[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

جرعة خفية.. وشعب ضحية!

يعيش شعبنا اليمني حالة غير مسبوقة من السلبية على الرغم من شدة المعانة التي يتعرض لها فلأول مرة يبلغ التضخم في أشهر محدودة حوالي(50%) والناس راضين وصابرين ، والسؤال الذي يبادر إلى كثير من المتابعين لماذا كل هذا الصمت من المواطن العادي الذي لاعلاقة له بالسياسة ، وخاصة محدودي الدخل والبسطاء ، هؤلاء قد تجد أحدهم يقول لأجل فلان (نمتز) والمز هو العصر وقد يكون ذلك الشخص لايملك قوت يومه، وتراه يدافع باستماته عن السلطة ، ويحمل المعارضة كل المسئولية عن المعاناة التي يعانيها.

وإذا سألته بحوار هادئ إذا كانت المعارضة هي المسئولة فلماذا لم تقدم السلطة مرتكبي التقطع وغيره للمحاكمة فهذه مسئوليتها يرد عليك هؤلاء لديهم قوة كبيرة ، تقول له المنطقي إن يعيد الحاكم السلطة إلى الشعب بسبب عجزه عن إدارة البلد ، يرد عليك ومن البديل أصلا لايوجد بديل والتغيير يجب أن يكون إلى الأفضل ، والشعب لايوجد فيه إلاَّ فلان وفلان هم الأفضل ، أما بقية الشعب بملايينه فلايوجد أحد قادر على الحكم ، مثل هؤلاء وإن فكر إحياناً فإن تفكيره يتوقف إن تابع الإعلام الرسمي الذي يمارس برنامج تضليل ويدار برؤية أمنية تتعامل وفق نظرية أن غالبية الشعب يسمع ولا يفكر ، إن تلك المشكلة جاءت نتيجة خطة إديرت بإحكام فأوقعت غالبية الناس في حيرة حتى في الدفاع عن حقوقهم المشروعة ويمكن إيراد بعض الملاحظات لطبيعة المشكلة التي وقع فيها الشعب والسلطة منذ إندلاع ثورة الشباب وذلك كما يلي:

أولاً/ بينما كانت السلطة تعد لدخول الإنتخابات بصورة منفردة أسوة بالحزب الوطني في مصر ، تصاعدت حدة الثورات العربية في تونس ومصر وسقط الحزب الوطني في مصر(والجميع يعرف الحكاية) كانت المفاجأة للسلطة الحاكمة في اليمن ، فبدأت تعد العدة بالسيطرة على ميدان التحريربصنعاء تشاؤماً من أحداث ميدان التحرير بالقاهرة ، ثم بدأ التعامل بشكل جدي مع الموضوع من مطلع فبراير2011م.

ثانياً/ مع شعور السلطة بالخطر حاولت إستمالت الشباب الجامعي من خلال توقيف الموازي وإنزال حوالي(60) ألف درجة وظيفية جديدة ، وتخفيض ضرائب الدخل للموظفين ، واستكمال المرحلة الثالثة من الإجور ، إضافة إلى وعود كثيرة لشباب الجامعات ، والسلطة بتلك الإجرءات استحضرت أساس المشكلة في تونس والتمثلة بالبطالة بين خريجي الجامعات التونسية ، كل تلك الإجراءات لم تكن معتمدة في موازنة الدولة ، والفكرة دون شك جاءت في لحظة يأس ترجح إمكانية سقوط السلطة وبالتالي سيصبح أما الحكام الجدد لغم عشرات الألاف من الدرجات الوظيفية دون إعتمادات مالية ويكون ذلك أول فخ للثورة المضادة ، يضاف إليه إفراغ البنك المركزي من العملات الصعبة وغيرها وبالتالي تدخل الحكومة الجديدة في مأزق مالي حاد.

ثالثاً/ تبين أن كل ما قامت به الحكومة لاستقطاب الشباب لم يفلح ، فلجئت السلطة إلى الحلول الأمنية من خلال استهداف الساحات حتى وصل الأمر أخيراً إلى الحادث الإجرامي لجمعة الكرامة ، واستمرت المعالجات الأمنية في عدن وتعز وغيرها وكان أخطرها إحراق ساحة الحرية بتعز وإزالة إحدى ساحات عدن باستخدام القوة العسكرية ، ولكن ومع كل ذلك لم تفلح السلطة في التأثير على زخم الإعتصامات.

رابعاً/ مع تصاعد الصراع السياسي ودخول المواجهات المسلحة في أبين ونهم وأرحب وتعز والحصبة ، ثم أحداث جمعة رجب الشهيرة ، كل تلك الأحداث أخرت من موعد حسم ثورة الشباب السلمية ، وأصبحت السلطة في مأزق مالي لاتحسد عليه.

خامساً/ بدأ وضع استراتيجية للخروج من المأزق المالي من خلال توفير موارد جديدة ، تمكن السلطة من شراء اسلحة لمواجهة قوى التغيير ، وللوفاء بالتزامتها وخاصة ما يتعلق بالوظائف الجديدة وتثبيت المتعاقدين وغيرها من الإلتزامات الماليه بمافيها طلبات ساحات الإعتصام المؤيد للسلطة ومهرجاناتها.

سادساً/ أمام تلك الحيرة كان لابد من القيام بإجراءات منها الداخلي ومنها الخارجي ، ومن ضمن الخيارات الحصول على مساعدات خارجية ، وتحميل الشعب جرعة داخلية.

سابعاً/كان تفجيراً خط أنابيب النفط ومشكلة التيار الكهربائي وندرة المشتقات النفطية ، إضافة إلى حادثة جامع النهدين ، عناصر مهمة ساعدت على تكوين رأي عام داخلي وخارجي ، مكن من تمرير جرعة خفية ومساعدات خارجية عززت موارد الدولة بمليارات الدولارات.

ثامناً/ كانت الآلية التنفيذية على المستوى الخارجي طلب المساعدة لإنقاذ الشعب اليمني وتم ذلك بملايين البراميل من النفط خاصة من السعودية والإمارات إضافة إلى مساعدات عينية أخرى ، ولا ندري إن كانت هناك مساعدات أخرى لم يعلن عنها ، وهذه لوحدها عززت السلطة بمليارات الريالات لأن المشتقات النفطية مثلاً بيعت خلال الأزمة الحادة بأضعاف أثمانها، أما على المستوى الداخلي فقد أُدخل المواطن في أزمة حادة أوصلت الدبة البترول إلى اكثر من عشرة الف ريال ، وعلى الرغم من وعد وزير التموين بتوفير النفط بالأسعار السابقة خلال الإسبوع الأخير من شهر شعبان ، إلاَّ أن ماحدث بشهادت مختصين في مجال النفط بيع النفط العادي على أساس أنه ممتاز وبسعر(3500)ريال ، وطبعاً هذه الجرعة إبتلعها المواطن من خلال زيادة أجور النقل بواقع(70%) ، وعلى مستوى الغاز أصبح سعر الدبة لدى الموزعين في الحارات حوالي(2000)ريال بعد أن كانت ب(1100)ريال وبالتالي ابتلع المواطن جرعة الغاز بما يقرب من (90%) ولازال غير مكترث أو معترض ، أما على مستوى الوظيفة العامة فقد أوهم الموظفون بزيادة وهي في الحقيقة المرحلة الثالثة من الإستراتيجية التي تأخرت حسب تصريحات وزير الخدمة بسبب حرب صعدة ، إذن أدخل الموظف في وهم الزيادة وهي لم تتحقق فعلاً ، ومن جانب آخر تراجع الريال بواقع(20%) ومثل جرعة أخرى تضاف إلى بقية الجرع ، والشعب المغلوب على أمره صابر!!!!

أخيراً يتساءل البعض هل معقول أن يتم كل ماسبق والشعب ساكت وراضي كيف تم ذلك ، الحقيقة أن السكوت كان نتيجة استغلال حماس المواطن سواء مع ثورة الشباب أو ضدها ، فأوهم المجتمع أن كل ماحدث بسبب ثورة الشباب وأن اللقاء المشترك يوجه عناصره بقطع الخدمات وأن الحكومة بريئة وضحية ، فاستطاعت بذلك الحكومة تضليل وإسكات أصوات الموالين لها بل وحشدتهم سياسياً ضد قوى المعارضة ، وبالتالي خرجت الحكومة كاسبة سياسياً من خلال إقناع العامة بخطر المعارضة وأنها فقط تطمح إلى الحكم ، وتمكنت السلطة بذلك من الحصول على قبول المجتمع بالجرعة دون اعتراض، في الجانب الآخر على الرغم من دعوة قادة المعارضة للحكومة للقبض على العصابات التي أضرت بالخدمات وغيرها ، إلاَّ أن الحكومة لم ترد على هذا السؤال ، وفي المرة الوحيدة التي أعلنت أسماء مفجري أبراج الكهرباء وقطاع الطرق أكد المشترك أن هؤلاء أعضاء في المؤتمر الشعبي ، ولم ترد الحكومة على قول المشترك بل خرج في مرة واحدة عبده الجندي ليصرح أن اتهام عناصر من المؤتمر دليل على حيادية وشفافية المؤتمر في القبض على الجناة من أي حزب كانوا!!! إن الإجراءات السابقة من قبل الحكومة والتي وضعت الساحات محل اتهام بتلك المشكلات قيدت ردود أفعال قوى الثورة ، وبالتالي أعدت مصفوفة من الإجراءات الأمنية لمواجهة أي معارضة للجرعة الجديدة.

إن الحكومة قد نفذت جرعتها الخفية ، ورفدت الموازنة بمليارات الدولارات ، بعد أن كانت على وشك الإفلاس حسب الرسائل الموجهة من وزير المالية إلى الحكومة ، وبالتالي أدخل الشعب في أوهام سياسية أفقدته حقة في المطالبة بحقوقه ومن ثم أصبح ضحية ... ولمن مما هو مؤكد أن اشعوب لايمكن أن تستغفل إلى مالا نهاية وحتماً سيكتشف الشعب حقيقة إشكالاته مع السلطة حينها ستتغير الرؤى والمواقف من أنصار الحزب الحاكم قبل معارضية ، نرجوه تع إلى أن يولي علينا من يشفق بهذه الأمة ويحمي مساكينها من بطش الظلمة ، ويولي علينا خيارنا ويصرف عنا الأشرار إنه على ما يشاء قدير.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى