[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الحوثي.. وأكذوبة الحوار

تعتبر جماعة الحوثي من الجماعات التي ظهرت على الساحة اليمنية وازداد نشاطها في الفترة الأخيرة، منتهجة أسلوب العنف واستخدام السلاح ولغة القوة في مد نفوذها وبسط سيطرتها ونشر فكرها ومذهبها على الأرض، تعمل على الترويج لمشروعها الظلامي من منطلقات عرقية سلالية رجعية قد أكل الدهر عليها وشرب، وتجاوزها حاضر اليمن السياسي، ولا مكان لها في عصر الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية. وتعمل جاهدة على استدعاء التاريخ واستحضار الماضي القديم واجترار المظلوميات التاريخية في صراعات لا ناقة لليمنيين فيها ولا جمل.

إذ عملت حركة الحوثي في المناطق الخاضعة لسيطرتها تحت نفوذ القوة على تدمير النسيج المجتمعي وممارسة أعمال القتل والتصفية ضد المناوئين والمخالفين لها بالفكر والتوجه وبأسلوب طائفي بشع، بل وتعمل على محاربة الناس في أخص الخصائص الذاتية، وفي أهم الحقوق التي تواردت عليها الشرائع السماوية وكفلتها المواثيق والدساتير والقوانين الأرضية كحرية العبادة والعقيدة والدعوة، فمن كان يتوقع أن طائفية السيد الحوثي سيصل بها الحد إلى منع الناس من أداء صلاة التراويح والعيد واعتقالهم بتهمة الضم والتأمين بالصلاة بحجة إن هذا الفعل العبادي مخالف لمذهب السيد الحوثي، سلوك لم يحصل حتى في دولة الكيان الصهيوني الغاصب، ولم يفعله في عصر الجاهلية سوى أبي جهل (فرعون هذه الأمة) والذي قال الله فيه : (أريت الذي ينهى عبدا إذا صلى)....

خاضت جماعة الحوثي ستة حروب مع الدولة، واستطاعت بفعل المؤامرات القذرة التي كانت تحاك ضد الوطن ومؤسساته العسكرية بين الحوثي ونظام المخلوع (صالح) أن تبسط نفوذها على محافظة صعدة وبعض المديريات المجاورة لها من عمران وحجة والجوف، لتتحول محافظة صعدة إلى اقطاعية يعبث بها السيد الحوثي وميلشياته المسلحة والمستجلبة من هنا وهناك، مع تقاطر الدعم الصفوي عليهم بالأموال والسلاح، مستغلين ضعف الدولة وعدم قدرتها على بسط سيطرتها على كامل ترابها الوطني، وأصبح السيد الحوثي هو الحاكم الديني المعين من رب العالمين، والوصي الشرعي على أبناء صعدة وبلا منازع.

ومع اندلاع الثورة الشبابية المطالبة بإسقاط النظام، وبناء يمن جديد تسوده الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، عملت جماعة الحوثي على ركوب موجة الثورة وذلك من باب المسايرة للأغلبية الشعبية التي كانت ترى في الثورة بأنها تمثل بالنسبة لها بوابة عبور إلى مستقبل واعد، وبصيص أمل إلى غد أفضل..

لكن ومع مرور الأيام بدأت الحقائق تتكشف أكثر وأكثر عن حقيقة هذه الجماعة ومشروعها الطائفي المدمر، فلم تكن الساحات بالنسبة لها سوى مركزا للاستقطاب وشراء الولاءات الهزيلة والضعيفة، مستغلة العوز وقلة ذات اليد التي يعاني منها أغلب اليمنيين يغذي سياسة الاستقطاب هذه الدعم الوفير والكرم الحاتمي المتدفق عليهم من قبل نظام الآيات والملالي والأئمة المعصومين في طهران، ومن قبل المخلوع وعصابته الحاكمة الذي كان وما زال يرى في حركة الحوثي بأنها تمثل بالنسبة له حليفا استراتيجيا يعمل من خلالها على شق الصف الثوري وتنفيذ الأجندة والسياسات الخاصة بهما والمرسومة سلفا.

ولم تكن الثورة بالنسبة لها سوى فرصة ذهبية يمكن استغلالها لمد النفوذ وزيادة التوسع وبسط سطوتها على محافظات جديدة من الوطن مستغلة انشغال الناس بالهدف الجامع المتمثل بإسقاط النظام، وفعلا حاولت هنا وهناك لكن الشعب اليمني كان لها بالمرصاد..

بل كانت الأيام تكشف أن جماعة الحوثي هي جماعة طائفية وليست حركة ثورية وفقا لما قاله الكاتب سهيل اليماني في مأرب برس قبل فترة وجيزة مدللا على نتيجته هذه بكثير من الأدلة القوية.

بل أصبح الانتماء للثورة تهمة كبيرة تلحق أبناء صعدة يُدفع ثمنها باهظا على يد ميلشيات ومسلحي الحوثي، فإذا عرف أن الشاب فلان أو علان من أبناء صعدة هو أحد شباب الثورة فإن أقل المصير الذي يمكن أن يلاقيه على أيدي ميلشيات ومسلحي الحوثي هو الاعتقال والإخفاء والضرب والتعذيب بالأسلاك الكهربائية والتهديد بالتصفية الجسدية هذا إن لم يتم التخلص منه فورا، بل وصل الحال إلى ما هو أبعد من ذلك فوجود أنشودة ثورية تطالب بإسقاط النظام في جوال شاب من أبناء صعدة فهي جريمة كبرى لا تغتفر في عرف السيد الحوثي يستحق صاحبها من العذاب والنكال ما لله به عليم، هذا ما تفعله جماعة الحوثي الثائرة في صنعاء وتعز والمعلنة الحرب في صعدة وحجة على من ثبت وقوفه مع الثورة.

وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية وما ترتب عليها من تشكيل لحكومة الوفاق الوطني، وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، والتي كان من إفرازاتها الدعوة للحوار الوطني، فبعد مفاوضات مع جماعة الحوثي أعلنت مشاركتها في الحوار الوطني وصدر قرارا جمهوريا بتمثيلها بعضوين في اللجنة الفنية للحوار أحدهما شخص متهم بالجاسوسية والعمالة لدولة أجنبية ضد وطنه وهو معترف بذلك صراحة وظهر في صفحته الشخصية على الفيسبوك وهو يحمل في يده مبالغ مالية من عملة الدولة المتهم بالعمالة والجاسوسية معها، وبكل حماقة وجرأة غير مسبوقة يتباهى ويفتخر بهذا العمل الذي يعد في العرف القانوني في كل دول العالم بمثابة خيانة عظمى..

فبعض الكتاب والمفكرين وخاصة من يقرءون الأمور بسطحية مفرطة، حاولوا أن يستبشروا خيرا بإعلان الحوثي المشاركة في الحوار الوطني من باب لعل وعسى أن يكون مشاركتها في الحوار نهاية لمشروعها الطائفي المدمر القائم على منهج القوة والعنف وبداية لإنخراطها في المسار السياسي المدني السلمي.

لكن من يقرأ الأمور بعمق يعرف أن جماعة الحوثي الطائفية لا وجود للحوار أصلا في فكرها ولا في ثقافتها وفلسفتها وأيدلوجيتها التي تنطلق من خلالها وأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تكتيك مرحلي، واستراحة محارب لجأت إليه جماعة الحوثي خاصة بعد تلقيها صفعات قاسية على أيدي رجال القبائل الموالية للثورة في حجة وعمران والجوف حدت من توسعها ونشاطها وجعلتها تراجع بعض حساباتها ؛ وإلا ماذا يعني الحوار في فلسفة جماعة ترى أن الاحتكام يكون لمنطق القوة لا قوة المنطق، فإذا كان المنطق التاريخي يقول إن الناس لا يلجئون إلى القوة إلا بعد الانسداد في أقنية الحوار فإن جماعة الحوثي تعمل على العكس من ذلك فهي لا تلجأ إلى الحوار إلا بعد أن تشعر بانسداد في أقنية القوة..

هل يفهم من يصدقون أكذوبة قبول الحوثي للحوار أن الصراع مع الحوثي لا يعود إلى قضايا حقوقية أو مطالب إنسانية يمكن حلها على طاولة الحوار بقدر ما يعني أنه يعد صراعا بين مشروعين متباينين جملة وتفصيلا، بين مشروع الجمهورية، الوطنية، الدولة، المدنية ومشروع السلالية الرجعية التخلف الإمامية الكهنوتية..

ماذا أبقى الحوثي للحوار من قيمة بعد خاصة بعد خطابه الأخير في عيد الغدير والذي كشف فيه عن نواياه وعن حقيقته وحقيقة أهدافه، والذي أتى فيه على الجمهورية والمدنية من جذورها بعد حديثه عن الحق الإلهي المغتصب المتمثل بالولاية وسعي جماعته لاستردادها.. فهل يعقل الغافلون...

زر الذهاب إلى الأعلى