آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

هل أنقرض الأوفياء؟!

من القيم التي تكاد تكون غائبة في حياتنا اليوم قيمة عظيمة وهي وفاءنا لأهل الفضل علينا كأفراد وكمجتمع وهنا أسجل إعجابي بفكرة تحمل بعداً إنسانياً عميقاً

وهي تخصيص بعض الصحف والمجلات العربية زاوية تحت عنوان " أوفياء " يسطر فيها بعض القراء والكتاب رسائل تحية وآيات شكر وتقدير لأهل الفضل عليهم ومن قدم لهم معروفاً أو أسدى لهم خدمة وحالت الظروف دون شكره ولقاه.

أتساءل دائما: كم لنا نحن من أقارب، معلمين، زملاء دراسة، زملاء عمل لم نتذكرهم حتى باتصال نسلم فيه عليهم ونسأل عن أحوالهم وندعو لهم؟!!

وإذا كانت قد حالت الظروف دون الاتصال لسفر أو موت وما شابه فلماذا لم نكتب عنهم أو نسأل من يمكن أن يصل إليهم ولو بعد حين؟! لماذا لا ندعو لهم بظهر الغيب ولا ننوي مجرد النية التواصل معهم؟! وإذا علم الله صدق نيتنا سهل ذلك التواصل.

من يتذكر منا تلك الوجوه التي رافقته في طفولته أو في فصول دراسته أو مقاعد كليته أو أماكن عمله؟!

من يقلب في سجلاته القديمة ودفاتر هاتفه ومفكرته ويعيد قراءة الأسماء ويرجع البصر كرتين في حالها وأين ألقت رحلها في شعاب الحياة؟!

من يعيد أرشفة الذاكرة ويبدأ جدولة الأسماء ويبدأ التواصل معهم؟!
إلى هذا الحد تقيدنا ظروفنا وتربطنا أمعاؤنا ويضيق وقتنا عن بذل أسمى وأرقى المعاني الإنسانية في الوفاء؟!!

أقول: ربما ساهمت الثورة التكنولوجية خصوصاً في عالم الاتصالات في تجميد مشاعرنا وتفكك علاقتنا الاجتماعية والإنسانية مع أنها يفترض أن تعمق هذه المشاعر وتفعلها ورغم الفتاوى التي تحرم أعياداً كعيد الحب والأم والمعلم وغيرها في مجتمعاتنا الإسلامية نجد إقبالاً كبيراً عليها لما تحمل من بعد إنساني ومن إحساس عاطفي ومن رمزية غنية بالمشاعر ..

وأتذكر أن الأخ الأستاذ جمال أنعم عاتبني ذات مرة لأنني كتبت عن عيد الحب بوصفه تقليدا للأجانب فالحب ليس مناسبة طارئة وإنما سلوك حياتي مستمر كنت أنظر للأمر من زاوية شرعية وكان الأستاذ "جمال" وله من اسمه نصيب وافر يرى في الأمر بعد إنساني في واقع تصحرت فيه المشاعر وتجمدت العلاقات رغم أن الدين الإسلامي في جوهره رسالة حب وحرية في أشمل وأرقى وأسمى معانيهما.

هناك من كتب عن كل الظواهر والقضايا وشخص مشاكل الواقع وطرح الحلول والمعالجات ولكنه لم يكتب حرفاً واحداً وفاءاً لأمه أو أبيه أو معلمه أو أخيه ناهيك عن أخته أو زوجته فهؤلاء من المحظور نشر أسمائهن وربما يذكرهن البعض بسطر في مذكراته التي ستنشر بعد وفاته وربما وفاتهم.

كم من الأعلام اليوم يشيد بجهود زوجته أو زوجاته ويذكر أدوارهن ومواقفهن في حياته؟!!

لقد كان صلى الله عليه وسلم يضرب أروع الأمثلة في الوفاء حين كان يشيد بزوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ويثني على عقلها وأدوارها ويقول: (لقد كانت وكانت وكان لي منها ولد). حتى غارت منها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رغم أن خديجة ميتة ولو كان في إخفاء أسماء النساء وعدم الحديث عنهن مندوب شرعي لما عرفنا أسماء زوجات الرسول وبناته وأسماء زوجات الصحابة ولكنها العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان.

أقول: مثلا متى قرأنا للدكتور عبد العزيز المقالح الذي سود الصفحات شعراً ونثراً وكتابةً مقالاً عن أمه أو زوجته التي لا يذكرها في مقابلاته إلا عند الحديث عند تكدس البيت بالكتب باعتبارها شاكية ومتضايقة من هذا الحال وهكذا كنموذج يقاس.

قد يقول قائل: ما فائدة أن يكتب هؤلاء المشاهير عن أقاربهم أو معلميهم؟
أقول: ليغرسوا فينا قيمة الوفاء والشكر المفقودة في حياتنا تجاه أهل الفضل علينا من أقاربنا أليس الأقربون أولى بالمعروف؟!

ومعلمينا وكل أهل الفضل علينا؟
تلك الأم التي حملتنا كرها ووضعتنا كرها وأرضعت وربت وسهرت وعلمت وأدبت ألا تستحق وفاءاً يتجاوز تعليق صورها على حائط البيت إلى تتويجها ملكة في عرش سويداء القلب وحدقات العيون؟؟!
وذلك الأب الذي صارع ويلات الحياة وعارك قسوتها ومشاقها وبذل الغالي والرخيص والحاصل والنفيس من أجل سواد عيوننا ألا يستحق حباً يسكن شغاف القلب ويصدقه القول والعمل؟؟!

أساتذتنا الذين شرحوا وأوضحوا وبحت أصواتهم تدريساً وتوجيهاً ونصائح ألا يستحقون الشكر والتقدير؟!

زملاءنا من شاركونا كتبهم ودفاترهم وأقلامهم وملازمهم وكيكهم وعصيرهم وقاسمونا مصروفهم القليل ألا يستحقون السؤال والدعاء؟!

زملاؤنا في عملنا من استفدنا من تجاربهم وأكلنا معهم الخبز والملح تكاملنا مع بعضهم وتنافسنا مع آخرين وتحاربنا مع فريق منهم ألا يستحقون حبنا وعفونا ودعمنا ومشاعرنا؟!

حتى أولئك الذين كرهونا وحقدوا علينا وعملوا ضدنا واغتابونا وأعطونا من حسناتهم وأوقاتهم ألا يستحقون الشكر والتقدير لو تأملنا؟!

ألم يعطي هؤلاء للحياة طعمها الحقيقي؟!
أليس هم بهاراتها وملحها ووجهها الآخر؟!
ألم يشعرونا أننا أحياء نؤثر إيجاباً وسلباً؟!
ألم يعطونا أهمية لم نكن ندركها وقيمة ولم نكن نعلم بها؟!

Back to top button