على الأعم نستخدم تعبير "بلاد الشام" عند حديث بعضنا مع البعض الآخر على مستوى الحياة العامة، كما تترددُ ذات التسمية في الدراساتِ والبحوث الأكاديمية والمقالات الإعلامية، وعلى الأعم دون بيان من أين جاءت هذه التسمية؟
لذا وجدتُ من المناسب أنْ أنور القراء الكرام وبالذات لمن يُريد الاستزادة من منابع العلم والمعرفة بالأسرار الكامنة وراء تلك التسمية، وبوقت مُبكر أُنبه القراء الكرام أيضاً أنه في الحلقة القادمة سأتناول الرقعة الجغرافية التي تشملها بلاد الشام، سيما وأن السائد عندما نقول بلاد الشام يتبادرُ إلى الذهن البلاد السورية حصراً، في حين أن حقيقة الرقعة الجغرافية لبلاد الشام أكبر من ذلك بكثير، حيثُ تُشكل البلاد السورية جزءاً جغرافياً مهماً من تلك البلاد ذات التاريخ الذي ألقى بظلاله على الحضارات الكونية التي كانت تناظره وقتئذٍ.
وسأتناول هذا الموضوع وفق التسلسل الآتي:
1. التسمية اللغوية ل "بلاد الشام":
ورد في تسمية "بلاد الشام" لغوياً رؤى عده، من أهمها:
1. قول العلامة اللغوي "الفراهيدي" ما نصًهُ: الشأم: أرض، سميت به لأنها من مشأمة القبلة.. وشأمت القوم: يسرتهم. والمشأمة من الشؤم، ويقال: رجل مشؤوم، وقد شئم..وشأم فلان أصحابه، إذا أصابهم شؤم من قبله. ويقال : طائر أشأم، وطير أشأم. والجميع: الاشائم. . ويقال: جرت لهم طير الاشائم، أي: جرت بالشؤم.(1)
2. أما العلامة "ياقوت الحموي" فقولُهُ تضمن: الشأم: بفتح أوله، وسكون همزته، والشأم بفتح همزته، مثل نهر ونهر لغتان(2)، ولا تمد، وفيها لغة ثالثة وهي الشام بغير همز، كذا يزعم اللغويون.. وقد تذكر وتؤنث، ورجل شأمي وشآم، ههنا بالمد على فعال، وشآمي أيضا، حكاه سيبويه، ولا يقال شأم لان الالف عوض من ياء النسبة فإذا زال الألف عادت الياء، وامرأة شامية بالتشديد، وشآمية بتخفيف الياء، وتشأأم الرجل بتشديد الهمزة، نسب إلى الشام..
قال أبو القاسم: قال جماعة من أهل اللغة يجوز أن لا يهمز فيقال الشام يا هذا فيكون جمع شامة، سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فشبهت بالشامات.. وكان اسم الشام الأول سوري فاختصرت العرب من شامين الشام وغلب على الصقع كله، وهذا مثل فلسطين وقنسرين ونصيبين وحوارين، وهو كثير في نواحي الشام، وقيل: سميت بذلك لأنها شامة القبلة، قلت: وهذا قول فاسد لان القبلة لا شامة لها ولا يمين لأنها مقصد من كل وجه يمنة لقوم وشامة لآخرين، ولكن الأقوال المتقدمة حسنة جميعها.. (3)
2. لماذا سُميت الشام شاماً؟
أجمل العلامة الإمام العالم الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر (499-571ه) بشكل مفصل كافة الروايات/الآراء التي وردت بشأن أصل تسمية الشام، ولما لها من أهمية عالية في بيان ما نحنُ قيد البحث فيهِ، فإني أتناولها بإيجاز:
1. .. أنبأنا هشام بن محمد عن أبيه قال: كان الذي عقد لهم – يعني ولد نوح u - الألوية ببابل لوناطن بن نوح فنزل بنو سَام المِجْدَل سرة الأرض، فيما بين سَاتيدما إلى البحر، وما بين اليمن إلى الشام، وجعَل الله النبوة والكتاب والجمال والأُدْمة والبياض فيهم(4).. ولحق قوم من بني كنعان بن حام بالشام فسُميت بالشام حيث تشآموا إليها، وكانت الشام يُقال لها أرض بني كنعان، ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بهَا [ ونفوهم عنها، فكانت الشام لبني إسرائيل. ووثبت الروم على بني إسرائيل فقتلوهم] وَأجلوهم إلى العراق إلا قليلاً منهم، وجاءت العرب فغلبوا على الشام..(5)
2. قال ابن المقفع: سُميت الشام بسام بن نوح. وسَام اسمه بالسريَانية شَام، وبالعبرانية شيم، قال الكلبي: سُميت بشامات لها حمر وسود وبيض، ولم ينلهَا سَام قط. وقال غيره: سُميت الشام لأنها عن شمال الأرض كما أن اليمن أيمن الأرض. فقالوا: تشام الذين نزلوا الشام. وقال بعض الرواة: إن أسم الشام الأول سورية، وكانت أرض بني إسرائيل قسمت على أثني عشر سهماً فصارَ لكل قسم تسعة أسْبَاط ونصف، في مدينة يُقال له سَامر وهي أرض فلسطين، فسار إليها متجر العرب في ذلك الدهر، ومنها كانت ميرتهم، فسموا الشام بسام بن نمر حَذفوا فقالوا: الشام.(6)
3. .. قال أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري: والشام فيه وَجْهان يجوز أن يكون مأخوذاً من اليد الشؤمى وهي اليسرى.. ويجوز أن يكون فُعلى من الشؤم، قال: ويُقال: أنجد أتى نجداً، وأعرق دخل العَراق، وأعمن أتى عمان، وقد أشأم أتى الشام.. قال أبو الحسين بن فارس: أما الشام فهو فعل من اليد الشؤمى، وهي اليسرى، ويُقال أخذ شآمة أي على يَساره، وشأمت القومَ ذهبت على شمالهم. قال قوم: هو من شوم الإبل وهو سُوْدُهَا..(7) ويُقال شامَ وشآم.. ورجل شأم من أهل الشام..(8)
ويُلاحظ على الروايات أعلاه أنها قد أرجعت أسباب تسمية بلاد الشام بالشام إلى أسباب تاريخية ولغوية.
4. وقد ورد في تسمية الشام أيضاً: (الشأم) مهموز الألف، وقد لا يهمز، وهو البلد المعروف. قيل إنه سمى بشامات هناك حمر وسود. ولم يدخلها سام بن نوح قط، كما قال بعض الناس إنه أول مَنْ اختطها، فسميت به، واسمه سام بالسين المهملة، فعُرب، فقيل شام، بالشين المعجمة. وكانت العرب تقول: من خرج إلى الشام نقص عمره، وقتله نعيم الشام.(9)
ويُلاحظ على العبارة الأخيرة من الرواية أعلاه ما كانت عليه بلاد الشام من خيرٍ وفير وصفته ب"نعيم الشام"، بحث من شدة ذلك النعيم أنعكس على قصر عمر مَنْ خرج للشام وليس على طولهِ، وهذا بحد ذاته يستحق التدبر... لماذا قصر العمر وليس طُولهِ؟!
5. وورد في تسميتها أيضاً: قال: سميت الشام شاماً لأنها شأمة الكعبة، وقيل سميت لشامات بها حمر وسود..(10) وقالوا: سمي الشام شاماً لشامات في أرضه بيض وسود، ولأنه في جهة الشمال من جزيرة العرب، أو لأن ساما بن نوح نزل فيه، وإنما أبدلت السين شيناً للتفاؤل.(11) ، و.. قيل: بل من تشاءُم الناس إليها.. وأهل العراق يسمون كل ما كان وراءَ الفرات شاماً..(12)
3. ما ورد في معنى سورية:
ورد في بيان معنى (سورية) آراء عدة، منها:
الرأي الأول: عد أنَّ اسم سورية يوناني في شكلهِ(13)، ويظهر بشكل شرين shryn)) في آداب اوغاريت، وسيريون ((siryon في العبرية، حيث يُطلق على لبنان الشرقي.. ولا توجد في الغالب صلة في الاشتقاق بن (سورية) و (آسيريا)، وفي العصور اليونانية وما بعدها توسع هذا الاسم وأطلق على البلاد كلها، وأستخدم بهذا المعنى حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد شمل عموماً المساحة الواقعة بين طورس وسينا وبين البحر المتوسط والبادية، وكانت (فلسطين) عند هيرودتس قسماً من سورية – وكذلك عند الأتراك – وكان سكانها يُعرفون بالسوريين الذين في فلسطين..(14)
الرأي الثاني: ورد أن سورية هي الشام: (سورية) بضم أوله، وكسر الراء المهملة، وتخفيف الياء أخت الواو وفتحها اسم للشام. قال القتبى:..عن كعب، أنه قال بارك الله للمجاهدين في صليان أهل الروم، كما بارك لهم في شعير سورية.
قال معاوية بن عمرو: سورية : الشام.
قال القتبى: وأنا أحسب أن هذا الاسم بالرومية. (15)
وقد ورد في تأكيد وبيان معنى ما ورد آنفاً: وفى حديث كعب" أن الله بارك لدواب المجاهدين في صليان أرض الروم، كما بارك لها في شعير سورية".
الصليان: نبت معروف له سنمة عظيمة كأنه رأس القصب: أي يقوم لخيلهم مقام الشعير. وسورية هي الشأم..(16)
الرأي الثالث: سورية موضع بالشام: صاحب هذا الرأي هو الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت الحموي ت 626 ه، حيث يقول ما نصهُ: سورية: موضع بالشام بين خناصرة وسليمة..(17)
4. ما ورد في معنى "دمشق":
الرأي الأول: قال الكلبي: دِمَشْقُ بناها دمشق بن فالي بن مالك بن أرفخشذ بن سام ابن نوح(18)، وقال الأصمعي: أُخذت دمشق من دمشقوها أي أسرعوها.. وقال كعب: مربض ثور في دمشق خير من دار عظيمة بحمص، قال عز وجل: "الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ" [(19) قال: دمشق.
وقال كعب: معقل المسلمين من الملاحم دمشق..
وقال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غُوطة دمشق، ونهر بلخ، ونهر الأُبُله(20)..
وقال عروس الدنيا: الري ودمشق.
وقال يحي بن أكثم: ليس في الأرض بقعة أنزه من ثلاث بقاع: بقاع قهندر، سمرقند وغوطة دمشق، وقالوا عجائب الدنيا أربعة: قنطرة سَنْجَة، ومنارة الإسكندرية، وكنيسة الرها، ومسجد دمشق.
ولمدينة دمشق ستة أبواب: باب الجابية، وباب الصغير، وباب كيسان، وباب الشرقي، وباب تُومَا، وباب الفراديس..
وقال المدائني: دمشق مدينتها الغوطة، وكورها: إقليم سَنِير، وكورة جُبيل، وبَيْرُوت، وصَيْدَا، وبَثِنية، وحَوْرَان، وجَوْلاَن، وظاهر البَلْقاء، وجِبرِين الغَوْر، وكورة مَآب، وكورة جِبَال، وكورة الشرَاة، وبُصْرى، وعَمان، والجابِيَة، والقْريتان، والحُولَة، والبِقاع.
والسواحل منها ستة: صيدا، وبيروت، وأطرابُلُس، وعرْقَة، وصُور. منبرها دمشق، وخراجها إلى الأردن، وخراج دمشق هي أربعة أخماس صلح، وخمس عنوة وهو خمس خالد بن الوليد، وفُتحت سنة 14 في رجب للنصف منه، في خلافة عمر بن الخطاب t..(21)
الرأي الثاني: دمشق وتسمى أيضاً الشام(22)، وجلق، وجيرون، والفيحاء، مدينة من أقدم مدن العالم، في الدرجة (26) والدقيقة (30) من الطول الشرقي، والدرجة (33) والدقيقة (20) من العرض الشمالي، تعلو عن سطح البحر (2500) قدماً إنكليزياً، أو (800) متراً، وهي مبنية على فضاء مستو من الأرض في وسط الغوطة.. يُشرف عليها جبل قاسيون.. يُحيطها من الربوة غرباً إلى بوابة الله، فالعسالي جنوباً، ومنه إلى مقابر الموسويين والمسحيين شرقاً، ثم المهاجرين فالربوة غرباً (25) ميلاً تقريباً.(23)
الدكتور ثروت اللهيبي
almostfa.7070@ yahoo.com
المراجع:
1. أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، ج6، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي، ط2 (بيروت-1408ه-1988م)، مادة (الشأم)، ص295.
2. الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي، معجم البلدان، ج3، دار أحياء التراث العربي (بيروت-1399ه-1979م)، مادة (الشأم)، ص 311-312؛ للتفصيل يراجع: الإمام أبي الفضل جمال الدين بن محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، المجلد الثاني عشر، نشر أدب الحوزة (قم-إيران-1405ه)، مادة (الشأم)، ص 315.
3. المصدر نفسه، ص 312.
4. ( ) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج1، باب في ذكر أصل اشتقاق تسمية الشام، ص7.
5. المصدر نفسه، ص 8.
6. المصدر نفسه، ص 10.
7. المصدر نفسه، ص 9.
8. المصدر نفسه، ص 10.
9. أبي عبيد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، معجم ما أستعجم من أسماء البلاد والمواضع، ج3، تحقيق مصطفى السقا، ط3 (بيروت-د.ت)، كتاب حرف الشين والشين والألف، ص 773.
10. أبي بكر أحمد بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه، مختصر كتاب البلدان، السلسلة الجغرافية-5-، دار أحياء التراث العربي، ط1(بيروت-1408ه-1988م)، القول في الشام، ص89.
11. شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي طالب الأنصاري الدمشقي المعروف بشيخ الربوة، كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، السلسلة الجغرافية-7-، دار أحياء التراث العربي، ط1 (بيروت-1408ه-1988م)، الفصل التاسع: في وصف فلسطين والأردن وإلى حدود ساحل البحر الرومي بالشام، ص 258.
12. المقدسي المعروف بالبشاري (أبو عبد الله محمد بن أحمد بن البناء البشاري المقدسي)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وضع مقدمته وهوامشه وفهارسه الدكتور محمد مخزوم، السلسلة الجغرافية-1-، دار أحياء التراث العربي، (بيروت-1408ه-1987م)، إقليم الشام، ص 134.
13. الدكتور فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان، ج1، ترجمة جورج حداد و عبد الكريم رافق، أشرف على مراجعته الدكتور جبرائيل جبور، دار الثقافة (بيروت-1982)، الفصل السادس: قدوم الساميين، اسم سورية والسوريين، ص 62.
14. ( ) المصدر نفسه، ص 62.
15. الأندلسي، معجم ما أستعجم ..، ج3، المصدر السابق، مادة (سورية)، ص 766.
16. الإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، ج3، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، مؤسسة إسماعيليان، ط4 (إيران-قم-1364ه)، (س)، ص 51؛ للتفصيل يراجع: الإمام أبي الفضل جمال الدين بن محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، المجلد الرابع عشر، نشر أدب الحوزة (قم-إيران-1405ه)، مادة (الليث)، ص 469؛ محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج3، مكتبة الحياة (بيروت-د.ت)، ص 285.
17. الحموي، معجم البلدان، ج3، المصدر السابق، مادة (سورية)، ص 280.
18. أبي بكر أحمد بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه، مختصر كتاب البلدان، السلسلة الجغرافية -5-، دار إحياء التراث العربي، ط1 (بيروت-1408-1988م)، القول في دمشق، ص 101.
19. الفجر/ 8.
20. ابن الفقيه، المصدر السابق، ص 101.
21. المصدر نفسه، ص 102؛ للتفصيل يراجع: أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرد ذابه، المسالك والممالك، وضع مقدمته وهوامشه وفهارسه الدكتور محمد مخزوم، السلسلة الجغرافية-2-، دار إحياء التراث العربي، ط1 (بيروت-1408-1988م)، كورة دمشق وأقاليمها، ص 74؛ المقدسي المعروف بالبشاري (أبو عبد الله محمد بن أحمد بن البناء البشاري المقدسي)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وضع مقدمته وهوامشه وفهارسه الدكتور محمد مخزوم، السلسلة الجغرافية-1-، دار إحياء التراث العربي، ط1 (بيروت-1408-1988م)، إقليم الشام، ص 137-140.
22. عبد العزيز العظمة، مرآة دمشق تاريخ المدينة وأهلها، تحقيق نجدة فتحي صفوة، دار الفكر (دمشق) ودار الفكر المعاصر، ط2 (بيروت- 1423ه-2002م)، الفصل الأول: دمشق، ص27.
23. المصدر نفسه، ص 27-29.