التغيير لم يكن خياماً تنصب في ساحة تتوسطها منصة يتداولها عاشقو المايكروفونات والمواعظ، ولم يكن يوماً، لوحة تفقد وهجها والتأثير كلما قلّت أعداد الخيام المنتصبة في الميادين وفي الشوارع، كلما تضاءلت معها، حدة العبارات الثورية المكتوبة على لوحات من ورق، وكلما خفتت فيها، أصوات المكبرات المعلقة بالقرب من نوافذ بيوت ساكني الساحات.
التغيير كان وسيظل أسمى تعريف يعيشه اليمنيون في حياتهم ويترجمونه في كل تصرفاتهم حتى وإن بدت للبعض تصرفات آخرين غير سليمة وغير عقلانية. ذلك أن الأجيال المتعاقبة كلها في اليمن وغيرها من بلدان العالم، ستعرف وستعترف لبعضها البعض، أن التغيير روح ومعنى ومحبة وذكاء وأخلاق وتآخي ووطنية، وأنه طموح إنساني نبيل يتجدد كالشمس، كل صباح.
منذ أيام، أعلن في صنعاء عن البدء في رفع بعض خيام الاعتصام في ساحة التغيير، ومن حينها، ظل بعض نشطاء ثورة الشباب السلمية يرددون كلاماً لا يستقي وطموحات الآخرين ممن ارتأوا أهمية رفع الخيام عن بعض جهات الساحة، والسماح بعودة الحياة الطبيعية لأحياء وشوارع العاصمة، فضلاً عن اعتقاد هؤلاء ممن يتماهون مع وجهة النظر الرسمية، أنهم بهذا الإجراء إنما ينفذون بنود اتفاقية التسوية في البلاد والتي أشارت بشكل أو بآخر، إلى أهمية أن يكون هناك حوار مع الشباب يتزامن مع رفع خيام الاعتصامات تدريجياً.
لست ضد فكرة رفع خيام الساحات الآن، ولست ضد من يناوئها أو يناهض ويخوِّن من يدعو لها، ذلك أن لكثير من شباب الساحات ممن يؤمنون بفكرة بقاء خيامها منصوبة حتى تحقيق كل الأهداف، حججهم التي تبدو عقلانية إلى حد ما، ولهم أسبابهم التي يعلقون عليها بقاء خيامهم، فتحقيق كل أهداف الشباب ومطالبهم التي يجب تنفيذها من قبل حكومة الوفاق، مرتبطة ارتباطاً كلياً باقتناع هؤلاء الشباب بهكذا فكرة تبدو كما لو أنها إضافة إلى قائمة خيانة القوى السياسية لشباب الساحات المستقلين ولمن فقدوا حياتهم في أشهر الاحتجاجات والمواجهات.
سيقول البعض إن هناك مفارقة عجيبة في لهجة القوى الثورية الرئيسة منذ مطلع الربيع اليمني وحتى خطابهم الآن، وسيدفعون دون أدنى شك، بحقيقة أن تكتل اللقاء المشترك وغيرهم من قوى الثورة، هم من شكّلوا مع الشباب المستقلين ساحات الحرية والتغيير في المحافظات، وغضوا الطرف عن مسألة إزعاج أهالي الساحات في بداية تشكلها، غير أنهم الآن يلوحون بهذا السبب ذاته.. سيتساءلون: كيف لهؤلاء أن ينتبهوا الآن، لهذه المسألة الأخلاقية بعد نسيانها مايزيد عن عام ونصف من النضال في شوارع المدن الرئيسية في عدة محافظات.. لا أدري ما إذا كانت النخب السياسية الفاعلة تستطيع بكل ذكاء، تسويق فكرة هذه الخطوة التي يقدمون عليها، وأهميتها في إطار أنشطة بسيطة لكنها تجتمع في سياق الأهداف العامة لمستقبل البلاد.
للشباب الذين يتصورون أن بإمكان اللقاء المشترك أن يستحوذ على طموحاتكم في التغيير، أقول لكم باختصار: لا تقلقوا.. لأن التغيير ليس مكاناً مخصصاً لقوة دون غيرها، أو لحزب يستطيع بنفوذه وطاقته أن يهمّش الآخرين، لا، هذا أمر مبالغ فيه إذا ما سوّقه أحدهم فيكم، لأن التغيير روح ومعنى وضمير.. اليمنيون خرجوا للساحات جميعاً، قدموا التضحيات جميعاً، وحين وصلوا لأول أهدافهم الثورية التي تتو إلى نتائجها تباعاً، حتى اليوم، هي مرتبطة بصمودكم أنتم في ساحات التغيير التي تسكن أرواحكم المتوهجة بالوطنية وضمائركم اليقظة بالوطنية، لأن تجربة التغيير حتى اللحظة، أكسبتنا طاقة ذاتية للمزيد، ولا يمكن لأي قوة كانت من تكون، أن توقف جموحنا نحو التغيير الأفضل الذي ننشده جميعاً وسنظل كذلك كل يوم.
ليس من أهمية لسجال مطاطي تخوضونه إثر البدء في رفع بعض خيام الساحات، فأنتم ونحن ندرك جيداً، أن هناك خطوات أكبر تمت في مراحل مختلفة من الثورة المباركة، وتنتج ثمارها الإيجابية للجميع حتى الآن، إننا الأكثر قوة، الأكثر تأثيراً، والأكثر صنعاً للتغيير، وببساطة: لقد أضحى في داخل كل منا ساحة!