[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

ابن خلدون ويمن اليوم!

للناس أعمارهم الحقيقية. وهي غير عدد السنين والحساب، الأعمار الحقيقية للناس هي ما يكافئ عطاءهم للناس. لهذا يحب الابن البر الأب المحسن أيما حب. وجاء الأثر بالنصيحة للابن وليس أمرا كما قد أسيء فهمه "أنت وما لك لأبيك" لتأكيد مسألة التبادل للأداء والقضاء.

والإنسان يحسب عمره بقدر ما قدم للإنسان، والناس، والحياة، والكون. وبغير ذلك فإن الإنسان يمسي مجرد رقم لا معنى له، ولا غاية منه.. ويبقى غائبا، وإن حضر. وابن خلدون يؤكد هذه الحقيقة بشقيها الفرد والجماعة وأكد أيضا الإشكالية التبادلية، أن سلبا أو إيجابا، بينهما، والعلاقة الطردية الوطيدة بين الطرفين.

وإذا جئنا لنرى، ونبحث في أسباب تفكك أي اجتماع إنساني، أيا كان أسرة أو جماعة أو قبيلة أو شعبا أو أمة أو دولة سوف لن نجده أكثر من تحلحل أجزائه، وفساد مركباته، وتحلل عناصره، في الشروط الإرهاصية، والتكييفات الأساسية لوجوده ابتداء وابتناءً في بداياته ألأولى وبنائه الأول. وذلك يحسب كنتائج لعملية التطور التي تصل إلى نهاية المنحنى. ولا تحسب في إجراءات التسلسل في حلقات ومحطات التطور ذاته في ازدهائه وثرائه وازدهاره. فالتطور هو إجراءات في محطات متلاحقة في الخط العام لتتابع المحطات التي تؤدي إلى الغاية: التقدم..

وبناءا على ابن خلدون؛ وارنولد توينبي؛ فإن التطور لا ينظر إليه على أنه هو التقدم عينه، بل يجب أن ينظر إليه على أن التطور هو إجراءات وتحرك قوانين التقدم التي عند نقطة محددة تبدو معرفات تطور تلك القوانين في إجراءات العملية العامة (التقدم) بأنها تتجه إلى التحلحل، والفساد، والتحلل، ومن ثمة الإنتهاء والتلاشي والضياع.

والطبيعي أن نقول، عن أي مجتمع، أن الوضع الطبيعي له هو التقدم والاتجاه إلى الأمام، والانتقال إلى المحطة التالية، ونحن راكبون قطار الزمن. ذلك هو الخيار الطبيعي لنا في الحياة ضمن نظرية القطار، والزمن ناهيك أنه هو الخيار الوحيد، العاقل، المتاح لنا في الوجود والبقاء والاستمرار، أو أن ننزل من القطار. لكنا لا نستطيع أن نوقف القطار!

ومهما يموت الفرد، وتفنى أسر، وتنتهي من القبائل والجماعات أعداد جمة من حياتنا، فإن المجتمع ككتلة ووحدة واحدة لا بد ولا مفر ولا محالة أن يجدد ذاته، ويتحرك، ليستمر ويدوم، ليتجدد من داخل نفسه، وليستجمع أسباب القوة من جديد، وبشجاعة يسلم الراية لجيل جديد آخر ضمن الإجراء التطوري في العملية العامة لمكانيكية وآليات وأدوات التقدم في خط التسلسل للتطور.

وتلك هي العملية الإبداعية التي تستوجب الإنسان أن يسير في سبلها؛ وهي العملية المقصود بها قضية استخلاف الإنسان في الأرض لعمارتها، وحفظ نوعه، وهي تمثل الجزء الأكبر من القضية العباداتية والتوحيدية المطلوبة من المستخلف خلافته في الأرض للمستخلف والمبدع الأول: الله جل جلاله!

ومن السلامة، وحسن الإيمان، واحترام العقل أن ظهر لنا جليا ذلك الناموس الإلهي، والقانون الأزلي إلى أن يرث الله الأرض وماعليها. إن قانون البقاء، وناموس الإستمرار يظهران هنا بقوة وجلاء ملموسين. إلا أنه في خضم تلك المعركتين تظهر أيضا إمكانية أو إحتمال الإرتكاس والإنتكاس، والسقوط، ومن ثمت التلاشي والضياع والإنقراض؛ فيما لو فشلت القوى الاجتماعية في التصدر في الصفوف الأولى، واقتناص الفرصة الموآتية، واستحواذ أزمة المبادرة ورسنها، وتحريك المجتمع، والشارع بإتجاه سرادق الورآيين والظلاميين ، والسيطرة على وسائل البقاء، وأسباب الإستمرار. في هذه اللحظة من تاريخ أي مجتمع تظهر الحاجة الماسة إلى تعزيز قوانين البقاء، ونواميس الإستمرار. وتظهر قيمة التضحية، وموازين عيارات الإيمان النقي.

وإمكانية الإنتصار ممكنة؛ وتحتاج فقط إلى الإيمان بقدرة الإنسان على التغيير، وقيادة التغيير، والرؤية الواضحة في العقل الوقاد، والإيثار والتضحية عند كل ذي قلب ذكي، ونفس زكية.

وإذا ما وصل الكيان الاجتماعي لشعب، أو لأمة إلى تلك النقطة على المنحنى التي يكون عندها مشلولا، فإن المسألة في السقوط والتشظي تمسي مسألة إنتظار ليس إلا. وهذا ما وضعنا فيه الرجل القابع، والمعارضة الموالية، بانتظار دولة التوريث الديموقراطي، أو التأثيث الأوتوقراطي لدولة أحمد الابن. تراكمات فشل وعجز وقصور رؤية ونرجسية.. لثلاثة أجيال ونيف. فماذا تتوقعون غير الذي نراه من التيه.

إن حالة الشلل الذي أوصلنا إليه هذا القابع في قصره العاجي بعيدا عن الناس، وفي ظلال ثلاثين ألف بندقية ومئات من فوهات الدبابات وحالة الذهول والشدة التي سمرت الوجوه والمعارضة المدكنة المدجنة الموالية له، مفتوحة لخطرين اثنين. الخطر الأول؛ من القبيلة، وأنساقها ألاجتماعية غير الأخلاقية والفاسدة. والثاني؛ الضغط الاجتماعي المناهض للقبيلة من داخل النسيج الاجتماعي نفسه. الصراع القائم بين الإثنين قد ينهك أحدهما أو كلاهما، وهذا هو الذي يحدث الآن، فيضعف عناصر القوة، والحياة، والبقاء، والاستمرار، في المجتمع اليمني، فتبدأ في التلاشي والانتحار الاجتماعي، وبدون تدخل من أية ظروف خارجية.

ويبدأ العد التنازلي لنا، مختوما عليه عبارة تقول:(انتهت صلاحيته بسبب الضعف والعجز والمرض وسوء الاستخدام). تلك هي النتيجة المنطقية لما يطلق عليه في علم الاجتماع المدني ناموس التناقض والصراع. والفراغ الحادث آنئذ من الإثنين لعدم تغلب أحدهما أو لتهالكهما معا يغري أيا كان باحتلال الفراغ. هذا ما أوصلنا له هذا الرجل الجاهل في صنعاء تحت ظلال البنادق والمدافع والرصاص. على ضؤء ذلك ستحدث تحالفات بالقسر بين فرق وأحزاب وجهات غير متجانسة ستفرضه الأوضاع الجديدة فرضا. إلا أن ذلك ليس في الاتجاه الصواب في سلسلة التطور. التتابع في العملية العامة باتجاه التقدم يجب أن تكون عناصره متناسقة متناغمة ومنسجمة. إن الذي سيحدث آنئذ هو نوع من النبت الشيطاني، وعملية تهجين غير طبيعية. والنتيجة إما الإجهاض، أو مولود مشوه غريب.

فمن سيحتل الفراغ؟ وما هي طبيعة القوة الجديدة القادمة؟ وما هي التحالفات الجديدة؟ تأمل إذن ! وكيف هي الصورة الأخيرة لنا آنئذ ؟ عادكم ما شفتم من الجمل إلا أذنه! عاد الدماء ستسيل إلى الركب! كما جاء في كتاب الكبريت الأصفر.

يأتي التحلل والضعف في مجتمع اليمن من التحلل والضعف والسقوط من الحاكم الجالس فوق صدورنا لاثنين وثلاثين عاما فاسدا؛ الذي فشل تماما في أداء دوره الاجتماعي، في قيادة المجتمع اليمني إلى شواطئ الأمن، والسلامة، والسكينة، والسلام الاجتماعي. إن هذا السقوط والإنتحار الاجتماعي في ماسادا يمنية أتى نتيجة لضعف القيادة، في العقل والروح والنفس، اللائي تسبببن في هذا العجز بآليات، وأدوات، ومحركات المجتمع المدني، بالتالي آلت إلى أن خنقت الجميع، لنر ما نرى من الإنحدار السريع إلى حفرة من النار، وهوة سحيقة في بئر سحيق.

القضية ببساطة هي أن الإنسان الفاشل في القيادة، يجب أن يستبدل بإنسان آخر قادر على قيادة المجتمع، وإنقاذه من الانتحار الماسادي، استدفاعا لغريزة البقاء، واستبعاثا لفطرة الاستمرار، واستجاشة لحفظ النوع. مالم يحدث ذلك، من داخل المجتمع لإنقاذ المجتمع اليمني، من إفراط الجنون في قمة هرم السلطة، وتفريطها بإنسانية، وآدمية الإنسان اليمني، وحقه في البقاء والاستمرار؛ فسيحدث ذلك السقوط، لابتناء كتل أخرى نتيجة الفراغ الناتج بعد السقوط غريبة عن التاريخ اليمني، وعن أنساقه الاجتماعية؛ التي نرى بوادرها حوثنة شمال الشمال، وفي أقلمة المشكلة اليمنية وتدويلها بالنيابة والتمثيل!
العضو المريض في الجسم لا بد من علاجه بالعقاقير المناسبة. ولكن يبدو لي أن الحالة المرضية للحاكم متأخرة، وأن احتمالات انتشار مرضه في الجسم كله، احتمال وارد بنسبة كبيرة، ومن ثمة تدمير البدن كله .. إذن فلا بد من بتر العضو الذي تسرطن لئلا يسرط الجسم كله. فهل أدركنا الوقت أم أدركنا الوقت؟

إذن تحلل وسقوط اليمن، هو في النهاية، برهان جلي واضح، لثلاثة أجيال من الفشل والفساد، نتيجة غير محمودة وإن كانت منطقية لاختلال في النفس، والروح، والقلب لرجل مريض يحكمنا لإثنين وثلاثين حولا كاملا. وهو وضع مرضي يصل المرء إليه كحاكم لأربعة وعشرين مليون لأنه لم يجد من يرفضه. الرفض حالة صحية في المجتمع. توقف الرفض عند الإنسان والمجتمع.. توقفت الحياة في الإنسان، ليموت المجتمع كله !

التطرف.
وإذا أحببت صديقي القارئ أن نرشد، معرجين كراما، في الحديث عن مشكلة التطرف في إشكالية تحلل وانتحار اي اجتماع إنساني، فسيكون ذلك أمرا مشوقا، وظريفا، وطريفا. فالتطرف أيا كان شكله وصوره وأنماطه وفي أي ميدان من ميادين الحياة له آثاره المهلكة والمدمرة لأي كيان كان فردا وأسرة وجماعة وقبيلة وشعوبا أو أمما. هو مرض يصيب الجاهل أو خريجي المعلامات.

التطرف يسبب الضعف العام في حياة الفرد والاجتماع الإنساني، ويحلل المخزون الفكري لهما، مسببا إعاقة وتعطيل آليات، وأدوات، ومحركات الأنشطة المدنية في المجتمع. التطرف مرض يصيب الأفراد، كما يصيب الاجتماع الإنساني أيا كان شكله ونمطه ونوعه.

واستسلام الناس، في بوتقة أي اجتماع إنساني لهذا المرض، يسلمه للإنحلال والتهلكة والإنتحار الماسادي. وعلى العكس من ذلك؛ فإن أي اجتماع إنساني، لو كان يقظا متأهبا، وجادا ومثابرا، ومعتدل الفكر، والرؤى، والرؤية؛ فإنه ليس فقط يعطي الولادة للآليات والأدوات والمحركات اللازمة لتحريك وهز المجتمع، بل يمنح إستمرارية عملية التقدم من خلال درجات ومراحل التطور في التدفق في شرايين الاجتماع الإنساني تجددا وحيوية، وقدرة على شد زمام المبادرة، ونزع فتائل التشظي، والإنشطار، في السبيل الواعي الداعي إلى الإنتقال بالكل، في الاجتماع الإنساني، طورا آخر من الرؤى المعتدلة، والأفكار الواضحة، والمشاريع الأخلاقية الإنسانية، في مضمار عملية تخليق الحلول للمشاكل العالقة في حنجرة المجتمع، التي تمنعه من التنفس، والتألم، والصراخ الشاكي. إذا توقف الإنسان عن الصراخ الشاكي فإنه لا محالة ميت. تلك قضية حسمها التاريخ مرارا وتكرارا.

التطرف هو ليس فقط نزف للماء الموجود في الجسم، واللازم لبقائه. يصاب الجسم بعدها بجفاف خطير يهلكه. والتطرف، في أي اجتماع بشري، ليس فقط ينزع بمكونات ذلك الاجتماع البشري إلى جفاف الحياة بكل أنماطها الحيوية، وجفاف في الرؤى والتفكير، لإعدامه كل إمكانيات الخيار والانتقاء المبني على الحرية التي وهبها الله للإنسان كشرط أولي لخلافته في الأرض، وتكييف إرهاصي أساسي لاستخلافه. تلك أساس ما يسمى بعلم النفس الاجتماعي ذنوب خطيئة التطرف... بل هو أيضا عملية تدمير شاملة لكل إمكانيات استنهاض المجتمع، الذي يجعل حتى احتمالات التعاون بين أركانه ومؤسساته وهيئاته بل وأفراده مستحيلة. التطرف هو كل ما يقف معترضا أية إمكانية للقفز فوق سكة سير القطار. النتيجة قد حسمت منطقيا. أن القطار لا يكترث كثيرا للأقزام اللذين يقفون في سكته!

الفساد الأخلاقي
وبنفس الطريقة التي يعمل بها التطرف في عملية إعاقة المجتمع، وانتحاره في ماسادا اليمنيين ومأساتهم التي لا يعيها التاريخ أبدا، تعمل الأخلاق الفاسدة عملها في تفكك المجتمع وانحلاله وتلاشيه. إنها تقوم بعملية استنزاف كل قوى المجتمع، البدنية والعقلية والحيوية، وتضييعها وتشتيتها في في غير مستقراتها الحقيقة أن تكمن بها في مواضع تحفز المجتمع إلى المحطات التالية في سكة التطور ومراحله، وصولا للمجتمع الفعال لأسباب تطوره وتقدمه.

الإنسان المتطرف، والإنسان الفاسد سيان. فكلاهما لا يمتلكان الرؤية الصحيحة للإنسان والحياة والكون والأشياء. وكلاهما لا يعرفان التفكير المعتدل، والإنصاف العادل للإنسان والمجتمع، ولا يدركان النظر المستقيم للامور إلا من طريق واحدي الاتجاه. وهما أبدا في حالة من القلق حول نتائج أفعالهما. وهذا ينعكس على كل الاجتماع الإنساني الذي يمسي يعيش في حالات القلق من غد. واليمن واليمنيون يعيشون ذلك القلق إلى اللحظة. لهذا نحن في حالة من الضبابية وانعدام الرؤية، ناهيك عن عدم الإتزان؛ غير قادرين على الحركة أو اتخاذ قرار، أو المبادرة، أو حتى إبداء النصح الراشد الصادق لهذا الرجل القابع في صنعاء بانتظار المنقذ من خارجنا، وقد قدم كثيرا من أجل ذلك!

فمن الذي يرعى الفساد في اليمن سواه؟ ومن الذي يغض الطرف عن المفسدين عداه؟ ومن الذي عزز أركان حكمه بأبنائه، وأسرته، وقريته بغض النظر عن المؤهلات العلمية والعسكرية والأكاديمية.. في محاولات لتحدي قوانين التاريخ، ونواميس الاجتماع الإنساني؟ مسكين ابن خلدون؟

وكما أن أي اجتماع إنساني يتطور من خلال توسيع ليس فقط فرص المشاركة في الحكم فحسب، بل وفي المشاركة في المال العام، وإطلاق الحريات الرافضة المؤدبة والمؤدبة في التقييم والنقد وتوسيع شرايين الشورى الديمقراطية، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات واتحادات وقوى وأنشطة تنعكس على مفاصل المجتمع حركة وحياة وتنويرا... كما يكون ذاك يكون بمقابله ما يفعله الفساد الأخلاقي بمعناه الواسع في المجتمع اليمني من تهتك في أعضائه، وتمزق في أعصابه، تودي بكل وظائفه الطبيعية إلى التوقف والتحلل والهلاك.

الدين

والسؤآل هو: أين هو الدين من عملية التحول الاجتماعي وبناء الأمة؟ أم أنه أضحى مجرد الصلوات الخمس والصوم والزكاة والحج ؟ ومجرد فتاوي عن حف الشوارب وإطلاق اللحى؟ وعن الحيض والبول؟ أين هم علماء الدين من كل هذا؟ ولماذا هذا الصمت المطبق في غير صلاة الجمعة؟ وهل الدين الإسلامي مكانه المحراب فقط؟ ألا يقولون ليلا ونهارا أن الإسلام دين ودولة؟ وما برحت معاركهم مع من يطلقون عليهم العلمانيين طازجة طرية؟ كيف هنا مع السلطة هو دين وحدوده المسجد فقط!

هل ذلك هو كل ما بقي من رسالة محمد؟ تلك الرسالة التي بدأت برجل واحد وانتهت أمة تمتد في الأرض جميعا؟

الإنسان أكرم وأجمل من خلق الله. قضية محسومة في القرآن والسنة الصحيحة عنه صلى الله عليه. وكل مدار بقآئه واستمراره وحفظ نوعه كان محور الرسالة، واهتمام محمد، من أول سورة في القرآن إلى آخر سورة فيه.

وعلى هذا البناء الشامخ للرسول والنبي أزعم أني قادر على القول أن محور المشروع المحمدي دار في دوائر شؤون الإنسان، وترتيبات أمور إقامته في الدنيا، والمحافظة على بقائه، وإدارة استمراره وحفظ النوع الإنساني. كان ذلك الهدف هو غاية خلافته في الأرض، واستخلافه لإدارة شؤون الإنسان، وترتيب علاقاته مع الناس، والكون، والحياة.

والخلاف الذي قام بين الناس كان دوما يمثل الصراع الاجتماعي بين الإجتهاد التنويري االتأويلي، وبين الاجتهاد التسويري التمثيلي (صياغة من سور، ومن التمثل بالسابقين). بين الحركة والجمود؛ بين التوجه إلى المحطة التالية، وبين الوقوف والتسمر في المحطة خوفا من ركوب القطار. ولقد قامت القيامة فوق رأس أبي حنيفة النعمان وإلى الآن حين قال بأن المرأة قاضيا، وحين قال:" ماجاء من النبي فعلى الرأس والعين، وما جاء من الصحابة نظرنا فيه، وماعدا ذلك فهم رجال ونحن رجال"!

فأين هو الدين من عملية التثوير الاجتماعي والتنوير اللازم للقيام بتحريك مفاصل المجتمع اليمني في التطور إلى التقدم، مع بقية عناصر التثوير والتنوير في اليمن؟ وأين هم العلماء من كلمة الحق عند السلطان الجائر؟ أو هم (قيوم مسجد) فقط لصلاة الجمعة؟ أو أن فتواهم توقفت عند الإجتهاد والإفتاء لمنح البغاء ثوبا شرعيا تحت مسميات مثل (الزواج السياحي) و(الزواج المسيار)؟

ما جاءت الرسالة إلا للتشكيك في شرعية الحاكم والحكم، ومراقبة شؤون التصرف بمال وثروات الأمة. من الشك يتولد اليقين. قضية عقلية يدعو لها، بل وأكدها القرآن، والسنة الصحيحة، وآثار الصحابة. ف ( من رأينا منه خيرا، حكمنا عليه بالخير. ومن رأينا منه شرا، حكمنا عليه بالخير) أو كما قال عمر.

وما جاء الفكر الإسلامي إلا لتضييق الدوائر على الحاكم وولاته ووزرائه. أنا لا أتحدث عن التجارب التي حادت ان بعيدا أو قريبا عن النظرية الإسلامية بخصوص الحاكم والمحكوم. أنا أتحدث عن النظرية الإسلامية النقية التي وردت خطوطها العريضة في القرآن وأدبيات السنة الصحيحة عنه، وأدبيات النبي كسياسي، وحاكم ورئيس، وقائد. فكلمة عمر لأبي بكر (فهلا وسعت المشورة) خير ما يقوم هنا كشاهد حال.

أن الدعوة لتوسيع العملية الاجتماعية من خلال توسيع دائرة المشاركة السياسة هي في الأخير عملية توسيع دائرة الاجتماع الإنساني في تدوير عجلات القطار، وركوبه القطار ذاته للإنتقال إلى المحطة التالية. وهكذا دواليك، إلى الوصول إلى المحطة المبتغى. ذلك هو الإرهاص والأساس في مسألة العلاقة بين الحاكم والمحكوم. والحاكم هو أجير عند الأمة. ولهذا قلت في البداية أن الفكر السياسي والاجتماعي في النظرية الإسلامية هو عملية تشكيك في شرعية ونزاهة الحاكم، و(زرزرة حقوه) من خلال العملية الشوروية الديموقراطية التي هي في الأخير عملية مراقبة، للوصول بالحاكم إلى مرحلة التسليم بأن الناس في يقظة مراقبين.
وللأسف المضني، فإن علماءنا توقفت الحالة بهم عند زواج الصغيرات، وتركوا القضية الأساسية من الدين. إلى الآن والقائد البار يعبث بكل شيء: بالحياة، والأرض، والناس. أتمنى على العلماء اللذين يعنيهم الحديث، أن يذهبوا إلى بيوتهم ليرتاحوا، ونرتاح منهم ومن رؤيتهم!

المعرفة سلاح المعركة
النور! تلك هي المعركة التي يجب أن يركز عليها إذا فتح الله علينا بعهد إبراهيمي جديد. إذا لم نفعل ذلك، واتجهنا كما تتجه السلطة في عقد صفعات السلاح بملايين الدولارات يستمد عمرا إضافيا للفساد فسنكون كمن يضع العربة أمام الحصان.

اعطني وزارة الثقافة، سأعطيك شعبا صاحيا يعرف حقوقه. اعطني التليفزيون.. سأصنع لك أمة تأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع، وتجعل الصحراء سندسا أخضرا. اعطني وزارة الثقافة والإعلام والزراعة.. سأجعل من اليمن سويسرا الجزيرة العربية!

خواطر من قلم:
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان
مهندس معماري . إستشاري.
فرجينيا الولايات المتحدة الأمريكية

زر الذهاب إلى الأعلى