[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

لماذا المملكة؟

د. محمد شداد يكتب: لماذا المملكة؟


لم تُرسِّخ دولة عبر تاريخ الدول والكيانات السياسية المستقلة -قديماً وحديثاً- أقدامها دون عوائق وقيود، وبعملٍ جادٍ وصادق لمواجهة نوائب الدهر المتمثلة في غوائل الطبيعة ومخالب الظلم والاستبداد وإقرار العدل كالمملكة العربية السعودية، ومواجهة المخاطر التي قد تكون إما داخلية أو خارجية، كون المجتمعات البشرية جُبِلتْ على التنافس والصراع الدائم والمتجدد على السيادة لتحقيق النفوذ الاقتصادي والتأثير السياسي.
وعليه يأتي استهداف المملكة عبر الوسائل الإعلامية المختلفة لأنها مستقلة القرار الذي يتمتع بالطابع السيادي والحضور المشهود، في محيطٍ إقليمي ودولي متعدد القدرات والطموحات والأهواء، ولأن المملكة كانت ولازالت تعشق البناء والتطوير وفقاً لشراكات دولية اقتصادية وسياسية متكافئة وكسرت الأيادي التي سُمِّرتْ أعينها باتجاه ثرواتها التي حباها الله بها وميزها عن باقي الشعوب، إضافة إلى الموارد والثروات الطبيعية البرية والبحرية التي تفي بحاجتها وطموحات شعبها البنيوية والصناعية والإنفاق على ما تملكه من أجهزة حكومية مدنية وعسكرية.
لقد كانت المملكة ولازالت النموذج الأبرز في ترسيخ قيم الدولة المدنية الحديثة التي تُشكِّل طابعاً ثقافياً عربياً وإسلامياً مشتركاً للجميع، ورفضت العيش في شخصية نمطية سياسية واقتصادية منفردة، عبر سياساتها الاقتصادية والسياسية الدولية الوازنة الداعية للاستقلال وملكية القرار السياسي الحازم الرافض للتبعية والارتهان.
لإدراكها الواعي أنه يستحيل تحقيق السيادة الوطنية والاستقرار التنموي والاقتصادي في أجواء يسودها الاضطرابات واستقرار الدول المحيطة بها من كل من جانب، كما أشار "الملك سلمان بن عبدالعزيز " في سياق توجيهاته وخطاباته غير مرة، التي وضع فيها خطوط وعناوين أسست لنظريات سياسية واقتصادية فكرية وحقوقية تستحق السَّبْر والدراسة الحقيقية والبحث المتعمق، لأنه أكد على تجاوز مرحلة التنافس السياسي الإقليمي إلى بناء استراتيجيات سياسية دولية تضمن السيادة والاستقلال للجميع بشكلٍ متكافئ وفقاً للمعايير الدبلوماسية ومبادئ القانون الدولي.
كما أن المملكة كانت ولا زالت المثال الأسمى في محيطها الإقليمي وبين جيرانها من الدول الخليجية وغيرها من الدول ذات الثقل الاقتصادي الدولي الكبير، حيث كانت ولا تزال رائدة الأعمال الخيرية والإنسانية عبر مركز الملك سلمان للإغاثات الدولية فكانت يداه "يدان، يدٌ تعطي وأخرى إذا ما ظن بالزاد تنفق" وحضناً دافئاً للدعوات التصالحية لاحتواء الخلافات والقيام بدور التوسط في نزع فتيل الصراعات بين الدول، والبناء التنموي الأفقي والرأسي على أسس علمية ودراسات بحثية ميدانية حديثة.
واستناداً إلى رؤية المملكة ملكاً وولي عهدها أكدت على مبدأ "توطيد السلم والأمن الدوليَّين، عن طريق تشجيع فضّ النزاعات الدولية بالطرق السلمية" فقد استضافت المملكة الكثير من المؤتمرات التوفيقية بين أطرف الصراعات الداخلية والإقليمية منها التوفيق بين أطراف الصراع اللبنانية عام أطول محادثات سياسية في تاريخ الصراعات القائمة والتوسط في حل النزاعات بين الأطراف المتحاربة في اليمن، ولبنان، والسودان على سبيل المثال لا الحصر، وأياً كانت النتائج التي تمخضت عنها فالمساعدات الإنسانية المادية الغير مشروطة والمساعي الحميدة والمبادرات ذات النوايا الصادقة للمملكة في حلحلة قضايا الأمن والسلم الدوليين، هي القوة العصرية الناعمة والقيمة الإنسانية والدولية الثابتة، والتي يجب الوقوف عندها مقارنة بمن حولها من القادرين على لعب أدوار مشابهة، إلا أن الإرادات عزائم وهبات إلهية يهبها الرب لمن يشاء ولا تؤخذ جزافاً.
نحت المملكة السعودية في تأثيرها الملحوظ مستعينةً بحضورها السياسي ومكنتها الاقتصادية الطبيعية والصناعية والاستثمارية الداخلية والخارجية، وقامت على دواعم سياسية فكرية علمية وبحثية دقيقة من قادتها وشعبها المتخصصين في كل مجال، إذ استطاعت استشراف المستقبل في بناء الدولة المدنية الحديثة والارتقاء بالدور السعودي على كل الصُعُد، وسَمتْ بها تباعاً إلى مصاف الدول المتقدمة، لأنها تجاوزت علمياً وعملياً النظرة التقليدية الجامدة لمناحي الحياة المختلفة.
وعليه فقد انحازت التوجهات القومية والإسلامية في أوساط الشعوب العربية والأجنبية إلى صف دولة المملكة الإنسانية في تحالفاتها، لما لمسته من علامات فارقة في سياق سياساتها المستقلة عن القيود الإقليمية والدولية فكانت مثلاً ظاهراً ومتفوقاً في تطور العلاقات الدولية، الأمر الذي أسس لقاعدة صلبة من الصعود السياسي الخارجي، والبناء الحيوي الداخلي.
حتى أصبحت مهوى العلماء والباحثين عن الحق وقبلة الحاجين إلى مكارم القيم الانسانية والأخلاق العربية والإسلامية، وظلاً وارفاً للأعمال الخيرية ومهواً آمناً للعمل والانتاج فكانت وستظل حديقتهم الغناء وقطب رحاهم الثابت، حتى فَسَرَ البعض خطأً دعمها الإنساني للحقوق وانعتاق الشعوب بالحرص على عملية التوسع والنفوذ، تفسيراً جانب الصواب حقيقةً ومعنى، إذ أنه لم تعزها الحاجة الاقتصادية للتوسع البراجماتي للهيمنة على ثروات الغير ولا المساحة مترامية الأطراف لأنها مستكفِية بمواردها الاقتصادية الغنية وحضورها السياسي الإيجابي الذي يستغني بداهةً عن أطماع فرض التوسع والنفوذ.
كل ذلك ساعد المملكة على تخطي العقبات في أزمانها المختلفة، بل مكّنها من تغيير مسارها نحو الأفضل، فكان لها فتحاً جديداً وأُفُقاً واسعاً في بناء العلاقات السياسية والاقتصادية بعيدة المدى أمَنَتْ من خلالها الطاقة للعديد من اللاعبين الدوليين الذين بات لديهم الاستقرار والأمن السعودي ضرورة يجب الحفاظ عليهما، لاستمرار المصالح واستقرارها، وكذا التحالفات العسكرية الحامية للأمن والدفاع المشترك والاعتماد على الذات في انتاج المواد الضرورية الدوائية والغذائية المحلية التي حررت السوق ووفرت احتياج المواطن واستغنت عن استيراد الكثير من الخارج، فعززت الثقة بين الشعب وقيادته بشكل أدق وأعمق، وكل ما ذكرناه هنا ليس إلا تقريراً لحقائق ثابتة موجودة على الأرض غير قابلة للتغيير، ولن يلغيها عداء البعض أو التجاهل لما حققته تحت أي ظرف.

عناوين قد تهمك:

زر الذهاب إلى الأعلى