أرشيف الرأي

الولاء الوطني في شعر «عثمان أبو ماهر المخلافي»

المتأمل في شعر «عثمان ابو ماهر» سواء المقروء أو المسموع يجد مفردات توحي بصورة واضحة للعيان إنتماء الشاعر للاتجاه الوطني وتوضح مدى عشقه ، وهيامه لكل ذرة تراب في يمننا السعيد إضافة إلى تماهي ( أبو ماهر ) مع الوطن حيث اختلطت دماؤه الزكية مع تراب الوطن دفاعاً عن الثورة السبتمبرية الوليدة وبحكم عمله بالجيش فقد جمع بين البندقية والكلمة إضافة إلى ان شاعرنا تولى مسؤولية مطاردة الامام البدر من قرية الذروة بوشحة حتى وصل اطراف منطقة الخوبة والتي عندها طويت آخر صفحة من صفحات الحكم الامامي الرجعي البائد، هذا وقد ترجم شاعرنا الولاء الوطني في قصائد تمثل قمة الابداع كونها ساهمت وتساهم في غرس قيم الولاء الوطني في نفوس الاجيال المتعاقبة وكيفية الحفاظ على ثورة سبتمبر ..
وايضا دعوته لتحرير شطرنا الجنوبي من يد الاحتلال الغاصب ومطالبته بإعادة تحقيق وحدة الوطن ، ومن خلال طوافنا في ديوانه الأول ( النغم الثائر ) نختار نماذج من قصائده التي تعبر القلوب بلا استئذان:
في قصيدة إلى أمي :
كون المناضل ابو ماهر من ابطال سبتمبر كما أسلفنا لهذا كانت اشعاره ترجمه لما يدور في خلجات قلبه من مشاعر فياضة تجاه الوطن فكانت اليمن هي الأم التي رضع منها شاعرنا ماء الحياة ، وترعرع تحت سمائها ، واستنشق عبير هوائها وكان ترابها الطهور ديباجاً وثيراً ينام عليه وأحجار الروضة البيض الخشنة هي المساند الذي يتكئ عليه الشاعر ورفاقه خلال فترة راحته خلف المتارس الذي هذا فحسب بل جعل من ارض اليمن القبلة والمعبد في آن ٍ واحد والتي جاء فيها :
أحبك ملء الفؤاد بلادي
أحبك أماه حب الحياة
أحبك أمي ليومي وليلي
أحبك عند الشروق الجميل
ألا تدركين ارتعاشة قلبي ؟
ترابك ديباج ليلي الطويل
إليك توجهت ياقبلتي
***
هوى الروح بالغيب بالمشهد
وأحضن ثدييك في المرقد
كحبي لأمسي وبشرى غدِ
وعند الأصيل على المورد
وكيف على الثدي حطت يدي
حصى الروضة البيض كالمسند
وأركع نحوك يامعبدِ

في قصيدة القسم:
أقسم الشاعر بمجد الوطن أن يمضي على الدرب لايتوانى ولاينثني ، شعاره الوفاء والتقى خادما ارضه مدى الحياة وهو جندي بلاده ليوم القتال ، مشيراًُ إلى انه قد شرب كؤوس المنايا مثل شرب كؤوس الماء العذب الصافي ومتوجا هامات الجبال بتاج النصر والظفر والتي جاء فيها :
يميناً بمجدك ياموطني
سأمضي على الدرب لا أنحني
شعاري الفداء والوفا والتقى
أنا الثائر الحر رمز النضال
شربت المنايا كشرب الزلال
***
ويامهد كل فتىً مؤمن
ولن أتوانى ولن انثني
مدى الدهر اخدمه موطني
وجندي بلادي ليوم القتال
وتوجت بالنصر هام الجبال

في قصيدة النغم الثائر:
هذه القصيدة حملت اسم الديوان وفيها نجد معاني الولاء الوطني تتجلى في ابهى صورها حيث نجد الشاعريصور وثوب الشعب في سبتمبر كالنسيم العابق الذي طيب الانفاس وقت السحر، وهو أيضا جلال وبهاء الحق الذي اشرق على كل ارجاء الوطن ثم ينتقل الشاعر نحو تراب الوطن الغالي معطيا إياه ثلاثا من المعاني والصفات المختلفة، فتراب الوطن هو سطورمن دماء الشهداء ، وضياء في طريق الأوفياء ، ونشيد في قلوب الشرفاء ؛ ثم يخاطب الوطن ويعاهده بنذر روحه وجهده الفكري والعملي في سبيل نصروعزة اليمن ، ومن ثم يعود ويتفاخر بهويته اليمنية حينما خاطب كل من يسأله عن هويته: بأنه يمني الانتماء ، وكذلك يمني الكلمة واللحن ، ومعيداً للأذهان تاريخ اجداده وحضارتهم القديمة مثل الملكة بلقيس ، واروى ، وزاد من جمال القصيدة اللحن الخالد والاداء الوطني لرائد الانشودة الوطنية المبدع أيوب طارش والتي جاء فيها :

يانسيماً عابقاً كالزهر
ياجلال الحق صوت القدر
ياسطورا من دماء الشهداء
يانشيداً في قلوب الشرفاء

إلى قوله :
لك روحي كله يايمني
أنا شدو في لسان المؤمن
أيها السائل عني يمني شعري وفني
***
لك جهد في سباق الزمن
أنا نبض في ضمير الوطن
فاطربي بلقيس في الأجداث يا اروى وغني

في قصيدة ( بنت اليمن ) كتبها الشاعر على لسان كل إمرأة يمنية تتطلع لمستقبل زاهر ، متفاخرةً بأمجاد المرأة اليمنية علي مر العصور إبتداءً بالمكلة بلقيس وسبأ ، وأروى ومؤكدة أنها ستعيد أمجاد وحضارة تاريخ أجدادها ، وأنها سوف تضاهي بتاريخنا الناصع والعريق كل حضارات الدنيا ولن تجد لحضارة اليمن أي منافس أو منازع ، ثم ينتقل شاعرنا إلى العصر الحديث مؤكداً على لسان بنت اليمن تفاخرها بشهداء ثوراتها ، والذين تساقطوا من أجل عزة اليمن ، وسيادتها على كامل اراضيها ، ولم ينس شاعرنا ان يعطينا درساً في الولاء الوطني فيقول على لسان بنت اليمن ان سقوط الابطال على الارض كان من أجل تقبيل الأرض واحتضانها ، والتي جاء فيها :

أنا بنت بلقيس اليمن
أضاهي به الأفق في كل فن
فكم من شهيد تغنى به
وأقسم اما حياة الكرام

أعيد لمأرب تاريخه
وأعدو سماه ومريخه
وضم التراب بتقبيله
وإما مماتاً لتخليده

في قصيدة هيامة الصُرَّاب :
كتبها ابو ماهر بعد طوافه مع الاستاذ أيوب طارش لعدة محافظات منها إب وحجة بغرض جمع التراث الشعبي الغنائي حيث يقول أبو ماهر :
«وجدنا لحنين خاصين بالحصاد فرأينا جمعهما بأغنية واحدة لأن التلوين يزيد من القابلية لدى الناس ، فكتبت القصيدة وغناها أيوب» .
وفي هذه القصيدة يرشد الشاعر الاجيال المتعاقبة للاهتمام بالارض وفلاحتها حيث يرى ان دخن اليمن له رائحة الشذى وهو كالحب ما أحلاه وما أروعه مخاطبا جيل الشباب ألاّ ينسى مرعى البقر والشاه (رؤوس الجبال ، المخالف والوديان والسوائل ) وأن الذي ينسى ارضه فإننا كمجتمع نلفظه بمعنى أننا لانحبه ولانهواه ، ولقد وصل حب الوطن في شعر أبي ماهر بأن جعل شرط الاقتران بين الرجل والمرأة حب كل منهما للأرض لقول الشاعر:
واللي نسى ارضه والله أنا ماشاه
وهذا لعمري من أسمى صور الولاء الوطني والتي جاء فيها :
دخن اليمن مااشذاه
ياجيل لاتنساه
واللي نسى ارضه
الارض ياعشاق
وماؤها الرقراق
وتربها من ذاق
والحب ماأسماه
مرعى البقر والشاه
والله أنا ماشاه
هي جنة المشتاق
يداوي الاحراق
يهذب الاخلاق

في قصيدة ريشة النصر :
كتبها في ذكرى ثورة سبتمبر ورغم تعرضه للسجن في اواخر الستينيات نتيجة ظلم السياسة ، ورغم ذلك لم يدب اليأس إلى قلبه بل راح يصوِّر ويصوغ آيات خالدة في حب الوطن والتي جاء فيها:
هي ذكرى نقشت صورتها في كل ناظر
قصة ألّفها الشعب لترويها الخواطر
يابلادي لك هامي ينحني
سوف آتي ثائرا من كفني

ريشة النصر وغنتها الحناجر
مارد للموت شادِ يمني اللحن ثائر
لك أحيا وإذا ناديتني
بعد موتي لصراع المحن

في قصيدة نشوة العمّار :
يخاطب الشاعر الوطن الغالي كونه مصدر دفئه وظِلاله وهو ساكن خيال شاعرنا وحنايا قلبه حبا وهياما وهو نديم الشاعر في حِله وترحاله فليس غريبا أن يسكن كل حواسه والأجمل من ذلك ان يكون الوطن بسهوله وجباله محرابه الدائم ، ولقد قرن الشاعر حب الوطن بالعبادات الدينية حيث جعل حب الوطن كعبادة الصوم ( ركن من أركان الإسلام ) ، والتي جاء فيها :
قلبي فيك هايم يادفئي وظلالي
يامحرابي الدايم ياسهلي وجبالي
حب الوطن كالصوم واجب
جنات بعدان المدارب

ياذيّة المنادم ياساكن خيالي
ياشعب المكارم يامجدي وجلالي
قبلوا جنات إب
والمحاجين في علب

في قصيدة شبابة الساقية :
في هذه السمفونية الرائعة ربط فيها شاعرنا بين حب الانسان للأرض وحبه لتوأم روحه المرأة فكلاهما يؤدي إلى الآخر.
يؤكد ذلك الباحث محيي الدين سعيد في قوله : “ إن حب تراب الوطن يؤدي إلى حب المرأة والعكس صحيح ، بل يذهب شاعرنا إلى التأكيد ان حب التراب هو مصدر الحب في كل اشكاله وأن الحب المتولد بين الأحبه ماهو إلا انعكاس من حبهم للأرض ، ولم ينس أن يربط بين جيل الشباب وحضارتهم القديمة حيث يحفزهم على غرس ارض حميّر ونشوان ويخاطب ارضه الطيبة انها ابتسامة الحب في كل جيل من الاجيال المتعاقبة وكون المرأة هي المدرسة الأولى لكل بني البشر لذا شدد أبو ماهر عليها في الاهتمام بتراب الأرض والتي جاء فيها :
ياطيور اسجعي وادي العدين بُنهُ أزهر
ياشباب البكر الجد بالخير بشر
شبابة الساقية في ظل وادي بنا
والبن والزرع والدردوش قد ضمنا
ارضي انا ياابتسام الحب في كل جيل

ياغصون إركعي فوق التراب حبنا أكبر
حان غرس الشجر هيا اغرسوا ارض حميَر
هناك اعطى التراب الحب خلي وأنا
وأصبح الحب في دنيا المحبة لنا
يا أرض نشوان ياتاريخ شعبي الاصيل

في قصيدة زغاريد الغيول :
صاغها شاعرنا في سبعينيات القرن الماضي في ظل انتشار حرس الحدود(المصطنعة ) بين الشطرين سابقاً ، فكان لايجرؤ الفرد حتى ان يحدث بالتفكير بزيارة اهله في الشطرالآخر خوفا من جهازي الأمن الوطني وأمن الدولة حيث تمنى شاعرنا ان يكون طيرا لايخضع لإشارات المرور ولا حرس الحدود حتي ينزل عدن فجراً يتنقل فيها حيثما شاء ولايسأله أحد إلى أين ؟ من تزور؟ أين التصريح ؟ وأيضا تمنى شاعرنا أن يعود من عدن بنفس اليوم بمعنى ان ينام في قرية حجور محافظة حجة ، حتى لايتعرض للتحقيق من قبل جهاز الأمن الوطني ، فكانت هذه القصيدة الرائعة والتي لحنها أيوب طارش رسالة حملها الشاعر والفنان من ابنا الشعب اليمني التواقين للوحدة والاتحاد إلى بعض السياسيين والقادة الذين كان البعض منهم يرى في قرارة نفسه استحالة اعادة تحقيق وحدة اليمن لتأتي هذه الاغنية ، والتي لاقت رواجا وانتشارا كبيرا على مستوى الشطرين معلنة ً للدنيا ان يوم اعادة تحقيق وحدة اليمن قادم لا محالة والتي جاء فيها :
ياحب- حبي زراعة
مدوا الايادي جماعة
هبت رياح المواسم محلاك محلى المباسم
شوار محلى شوار الأرض محلى حلاك
وأفدي خدودك و زارع أرضنا نا فداك

زرع الشجر يا أهل لاعة
من الجند لا جُماعة
يا أبن الجبال والتهايم أفديك والخير دايم
أفدي جهود وساقي زرع وادي بناك
هواك اهواه بالله ضمني في هواك

ياليت وأنا طير مايحمل مرور
شنزل عدن فجر وشمسي في حجور
محد يقل لي علومك والطيور
ولا يسائل إلينه من تزور
يوم كنت جاهل تجرعت الامر
من غاب قالوا عدت شلت نفر
واليوم شبيت وعلمني البصر
أن اليمن واحد بحرا وبر

شلال وادينا شل العقول
وشلَ [لبين ] زغاريد الغيول
وحدة بلادي فغني ياحقول
غني لها عانقيها ياسبول

غنيت انا رأس عيبان الصمود
للأرض للشعب وللوحدة الخلود
وابصرت ردفان يحلف مايعود
لا الشعب شعبين ولانقبل حدود

زر الذهاب إلى الأعلى