آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

نعمان الابن.. شهيد الحوار وفقه الجمهورية وحماية الدستور

أمكن للشهيد الأستاذ محمد أحمد نعمان، المولود بذبحان تعز في مارس 1933 والمفقود ببيروت لبنان في 28 يونيو 1974، بحكم نشأته في وسط حراك سياسي ودستوري ووحدوي مناهض للجمود الذي فرضته أساليب الحكم الإمامي والتعاطي السلبي معه، أن يتنبه منذ نعومة أظافره إلى ما يتطلبه الخلاص من تلكم الأساليب، وهو "تغيير العقليات" أو "تغيير النظم لا الأشخاص" المرتبطة بالتخلف نهجاً وأسلوباً وفكراً امتد طيلة عهود الماضي الآسر لغالبية الحاضرين في واقع اليمن.

حاول كسر حاجز الصمت المطبق على مستقبل بلده، فاستنطق بعض من بقي من الأحرار اليمنيين داخل سجون حجة إثر فشل ثورة 48، فحاورهم مبكراً بوضع سؤال الهوية: "من نحن؟ وماذا نريد؟"، أملاً منه في نيل المستقبل حظه من التفكير في البناء، أو الخطو البنّاء صوبه بوضع دستور وأسس حكم جديد.

وبقي يراقب المشهد الفكري والسياسي اليمني ويشارك في صوغ هذا المستقبل المرجو من حدود موقعه، إما سجيناً بحجة أو حراً بتعز أو مسؤولاً بعدن عن مهام الثقافة والنشر في الاتحاد اليمني أو جوالاً بالقاهرة وبيروت ودمشق في أروقة الصحف والأحزاب القومية والاتحادات العمالية، مبشراً بدعوته المبكرة إلى الجمهورية: "فيساع! فيساع! الإمام مريض!"، وينثر فكره حول مستقبل اليمن الجديد والواحد ويلامسه بصوغ آراء ومبادئ ونظم، إلى أن افتدى اليمنيون وطنهم بأنفسهم محدثين الهزة الكبرى أو "الانتقال الصاروخي المفاجئ" مسقطين عرش الإمامة، في 26 سبتمبر 1962 وتصبح أرضهم ميدان أو متنفس صراع القوى العربية الكبرى، وتكون "حربا قاسية تحرم المجتمع حقه في ممارسة نشاطات فكرية وثقافية" بناءة ليمن أراده الأحرار جديداً حقاً.

وسط هذه الحرب بذل "الغوبة" (نعمان الابن) وعدد من آبائه وزملائه جل طاقتهم لتجنيب المجتمع اليمني استمرار الاصطراع تطوعاً ونيابةً عن غيره من المجتمعات، فطرق أبواب الأشقاء والأصدقاء، داعياً إلى تشجيع "الأطراف المعنية في اليمن" على "الوطنية.. لا الحقد" وعلى التصالح الذاتي اليمني، ثم التصالح العربي اليمني، بغية الوصول إلى مجتمع يمني جمهوري ديمقراطي "تعلو فيه الأصوات ويخفت الرصاص".

ولما فرغ مخزون الحرب وشحن الجو بذخيرة السلام، ودلف اليمنيون مرحلة البناء الديمقراطي عام 1970 بعد هدوء إعصار الدمار، أجريت في عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني أو "الجمهورية الثانية" أول انتخابات تشريعية أفضت إلى تكوين مجلس شورى برئاسة الشيخ عبد الله الأحمر في ربيع العام 1971 إثر إقرار الدستور الدائم في ديسمبر 1970 الذي نص على "استعادة الوحدة اليمنية".

تزامن ذلك مع تعيين الأستاذ محمد نعمان مستشاراً سياسياً للمجلس الجمهوري وإسهامه بدوره في الإشراف على تلك الانتخابات، وقبلها بالدعوة إلى "فتح باب الحوار الواسع.. دون مواربة أو استحياء أو خوف من وضع كل قضايا المجتمع والدولة على بساط البحث لكي يأتي الدستور الدائم على أساس من الفهم الشامل لأبعاد الواقع والقدرات، والمحاولة الجادة للاقتراب من آمال الشعب وتطلعاته الجديدة في العالم المعاصر. ومساهمة منه في هذا السبيل، وضع الأسس الفكرية للدولة العصرية في بلادنا أو بتعبير آخر لإيجاد (فقه) الجمهورية البديل عن فقه المذهب" قاصداً بذلك "الدستور".. ولكي يتسنى الإفادة من الديمقراطية كنظام يعد "أقل الأنظمة سوءًا"، وتعزيز أهم مزاياها وهو "تصحيحه من داخله". وابتكاره مقترحات في مجالات شتى جعلت أحد مجايليه يعلق عليه قائلاً: "إن أصغر مشروع قد يفكر فيه محمد نعمان هو إعادة تلوين البحر الأحمر"!

في حوار شيق للأستاذ محمد أحمد نعمان بعد توليه مهام نائب رئيس الوزراء إلى جانب وزارة الخارجية في حكومة القاضي عبد الله الحجري من آخر ديسمبر 1972، أجراه المرحوم الأستاذ محمد الزرقة لـ"الثورة" في يناير 1973 تناول مسائل "العمل الدبلوماسي، التجربة الديمقراطية، خطوات الوحدة وتأسيس تنظيم شعبي"، رد الشهيد النعمان بشكل واضح ومختصر بما أشفى غليل محاوره الزرقة الذي لقي في إجابات "رجل الحوار" –حسب توصيف أحد المفكرين اللبنانيين– ما يلقي "أضواءً على طريق اليمنيين"، حيث أعاد مسألة اختيار السفراء إلى "حق الاجتهاد المطلق لرئاسة الدولة"، رداً على ما يتردد ب"عدم خضوع اختيارهم لمعيار الرجل المناسب في المكان المناسب"!

أما "سلبيات التجربة" الديمقراطية أو البرلمانية فقد حددها وفق تقديره بأنها "نفس السلبيات التي يتسم بها العمل العام في بلادنا وأبرزها نقص الدراسة الموضوعية والعلمية للقضايا التي نتناولها، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لمجتمعنا الذي لم يتعود على النشاطات الفكرية المفتوحة طيلة العهد القديم وفترة الحرب". وأكد "إيمانه بتعدد الآراء والأفكار كسبيل وحيد للتطور السلمي في المجتمع"، لكنه موقن بأن "بقاء السلاح في أكتاف المواطنين وجُنُوبِهِم" يتعارض مع تنفيذ فكرة السماح بممارسة النشاط الحزبي، لهذا "تمهل وتبصر لئلا يكون حكمه –رداً على سؤال الثورة والزرقة– خطرة حالمة قد تجر البلاد لمزالق خطيرة"!

أما في شأن التنظيم الشعبي، وأولى خطوات الوحدة اليمنية، فيرى الأخيرة من "حيث كينونتها السياسية، استجابة لمادة صريحة من مواد الدستور"، وأن "الأساس الرئيسي لأي تنظيم شعبي هو في العمل لحماية الدستور"، وأن نجاح العمل الوطني رهن ب"تأكيد المبادئ الدستورية في حياة شعبنا من خلال الممارسة اليومية في أجهزة الحكم".

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى