[esi views ttl="1"]

حبر إيراني على ورق عربي

عملت إيران خلال سنوات طويلة على مخاطبة الجمهور العربي بلغته، ووظفت إمكانات هائلة لذلك الغرض، وقد حرص صانع السياسة الإعلامية في طهران على مخاطبة هذا الجمهور بالصوت والصورة والحرف. وقد نجحت هذه السياسة نسبياً – في العديد من المحاور.

ومن ذلك أن كتبة إيران المخلصين من العرب أو لنقل "عرب إيران" في كل من بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء وبعض العواصم الخليجية، هؤلاء نجحوا في تقديم إيران على أنها أولاً: النموذج الإسلامي الذي يحتذى، وثانياً أنها مركز جبهة المقاومة، وأن جيوشها هي الجيوش التي ستحرر القدس بعد أن وصلت إلى بغداد. بالطبع كان ذلك كله قبل أن تنهار أكذوبة المقاومين الجدد، الذين جعلوا المقاومة طائفية خاصة بهم، وجردوا الآخر من شرفها، ليتسنى لهم في ما بعد تخوينه وشيطنته، وجعله في صف إسرائيل تمهيداً لاغتياله مادياً، بعد أن تم اغتياله معنوياً وهذا هو البرنامج الذي يجري اليوم تنفيذه على أرض العراق وسوريا، وفي جبال اليمن الشمالية.

فحين تعلن إيران عن استعدادها لدعم حكومة نوري المالكي في حربه ضد محور المقاومة الحقيقي للوجود الأمريكي في غرب العراق، تحت مسمى محاربة "داعش"، التي شاركت المخابرات الإيرانية والسورية في صناعتها، فإن المقاومة التي تعنيها، ويروج لها كتبتها في الصحف العربية، لا تعني أكثر من ضرب مقاومي النفوذ الإيراني في المنطقة، بعد انفضاح المقاومة الإيرانية في لبنان بعد أن ولت إسرائيل ظهرها ويممت شطر السوريين تعمل فيهم آلتها قتلاً وتشريداً.

والغريب أن خبر استعداد إيران لدعم المالكي عسكرياً قبل يومين تزامن مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حول دعم أمريكا للمالكي في حربه على الإرهاب، وتسليم العراق صواريخ متطورة لهذا الغرض.

كتب أحد "عرب إيران" ذات مرة إن العرب مخيرون بين جمال نجاد أو خنازير بوش، وأن رعي جمال نجاد أنبل للعرب من تتبع خنازير بوش في تكساس. لا يخفى بالطبع خطل هذا المنطق الذي ينصرف إلى تقرير أن العرب مجرد مجموعة من الرعاة، ليس لهم إلا أن يختاروا بين رعي "الجمل الإيراني أو الخنزير الأمريكي"، في حمأة الصراع بين "فارس والروم".

نعم المشروع العربي غائب منذ فترة ليست بالوجيزة، وإخفاقات النظام الرسمي العربي، جمَّلت نظام الملالي في عيون بعض الذين لا يدركون حقيقة الأطماع الإيرانية في المنطقة، لكن العرب لا يمكنهم على أية حال أن يحصروا بين خيارين يخرجان من مرعى واحد، وإن ترآى لنا أنهما مرعيان.

ومن أهم المنافذ التي نفذت من خلالها إيران إلى قلب النسيج الاجتماعي والديني العربي، منفذ "القضية الفلسطينية"، التي ركبتها إيران مستفيدة من خبرات الأنظمة الرسمية العربية في تزويق الشعارات، ولبس الشال الفلسطيني الشهير، ومنذ أن ركب المعممون في إيران "حصان القدس′، استطاعوا دخول أسوار المدن العربية باسم فلسطين، في حين أن جندياً إيرانياً واحداً لم يقتل في سبيلها، وأن حروب إيران منذ أن دخلها الإسلام، وإلى اليوم، كانت كلها، وبلا استثناء ضد المسلمين، وهذه حقائق تاريخية على من يريد دحضها أن يغيب عقله ويستمع للجوقة الإعلامية الإيرانية المتمثلة في أكثر من ثلاثين محطة تلفزيون إيرانية المحتوى عربية اللسان، ناهيك عن عدد ضخم من كتبة إيران في صحافتنا العربية. لقد كسبت إيران من رفعها الشعار الكاذب عن تحرير فلسطين وموت أمريكا وإسرائيل أضعاف ما خسرته، وهي حقيقة لم تخسر شيئاً في سبيل فلسطين اللهم إلا المخصصات المالية التي تصرف بسخاء على عربها، وألسنتهم وأقلامهم في الإعلام العربي، وغيرهم من مليشياتها التي تدين لها بالولاء في لبنان والعراق واليمن وسوريا.

لا يحدثني أحد عن القصة الممجوجة عن حزب الله الذي حارب إسرائيل، وانتصر عليها، لسبب بسيط وهو أنه لم ينتصر عليها، بل انتصر على لبنان، ثم إنه حين حارب إسرائيل وحين هادنها، فإنه إنما كان في كل مرة يخوض معارك طهران، لا معارك القدس، وعندما حولت طهران موجتها، توجهت جحافل "السيد المقاوم" شمالاً باتجاه الثورة السورية التي ينظر معممو طهران إلى أن القتال فيها مقدم على القتال ضد إسرائيل، لأن "التكفيريين والإرهابيين" أشد خطراً من "أمريكا وإسرائيل" حسب تعبيرات بعض هؤلاء المتخمين طائفية سياسية في ثوب ديني.

الحقيقة أن طهران وجوقتها الإعلامية الناطقة والكاتبة بالعربية، قد أحست بتغير المزاج العربي العام تجاهها، بعد أن كشفت حقيقتها ثورة السوريين التي يحاولون اليوم إظهارها على أنها مجموعة من الأفعال الطائشة تقوم بها عناصر "تكفيرية وهابية" تمثلهم "داعش" التي يعرف القاصي والداني، أن قياداتها عاشت وتدربت في طهران، وعلى يد النظام السوري في سوريا ولبنان، وأنهم هم من يمول هذه المجموعة المريبة التي قدمت للنظام السوري طوق النجاة الذي كان يحلم به، بعد أن كانت جحافل الثوار تقترب من القصر الجمهوري في دمشق، إلى أن جاءت "داعش" لتجعل الغرب وبعض العرب يحجمون عن دعم ثورة الشعب السوري بحجة وجود القاعدة في صف الثوار، قبل أن تنكشف "داعش" بدورها بعد أن توقفت عن قتال النظام السوري وانسحبت من مناطق واسعة في الشمال، ليتمكن نظام الأسد من تسلمها، وتتفرغ هي لمحاربة الجيش السوري الحر.

واليوم يقوم عرب إيران بإيعاز منها بمحاولة شيطنة محور المقاومة الحقيقي وتخويف العالم منه، في كل من العراق وسوريا، وذلك باستهداف المناطق التي كانت حاضنة للمقاومة العراقية التي أجبرت أمريكا على الرحيل من العراق، وكذا باستهداف المحاضن الشعبية للثورة السورية الكبرى في سوريا، واستهداف القبائل اليمنية في شمال البلاد عن طريق المخلب الإيراني في اليمن في ثوبه الحوثي. ومن طرائف الأمر أن الحوثيين الذين ألحقوا أنفسهم مؤخراً بمحور الممانعة، والذين يهتفون كل يوم بالشعار الإيراني "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل" يشبهون كذلك مراجعهم في طهران، في أنهم لم يستهدفوا الوجود الأمريكي في البلاد برصاصة واحدة، وحين تحلق "الدرون" الأمريكية، فإنها تمر على مناطقهم بسلام، قبل أن تمطر صواريخها على قيادات القاعدة، التي تعرف أمريكا أنهم الأعداء الحقيقيون، حتى وهم لا يهتفون "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل".

لا أحد ينفي بالطبع- وجود القاعدة في سوريا والعراق واليمن، لكن الشيء الذي يجهد "عرب إيران" نفوسهم في سبيل طمسه تتمثل في أن القاعدة المعاصرة على الأقل – منتج سوري إيراني، لأن النظامين في دمشق وطهران هما المستفيدان من أفعال القاعدة في العراق وسوريا وغيرهما من البلدان العربية التي تضع إيران، أو تحاول أن تضع يدها عليها.
إيران تسكب المزيد من حبرها على الورق العربي، لكي تغطي على المزيد من الدم العربي الذي تسفكه كل يوم في البلاد العربية التي ابتليت بمليشياتها، موظفة جهازاً إعلامياً ضخماً لهذا الغرض، وقد كذب هذا الجهاز كثيراً غير مدرك أن أحداً "لا يستطيع خداع كل الناس كل الوقت".

أذكر أنني كنت مرة ضيفاً على إحدى الفضائيات، في برنامج عن التدخل الإيراني في اليمن، وكان معي من الجهة الأخرى أحد "عرب إيران" في بيروت، وأذكر أنه استشاط غضباً، وراح يكيل التهم والسب للعرب بشكل عنصري مقيت، (مع افتراض كونه عربياً)، وذلك لأنني قلت تعليقاً على سيل من الأكاذيب الإيرانية التي روج لها إن "الإيرانيين يكذبون كما يتنفسون"، وإنهم "يكذبون بلسان عربي مبين".

كاتب يمني من أسرة "القدس العربي"

زر الذهاب إلى الأعلى