من الأرشيف

عَشرية التعليم

كم تمنيت لو أن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء منذ أيام ليكون العام الجديد 2015م، عاماً للتعليم قد ارتبط بتوضيح يثبت أن هذا العام سيكون بداية لعشرية كاملة إذ لا يكفي عام واحد ولا مجموعة أعوام لتطوير التعليم ورفع مستوى المناهج لتواكب مستواها في أقرب الدول العربية إلينا جغرافياً، وحتى لو رافق هذا العام القدر المطلوب من الاهتمام المقرون بالتنفيذ والمتابعة والإشراف الدقيق، فلا أقل من عشر سنوات يتمكن خلالها هذا المرفق من استعادة عافيته ومن مواكبته لأحدث أساليب التعليم في العالم المتقدم. وبلادنا –إذا ما خرجت من المأزق الراهن- بحاجة إلى أكثر من عَشرية في التعليم، وعشرية في الاقتصاد، وعشرية في إعادة الثقة بالدولة بعد أن هبطت إلى الحضيض.

ويحضرني هنا ما تحدث به وكتبه السيد مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق عن أن الفضل فيما وصلت إليه بلاده يعود إلى الخطة الناجحة التي اتخذها في مجال التعليم واستمرت عشر سنوات تم خلالها إعداد القيادات والكوادر الوظيفية المدربة التي تحملت مسؤولية النهوض بالبلاد. ونحن لسنا بدعاً عن سائر الشعوب، وبلادنا التي صبرت عشرات السنين لن يضيرها أن تنتظر سنوات أخرى حتى تظهر من بين أبنائها قيادات واعية وخبيرة تغيّر من الأوضاع القائمة على الفوضى والسلبية. وهنا ينبغي التنبه إلى أن إعداد الجيل الجديد لا يتوقف على اختيار المدرس الكفء ولا على نوع المنهج وطريقة تدريسه فقط بل يتوقف قبل ذلك على رعاية الطالب صحياً وغذائياً وضرورة إعادة الوجبة الغذائية التي كانت تقدم للتلاميذ والطلاب في مدارسهم كل يوم، ويلاحظ أن هؤلاء يعانون الآن من الهزال وسوء التغذية. وكلما مررت بجوار واحدة من المدارس الثانوية في وقت الاستراحة أصابني اكتئاب شديد حين أرى الطلاب الميسورين يتناولون " السندوتشات" والشاي أو المشروبات الغازية وزملاؤهم الفقراء ينظرون إليهم من بعيد!!

وقد علمت من أكثر من جهة أن التغذية التي تقدمها المنظمات الدولية لم تنقطع وأنه يتم بيعها من التجار والتصرف بها - كما يقال- لصالح الوزارة. وثقتي التي بلا حدود بوزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور عبداللطيف حيدر الذي أعرفه جيداً وأعرف دوره في حقل التعليم العام في دولة الإمارات العربية بالإضافة إلى تدريسه في جامعة أبو ظبي.

صحيح أن الإمكانات هناك واسعة ولكننا نستطيع بالقليل المتاح أن نحقق بعض ما نحلم به إذا ما توفر الإخلاص وتوفرت الإرادة . ومايثير الأسى أن بلادنا تتراجع في حقل التعليم وبسرعة الصوت فقد كان التعليم في السبعينيات أفضل من الثمانينيات ، وهو في الثمانينيات أفضل منه في التسعينيات ، وهو الآن على درجة من الضعف غير المسبوق، ويستوي في ذلك التعليم العام والتعليم الجامعي. وكأن لعنة ما حاقت بهذا البلد حتى يصبح التراجع جزءاً لا يتجزأ من حياته على أكثر من صعيد.

ولا أرى ما يمنع -والحديث عن التعليم وعَشريته القادمة- أن أنقل إلى القارئ سطوراً من رسالة وصلتني منذ أيام من صديق يقوم بزيارة إلى المملكة المتحدة (بريطانيا) وفيها إشارات بالغة الأهمية إلى دور المدرسة في إعداد الإنسان وإلى مستوى التعليم وأهميته هناك وإلى واقعه في بلادنا تقول تلك السطور: " ما تبادر إلى ذهني منذ سنوات كحقيقة جوهرية لا فرار منها وهو أن المدرسة في حياة البشرية المعاصرة هي الأصل ، وكل ما عداها هو فرعي وثانوي وأقل أهمية. فهي - أي المدرسة- الأدب والرسم والفن والأخلاق والفيزياء، هي الموسيقى والرياضيات والهندسة والتربية والسلوك، هي المطاعم والنوادي، والأديان والمسرح والصحة والفلسفة والجمال وكرة القدم... إلخ . أفكر وأتساءل ماذا لو كانت كل جهود المفكرين العرب وجحافل السياسيين والحداثيين توجهت خلال العقود الأخيرة للتعليم والمدرسة هل كنا حينها سنظل إلى ما وصلنا إليه؟ وأستغرب كثيراً كيف اهتمت هذه القوى بالسلطة وتركت التعليم عبر عقود طويلة".

ويختم الصديق رسالته بفقرة صارخة جاء فيها: " لا السياسة ولا الجيوش ولا الكتابة أو حتى الصراخ قادرة على فعل شيء... لم يعد سوى التعليم قادر على أن يشكّل مخرجاً لنا كشعب وكأمة من مستنقع الموت التي قفزنا فيه".

ولا أجد ما أقوله أو اكتبه تعقيباً على هذه الرسالة الموجعة والصارخة سوى أن أضم صوتي إلى صوت كاتبها على أمل أن يصل صوتنا المشترك إلى عدد من السياسيين الفاعلين والمخلصين لمساندة رئاسة الوزراء في الإقدام على تنفيذ مشروع طموح في هذا الحقل الذي ينبت المبدعين والمخترعين وحملة مشاعل التغيير بفهم واقتدار ووعي معرفي وإدراك حقيقي لما تتطلبه البلاد وترى في مرآته الواقعية مستقبلها السعيد المنشود.

الأستاذ ثابت القوطاري محققاً للرسالة المفيدة:
يتضمن الكتاب الذي تولى تحقيقه الأستاذ ثابت القوطاري شرحاً دقيقاً ومفصلاً لقصيدة ابن سينا التي وصفها البعض بالملغزة وشغلت الباحثين والقراء بما حملته من رؤى فلسفية وروحية وللكتاب مقدمتان أولاهما للأستاذ الدكتور حميد العواضي والأخرى للأستاذ المحقق. والكتاب صادر عن مؤسسة الهمداني الثقافية ويقع في 120 صفحة.

تأملات شعرية:
في البدء
كان الحرف والكتابْ.
وكانت "أقرأ"
الفاتحةَ الأولى
وفي آياتها فصل من الخطابْ.
كيف أضعنا جوهر الدين
وأمسكنا قشوره
فكان أن أسلمنا الجهل بهِ
من الخراب للخرابْ.

زر الذهاب إلى الأعلى