشر تؤثر فيهم الاهواء والغرائز والمصالح ، لكنهم يغلفونها باسم الله فتبدأ الكارثة الام والتي تولد مسلسل كوارث ، اللاحق منها اسوأ من السابق ، والناس تخشى مناقشة ما يوصف بانه حكم الله وامر الله وليس حكم البشر مع انه قرار بشري صرف .

في الانظمة التي تحكم باسم الدين يستخدم اسم الله لابتزاز الناس والسيطرة عليهم وتلك حالة خطيرة تقود حتما إلى التدمير التدريجي لهيبة وقدسية الدين ، من وجهة نظر الناس العاديين ، وتسمح بالبحث عن بديل اخر عن الدين ، وهذا بالضبط ما ينتظره الاحتلال لاجل ارسال بعثات تبشيرية تدعو للسلام والمحبة وتقدم المساعدات لضحايا عنف وتعسف حكم رجال الدين ( المسلمين ) شيعة وسنة ، هل نسيتم ان العراق بعد الغزو وبعد ربط الخيانة الوطنية باسم رجال الدين كيف ان البعثات التبشيرية اخذت تتدفق على العراق لاستثمار ردة الفعل الجماهيرية على الدور الخياني لرجال دين ؟

في الانظمة الديكتاتورية العادية نواجه فردا أو مجموعة مستبدة لذلك يكون النضال ضدها ممكنا وسهلا نسبيا لان الناس تجد امامها بشرا فاسدين أو مستغلين ، اما في حالة حكم باسم الله فان الانسان يوضع في فخ كله الغام كلما تحرك ينفجر لغم ، لذلك يكون الخوف من عذاب الله دافعا لاستسلام الكثيرين ، فيما يلجا البعض الاخر إلى ممارسة نفس اللعبة وهي استغلال اسم الله لابتزاز الناس أو الرد على من استخدم اسم الله اولا ، وهكذا تبدأ عملية التشرذم ومع تكاثر الامارات تزداد معاناة الشعب ويصبح مستعدا في نهاية المطاف لقبول اي حل ينقذهم من ( سيف الله ) المسلط على رقابهم .

الخطة الأمريكية - الصهيونية - الإيرانية تقوم على هذه الفكرة : ايصال عذابات الناس إلى حد يجعلهم جاهزين لقبول اي حل ينقذهم من امراء امارات اسلاموية ، انصاف الاميين والقساة والفاسدين الذين احرقوا الاخضر واليابس ، وعندها تقدم أمريكا هديتها المنتظرة : الانقلاب العسكري الدموي الذي يقضي على الامارات الاسلاموية ، فتعود أمريكا من الشباك بعد ان طردت من الباب .

4 – من الدروس التاريخية التي يجب ان لاتنسى ابدا الدرس الذي قدمته قادسية صدام المجيدة وهو ان الجيش العقائدي المبني على اسس وطنية وقومية واسلامية هو الذي استطاع دحر الخمينية مع انها كانت اخطر حركة شعوبية حاقدة في التاريخ الاسلامي ، فإيران خميني كانت اقوى بكثير من إيران الشاه ، وكتبت وقتها مؤكدا بان أمريكا والاتحاد السوفيتي لو هاجما إيران فسوف تدحرهما حتما اذا لم تستخدم اسلحة نووية ، لانها امتلكت اهم شروط النصر في الحروب وهو عنصر الدعم الشعبي الهائل ووجود الاف المستعدين للموت تنفيذا لاوامر خميني ، بالاضافة لقوة الجيش والحرس وثروة إيران ، لكن الجيش العراقي دحر الخمينية لانه كان هناك شعب موحد وجيش عقائدي قاتل بعقيدة قومية ووطنية واسلامية حقيقية ، فوقف الشيعي العراقي ، الذي راهن خميني على انه سوف يغلب الولاء للطائفة على الولاء للوطنية ويدعم إيران ، وقف هذا الشيعي يقاتل بصفته عراقيا وعربيا اولا وقبل كل شيء ، كما قاتل التركماني والكردي والسني والصابئي واليزيدي والمسيحي وغيرهم بصفتهم عراقيين اولا ، وتلك هي من اهم نتائج التربية الوطنية والقومية التي قام بها البعث في العراق وجعلت من القوات المسلحة قوة حديدية ضاربة وقادرة على حماية وحدة واستقلال وحرية الوطن وكرامة وحقوق المواطن .

5 – ان تركيب العراق الاثني والديني والطائفي المعروف لا يسمح على الاطلاق بقيام اي نظام على اسس ليبرالية أو طائفية أو عرقية أو دينية ، لان مكونات العراق المختلفة تسمح بالانحياز للرابطة الاصغر من الرابطة الوطنية في حالة حصول تجاوز أو ظلم على فئة ما ، أو وجود تحريض خارجي وتمويل خارجي يستخدم لتضليل الناس ، ولذلك اثبتت التجربة التاريخية منذ اكثر من خمسة الاف عام ان العراق لم يتقدم ويصبح قوة حاسمة في الاقليم وفي العالم الا حينما يكون تحت قيادة مركزية واحدة تساوي قانونيا وفعليا بين مكونات التركيبة السكانية المختلفة باحترام الجميع وحماية حقوقهم . وبالعكس حينما يكون الحكم ضعيفا يتفتت العراق بتحرك أو تحريك بعض مكوناته السكانية . وكانت القوات المسلحة دوما منذ العهد الاشوري حتى الان تتأثر بطابع الدولة فحينما تكون الدولة غير مركزية يفقد الجيش دوره ومن ثم تفقد الدولة قدرتها الردعية فتثور الاطراف وتستغلها دول الجوار لتدمير الدولة العراقية . من هنا فان الجيش العراقي لابد وان يكون عقائديا وعقيدته يجب ان تكون وطنية عراقية تحترم كل مكونات العراق غير العربية وتعترف بها في اطار المساواة الحقيقية بين كل العراقيين ، وقومية عربية تعترف بكون العراق جزء من الامة العربية ، واسلامية تقر بان الاسلام هو جوهر العروبة .

بهذه العقيدة المتضمنة ثلاثة مكونات ، مكون وطني عراقي ومكون قومي عربي ومكون اسلامي قرأني يسمو فوق الطائفية ، نجح العراق في حماية الوطن كما نجح في جعل القوات المسلحة قوة جبارة موحدة لا مكان فيها للشغب الطائفي أو العرقي ، وتخدم العراق ، كل العراق .

هناك مؤامرة خبيثة تروج لها أمريكا وتدعمها بقوة تقول يجب ان تكون عقيدة الجيش العراقي اسلامية ، وهذه الدعوة التي تستغل اسم الاسلام يقصد بها منذ الان شرذمة القوات المسلحة بصورة كارثية ، فبمجرد وصف العقيدة بالاسلامية وعزلها عن المكونين الاخرين الوطني والقومي سيكون مقدمة لابد منها لشرذمة القوات المسلحة ، لان صفة الاسلامية هذه سوف تصطدم بسؤال مهم جدا وخطير جدا وهو : اي عقيدة اسلامية : سنية ام شيعية ؟ فاذا تم تبني عقيدة اسلامية وفقا للمذهب السني فان ذلك سيرفض من الشيعة وهم نصف العراق ، وهنا تبدأ ملحمة صراع طائفي دموي ، والعكس صحيح ، وراينا كيف ان محاولة الطائفيين من الشيعة فرض المذهب الشيعي ادت إلى عنف دموي غير مسبوق في تاريخ العراق ، بل الاخطر ان الالية الطبيعية في الفكر الديني السياسي ، وهي الية التشرذم ، سوف تعمل حتما لتحويل المذهب الواحد إلى مذاهب وكتل متقاتلة ، ونرى الان مثلا ان الشيعية السياسية انقسمت إلى احزاب وكتل متناحرة ، ونرى السنية السياسية تحولت إلى احزاب تتحارب فيما بينها ، ولا يمكن ابدا استبعاد ان يجد العراقيون انفسهم اما انقسام الحنفية إلى عدة مذاهب وانقسام الحنبلية إلى عدة مذاهب والشافعية إلى عدة مذاهب ...الخ . فهل المطلوب تحويل القوات المسلحة إلى اداة للصراعات المذهبية تحت اسم الاسلام ؟

ان الاسلام الوحيد المقبول ليكون عقيدة للقوات المسلحة هو الاسلام القرأني ، اي الاسلام المجرد من المذاهب كلها والذي يعتمد القران مرجعية حاسمة له وليس اي مذهب ، ولكنه يجب ان يرتبط عضويا بالربطتين الوطنية والقومية كتوائم ثلاثة حياتهم متعلقة بحبل سري واحد ، كما كان الحال قبل غزو العراق وكانت تلك تجربة ناجحة بكل المعايير .

ان أمريكا تحاول عبر دغدغة الرغبات المحمومة للسلطة والتسلط لدى البعض من رجال الدين تشجيع الدعوة لبناء الجيش على اساس عقيدة اسلامية منزوعة من توأميها الشرعيين والحتميين الوطنية والقومية ، لان اسلامية غامضة تحيطها الغام الطائفية حتما هي الوصفة القاتلة للعراق بحكم قدرتها على تحقيق اسوأ انواع الشرذمة والانقسامات في العراق . ويترتب على هذه الملاحظة امر خطير وهو ان اي رجل دين لا يستطيع التنصل من طائفته حينما يحكم وهو امر تستغله الطوائف الاخرى للاصطفاف ضد سلطة رجل الدين ومحاولة اسقاطه .

6 – لم تكن صدفة ان أمريكا وداعمتها إيران ارادت فرض نظام فدرالي – لكنه في حقيقته كونفدرالي – يقوم على المحاصصة الطائفية العرقية ، وهذا النظام جوهره الثابت شرذمة القوات المسلحة كما يقوم على تقسيم كل العراق ، لذلك فان الرد الطبيعي على محاولات شرذمة العراق يجب ان يبدأ بالمحافظة على الطابع الوطني لكل القوى السياسية ، اي يجب عليها عدم الارتباط باي طائفة ، وعدم الارتباط باي عرق ، بل تمثيل كل العراق وفي اطار الهوية العراقية . وهذه الضرورة لا تتحقق بمجرد ادعاء الالتزام بها كما يفعل البعض الان ، بل هي تقوم اساسا على تجنب زج الاسلام في الصراعات السياسية ومنع اسغلاله لاغراضها كما نرى الان ، واول ضرورة هي ابعاد القوات المسلحة عن اصحاب الدعوات الطائفية ، سواء المغلفة التي تتحدث عن الوطنية ومناهضة الاحتلال ، أو تلك التي لا تجد حاجة للتستر بغطاء الوطنية ، لان الطائفية تنحدر حتما من التزام الاسلام السياسي ولا مجال للهرب من آليات عمل الفكر الديني السياسي واهمها الشرذمة .

7 – ان الطبيعة الجغرافية للعراق بصفته قطر تخوم وحدود للوطن العربي ومجاورته لبلدان غير عربية كتركيا وإيران ووجود اقليات دينية وقومية وطوائف في داخله لبعضها روابط مع إيران وتركيا ، تجعل العراق بحاجة ماسة لنظام سياسي مدني مركزي وقوي جدا ليكون العراق جبل النار ، وهو ما تمناه الخليفة عمر بن الخطاب ( رضي الله عليه ) ، الذي يمنع تمدد إيران وتركيا على حساب العراق والامة العربية . والمزج بين المكونات العقائدية الثلاثة – الوطنية والقومية الاسلام – وجعل ذلك عقيدة للقوات المسلحة وللقوى الوطنية في العراق هو الوصفة الناجحة وفقا للتجارب التاريخية والمعاصرة ، واهمها قادسية صدام المجيدة ، ومواجهة الحرب الشاملة التي تشنها أمريكا ومعها كل قوى الشر منذ عام 1991 وحتى الان ، بقوة واقتدار عظيمين ما كانا ممكنين لولا التربية العقائدية الوطنية والقومية والاسلامية . بوجود المكونين الوطني و القومي يمكن تعطيل الية التشرذم الكامنة في قلب الفكر الديني السياسي وجعل الاسلام دين توحيد وليس شرذمة ، كما حصل اثناء نشر الرسالة المحمدية بقوة القومية العربية الواحدة القوية والمنسجمة والفتية والتي وجدت في الاسلام جوهرا روحيا عظيما نقلها فيما بعد من رابطة اللغة والثقافة والقبيلة إلى رابطة القومية .

8 – قد يقول معترض : ولكن الا يتعارض وجود الجيش العقائدي مع نظام تبادل السلطة طبقا لنتائج الانتخابات ؟ ان هذا السؤال منطقي جدا والجواب عليه بسيط جدا أيضا : ان العراق كان ومازال ضحية لمرضين خطيرين أصابا القوى السياسية دون استثناء وهما : ثقافة اقصاء الاخر ونزعة الانفراد بالسلطة كتعبير عن نزعة اقصاء الاخرين كلهم ، بالطرق العنفية أو التأمرية وغيرها ، وهذه الثقافة ونتاجها النزعة لمنع الاخر من لعب اي دور رئيسي أو فاعل ، خلقتا بصورة متوقعة وطبيعية نزعة مشتقة وهي نزعة الشك وانعدام ، أو ضعف ، الثقة بين اطراف الحركة الوطنية العراقية .

لذلك وللخروج من هذا المأزق الخطير لابد من فترة انتقالية تكون احدى اهم مهامها وواجباتها اعادة بناء الثقة بين اطراف الحركة الوطنية العراقية من خلال استبعاد اي تغيير تأمري – غير ديمقراطي - لتكون جاهزة لتبادل السلطة بلا خوف أو شك ، وفي هذه المرحلة يجب ان يكون الجيش منيعا على الاستغلال كاداة انقلابية وان يبقى حاميا للدستور الوطني – القائم على المحافظة على هوية العراق العربية الاسلامية ، واداة ردع فعالة لكل من يفكر بالعودة إلى ممارسة نزعة الاقصاء والانفراد بالسلطة بالاعتماد على القوة . ان تركيا الحالية تقدم لنا مثالا حيا على ما نقصده من زاوية واحدة وهي ان الجيش يجب ان يكون مبنيا على ثقافة قومية روحها الاسلام ، وان تتركز وظيفته الداخلية في منع التجاوز على الدستور وبغض النظر عمن يحكم خلال الفترة الانتقالية والتي قد تتراوح بين 2 – 3 سنوات . في تركيا تركزت وظيفة الجيش في اجتثاث الاسلام وفرض نظام علماني غربي وهو ما ضمن للعلمانيين الاتراك النجاح حتى الان ولولا تحويل الجيش إلى جيش عقائدي – عقيدته العلمانية – لما بقيت العلمانية على الاطلاق حتى الان .

ما نحتاجه لاعادة بناء العراق ليكون مثالا للامة كلها من المحيط إلى الخليج هو وجود جيش عقائدي وظيفته في الداخل حماية الاستمرارية الدستورية وفي الخارج حماية عروبة العراق ومنطقة الخليج العربي وعودته جبلا من نار يفصل بفاعلية كاملة بين الامة العربية وبلاد فارس ، ذات المطامع الراسخة والمتجددة في الارض العربية والمعادية للهوية العربية . ان تجربة حرب الثمانية اعوام التي فرضها خميني على العراق تؤكد ما ذهبنا اليه فلولا الجيش العقائدي الملتزم وصاحب الهوية القومية والاسلامية لما نجح العراق في صد وتدمير موجات التوسع القومي الفارسي ، الذي تستر اولا باسم الاسلام – نشر ما سمي زورا ب ( الثورة الاسلامية ) - ثم غير ذلك واصبح الغطاء هو حماية الطائفة ونشر الطائفية .

يتبع

كتبت في تموز 2009 ونقحت يوم 16 / 10 / 2009 واجل نشرها لاسباب قاهرة

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى