[esi views ttl="1"]

الخليج العربي وحوارات سياسية في مسقط

(1)
كنت في عمان بموجب دعوة كريمة من النادي الثقافي العماني للحديث عن حال الخليج العربي على هامش معرض الكتاب، كان حديثي عن حال الخليج قبل إعصار سحب السفراء من الدوحة بيوم واحد (نص المحاضرة سيكون على اليوتيوب) لم تكن توقعاتي بعيدة عما حدث إلى الحد الذي جعل موظف دبلوماسي في إحدى السفارات الخليجية قوله لي في اليوم التالي: "محاضرتك كانت توحي بأنك تعلم بما سيحدث" قلت الوقائع تشير إلى ذلك لكني لم أتوقع غياب الحكمة بهذه الكيفية.
(2)
في صالون معرض الكتاب المجاور للمعرض التقيت بثلة من المشتغلين بالهم الخليجي سالت إخواننا من عمان ماذا أصابكم من حراك ربيع عمان؟
أجاب البعض وأمّن البعض الآخر بالقول: نحمد الله أننا لم نصل إلى ما وصل إليه إخواننا في بلاد الشام أو ليبيا أو مصر أو تونس وحتى جوارنا اليمني. صحيح إنه حدث بعض مصادمات في اليوم الأول والثاني من ربيعنا العماني بين المتظاهرين ورجال الأمن، ولكن حكمة القيادة السياسية العليا تدخلت على عجل، وراحت تبحث عن الأسباب والمسببات ومطالب الناس، وأسرعت في الاستجابة للمطالب، فأطاحت برموز الفساد الذين كانوا يعشعشون في الديوان السلطاني، وأطاحت بالفاسدين والمفسدين من وزراء ومديرين وكبار الموظفين وأطاحت بجوقة الديوان السلطاني الذين كانوا يعملون على تغييب جلالة السلطان عن مطالب الشعب. لقد حققنا إنجازات كبيرة من أهمها أن جلالة السلطان سمع صوتنا وتعرف على مطالبنا واستجاب لمعظمها من بينها أن يكون مجلس الشورى منتخبا وله حق التشريع والرقابة، وتفعيل الضمان الاجتماعي والإسراع في القضاء على البطالة. المقنعة والسافرة، قد لا نكون بلغنا ما نصبوا إليه لكن العقبة الكؤود قد دُكت ومهدت الطرق للوصول إلى تحقيق ما نصبوا إليه دون خلل في تركيبة هرم القيادة.

في تعقيب من أحد المشاركين في تلك الجلسة قال "كان ينظر إلى الإنسان العماني بأنه غير ناضج، ومع الأسف إن فريق الفساد المحيط بالقيادة العليا كانوا يوهمونها بذلك وراحوا يعاملون المواطن على ذلك الأساس، لقد نزع الشباب العماني عمامة الخوف عن رؤوسهم ورفعوا أصواتهم وزلزلت أقدامهم وصيحاتهم الأرض فأطاحت بالمفسدين والفاسدين وفرقة تغييب السلطان عن مطالب مواطنيه.
(3)
في أرض المعرض وفي ركن "مركز دراسات الوحدة العربية" جمهرة من الشباب العماني التقينا بلا موعد، ودار حوار عما جرى على الساحة الخليجية، سحب سفراء، تهديدات بالتصعيد ضد قطر فماذا جرى؟ قال أحد الإخوة العمانيين، مجلس التعاون قام عام 1981 بهدف التنسيق فيما يحيط بهم بغية الوصول إلى الوحدة لمواجهة الأخطار في ذلك العهد، منها الثورة الإيرانية، الاحتلال السوفيتي لا أفغانستان، والحرب العراقية الإيرانية واجتياح إسرائيل للبنان ثم جاءت الدعوة في هذا القرن الحادي والعشرين من الملك عبد الله آل سعود إلى اتحاد دول الخليج لمواجهة أخطار تحيط بالخليج، الربيع العربي في سورية والعراق واليمن ومصر وكذلك عمان ومشروع التسلح النووي الإيراني والتقارب الأمريكي الإيراني، واليوم يتسابقون للقطيعة مع قطر التي أيدت الاتحاد. نحن في عمان عرفنا الأهداف لهذه الفكرة فرفضناها سرا وعلانية ونشكر حكومتنا على ما فعلت رغم أننا من أنصار وحدة دول الخليج. قال آخر: نحن نعرف أن الهجوم على قطر وسحب السفراء بسبب موقف قطر من الانقلاب في مصر ومحطة الجزيرة واستضافة بعض الإخوان المسلمين أليس كذلك؟
أجبت يبدو هكذا. ولكن أليست دولة قطر دولة ذات سيادة لها حق أن تصادق من يصادقها وتعادي من يعاديها؟ أليس من حق دولة قطر أن تستضيف على ترابها من يستجير بها كغيرها من الدول الخليجية، إن المملكة العربية السعودية كانت ملجأ لكل من استجار بها "وشعارهم دائما ارحموا عزيز قوم ذل" وهذا يعبر عن أصالة وكرم القيادة السياسة السعودية. لقد استضافت المملكة قيادات سياسية عراقية وسورية ومصرية ويمنية في كل الأزمنة وحتى اليوم وكان آخر ضيوفها الرئيس السابق لتونس زين العابدين وغيره من قيادات أقطار أخرى، وهذا حقها ولا تسأل عن أسباب قرارها. وهذه دولة الإمارات العربية المتحدة استضافة معارضين عراقيين وسوريين وقيادات يمنية ومصرية وفلسطينية وكان آخر ضيوفها الجنرال أحمد شفيق المرشح لرئاسة الجمهورية في مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك، ومحمد دحلان من فلسطين المفصول من قيادة فتح والمتهم بالتنسيق مع إسرائيل للحيلولة محل محمود عباس، وقال السيد أحمد شفيق قولا منكرا لا يجوز قوله ضد قطر وقياداتها وبالاسم وفي وسائل إعلام رسمية، ولم تحتج قطر ولم تلجأ إلى استدعاء سفرائها حتى للتشاور تعبيرا عن الاحتجاج.
صاح أحد الإخوة المتحولقين في رحاب ركن "مركز دراسات الوحدة العربية" وماذا تقول عن القرضاوي؟ قلت: القرضاوي خطيب جمعة ورئيس اتحاد علماء المسلمين ويتناول في خطبه قضايا الأمة الإسلامية في كل القارات، وقد قال قولا في خطبته ينتقد سياسة القيادة السياسية في دولة خليجية في بعض القضايا السياسية، وكان نقده في خطبة واحدة قاسيا، وهذا النوع من النقد نرفضه ولا نقره، ولكن هل يرقى ذلك النقد إلى درجة سحب السفراء؟ أسوق مثالا أخطر من كلمات خطيب جمعة، أمريكا ثبت رسميا تجسسها وتنصتها على التليفونات الرسمية والخاصة على قادة وزعماء غربيين حلفاء لأمريكا، واحتج أولئك الزعماء على تجسس الحكومة الأمريكية عليهم لكنهم لم يقطعوا علاقاتهم أو سحب سفرائهم من أمريكا. أليست عملية التجسس والتنصت على الهواتف للزعماء أبلغ وأخطر من خطيب كنيسة أو مسجد؟
(4)
أما احتجاج بعض الزعماء العرب على محطة الجزيرة وما تورده من أخبار مدعمة بالصور وتاريخ الأحداث في مقدمة كل الصور الجماهيرية سواء في مصر أو سورية ا العراق أو اليمن فماذا يغضب أهلنا وقادتنا في الخليج في تلك الأخبار، وماذا عن محطة العربية أنها منتشرة ومسموعة في كل الدنيا وتورد أخبارا وتجري مقابلات مثل الجزيرة، الفرق أن الجزيرة في مقابلاتها وبرامجها الحوارية تأتي بالأطراف المختلفة ويتحاورون سلميا على الشاشة أمام العالم والعالم يحكم على صحة قول كل قائل، وكذلك العربية في بعض الأحيان، الجزيرة لم تهاجم حاكما خليجيا ولم تحرض على نظام خليجي فلماذا العداء والكراهية لنا. قياداتنا دائما في خلاف مع بعضهم البعض كل أماني المواطن الخليجي ألا يمتد خلاف القادة إلى معادات المواطنين في هذه الدول والمساس بحريتهم البناءة.
آخر القول: حديث يطول ربما أعود إليه في يوم آخر مالم تتطور الأحداث في الخليج.

زر الذهاب إلى الأعلى